أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

المستقبلية وهوّة الحداثة وخيبة الواقع التاريخي

مجلة الفنون المسرحية

المستقبلية وهوّة الحداثة وخيبة الواقع التاريخي

د. عماد هادي الخفاجي - المدى 

 لم يكن إطلاق وعد الحداثة الطوبائي نزوة معرفية أو مغامرة فلسفية بقدر ما كان لحظة تاريخية بادراك العوز والافتقار إلى واقع مستقبلي يتجاوز عالم الطاعون وإرث القرون الوسطى المميت, فما جاء في خطاب (فرانسيس بيكون) الانكليزي بإخضاع العالم للعقل وأصداء ذلك الخطاب المنعكس في فرنسا بتقديم الذات العاقلة إلى مقام القداسة والسمو معياراً للوجود الذي طرحه الكوجيتو الديكارتي (أنا أفكر إذن أنا موجود).

تلك الأصداء التي زلزلت مملكة القرون الوسطى وفتحت النوافذ إلى عصر الإنسان المفكر الموجِد الخالق في عصر التنوير لتشكل لحظة تاريخية هي لحظة الضرورة القصوى لتصور عالم الإنسان المستقبلي فكانت المحاولات الأولى لبرمجة المجتمعات والمدن عبر تكنولوجيا المدينة ماكينة عملاقة للعيش بالتصميم الهندسي والنسب العلمية للشوارع والأحياء والحارات والمؤسسات والتي معها تم هندسة سلوك المجتمعات وإخضاعها لقوانين الأتمتة غير إن معطيات ذلك المشروع الحداثي لم تكن نواتج سهلة متحققة بما افترضه الخطاب الطوبائي بالحداثة فقد عانى طوال قرون من التخبط ما بين المشاريع الإنسانية للرومانسية والواقعية العلمية التي بقت تدور في حيز فهم التجربة الإنسانية والسيطرة عليها لخلق العالم الإنساني الأمثل ثم الارتداد الكبير في مشروع الرمزية التصوفي الغيبي ثم مشروع التعبيرية بخطاب الفجيعة الإنساني وتكريسه لموقف صدمي اتجه هو الآخر اتجاهاً أخلاقياً وإنسانيا بينما جاءت التكعيبية بمشروعها كبداية لتصحيح مسار المشروع الحداثي لخلق عالم المستقبل ومغادرة التراث الإنساني المميت بتكريسها مبدأ العقل والنسبية والتعدد اللانهائي للمنظورات بما أخرج الفكرة عن إطار الواحدية الذي مثل طابع التفكير الإنساني كل تلك المشاريع كانت هي محاولة في تجسير الهوة الميتافيزيقية ما بين الإنسان وعالمه والتي بقيت مشاريع قاصرة وعاجزة عن التحقق ان لم تكن مستحيلة فانفصال الإنسان عن عالمه هو قدر وجودي ولا يمكن انسنة العالم بانتفاء دور المغايرة في صراع الوجود الخلاق لذا جاءت بيانات (مارنيتي) المبشرة بالمستقبل وحتمية واقع القوى والقدرة كقيم خلق وإبداع خارج معيار الثنائيات الأخلاقية التي أسس لها الإنسان وركن إليها في تدعيم مفهوماته وتقييس نشاطه البشري في عالمه فالمستقبلية تطرح زمنها ليس ماضياً رومانسياً ولا انا واقعياً ولا زمناً سرّانياً رمزياً ولكن تطرح زمن المستقبل القادم كمشروع في طور التحقق والتشكل حيث تتسيد القوانين وقيم الفعل لأجل الفعل والدافعية لتوافر القدرة والقوة الخلاقة الموجِدة كحقيقة مطلقة وبذلك تُجسر تلك الهوة ما بين الإنسان وعالمه ليس بأنسنة العالم ولكن بطرح مفهوم الآلة الكونية الهائلة التي يمتد فيها الإنسان المستقبلي ويندمج فيها ويتشكل من مادتها ويكون مركز حدوسها الكونية فلا يعود ذلك الكائن بشريا إنسانيا ولكن كائنا كلي القدرة تام الملكات متصلا بكلية العالم ومتحققا فيه خارج عوامل الضعف الإنسانية والبايلوجيا البشرية وبهذا المنظور سيشهد المستقبل العالم بوصفه آلة من الكمال تحتوي الإنسان مندمجا فيها خارج إنسانيته قويا قادرا مكتف بذاته محققا لإرادته فينحل الفن الإنساني المترع بعناصر الضعف البشري والمتصل بتراث الطفولة البدائية بالجنس البشري حيث تمركزت في المتاحف والمكتبات والتي لا بد من إغراقها وهدمها وإحراقها وقد دعت المستقبلية لينخلق واقع الإنسان الكائن الكوني المستقبلي والشعر الذي سينحل وسيصبح صوت الماكينة أجمل شعر والذي هو فيض التكنولوجيا الذي تسبغه على العالم الماكينة وخلق قيم جمالية لا إنسانية عمادها القدرة والقوة والاندفاع والتعدد والتزامن التي سترسم في ذلك الواقع المستقبلي أجمل ماكينة كونية حدثت وامتدت في العالم.

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption