أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 20 مايو 2018

مرتجلة 11 ستنبر (11 أيلول)تأليف : تأليف محمد خشلة

مجلة الفنون المسرحية


مرتجلة 11 ستنبر (11 أيلول)تأليف : تأليف محمد خشلة

النفس الأول

عند فتح الستار يظهر المعطي وهو يرتدي لباس لاصق للتعبير الجسدي ، يتمرن على بعض الحركات التعبيرية . يعيد نفس الحركات عدة مرات . تظهر راضية عند باب المدخل الى حين أن ينتبه إليها المعطي ، ترتدي لباسا حريريا يضفي على تقاطيع جسدها الرشيق وعلى وجهها الفاتن تألقا محزنا .
في الجدار الخلفي يوجد بابان متقاربان، أحدهما يؤدي الى الخارج والآخر الى غرفة النوم بين البابين توجد شاشة ضخمة تعكس الحركات التي يتدرب عليها المعطي ، كما توجد صور مختلفة للعربي ولممثلين عالميين بملابس التمثيل .                                                                                                                                                           راضية ـ صباح الخير ... كعادتك تتمرن قبل الذهاب للمدرسة ...
المعطي ـ العربي  يقول...إن التمارين الجسدية يستحسن أن تكون صباحا ... ( وقفة )
راضية ـ بصراحة أنا غبية في المسرح بعض الشيء ... ربما لا أمتلك مخيلة جيدة لادراك
       علاقة هذه الحركات بمحتوى المسرحية ...
المعطي ـ مثلي ... أنا كذلك لا أستطيع ادراك المتعة التي تنتشين بها طوال التصاقك
       بالتلسكوب ... تتطلعين الى السماء ... ( وقفة ) أنت جميلة هذا الصباح ... كل شيء
       فيك يومض بوميض المحبة ...
راضية ـ أنت دائما تخجلني بهذه الكلمات الحلوة...                                                    المعطي ـ أنالا أقول سوى الحقيقة... هذا الصباح مثلا ... جئت لزيارة العربي وأنت بأكثر التبرج إغراء ...
راضية ـ المعطي ... أرجوك ... الذي يستمع اليك ... يقول أنك حتما تغازلني ...
المعطي ـ أنا أمدح خطيبة صديقي ... والذي هو بمقام أخ لي ... ماذا أعمل وأنا أرى كل هذا
       السحر في عينيك ... في يديك ... في وجهك ...
راضية ـ شكرا ... شكرا ... قلي يا المعطي أنت الشخص الوحيد الذي لازالت تربطه بالعربي           علاقة حميمية من دون أصدقاء الطفولة والشباب ... ولاسيما بعد الحادث المؤلم الذي ألم به ... ( وقفة ) تعلم أنني أسعى جاهدة للتخفيف عن العربي ... ولكن بحكم             تكويننا الأكاديمي المتناقض ... لا أستطيع مجاراته في أحاديثه الطويلة عن المسرح ... والتي هي عزيزة على قلبه ... ويرتاح اليها من دون باقي المواضيع الأخرى ..
المعطي ـ إن كل ما أعرفه في مجال المسرح ... أنا مدين به الى العربي ... عند ما كان                   معافى وحتى في الظروف العصيبة التي يمر بها الآن ...
راضية ـ عندما يكون العربي في حالة نفسية مستقرة ... يريد أن يتحدث معي في مواضيع
       تخص المسرح ... وكما تعلم أن تعليمنا لا يهتم بهذا المجال ... فأنا لا أختزل في
       ذاكرتي أي شيء عن المسرح ... فأشعر بكثير من الحرج ... عندما لا أستطيع
       مشاركته في الحديث ... وكأنني أتكلم مع مخلوق من كوكب آخر ...
المعطي ـ ( هازئا ) أنا موجود ... ماذا تريدين أن تعرفي عن المسرح ؟..
راضية ـ شريطة ألا تتكلم مثل العربي ... وأن تبسط الأمور ما أمكن ... ( وفقة ) فهلا                     تحدثنا عن المسرح ريثما يستيقظ ... هل مازال العربي نائما ؟..
المعطي ـ لا ... نهض مبكرا ... وأخد حماما كعادته ...
راضية ـ بالماء البارد ؟...
المعطي ـ طبعا ... وتناول كعادته فطورا خفيفا ... وقدم لي بعض النصائح الاخراجية ...                 وعاد إلى حجرته وهو يردد كعادته عدة أبيات من الشعر ...ومقاطع من مسرحيات متعددة وبصوته الجميل غنى ... ( وقفة ) أما عن تثقيفك في المسرح              فمن الصعب جدا أن أفيدك أنا ... ان لم تستطيعي أن تستفيدي أنت من الموسوعة العلمية التي يحمل العربي بداخله ...
راضية ـ العربي غالبا ما يتكلم بلغة جد مبهمة  كثيرا ... لا أستطيع أن أستشف منها أي         شيء ولكن عندما يكون صافي المزاج ـ وهذا نادر جدا ـ فانني ألتقط بعض                    المفاهيم ...
المعطي ـ لأن الأمية الفنية التي تعانين منها عميقة جدا ... وأنا لست مأهلا لكي ألقنك                   أبجديات الفن المسرحي ...
راضية ـ حاول أرجوك ... اذا كنت فعلا تحب العربي ... وترغب في شفائه ... ( وقفة ) في             هذه الآونة الأخيرة فهو كثير الهديان عن الخطاب المسرحي ... وعلاقته بالعقل
          والمشاعر و ...
المعطي ـ لأنه مشغول حاليا بالعمل الفني الذي نشتغل عليه معا ... فالخطاب المسرحي                 حسب فهمي ... هو نوع من التعبير الفني ... يتوخى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ... في اطارمتعة جماعية تحصل أثناء حالة                 التمسرح ... داخل الفضاء الذي نسميه الركح أو خشبة المسرح ...
راضية ـ يمكن أن أفهم ذلك بحكم محادتثه الطويلة هذه الأيام في هذا الموضوع ... ولكن              الذي يربكني هو كلامه عن الخطاب المسرحي ... وعندما يردفه بالخطاب الحضاري ...
المعطي ـ العربي ليس مثقفا في المسرح وحسب ... ولكنه انسان عالم في المسرح ...                   وأغلب المسرحيين في بلادنا لا يتوفرون على تجربته ولا على علمه ... فأغلبهم يقف عند المستوى الاجتماعي والسياسي للمسرح ... باعتباره وسيلة لاثارة                  بعض المطالب النقابية أو الدفاع عن اديولوجية معينة ... ولكن العربي يرى في المسرح أكبر بكثير من هذا ... لأن الفن عامة أكبر من هذه الاشكاليات الصغيرة ..
  1. راضية ـ هذا الذي لا استطيع أن أستسيغه في حديث العربي   
المعطي ـ لست وحدك ... هذا الخطاب الذي يتبناه العربي ... يستعصى فهمه على كثير من              الناس فالمسرح بالنسبة له هو تجاوز للتجاوز ... لا يمكن أن يختصر في توجه ضيق ... وتحجر فكري ... ينبغي أن يكون للمسرح توق لإدراك المطلق                         والمجهول ... شريطة أن يرتبط بالدفاع عن القضايا الكبيرة المعقدة التي يعيشها الإنسان المعاصر اليوم ...لأننا نعيش عصرا مضطربا ... الانسان فيه قلق ...     ممزق ... يعيش تناقضات فكرية وهزات نفسية عنيفة ... لأنه في بحثه عن تحقيق ذاته يتعرض لحواجز وعوائق تشده إلى الخلف ... لتفرغه وتجتثه من إنسانيته ... فهنالك قضايا الحرية والتحرر والقيم الحضارية والعلاقات الانسانية               ... والتحديات المصيرية التي تهدد في بعض الحالات وجوده في الكون ... وهذا التطوري التكنولوجي الرهيب الذي أضحى يقود مصير البشرية إلى المجهول ... إن هي لم تكبح جناحه ... هذه القضايا ينبغي أن يأخدها المسرح على عاتقه ويخوض فيها من خلال منطق الفنان ... فالفنان له مشروع واحد ...              الإنسان بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد... ولا ينبغي للفنان أن يقتصرعلى جانب ضيق مما يمكن للمسرح أن يستوعبه ... كأن يغرق في السياسة مثلا ... وانما يجب أن تكون السياسة جزءا من تكوين المسرح ...
راضية ـ الفرق بينك وبين العربي هو أنك تتكلم بهدوء وبرصانة ووضوح ... والعربي                  يتكلم بتشنج وقلق ... ويتطرق الى عدة مواضيع في آن واحد ... ( وقفة ) ولكن هذا الذي تتكلم عنه ... صعب المنال بالنسبة الى جمهور من الفصيلة التي أنتمي             إليها أنا ...( وقفة ) كيف يمكن أن تسمو بهذا الجمهور الى مستوى هذا المسرح بدل أن تماشيه في مستوى تذوقه وإدراكه ...
المعطي ـ الجواب الذي من الممكن أن يجيبك به العربي هو كالتالي : أنا أرى أن هذا الطرح
           مغلوط بالأساس ... ليس هناك عملية نزول وصعود ... وإنما هناك علاقة جدلية
           صحيحة ... أو غياب لهذه العلاقة ... فاذا غابت هذه العلاقة غاب التفاعل                       والتواصل ... وإذا وجدت هذه العلاقة وجد المسرح ... وأضيف لتوضيح هذه الفكرة وأقول : يوجد المسرح بأطرافه الثلاثة الأساسية ـ الفنان ، الفضاء                        والمتفرج ـ فإذا كان الفنان يعيش مواطنته بعمق وتجدر وتأصل ومعاصرة ... يعيش بيئته وكونه ... زمانه وواقعه التاريخي ... في هذه الحالة يكون خطابه التعبيري ـ الجمالي في علاقة عضوية مع من يتوجه إليهم بذلك الخطاب في ذلك              الوقت ... وفي ذلك المكان بالتحديد ... ومن هنا يتجاوز المكان والزمان ليعانق في حواره الإنسان أينما كان على مر العصور ...لأن خطابه يأخذ البعد الحضاري ويتجاوز حدود المكان ويقهر الزمان بالصمود أمامه.
راضية ـ تعني مثلما كان الشأن بالنسبة لعباقرةالمسرح على مر العصور ...
المعطي ـ بالضبط ... لأن الفن ليس شيئا يمكن تحديده ... أو تأطيره ... أو قسره ... أو                 حصره في بيئة معينة أو اقليم ... أو فترة زمنية ... انه الامتداد العميق الذي يخاطب الوجدان والعقل والروح في الانسان ...
راضية ـ أنا أرى أنه من الصعب اليوم أن يجد الفنان مواضيع بهذه المواصفات ثتير اهتمام
          المتفرج ...                                                                                       المعطي ـ يجب على الفنان أن يستمد مادته المسرحية من الحياة ... من الواقع المعاش
        بجميع أبعاده ... فمعايشة الواقع وسبر أغواره هي الكفيلة بمده بعناصر الخطاب
        المسرحي ... سواء كانت أسطورية جغرافية خيالية ... أم واقعية مادية طبيعية ...
        أم يومية آنية ظرفية ... أم ثاريخية وثائقية ...
راضية ـ المعطي ... بدأت أفقد التركيز لمجاراتك أنت أيضا ... ( وقفة ) كيف لمعايشة                  الواقع أن تمد الفنان بعناصر الخطاب هاته ؟...
المعطي ـ هذه العناصر يمكن أن يجدها الفنان في الموروث الشعبي ... يمكن أن يجدها في
        صحيفة يومية ... كما يمكن أن يجدها في قضية من القضاية التي تشغل بال الناس .
           باعتبار أن للإنسان إشكاليات وقضايا وهموم ...وطموحات وآمال ... ومآسي                   ورغبات وتطلعات مستقبلية ... فكل ما يعبر عن هذه الاهتمامات والمشاغل نحن مسكونون به في الواقع ... ليس سياسيا أو اجتماعيا فقط ... انما نحن مسكونون             به مسرحيا ـ أي جماليا ـ وحضاريا ... فما بالك بالعالم الافتراضي الذي أخد يحتوي هذا الواقع ويبتلعه ...
راضية ـ مند مدة وأنا أحاول أن أركز معك ... وأكابر في مجادلتك ... ولكن حديثك أتخمني
           وهذه هي طبيعة المكابدة التي أعاني مع العربي ...
المعطي ـ  مادمت تعرفين مكمن الداء ... فاني أنصحك بالمضي في الاهتمام والاطلاع ...                فبعد مضي وقت ليس بالقصير سوف يمكنك مجادلة العربي بكل عزم وقوة ...واسمحي لي بالعودة للتدريب ( تقوم راضية بإشارة السماح ، ويعود المعطي               إلى التمرين . بعد مدة يتوقف بجانب راضية ) السنوات السبع في أمريكا ... وتلك الكارثة المروعة التي حلت به حولته الى كائن غريب .
راضية ـ ترى هل سيشفى ... ويرجع كما كان انسان رائعا ؟..
المعطي ـ ( يتحدث مع راضية وهو يقوم بحركاته التعبيرية ) هكذا تقول تقارير الأطباء
        الأمريكان الذين عالجوه هناك ... وكذلك تقارير الأخصائيين هنا ...
راضية ـ يا ليت ... لكن متى ؟ متى ؟
المعطي ـ الزمن ... الزمن فقط علاجه الحقيقي ... هكذا تقول التقارير ...
راضية ـ ( بحزن ) الزمن ... هذا الزمن الذي يجري و يجري ... ماذا يثرك وراءه لنا ؟..
المعطي ـ ليجري ... ليجري ... مثل الحصان الجامح ... فالعربي ذات يشد رسنه قليلا ...
راضية ـ أريده ولو لشهر واحد وهو بكامل عافيته ...
المعطي ـ لقد كانت اصابته عنيفة عقليا ... وجسديا ... وروحيا ...( وقفة ) ورغم اضطرابه
       الفكري الشديد أحيانا ... فهو ... حمدا لله انسان معافى ... جم النشاط لديه حيوية
       فائرة ... وحب حقيقي لكل ما هو جميل ... ولديه شهية لا بأس بها للعمل ... على
       أي فهو حي ...
راضية ـ نعم حي ... وميت في نفس الوقت ... حي معنا  ... وميت بالنسبة للآخرين ...
المعطي ـ لكل انسان قدره ... انه يا راضية يحتاج إلى عناية رحيمة منك ومني ومن كل                 أقربائه . بل منك بالذات ليرجع كما كان ( يبتعد عنها ) لاتنسي العناية الرحيمة ...
راضية ـ لن يجد عندي سوى العناية الرحيمة ... والحب ... أنت تعرف أنني لم أعرف رجلا
         غير العربي في حياتي ... فهو ماضي وحاضري ... في صغره كان وديعا ... رقيقا             ... حساسا خجولا ... انطوائيا ...يكره الكذب ...  المعطي ـ أعرف ... أعرف ...وهو جدير بحبك الآن ... والدته المرحومة كانت تقول ... انه         مند صغره كان وديعا ... رقيقا ... حساسا خجولا ... انطوائيا ... يكره الكذب ...
راضية ـ أعرف ... لقد عايشته سنوات قبل سفره الى أمريكا لدراسة المسرح ... أعرف كم
        هو مهذب ... وذو حس رائع ... وكم هو نقي وطاهر ... أعرف أدق مشاعره ...
       أعرف عفة نفسه ... تصور يا المعطي ... قبل سفره بليلة واحدة كنا معا لوحدنا ...
       رجوته أن يقبلني قبلة بريئة واحدة رفض ...( بصوت حزين ) عندما أتذكر زمن
       الوشائج الجميلة التي كانت تشدنا ببعض ... وأراه الآن ... ( تبكي بصوت خافت )
المعطي ـ الوشائج أقوى الآن ...
راضية ـ طبعا ... هل انتابته حالة ... البارحة ؟..
المعطي ـ ثلاث مرات ... لكنها كانت قصيرة ... ياالهي ...انها حالات مثل الصرع ... لايمكن
       حزرها ... أبدا ... فترات الصرع تطول ... قد تأتي مرة واحدة في الشهر ... أما حالته
راضية ـ ( تبكي بصمت ) كم يكون حزينا عندما يبدأ الصراع المضطرب في ذهنه ... وجهه
         يفقد ملامحه المتناسقة ... ويصبح كل شيء في ذلك الوجه أشبه بقناع ... ( تبكي )
          لماذا يا ربي ... ماذا فعل ليعاني بهذه الطريقة المؤلمة ... ( وقفة ) كم مضى على
         عودته ؟..                                                                                         المعطي ـ 6 أشهر ... الحزن يا راضية لا يفيد ... لنسلم أمرنا للزمن ... هذا الساحر الذي   يعرف كيف يشفي عذابات الجميع ... ( وقفة ) خديه هذا اليوم الى الخرج ... هواء الربيع حتما سيثير عنده الانتعاش واللذة في المشي ...
راضية ـ   لكنني أخشى أن ...
المعطي ـ  أن ماذا ؟..
راضية ـ  أخدته قبل أسبوع لنتجول قليلا ... ولنحضر عرضا مسرحيا ... اضطرب بعد                   العرض وتقبض وجهه ... وأصبح شاحبا مسحوبا من شدة الانفعال ... وأخذت سيارة أجرة وجئت به فورا إلى البيت ...
المعطي ـ هل سمع شيئا ؟..
راضية ـ لا...بل ... لاأعرف ... لاأستطيع تحرزمتى يضطرب ...
المعطي ـ ماذا فعل في البيت ؟..
راضية ـ غيرت له ملابسه ... وهو يتكلم ... يتكلم عن المسرح بتلك الطريقة اللامنطقية                و أخذته إلى السرير ونام نوما عميقا ... كمن كان يعاني من ارهاق شديد ...
المعطي ـ يحدث ... لاعليك ياعزيزتي ... ان الطرق لمعرفة مشاعره وأفكاره مغلقة حاليا ...
راضية ـ إلى متى ؟..
المعطي ـ لفترة ... لفترة ياعزيزتي ... ( وهو يتدرب ) انظري الى صوره تلك ...كان في
          السادسة عشرة ... ( يقترب من الصور ) كان يقلد حتى ذلك الرائع الذي لا يقلد...
راضية ـ من؟..
المعطي ـ ( يقلد شبلين ) شبلين ... كنا جميعا نروح في ضحك طويل ... وكان يغري بعض
           الأصدقاء بالتمثيل معه ... كانوا عديمي الموهبة ... كانوا يرددون الحوار ببغائية             ... كان يرتجل بتلقائية مذهلة ... كان حبه للمسرح كبير ...
راضية ـ والآن ... بعد أن حصل على الماجستير في الاخراج ... قتلوا كل أحلامه ... فقد كل
           شيء... لا تستطيع بلده أن تستفيد من علمه ... ولا حتى الجمهور أن يستمتع                 بفنه .
المعطي ـ لا لم يفقد أي شيء ... سوف يمتع الجمهور بفنه لامحالة ... بحكم الصداقة                    المتينة التي تربطني به ... فاني أحاول أن تضل صلته بالمسرح مثينة ... لازلنا نشتغل كما الحال قبل ذهابه الى أمريكا ... ( يحاول تغيير الموضوع  ) راضية بالمناسبة ... كيف ولماذا اخترت دراسة علوم الفضاء ؟.. ( مازحا ) عالمة فضاء مع عالم مسرح ؟ أي تناقض ؟ ..                                             راضية ـ كنت أخشى الفضاء ... أخشاه خشيتي من الأفعى ... من منا في كل الأعمار لم ينظر.. ويتأمل السماء في الليالي ... من منا لم تنتابه الدهشة والحيرة ؟ ..من النجوم والنيازك وهي تسقط ؟... وتلك الحكايات الخرافية عن سقوطها؟ ... كنت              في فترة مراهقتي أنظر إلى السماء ... وأستمع في ليالي الصيف الى طير ضل سربه وهو يطلق صوتا حزينا ... وأراقب النجوم وأفكر بالحكايات الخرافية عن النيازك وأبكي بكاء حارا ... ( وقفة ) في الإعدادية أصبح الفضاء أكثر غرابة ... وإثارة ... وفضولا وتلك البرامج التلفزيونية الأجنبية عن الفضاء ... وتخصص            والدي في الفيزياء ... وقصص الخيال العلمي عن الفضاء سحرتني ... وذهبت الى فرنسا لدراسة علوم الفضاء ... ( وقفة ) المعطي لو تقف خلف التلسكوب وتنظر إلى السماء الامتناهية ... إلى زحل والمشتري والمريخ و... والجموعات الجميلة من النجوم البعيدة ... البعيدة جدا عنا ...
المعطي ـ( يرتاح لاندماجها في الحذيث ) حثما عالم رائع ...
راضية ـ جدا ... جدا ..اسمع ... هل تعتقد أن زحل مثلا وهو الكوكب العملاق الثاني في  
         مجموعتنا الشمسية ... يوجد فيه عوض الأكسجين  غاز الأمونياك ...
المعطي ـ ماذا ؟ غاز ... الأمونيا... كيف ؟...
راضية ـ كيف ؟.. في حالة متجمدة تغطي المواد الصخرية ...( وقفة ) أتعرف ما لون زحل؟
المعطي ـ طبعا ...
راضية ـ ( تتكلم بحرارة أكثر ) كيف تتصوه مثلا ؟..
المعطي ـ مثل بقية النجوم ...
راضية ـ ها ها ها ها ... مستحيل ... هذا اللون الذي تراه هواللون العادي ... لو رأيت زحل
       بواسطة تلسكوب ... أتعرف ماذا ترى ؟..
المعطي ـ ( بتعجب ) ماذا ؟..
راضية ـ أولا يبدو باللون الأصفر ... ثم أخضر في بعض المناطق ... وأحمر وردي في                  مناطق أخرى ... اضافة الى ظاهرة مثيرة على سطحه ... حيث يبدو لون قطبه الموالي للشمس أعمق من القطب الآخرالأكثر لمعانا ...
المعطي ـ ( يطلق ضحكة لا ارادية ، وتشاركه في ضحكة حلوة ) الهي ... ما هذه الألوان ؟.
راضية ـ ( بنفس الحرارة ) انها فعلا تشكيلة من الألوان الساحرة ... ثم ان زحل يميزه عن
            بقية الكواكب وجود النظام الحلقي الذي يحيط به ...
المعطي ـ ( ملاطفا اياها وبتعجب ) وما معنا النظام الحلقي ؟...
راضية ـ حلقات منتظمة ... موازية لخطه الاستوائي ... وذات لون رمادي محمر ...
المعطي ـ ( يقلد راضية ) لون رمادي محمر ... حسن ... وما ذا تفعل هذه الحلقات ؟...
راضية ـ لا يعرف عنها العلماء بعد الشيء الكثير ... هكذا هو زحل ... الحلقة ( أ ) لونها                رمادي ... وعرضها 10000 ميل ... والحلقة الوسطى وعرضها 16000 ميل ... وهي أكثر الحلقات لمعانا ( باندماج ) وتدعى الحلقة اللامعة ... آه يا المعطي فقط             لو تراها ؟...
المعطي ـ من أين جاءت هذه الحلقات ؟..
راضية ـ أجسام صلبة ناتجة عن تهشم التوابع بسبب تصادمها ... حلقات تتكون من ملايين
           المواد الصلبة ممزوجة بالأتربة الكونية ...
المعطي ـ ( ضاحكا ) كل هذا الكلام ونحن في زحل ... ( يضحكان ، صمت بينما يعود                    المعطي إلى التدريب . بعد برهة يقترب من راضية ) هل تحتاجين كل هذه المعلومات في عملك ؟...
راضية ـ تعلم انني كنت اريد أن ألتحق بالعربي في أمريكا ... لقد قام بكل الاجراءات اللازمة            لكي ألتحق بأحد المراكز الفضائية هناك ... لكي أشتغل ... وأتمم دراستي ... والكثير من الأبحاث التي كنت أنوي القيام بها ... لكن كارثة 11 شتمبر ... وعودة           العربي الكارتية إلى الوطن ... وجدت نفسي مرغمة على قبول وظيفة في مصلحة النظافة ببلدية المدينة ( يسمع صوت العربي وهو يغني أحد الأغاني الشبابية الرائجة حاليا ... عندما يتوقف الغناء  )
المعطي ـ يعشق الموسيقى العربية بجميع أنواعها ...
راضية ـ صوته جميل ...
المعطي   ـ جدا ...
صوت العربي ـ ( وكأنه يخاطب شخصا )
              ـ أنت متخادل
              ـ أعرف
              ـ وخنوع
              ـ جدا
              ـ ولا تملك من أمر نفسك شيئا
              ـ أبدا
              ـ وأنت تتلدد بالألم والادلال
              ـ انني باختصار انسان ضعيف
              ـ جدا ... لكنني لا أحتقر ضعفي أبدا ...
              ـ لماذا ؟
              ـ الضعف قدري ... وأنا بصراحة لا أستطيع أن أعيش خارج حدود شخصيتي
              ـ ها ها ها ها ... لديك اسهال قوي في قول الحقيقة ...
        ( ينقطع صوت العربي ، راضية والمعطي يتكلمان بصوت هامس )
راضية ـ هل يقرأ في نص مسرحي ؟..
المعطي ـ ( يفتح الباب المؤدي الى غرفة نوم العربي بهدوء ، ثم يعيد غلقها كذلك ) لا ...               انه مستلق يحدق في المرآة ويكلم نفسه...
راضية ـ يكلم نفسه ؟..
المعطي ـ أحيانا يكون مخمورا بغضبه ... آه .. الخيالات تهوي عليه مثل الصاعقة ...
راضية ـ أعرف ... الهي ... كم يكون حزينا عندما يرددعبارات مثل تلك التي رددها الآن .
المعطي ـ لا تيأسي ... سيرجع كما كان ... سيخرج من دوامة اضطرابه ...
راضية ـ ( يائسة ) سيرجع ... سيرجع كما كان ؟...
المعطي ـ لديه إرادة لا بأس بها ...
راضية ـ نعم ... ترى ماذا كان يقصد بتلك الكلمات التي رددها وكأنه يخاطب انسانا ؟...
المعطي ـ لم أنتبه اليها ... انه يتكلم طوال المساء والليل ... يردد أبياتا من الشعر ... يغني
       أعتقد أنه قال كلمات عن الخنوع ...
راضية ـ ( تحاول استرجاع عدد من كلمات العربي )
              ـ أنت متخادل
              ـ اعرف
              ـ وخنوع
              ـ جدا
              ـ ولا تملك من أمر نفسك شيئا                    
           ( وقفة ) لأول مرة أسمع مثل هذه الكلمات
المعطي ـ فعلا ...
راضية ـ ( بتألم وهي تجفف وجهها ، ويظهر تعبير مرتبك على وجهها ) كلمات تثير                  الحزن والخوف ... ترى من يقصد بهذه الكلمات ؟..
المعطي ـ هو وحده يعرف ... العربي مثقف متعدد المواهب ... رأسه مليئ بالأفكار ...                  ( وقفة ) وبسبب حالته الصعبة تهيمن عليه ...أفكار كثيرة ... ويروح عقله ووجدانه في اضطراب ... هذه حقيقته يا راضية ... وعلينا أن نتحمله بصمت ...
راضية ـ لقد أصبح غامضا ...غا ... مضا ... جدا ...
المعطي ـ مجرد أن يسترجع عافيته يرجع شفافا كما كان ...
راضية ـ 6 أشهر مضت على مجيئه وهو يصبح كل يوم أكثر غموضا ...
المعطي ـ لا يا راضية ... لقد كان اضطرابه الفكري مخيفا قبل مجيئه ... هذا ما عرفته من                أصدقائه ... الصدمة كانت مخيفة ... انه الآن أحسن بكثير ... صدقيني انه يتقدم ... يتقدم الى الأحسن ...    
راضية   ـ لم يكلمني سوى مرتين بعاطفة حقيقية ...
المعطي ـ هذا لا يعني أنه لا يحبك ... العاطفة التي كان يكنها لك بعمق ما زالت مخفاة                    بأعماقه ... العربي إنسان نبيل ...
راضية ـ حقا ... مخفات بأعماقه ؟.. يا ليت ...                                                 المعطي ـ يا ليت ... هل تشكين ؟.. انه يلاطفك كثيرا خلال الأسبوع الأخير ... انه يمسك لك
       شعرك أحيانا ... ويزداد حبا عندما يراك ... قبل أيام رأيته كان يريد أن يقبلك ...وأنت
       ترسمين ابتسامة ناعسة على وجهك ... العربي لن يحب أحدا سواك ...
راضية ـ هل كنت تتلص علينا ؟..
المعطي ـ أبدا... أبدا ... رأيتكما بمحض الصدفة من نافدة غرفتي ...( وقفة ) بصراحة                  الطبيب كلفني أن أنقل اليه كل تطور يحدث عليه ...
راضية ـ انه يتقدم ادن ...
المعطي ـ بالمفهوم الطبي نعم ... وأنت لا تلاحظين التقدم ؟..
راضية  ـ ( بحزن ) ألاحظ ... ماذا أقول ... لاأعرف ...
المعطي ـ خطوة ... خطوة ...لاتوجد حلول سحرية في مثل هذه الحالات الصعبة ... يجب أن
           نؤمن بالطب ... وبالزمن ...
راضية ـ ( تبكي ) يالحبيبي المسكين ... الذي لم يحظ بأحلامه الجميلة ...( يسمع    ) صوت العربي ـ أنا جريح انظروا إلي
               بحاجة إلى حيوات كثيرة
              .............................
              أف لمن لم يخرج
              لمن لم يشعر مطلقا بجروح الحياة
              لجريح لم يطمئن في حياته مغتبطا
راضية ـ يا لحبيبي الجريح ... يا لحاجته الى حيوات أكثر ... ( تبكي بصوت خافت بحرارة )
المعطي ـ راضية عزيزتي ... هل بالدموع نعالج مريضنا الحبيب ... ( بلطف ) بدلا من هذه
        الدموع التي لا تفيد ... يجب أن تسمعيه في كل لقاء كلمات بالغة الرقة  والروعة ...
        كلمات كما يقول الشاعر مليئة باللهب ...
راضية ـ ( تتنهد ) وهل تعتقد أنني لا أفعل ... بعد كل هذا الحب العنيف ... أنا مستعدة أن  
        أضحي أكثر من أجله ... ( وقفة ) لكن كلما كلمته في الحب يجيبني مغمغما بشفتين          رخوتين باردتين ... لا يتحمس الا للكلام في مواضيع تهم المسرح ... لا أفهم منها
        شيئا ...
المعطي ـ دعيه يتكلم كما يريد ياعزيزتي ... لديه بقايا إرادة ... يجب أن تقويها ... وأنا أقوم
        بالمثل من جانبي ...راضية... العربي  ليس له أحد يقف الى جانبه ... أبوه مات
        بحسرته ... أخته مشعولة ببيتها وزوجها ... وأنت تعرفين ما أن تدوب الارادة حتى
        تدوب الحياة والانسان معا ... ليقل ما يشاء ... ليتصرف كما يريد ... ليهد ... فقد
        يرتاح نفسيا ...
راضية ـ ( بحزن وبصوت دابل ) وأنت لن تمل يوما من مساندتك لصديقك ؟...
المعطي ـ يا عزيزتي راضية ... لماذا تسأليني سؤالا بديهيا ؟... لكن بالمقارنة مع دورك               فاني أجد دوري صغير جدا ... أنت الأهم ... أنا أقوم بدور زخرفي مقارنة مع دورك ...
راضية ـ (بصوت دامع ) يا للانتظار الطويل ... يا للحياة الرتيبة الباردة التي عشتها وأنا                 أنتظر ...
المعطي ـ هذه لغة بنات أميات ... سادجات يندبن حظهن مثل القرويات ...
راضية ـ أليس من حقي أن أندب حظي ؟...
المعطي ـ حظك ... حظك رائع ... ( مازحا ) عالمك فضاء جميل في حب مع فنان                          مسرحي رائع ... طبعا حظ رائع ...
راضية ـ فنان رائع ... نعم ... لكنه رغما عنه سقط في يأس أسود ...
المعطي ـ يا عزيزتي ... أي يأس أسود ؟... 6 أشهر بعد عودته ... وأنت يائسة ؟...
راضية ـ آآآآآه ...يائسة ...لا لا لا لا ...أرجوك ...
المعطي ـ وأصبحت فزعة ... مضطربة ...
راضية ـ لقد هزتني مصيبته ... الظلم الذي أصابه ... ( وقفة ) لقد عاينت سنوات رتيبة ...
       وعشت علاقات باردة وأنا أدرس بفرسا ... مثل الشاردة أنتظره ... والآن عندما أراه
       على هذا الحال ... آ آه الهي ... ألا يحق لي أن أحزن ... أن أضطرب ... أن أنتفض
       من ألمي ؟... لقد كنت صابرة أكثر مما يجب ... وسأبقى ... المعطي ... لو عاش             العربي مريضا طوال حياته ... صدقني أن حبي له لن يعرف السأم ... إنني أحبه بجنون ...( وقفة ) العربي علمني كيف أحب الحياة ... من أجله أنا مستعد أن أحرق             حياتي وكأنها بلا قيمة ...
المعطي ـ ( برقة ) راضية ... تتكلمين بهذه الحرارة ... وكأنني لا أقدر مشاعرك تجاه                 العربي ... لا لا لا ... ما قلته قبل قليل واضح ونقدره ... ( يمزح ) ما أريد من عالمة الفضاء أن تكون صورة من كوكب عطارد ... وتشكيلة ألوانه ... ومواده الصلبة              الممزوجة بالأتربة الكونية ... ها ها ها ... أقول يا عزيزتي يجب عليك بمهارة المرأة المجربة ... المعتادة على الحنكة والتصرف الكيس ... أي ... مثل السياسي الماهر يجب أن تكوني فنانة في معاملتك ...
راضية ـ أين هو الشيء الذي لم أخاطر بنفسي من أجله ؟..
المعطي ـ أنت فعلا كريمة بتضحياتك ... ( يسمع صوت العربي يكلم نفسه ، ويرددعبارات                 تارة منطقية وأخرى غير منطقية )
صوت العربي ـ مثلما تعرف الجدور اللينة للشجرة كيف تبحث في الأرض عن غدائها ...
       وتمتص العصارة لتنمو ... هكذا حال هذه الانسانة التي تعرف كيف ومتى ولماذا
       ترمي شباكها حولي ....
راضية ـ ( بصوت خافت ) انه يستمع الينا ...
المعطي ـ لا ... ثم ماذا ؟...
راضية ـ ( بخوف ) من يقصد ... أية انسانة ؟... ألا تعتقد أنه يسخر مني ؟... ألا تعتقد بأن             ما قاله جوابا على نصيحتك لي ... كيف يجب أن أتصرف معه ؟...
المعطي ـ يا عزيزتي ... لا لا لا ما هذه الشكوك يا راضية ... ( بصبر ) هذه الكلمات يقولها           بعد واحدة من تلك النوبات التي تنتابه ...
راضية ـ ربما يتصور أنني أرمي شباكي ....
المعطي ـ ها ها ها ...ياخفي الألطاف ... نجنا مما نخاف ... راضية هذه شكوك ...
صوت العربي ـ أنا أحب الجمال ... النضارة والنقاوة ... ولا أتحمل المرارةاليومية ... حتى
        عندما تمر بي حياة قاسية ... فأنا لا أتعمد أوهاما سخيفة ...
راضية ـ ما معنى هذه الكلمات ؟..
المعطي ـ يتكلم بلغة عربية واضحة ... انه يحب الجمال والنضارة والنقاوة ... وهو لا يحب
         أوها ما سخيفة ... انه واضح جدا ... ( وقفة ) الأوهام يا راضية لا تجلب سوى
         الكوارث ... وأنت بصراحة تتوهمين ...
صوت العربي ـ ها ها ها ...انك تدورين حولي ... ماذا تريدين مني ؟... غريب أمرك ... هل
         ستبقين تدورين حولي كما تدور خيول الدارسة حول الدريس ...
راضية ـ ( تنظر إلى المعطي وتبكي بصوت خافت ) انه يطردني ...يطردني ...أ أنا أدور               حوله كما تدور خيول الدريسة حول الدريس ؟... أنا ... أنا ...؟
المعطي ـ ( بلطف ورقة ) راضية ... ماذا حدث لك ... أعرف أن قلب المرأة يرى أكثر من                 عيون عشرة رجال ... أين كياستك ... هذه مجرد كلمات ... انه مريض ...
صوت العربي ـ ها ها ها ...جميل أن يسلم الانسان نفسه الى الأحلام وحتى الأوهام أحيانا ..
       كنت أتصور الحب بسهولة مضحكة ... وكنت أقول أن أية فتاة جميلة ترى شكلي
       الوسيم تأتي متدلهة وتحتضنني قائلة أحبك ...
راضية ـ ما معنى هذا الكلام ؟..
صوت العربي ـ لا لا لا ... أنا فنان ... وأتمسك بهذا الرصيد الذي هو كياني ... وهو الرصيد
       الوحيد الذي يعطي وجودي معناه ...
راضية ـ أسمعت ؟...
صوت العربي ـ أنت على خطأ ... شعرها سواد حبوب البليسان ... شعر يثير قلقا مقدسا ...
       ( صمت قصير ، يغني بعد ذلك أغنية زيديني عشقا لكاظم الساهر )
المعطي ـ اقتنعت الآن ... لاترابط بين الكلمات والأغنية ... وشعر يثير قلقا مقدسا ... انه                يهدي أحيانا ...
راضية ـ يهدي ؟...
المعطي ـ يتكلم كما يريد ... واحيانا بطريقة لايفهمها غيره ...
صوت العربي ـ سمراء ... شهية ... لها أنوثة حقيقية ... وسط جبينها نونة بلون الكهرمان
       وعيون بلون الفحم ... ( بصوت هامس ) تتأبى علي ... تهرب مني ... لكن لا ... ان
       هذا الحاجز الثلجي الذي تضعينه بيني وبينك لا يديبه الا أنا ... أنا ... ( صمت ثم
       يطلق ضحكة قوية مع سيل من الغمغمات ) الأطباء في أمريكا يجيدون استعمال   
       Autoscopic Hallucination ألكلمات الطويلة
         أنا لاارى نفسي غريبا في المرآة ... صحيح أنه أحيانا غريب ومضحك ....



النفس الثاني

بعد صمت طويل يدخل العربي المسرح وهو يحمل ماعونا فيه ثمر ، دقنه بدون حلاقة ، وجهه
حزين ومشوه . يلبس لباسا مسرحيا له علاقة بأمريكا ( مثلا لباس جندي جنوبي إبان الحرب الأمريكية شمال ـ جنوب نهاية القرن 19 ) عندما يرى راضية يضطرب قليلا ، ويقترب منها بخطوات قصيرة ، يبتسم لها ويربث على كتفها وعلى كتف المعطي ، يضع الماعون فوق المائدة . يلاحظ وجود سكين كبير المائدة
العربي ـ ما هذا السكين ؟.. ( يمسك بالسكين وكأنه يريد أن يضرب به أحدا )
المعطي ـ ربما استعملته لحاجة ( ينظر خائفا الى السكين )
العربي ـ ( يلتقط تمرة ويقربها من فم راضية ) كلي ... هذه النعمة العظيمة تجعلك أكثر                جمالا ( يلتفت إلى المعطي ) انظر ياصديقي ... انظر ... شفتاها رقيقتان كجناحي فراشة ... أليس كذلك ... ( يدس التمرة في فم راضية ) كلي يا عزيزتي ... التمر             منشط للعقل والروح ...
راضية ـ كيف حالك يا عزيزي ( وهي تمضغ )
العربي ـ قوي ...( يشير الى صورة الحصان فوق الجدار ) مثل الحصان ... وسعيد جدا ...
       أعيش فترة انشراح لا مثيل لها ...
راضية ـ ( بفرح ) رائع ... يسعدني أنك سعيد هذا الصباح ...
العربي ـ ( يضع تمرة اخرى في فمها ) أنا لا أعرف الكذب ...
راضية ـ أعرف ... دائما فكرة الكذب ... دائما ...
العربي ـ لا أعرف ...
راضية ـ أنت دائما صادق ...
العربي ـ ربما ... لكن من منا لايحمل أفكار حرام ... وكذب ...
راضية ـ كمبدأ ... أنت انسان صادق ولطيف ...
العربي ـ حقا ..
راضية ـ وهل تشك في صدقك ؟... ( وقفة ) ألا تتذكر محاضراتك لي عن حقارة الكذب ...
       وتفاهة الكذاب ... وعدد المسرحيات التي تتناول موضوع الكذب  ...
العربي ـ ذاكرتي متكلسة يا راضية ... لقد كلس النسيان ذاكرتي ...
راضية ـ ذاكرتك رائعة ياحبيبي...
العربي ـ ( يلتفت الى المعطي ) كيف حالك يا المعطي ؟.. أين وصلت مع التداريب ... لكي             تكون فنانا حقيقيا عليك أن تعمل أكثر ... أريني الى أين وصلت بالتعبير الجسدي ... ( يقوم المعطي بتشغيل الموسيقى ثم يصاحبها بالحركات التي كان يتدرب عليها .                ينتهي ، تقوم راضية بالتصفيق بينما يبقى العربي جالسا على كرسي وكأنه مخرج كبير ينظر إلى المعطي الذي لا يتحرك ينتظر ملاحظاته ، ينهض ببطء يقوم بحركات المعطي ببطء شديد وهو ، في نفس الأثناء يبدي بملاحظاته ) نحن ندعو            إلى التفكير هناك أزمة واضحة لاشك ... وهناك دوران في الفراغ ... وهناك استقرار وثبات وسكون ... وبالتالي تقهقر ... هنالك رداءة واضحة ... هناك ترد ... وهناك سقوط واضح ... وعجز فاضح ( وقفة وتفكير ) ما زال ينقصك التدريب        ... الاشتغال كهاو يتطلب وقتا أطول ... ولكن النتيجة تكون أصدق ...
المعطي ـ أنت منشرح فعلا هذا الصباح ... مند مدة طويلة لم تقم بملاحظات عميقة مثل ما             فعلته الآن ...
العربي ـ شكرا ...
المعطي ـ ( يشير إلى راضية ) راضية زهرة دائمة التفتح ...
العربي ـ ( الى راضية ) فعلا ... أنت حزينة ...
راضية ـ أبدا يا عزيزي ... انني سعيدة جدا ... والمعطي  يعرف مبلغ سعادتي ...
العربي ـ آ آ آ ه ...رائع ... اذن كلنا هذا الصباح لدينا فائض فرح ... ها ها ها ها ...
  • راضية ـ ( برقة ) فائض فرح ؟...
العربي ـ أي كلانا هذا الصباح في نقطة الصفر اليونانية ...
راضية ـ ( بتعجب ) ماذا تقصد بالصفر اليونانية ؟...
العربي ـ نقطة الصفر اليونانية ... تعني الرؤية النقية ... الفرح ... الانشراح ... ( يقوم                  بتجسيد نقطة الصفر ، وقفة، بسخرية ) كما تقولين أنت ... الأتربة الكونية ... التراكمات الصخرية الأيونية ... ( يضحكون جميعا ) أليس كذلك ؟..
المعطي ـ اسمحا لي أن أترككما ... وأذهب لتغيير ملابسي ... وقت المدرسة قد حان ...  
        ( مازحا ) أعرف أن لديكما حديث طويل ...
راضية ـ نعم ...
العربي ـ ماذا بك أنت حزينة ...
راضية ـ أنا ... لا ...
العربي ـ ( باضطراب ) انك ...
راضية ـ ( بشيء من الخوف ) انني ماذا يا حبيبي ؟..
العربي ـ ( باضطراب أكثر ) انك أحيانا تتصرفين بطريقة خرقاء ... باضطراب وكأنك غير
        واتقة من نفسك ... كما لو أنك تعانين من أمراض الطفولة ... أو كآبة المراهقة ...
راضية ـ ما هذه الاتهامات يا عزيزي ... لست مضطربة أبدا ... وتصرفاتي طبيعية جدا ...
         وأنني سعيدة هذا الصباح ... وجئت بناء على طلبك ( وقفة ) ومعك يا العربي أنا               دائما مليئة بالفرح وبرغبات كثيرة ...
العربي ـ ورأسك ؟...
راضية ـ ماذا عن رأسي ؟..
العربي ـ هل هو مليء بحجم من الأفكار مثل رأسي ؟..
راضية ـ ( تمزح ) وهل أنا عظيمة مثلك ؟...
العربي ـ ها ها ها ... أنا عظيم ...
راضية ـ أنت فعلا انسان عظيم ...
العربي ـ ( بقوة ) طز ...ظززززز...
راضية ـ الكثير من الأفكار النيرة لا توجد الا في الرؤوس العظيمة ...
العربي ـ ها ها ها ...لا أملك شيئا أقدمه لك سوى حرارة روحي ...
راضية ـ وأنا بدوري أقدس حرارة روحك ...
المعطي ـ ( يظهر بعدما غير ملابسه وهو يحمل محفظة ) سأعود مبكرا هذا المساء ...                 ونتابع التداريب ... حاول أن ترتاح ... وأن تكون في نقطة الصفر اليونانية .
العربي ـ إلى أين ؟..
المعطي ـ إلى المدرسة ...
العربي ـ إلى المدرسة ... أيه يا مقاعد الطفولة والصبا والشباب ... بالمناسبة لازلت تدرس
          الانجليزية ؟..
المعطي ـ لازلت أدرس الأنجليزية ...
العربي ـ آآآه ... وما زلت مستمرا مع تاجر البندقية ؟...
المعطي ـ لازالت دار لقمان على حالها ...
العربي ـ تحياتي ادن لأنطونيو وبسانيو ...                                                        المعطي ـ ها ها ها ...تصل ياعزيزي ...
العربي ـ ولعناتي لذلك اليهودي القدر شيلوك ... ( يضحكون )
المعطي ـ ( وهو يخرج ) تصل يا عزيزي ...
العربي ـ اليهود خنازير لا تعرف الاسترخاء ... في نيويورك تراهم يتدفقون مثل الزنابير
       الهائجة إلى حيث المال في حي منهاتن ... يوم الكارثة لم يحظر معظمهم الى مركز
       التجارة العالمية ... وكأنهم أخدوا خبرا بما سيقع ...
راضية ـ نيويورك ... وعدتني أنك ستكلمني عن دراستك المسرحية بنيويورك ...
العربي ـ ( بدهول ) في المسرح ... هل كنت تذهبين الى المسرح ؟...
راضية ـ لا يوجد في مدينتنا مسرح ... المسارح توجد فقط في البيضاء والرباط ... كنت
       أحضر بعض العروض في دار الشباب ...
العربي ـ ( بدهول أكثر ) بعض العروض ... ( يثوثر) أثناء العرض هل كنت تبقين مشدودة
       الى كرسيك حتى النهاية ؟...
راضية ـ إذا كان العرض جيدا ...
العربي ـ بماذا كنت تشعرين وأنت تغادرين عرضا جيدا ؟...
راضية ـ كنت أشعر بعاطفة غامضة ... بفرح ... أحيانا بألم ... لا أعرف ...
العربي ـ هذا ما يطلق عليه أهل العلم حالة التمسرح ...
راضية ـ حالة التمسرح ؟..
العربي ـ أي نعم ... هذه الحالة ترتبط بواقع كلما يحيط بالعرض المسرحي من جوانب                  أساسية تحدد طبيعته ...
راضية ـ لم أفهم ...  
العربي ـ على سبيل المثال ... لنفترض متفرجا قرويا في ساحةعمومية ... متسلقا شجرة
       لمتابعة عرض مسرحي ... ليس كمتفرج مدني داخل علبة مغلقة ... جالسا في
       الصف الأمامي على أريكة مريحة ... هنا ينبغي على الفنان أن يأخد بعين الاعتبار
       هذه الوضعية ... الخاصة التي تقع في اطار حالة التمسرح لادراك الهدف الأساسي...
       أو الأعلى للمسرح ... ألا وهو ذلك التواصل الذي يمكن أن يكون صداميا وليس
       بالضرورة انسجاميا ...
راضية ـ ادن نوعية الجمهور هي التي تتحكم في عمل الفنان ...
العربي ـ طبعا تتحكم به ... ويتحكم بها ... لأن هناك لقاء ديموقراطي حر ...
راضية ـ ادن يمكن اعتبار هذه الفكرة قاعدة عامة ... وثابثة في المسرح ...
العربي ـ لا... ان لكل عرض مسرحي ... ولكل حالة مسرحية ظروفها وملابساتها                       واشكالياتها الخاصة بها ... هذه الظروف والملابسات والاشكاليات لا تقتصر على نوعية المتفرج وحالته السوسيو ـ ثقافية أوالجغرافية ـ ثقافية ... أو الامكانيات              التقنية والتجهيزات ونوعية فضاء اللقاء المسرحي ... وانما تتجاوز الى سيكولوجية الفنان والمتفرج ... وللبعد الحضاري عموما ( يدرع الغرفة ثم يشرع في غناء إحدى الأغاني الكلاسيكي )
راضية ـ هل مازلت تتذكر هذه الأغنية ؟..
العربي ـ كان يجب أن أقدم لك زهورا كثيرة ...
راضية ـ لماذا ؟..
العربي ـ لأنك تذهبين الى المسرح ...
راضية ـ ماذا ؟.. أنت مندهش من ذهابي الى المسرح ؟..
العربي ـ ( بدهول ) مندهش ... من الذي لايندهش ... أنا بحاجة الى الدهشة ... بل الدهشة
       المستمرة ... ( يضطرب فجاة فيصفع رأسه وتنتابه واحدة من تلك الحالات التي يتكلم
       فيها بلغة لا ترابط فيها أحيانا ، وبلغة منطقية جدا أحيانا . يسلط أثناء حديثه ضوء
       أزرق على وجهه ... في الخلفية نسمع موسيقى إلإكترونية تصاحب تراكيب مناسبة         على الشاشة ) ... هل تسمعين هذه الأصوات ؟.. أنا لا أستطيع أن أتجاهل الضوضاء     ... بينما لا يستطيع الجهاز العصبي الذاتي اهمال الضوضاء كعامل يؤدي
الى اضطراب ... وتسجيل التهيجات ... الضوضاء في المخ ... هل تفهمين الأرق ...
Pscychic conditioned       الأرق ... ثم التهيجات ؟.. في نيويورك الأطباء يسمونه         ها ها ها ... تناقضات في كل شيء ... البروفسور مارتن قي جامعة بنغامتن ... حيث
       كنت أدرس المسرح ... كان يقول : بارمندس يقول ان الواقع يتفرد بالوحدة وعدم
       التغيير ... فكنت أرد عليه ... لكن بروفسور لا تنس أن تلميده لبوس الذي شرع في
       تنظيم النظرية الذرية كسر كرة أستاده الصلبة ... وجعلها تتألف من جسيمات دقيقة
       سماها درات بحيث لا ترى بالعين المجردة ... وكان البروفسور يضحك ويقول : رائع
       أيها العربي الذكي ... أنت على حق ... لنرجع الى اسخلوس مرة أخرى ... راضية أنا
       أتكلم عن التناقض ... والدهشة التي تزلزل المخ ... الدهشة الفعالة التي تخلخل
       المناطق المخية الثلاثية الحسية ... وتشلها إلى درجة الصفر ... وتبدأ الهلوسات في
       التحليلات وسط دخان غلايين الأطباء ... طرق على الأعصاب ... تحليل ... تحليل
       الوظائف الفسيولوجية عند الانسان ... وادخال الطريقة التاريخية في دراسة الحياة
       العقلية للانسان ... كنت أقول للبروفسور مارتن ... اسمح لي أن أقول ان على
       الممثل الجيد أن يصدر أمرا باعتقال داخله ... ويمنع التجول في أعماق شخصيته
       نهائيا عندما يمثل دور شخصية ... وكان يضحك وهو يقول : يا لك من عربي ذكي ..
       ( صمت طويل ) لأن هناك ـ واقع الواقع ـ وهناك ـ ممكن الواقع ـ والمسرح ممكن
       الى ـ ممكن الواقع ـ ولا يمكن أن نتصور ـ ممكن الواقع ـ أو ندرك ما هو ممكن
       الواقع ... وما يمكن تجاوزه الا عن طريق التحقيق في الخيال ... وكذلك الطموحات
       والمطالب التي نتوق اليها باستمرار ... فليس هناك واقع مادي يمكن أن يرضي
       الفنان باعتبار أن الفنان ... هو مشوع بحث مستمر عن واقع مخالف لما هو سائد
       وقائم سواء في ذاته أم في عصره ...أم في ما يتجاوز ذلك كله ... اذن ... لايمكن أن
       نسقط في فخ الواقعية ... أو الطبيعية ... أو الالتصاق بالواقع من منحى الاستقرار
        والتبات والسكون ... انما علينا أن نتخد منحى التحرك والديناميكية والعمل على
       إيجاد البديل باستمرار ...
راضية ـ اجلس يا العربي ... هل تشعر بألم في مكان ما ؟...
العربي ـ هناك ألم صم ... ألم يكوي مثل الأسيد ... ماذا كنت أقول ؟.. هل كنت أتكلم عن
       الخبرات الجمالية والذهنية عند الجمهور ... لا ... كنت أتكلم عن مفهوم الواقع في
       الخطاب المسرحي ... لأنه ليس بالتحديد أن يكون ـ مكونا واقعيا ـ يمكن أن يكون
       مكونا خياليا أيضا ... أو حتى أسطوريا ... خرافيا ... ولكن لابد أن يكون له اتصال
       وثيق ... وله قدرة على التأثير في الواقع ... بالتصاقه بالواقع ...
راضية ـ أنت تتكلم في مواضيع عديدة ... وبطريقة جميلة ...
العربي ـ ( يمسح جبينه ) غريبة هذه الحياة ...
راضية ـ جدا ... جدا ياعزيزي ...
العربي ـ فيها أشد العناصر تباينا ... فيها مفاجأة ...تناقض ... سوء تصنيف ... هي قاسية
          حافلة بالنكبات ... يصعب شرحها ... تفسيرها ...غير منطقية ...
راضية ـ ألا تعتقد ياعزيزي أنك مرهق ... اذهب وتمدد قليلا ...
العربي ـ ( صارخا ) أتمدد ... أرجوك ... أنا أريد أن أتكلم ...
راضية ـ كما تشاء يا حبيبي ... تكلم ...
العربي ـ في جامعة بنغامتن ... حيث كنت أدرس المسرح ... كانت عندي صديقة تدعى                 جيجي ...
راضية ـ هل كانت جميلة ؟..
العربي ـ جميلة ؟... لا ... لكنها كانت موهوبة عظيمة ... ممثلة ساحرة ... ( وقفة ) كانت
        تقول لي ... العربي أنا أعرف كل جوانبك السهلة والطيبة ... بل أنت انسان سهل ...
         لماذا لا تحاول أن تعرف الجوانب المتسكعة ... والبوهيمية في داخلي ...
راضية ـ كلمني عنها ... عن جيجي ...
العربي ـ كانت تقول : حاول ... حاول ... تدوقها مرة واحدة ... وتزداد شغفا ... ماذا ؟..                أنت قديس أم ماذا ؟... كانت تأخدني الى البحيرة ... أنا أتمل البحيرة والأشجار ... وهي تلقي محاضرة في اللدة ...  
راضية ـ في ماذا ؟..
العربي ـ في اللدة ... تقول : العربي أريدك أن تفهم اللذة ... نعم ... اللذة ... هي وحدها                 تنمي الإنسان ... كل شيء يدب على الأرض يبحث عن الذة ...اللذة تعني الوجود ... دائما يهدون باللذة ... ( تأخذه برفق إلى الكرسي ، يجلس مثل المحموم ) كانت            تقول لي : انظر إلى نهدي الناعم كالقطيفة يذوب ألما ولذة لأصابعك العربية السمراء ... ( يقفز من على الكرسي كالملسوع ويمسك رسغ راضية ويجرها إلى الصورة التي يمثل فيها أحد الأدوار في مسرحية ) أنظري ... هذا أنا ... وهذه                 جيجي الحارة الموهوبة في دور ديدمونة ... ( وقفة ) هل أمثل لك مقطعا من هذه المسرحية ... ( يأخذ حقيبة راضية ، يبحث فيها عن شيء يلون به وجهه ) ...
ديدمونة ـ كيف حلك يا مولاي
عطيل ـ حسنا يا سيدتي اكريمة ( انفسه ) ما أقسى الخداع والنفاق ... وكيف أنت يا
        ديدمؤنة ؟
ديدموتة ـ في أحسن حال يامولاي الكريم
عطيل ـ أعطيني يدك ... انها بضة نضرة .
ديدمونة ـ لأنها لم تحس بمرور الأعوام ولم تعرف الحزن والأسى .
عطيل ـ ( ينظر في كفها ) انها دافئة ...وبحاجة الى من يحرس حريتها ... ويحث صاحبتها
          على الصوم والصلاة ... ومزاولة بعض الأعمال التي تساعد على التوبة وتعمق
          التقوى ... أرى فيها شيطانا شابا ينضح بالعرق ويتمرد غالبا ... انها يد طيبة ...
          يد صريحة ....
ديدمونة ـ بامكانك حقا أن تقول ذلك ... لأنها اليد التي أعطتك قلبي ...
عطيل ـ انها يد متسامحة كريمة ... قديما ... كانت القلوب هي التي تعطي الأيدي ... أما في
          أيمنا هذه فتعطى الأيدي دون القلوب ...
ديدمونة ـ هذا أمر لا يمكنني التكلم فيه ... والآن ...أين وعدك ؟...
عطيل ـ أي وعد يا حبيبتي ؟...
ديدمونة ـ لقد بعثت في طلب كاسيو لكي يتكلم معك ...
عطيل ـ أعاني من زكام أصابني ... أعيريني منديلك ...
ديدمونة ـ ها هو ذا يا مولاي ...
عطيل ـ المنديل الذي أهديتك ...
ديدمونة ـ ليس معي الآن ...
عطيل ـ لاتقولي ذلك ...
ديدمونة ـ خقا ليس معي يا مولاي ...
عطيل ـ انها غلطة ...



راضية ـ ( تصفق بحرارة ) رائع ...رائع ... لماذا يريد عطيل المنديل الذي أهداها بالدات ...
العربي ـ ( بصوت مثل الفحيح وهو يشير الى رأسه ) لأنه مريض هنا ... مريض ...                   الخوف ... كل الخوف هنا ... هنا ( وقفة ) ... أتعرفين ما معنى أن يكون الانسان مريضا هنا ؟... هنا الخوف ينشطر ويصبح فجأة ألف ... عطيل مثلي ويحتاج الى              مساعدة ....
راضية ـ أنت لست مريضا ... أنت مرهق قليلا ...
العربي ـ مرهق قليلا ... لا ... ذهبت وأنا في صحة جيدة ... ورجعت ومعي عطب في رأسي
          وروحي ... ( بحزن شديد ) هكذا الانسان يا راضية ... خلق ليجري وراء أمجاد               وهمية ... وهو في الحقيقة لا يحتاج سوى لأشياء بسيطة ليكون سعيدا ... أليس كذلك ؟...
راضية ـ نعم ... لكن الطموح شي جميل ...
العربي ـ أنت الآن مثلا سعيدة ؟...
راضية ـ معك دائما سعيدة ... لأنني أحبك ...
العربي ـ كذابة ...
راضية ـ أقسم ... بكل ما تريد ...  
العربي ـ ( مازحا ) أنت تحبين زحل ... وعطارد ... والزهراء والمريخ ...
راضية ـ ( سعيدة لملاحظتها الانشراح على قسمات العربي ) نكثه حلوة ...
العربي ـ أيهما تحبين أكثر ؟...
راضية ـ الزهراء ...
العربي ـ لماذا ؟...
راضية ـ لأن حرارتها لاهبة ... 470 درجة مئوية ...
العربي ـ أما أنا فأحب أرضنا ...
راضية ـ أرضنا الحبيبة ...
العربي ـ أرضنا الحبيبة ... فوق هذه الأرض فقط توجد الأحزان والأفراح ... والعدابات
       والحروب ... والحب ... والكآبة ... الكآبة ...
راضية ـ أنت تردد هذه الكلمة بكثرة ... لماذا ؟..
العربي ـ في نيويورك انغرست في الكآبة والفزع ... هناك في تلك المدينة المتوجة بالرعب
           والدولار ... كل شيء هناك يعمل على الرعب ... وتضييق الوعي ...
راضية ـ لماذا ... وكيف ؟..
العربي ـ الإنسان مهما كان عظيما يختزل هناك ...
راضية ـ ماذا ؟... يختزل ؟...
العربي ـ نعم هناك يا راضية ... الكثر من الأشياء مسموح بها ... لكن المأسات شيء هام               ... هناك الإنسان ليس لديه بعد ...
راضية ـ لا أفهمك ...
العربي ـ واقع صعب ... لايستطيع الانسان تجاوزه ...
راضية  ـ العربي ... لماذا لاتكلمني عن دراستك للمسرح ... لدي سؤال يحيرني ولم أستطع              أن أجد له جوابا شافيا ... لماذا لازال المسرح مزدهرا في الغرب رغم مضي آلاف السنين على وجوده ... والتقدم التكنولوجي ... بينما خبت شعلته عندنا ...               بعد سطوع محتشم لما يقارب العقدين من الزمن ؟... العربي ـ لأنه ببساطة تابع ، والتابع مولع بالإقتداء بالمتبوع في شعاره ، زيه ، نحلته                  وسائر أحواله وعوائده ، قبل أن يتبين له أنه تابع ، فتخبو حماسته ، فتصيبه الكآبة ...                                                                                   راضية ـ لم أفهم ... العربي ـ مسرحنا أصابته الكآبة ... بعد فترة معايشة هذه الظاهرة ومحاولة الخروج من              دائرة الهيمنة ... راضية ـ كيف أصابته الكآبة بعدما كان ساطعا ومتألقا ؟...
العربي ـ فعلا ... فعلا ... لأن كل مرحلة تقتضي نمودجا ... أو نمطا مسرحيا معينا ... فليس
       كل نمودج أو نمط مسرحي قادر على التعايش مع أية مرحلة يقطعها مجتمع من
       المجتمعات ... أو يدركها انسان في ظرف معين من تاريخ وجوده ... ان تغيير
       المدارس الفنية ... والمذاهب المسرحية ... فكريا وفنيا في الغرب يؤكد هذا ... انك
       لا تستطيعين أن تأخدي قالبا ... أو شكلا ... أو مضمونا ... أو مدرسة أو مذهبا ...
       وتقولين ... ان هذا هو ما ينبغي أن يسود ... لأنه قد يسود لمرحلة معينة ... وكلما
       استجدت تحولات في تاريخ المجتمع البشري فان تلك المتغيرات تفرض ... وتفرز
       نمطا ونموذجا مسرحيا جديدا يكون قادرا على التخاطب وعلى خلق نسيج الحوار
       واطاره ...
راضية ـ فأين هو ادن المسرح العربي من كل هذه التحولات والتغيرات ؟...
العربي ـ المسرح العربي اليوم تابع ... والتابع لا محالة يكل ويعيى ... ولا سيما اذا كان
       يحاول تخطي المراحل ... ( وقفة ) ... كانت هناك محاولات جريئة في البحث عن
       امكانيات جديدة لواقع مسرحي عربي جديد... قادها مسرحيون عرب مثل ... عبد             الكريم برشيد ... سعد الله ونوس ... عز الدين المدني وآخرون ...هؤلاء المبدعون
       بحثوا وجربوا وأنتجوا أعمالا باتجاه البحث عن هوية للمسرح العربي ... ولكن هذه
       التجارب توقفت عند مرحلة معينة ... لم تستطع أن تتطور ... وكانت رهينة معوقات
       وصعوبات تتجاوز المسرح ... وتتجاوز هؤلاء المبدعين أنفسهم ... هي معوقات
       الواقع العربي ككل ... فلا نستطيع أن نجد مسرحا عربيا دون أن نجد اقتصادا عربيا.
       ودون أن نجد تعليما عربيا ... ودون أن نجد ثقافة عربية ...
راضية ـ أنت على وعي بكل هذه المعيقات ... وتذهب لأمريكا ... وتغامر بحياتك ... لتدرس
       المسرح ... لتعود الى وطن لا مستقبل للمسرح فيه ...
العربي ـ أنالا أرى الواقع كذلك ... ولكن أرى فيه حالات وعوامل مساعدة على الخلق ...             هناك عوامل أخرى لا يعيها الكثير من رجال المسرح ... رغم أنها تساهم بالقسط الوفير في  شل عملية الابداع ... هناك احباطات وتحديات لا تعيها الأجيال الشابة . ولكنها دو وقع على حاضرهم ... نحن مثلا  لا يمكن أن ننسى ما فعلته نكسة 67 بالإنسان العربي ... وما نشأ عنها ... أو ما تبعها من احباطات ... مثل لن تنسى               الأجيال الشابة اليوم كارثة 11 شتنبر 2001 التي جاءت لتعمق من جراح هذه الأمة .
       فهزيمة 1967 ليست هزيمة عسكرية فقط ... وانما هي هزيمة حضارية ... هزيمة
       ثقافية وسياسية ونفسانية ... وهزيمة معنوية ... وهزيمة قيم ... انها هزيمة بالكامل
       ونحن لم نكن نتحسس هذه الهزيمة ... بل كنا نعيش نشوة انتصارات حروب التحرير         لتحقيق الاستقلال ... وبعدها تلت هذه النشوة التي كنا نعتبرها صحوة ... فاذا بنا
       نصحو على وهم ... ونستفيق بصدمة عنيفة رجت كيان الانسان العربي أينما كان ...
       ثم ... ان توقف مشروعات التنمية الشاملة بالمفهوم الثقافي والثربوي والعلمي ...
       هناك توقف ... واستقرار ... وثبات ودوران في حلقة مفرغة مند 1967 الى الآن ...
       ونحن لم نستطع تجاوز هذا الدوران حول الداث في هذه الحلقة المفرغة ...
       والمسرح بعدما شهده من انطلاقة واكبت ـ وكانت افرازا حتميا ـ الانطلاقة الشاملة
       التي عاشتها أقطارنا العربية بعد حروب التحرير ... فان هذه الانطلاقة أصبحت
       انكسارا كاملا ... وهي طبيعية اذا ما أخدنا بعين الاعتبار الانكسارات التي تشهدها
       الساحة العربية على جميع الأصعدة ... وفي كل المجالات ... وعلى كل المستؤيات ...
       والمسرح لا يستطيع أن يهرب من محيطه ... ومن الواقع التاريخي بكل مكوناته ...
       فلا يمكن للمسرح أن يخالف طبيعةالأشياء ...
راضية ـ في ضوء هذه الأفكار ... يلزم برأيك نقطة بداية جديدة ؟..
العربي ـ بالتأكيد ..لابد أن تكون هناك مراجعة عامة لواقع الانسان العربي في كل جزء وفي
      كل شبر من هذا الوطن ... هذه المرحلة ينبغي أن تكون علمية ومعاصرة ... يعني أن         تستند الى الأسلحة الحقيقية التي نستطيع بفضلها الوقوف بوجه التحديات ... فنحن
       لايمكن لنا أن نخرج من هذا المأزق أو هذه الأزمة الجادة التي نعيشها مالم تكن لنا
       الشجاعة الكافية ... شعوبا وقيادات ... وفي مستويات البنية التركيبية المجتمعية
       العربية كلها ... لكي نواجه واقعنا بنقد داتي شديد وعنيف ... موضوعي وعلمي ...
       وأن نجد مع بعضنا بالتفكير المعمق والبحث الجاد والدءوب عن السبل والطرق ...
       بالتأكيد أن هناك منافد ... لا يمكن أن يكون الحصار مضروبا علينا الى درجة نفقد
       معها الأمل ... وأنا لم أفقد الأمل رغم هذه الكارثة التي أعيشها ... ولكني أقول : إن
       الواقع الآن مترد الى درجة لم يترد معها الواقع العربي من قبل ... ( وقفة ) لقد
       تكلمت كثيرا ـ ياك ـ ( يفكر ) كلميني أنت عن عطارد ... عطارد ... كلمة جميلة ...
       كيف شكل هذا الكوكب ؟..
راضية ـ تكسوه الشقوق والتصدعات من كل جانب ... يصل قطر البعض منها 1300                  كيلومتر( تتكلم وكأنها أصابها نوع من السأم )
العربي ـ أنت تتكلمين كطالبة مدرسية ... مثل الببغاء ... تكلمي بحرارة ... تكلمي عن                   الزهراء ...
راضية ـ لا توجد في الزهراء  سوى الحرارة ...
العربي ـ بحرارة أكثر ... كم يبعد أقرب نجم عن الأرض ؟..
راضية ـ خمسة وعشرين مليون ميل ...
العربي ـ تكلمي ... لا تتوقفي ... تكلمي عن طريق التبانة ... كيف تبدو ؟..
راضية ـ طريق التبانة فيها ثلاث مئة مليون نجم ...
العربي ـ أي مجنون عد هذه النجوم ؟..
راضية ـ التكنولوجيا الحديثة تحقق أكثر من المعجزات ...
العربي ـ العلماء أيضا يهدون مثل المرضى في المخ ... يقولون أن المسافة بين المجرات
       تستغرق مليون سنة ضوئية لقطعها ...
راضية ـ فعلا ...
العربي ـ كلام ... كلام ... كلام ...
راضية ـ لكنه كلام علمي ومنطيقي ...
العربي ـ ( بعد صمت طويل ) ليتني كنت نجما ... تلك النجوم البعيدة التي تبدو مثل فراشات
          فضية ... أحيانا تبدو مثل ندف الثلج ... أليس كذلك؟...
راضية ـ فعلا ...
العربي ـ وأحيانا مثل فلينات فضية تطفو كما تشاء فوق اللأزورد ...
راضية ـ وتبدو كأنها ناعمة نعومة مثيرة ...
العربي ـ آه ... رائع ... هكذا تكلمي عن النجوم وليس كببغاء ...
راضية ـ ( بضيق ) مجموعة أضواء ناعمة ( تتنهد ) ساحرة ...
العربي ـ تعيش وهي ... ( يضطرب مرة أخرى ) في نيويورك رأيت أفحش حياة الفجور ...
                                   Manipulation الفسق ... هناك فقط تطبيق لكلمة
راضية ـ ما معنى هذه اكلمة ؟..
العربي ـ هناك يا راضية يستطيعون التأثير بطريقة ... بل بأغرب الطرق على الناس ...
       يدفعونهم للقيام بأغرب الأعمال التي تتعارض حتى مع مبادئهم ... هناك قتلة
       محترفون ... هناك وسائل اعلام رهيبة ... هناك الانسان ليس حرا ... نحن في
       أوطاننا نشكو من الأمن الغذائي والصحي والفكري ... هناك يعانون من الأمن                 المعنوي ( صمت ، يصرخ ) أتعرفين كيف بدأ الألم معي ... كيف أصبحت مثل عطيل في المسرحية ؟.. ( يلتقط السكين من على المائدة ويجلس على الكرسي . وأثناء             حديثه تسلط عليه عدة أضواء واحدة تلو الأخرى ) راضية ... ذهبت لمصرف في المركز العالمي للتجارة لأقبض المبلغ الذي كان يرسله لي والدي رحمة الله كل شهر ... مأتى دولار ـ كنت أذهب الى هناك لسحب المبلغ ... رغم أنه كان بوسعي أن                أسحبه من مصاريف أقرب ... وذلك لكي أتفرج على العاملين هناك ـ وضعت المبلغ في جيبي وبدأت جولتي المعتادة والتي كانت تقودني إلى الطابق الأخير ... لكي أتفرج على مدينة نيويورك من أعلى ... (يظهر على الشاشة مقطع من فيديو تحطيم برجي التجارة العالمية ) فجأة رأيت طائرة بوينك
ضخمة تتجه نحوي بسرعة قوية وصوت مدوي رغم زجاج النوافذ السميك ...
       وارتطمت بطبقات البرج الأسفل ... لشدة انبهاري وسرعة الحدث لم أشعر بالعالم
       الذي زلزل تحت قدماي ... ولا بالنيران التي اشتعلت في كل شيء حتى في الاسمنت         والفولاد ... ولا بالشضية الكبيرة الملتهبة التي لطمتني وألقت بي في قفص المصعد    الذي بقي مفتوحا ... فاقدا للوعي ... بعد أسبوعين من هذا الحادث عدت من الغيبوبة ... فوجدت نفسي في أحد المصحات ومعصمي مقيد الى السرير الذي كنت أنام عليه         بقيد للبوليس ... لأنني أثناء غيبوبتي كنت أهدي بالعربية ... عندما فتحت عيناي حظر جميع أنواع المحققين لاستجوابي ... كما حقنوني بجميع أنواع حقن الحقيقة     لكي أتكلم ... لكي أكشف لهم عن أسماء الجماعة ... أي جماعة ... أنا لا أعرف أي جماعة... أنا أدرس المسرح بجامعة بنغامتن ... لكي أغدو مخرجا مسرحيا ... كانت عيونهم تبرق من الغضب ... دام هذا التحقيق أكثر من أسبوعين ... وكنت لا أردد            سوى حكاية المأتي دولار التي يبعث بها والدي كل شهر ... عندما تعافيت جسديا وأصبحت قادرا على المشي ... ثم نقلي إلى سجن كوانتنامو اللعين حيث انفرد بي جلادون لا يعرفون الرحمة ... يتقنون جميع أنواع التعذيب الجسدي والفكري ...    علقوني من رجلاي وألقوا بي في برميل مليء بالماء النتن ... أدسوا قنينات الخمر في مؤخرتي ... ربطوني إلى طاولات ممغنطة ومكهربة ... جعلوني أجر عاريا فوق الحصى حتى دميت كل أطرافي ... ويأخذ الحراس بالتبول فوق جراحي ليوم أو يومين ... وأنا ملقا في العراء بدون ملابس ... بدون أكل ولا شرب ... تفننوا في             التنكيل بي طيلة سنة كاملة حتى أدلهم عن الجماعة التي أنتمي إليها... وعندما تيقنوا من هويتي طلب مني أن أغادر التراب الأمريكي في أسرع وقت ... وتركوني أعود راجلا إلى البيت ... قبل أن أصل الى شقتي يجب أن أمر بعدة أزقة ... فجأة ظهر لي ثلاثة شبان .. صاح بي أحدهم ... أيها المسلم المجرم ... وقال آخر ... رائحة        النفط تفوح منه ... وقال ثالث ... أين فقدت جملك ... في برج التجارة العالمية ...ها ها ها  ... قال آخر اسمع أيها العربي القدر ... ياقاتلة اليهود ... اذا كنت قد استطعت
       أن تفلت من كونتنامو ... فلن تستطيع الإفلات منا ... قلت له : أرجوك احترم نفسك           ... أنا لست قدرا أجابني آخر :أنت القذارة بعينها ... سوف تقر لنا عن أصحابك ... ولصالح من تشتغل ... وصفعني  بقوة ... أردت أن أصفعه ... فاذا بصديقه طعن باطن كفي بسكين كبير مثل هذا ... ( تظهر على وجهه انفعالات حادة ) وطعنني               بسرعة أسفل ذراعي ... شلني الخوف عندما أخرج الثاني مسدسا وضربني بقوة على رأسي ... شعرت بدوا شديد ... وطعنني الثالث طعنة قوية في دراعي وهو             يردد ...لقد شاهدك كل الأمركان على التلفاز أيها القدر ... أنت من حطم أحد البرجين ... وانهالت علي كعوب احديتهم عشرات المرات ... وكذلك عقب ذلك            المسدس إلى أن رحت في غيبوبة ... ( يبكي بصوت خافت ) مند ذلك الوقت وأنا متكلس الذاكرة والمشاعر ... والخوف ... (تنقطع الأضواء )
راضية ـ ( تمسح دموعه ودموعها ) لقد عاملوك بقسوة ...
العربي ـ وأية قسوة ... راضية ... أمس قلت أننا الآن في الربيع ...    
راضية ـ نعم يا عزيزي ... انه نهار جميل ... الشمس مشرقة ورائعة ... الأرض مثيرة ...             هل ترغب في أن تذهب الى الثلال خارجة المدينة ...
العربي ـ الآن ؟..
راضية ـ لم لا ...
العربي ـ لا طال ما تمنيت أن أذهب الى السوق الكبير ...
راضية ـ لماذا الى هناك ؟..
العربي ـ ننظر السوق المزدحم بالناس ... ننظر العربات الكبيرة المحملة بالخضر ... ننظر
           بائعي الملابس المستعملة ... ننظر أكوام الأواني المنزلية البلاستيكية ...
راضية ـ لكنك يا عزيزي بحاجة الى أماكن هادئة ... منطقة الثلال أجمل ...
العربي ـ هل التلال أرجوانية الشكل الآن ؟..
راضية ـ الآن لا ... تكون أرجوانية في المساء ... كانت تبدو ارجوانية هذا الصباح ...قبل
          انقشاع الضباب الخفيف ...
العربي ـ مدينتنا مدينة ناعسة ...
راضية ـ بل ساحرة ...
العربي ـ مدينة مليئة بالرحمة ... تحب الجميع ...
راضية ـ نعم ... الجميع ...
العربي ـ آه ... انها مدينة المدن ... وجهها حالم ...
راضية ـ نارها الأزلية تهلهل ليل نهار ...
العربي ـ كنت أحلم بها كل ليلة وأنا في السجن ... وأنا أعالج من جروحي الكثيرة ... كنت
          أقارن بينها وبين مدينة الفجور والدعارة عندما أسترجع وعيي...
راضية ـ يا لحنانك لها ...
العربي ـ إنها مدينة واضحة كالماء العذب ... ( بصوت حزين ) أشعر أنني في وضع نفسي
         أحسن اليوم ... هل كنت أتكلم بوضوح ... هل كنت أتكلم في مواضيع مختلفة ... هل           اضطربت كثيرا يا راضية ؟...
راضية ـ تابع كلامك عن المسرح ان كان هذا يريحك ...
العربي ـ ينبغي أن نقوم بثورة ... ثورة ثقافية ... لأن الثقافة هي الأساس في أية تنمية
       اجتماعية ... وأي تقدم علمي ... وأية نهظة حضارية ... ولا يمكن للانسان العربي
       أن يعرف سبيله ... وأن يدرك الطريق الموصلة الى الأهداف ... أو لتحقيق الغايات
       والطموحات ... ما لم يستند الى أرضية ثقافية وبرنامج عمل ثقافي ينطلق من فكر
       واضح دي نهايات واضخة ... ماذا نريد للانسان العربي ؟... نريد له أن يكون انساتا         سويا ... قادرا على معايشة الانسان الآخر ... والتفاعل معه ... والوقوف على قدم
       المساوات إلى جانبه ... في هذا العصر السريع التغيرات ... المتقلب ... ان الانسان
       العربي لن يصل الى هذا الا اذا كانت لديه قناعات فكرية واضحة ... وأسلحة علمية
       تكنولوجية ... واقتصاد قوي ... ودفاع قوي ... وحرية ديموقراطية ...وعدالة                  مستقلة ... وإعلام حر وفعال ...
راضية ـ هذا كلام قديم ... كنت تقوله قبل أن تذهب الى أميريكا ... وهاأنت تعيده كالببغاء             بعد عقدين من الزمن ...
العربي ـ وسوف أردده بطرق مختلفة ما دام لم تخول للمثقفين والمفكرين العرب امكانية
         البحث والتفكير مع بعظهم ... لكي يتأملوا في واقعهم ويقدمون بحوثا ودراسات
          تحمل حلولا ... وتفتح آفاق تخرج بنا من هذه الأزمة ... ومن هذا الحصار ...
راضية ـ يجب أن تكون هناك مبادرة من طرف جميع فعاليات المجتمع ... وبالأخص هذا              المثقف العربي أولا ... فالمسئولون والمستفيدون من هذه الأوضاع لن يحركون ساكنا لتغيير الأوضاع ...  فرجل المسرح مثلا وضع أسلحته واستسلم ... ولم يعد يقم بأي مبادرة تذكر في هذا الباب ... فعمله لا ينفصل عن كثير من نقط السلب في          هذا الواقع الذي يدينه ...
العربي ـ لاشك في ذلك ... انه بقدر ما يدين الواقع فهو مؤثر في هذا الواقع ومثأثر به ...            لأنه جزء من هذا الواقع ... ولكن مسؤوليته محدودة باعتبار حجمه ... فرجل
       المسرح لا يمكن أن يعتبر نفسه محورا لهذا الواقع ... ولا مؤثرا فيه ذلك الثأثير
       البليغ والعميق ... لأنه مجرد درة صغيرة من هذا الواقع ... وهذه الدرة بقدر ما
       تسعى الى التأثير في الواقع فهي تتأثر به وبما أن الواقع يتكون من درات ... آلاف
       بل ملايين الدرات ... فانه يتيه ويضيع في هذا الواقع ... ( وقفة ) هل لازلت أتكلم
       بوضوح يا راضية ؟...
راضية ـ بالطبع ... أنت رائع ... أنت عبقري ...
العربي ـ اقتربي مني يا عزيزتي ...                                                                     راضية ـ ( تقترب منه . ظلام . يسلط الضوء عليهما فقط ) نعم يا حبيبي ...
العربي ـ (بطريقة رومانسية) أتعرفين مقدار العاطفة التي يشتعل بها صدري لك يا                      راضية ؟..
راضية ـ أعرفها ... أقدرها ...
العربي  ـ اعذريني ... أولئك الأطباء زلزلوا عقلي بحقنهم ... وأولئك الأشرار زلزلوا روحي
           بممارستهم ...
راضية ـ انك تتحسن كل يوم ...
العربي ـ أريد أن يستجيب قلبي لكل رغباتك ... ولكن ...
راضية ـ وحتى اذا لم يستجب فأنا راضية بك كما أنت ...
العربي ـ سأشفى داث يوم ...
راضية ـ وهل هذا كلام يقبل الغلط ؟...
العربي ـ يا لك من زهرة بشرية رائعة ...
راضية ـ أشكرك ...
العربي ـ ( بصوت حزين ) لماذا تجيبينني بصوت حزين ؟.. لماذا نظرتك ضالة وأنت                    تنظرين ألي ؟.
راضية ـ لأ نني سعيدة ... سعيدة وأنا أستمع اليك وأنت تتكلم بصوت هادئ رقيق يؤثر في               نفسي كثيرا...   العربي ـ لماذا تحبينني الى هذه الدرجة ...
راضية ـ أحبك ... لا أعرف ... دعني ... انني الآن أعيش لحظات حلوة ( تحتضنه ) لحظات
       جميلة ... انني معك أتحرر من كل شيء ... من الذاكرة ... من تاريخي كله ...(وقفة)
       انك يا عزيزي استحودت علي بأفكارك ... بوسامتك وثقافتك ... بحديتك الحلو ...
       العربي ... حتى لو طردتني أجيئك بمجرد اشارة واحدة ... ملغية ... مجردة من كل
       شيء ... مليئة بالحب لأنك زرعت في رغبات جميلة غير مشبعة ... ( وقفة . بصوت
       جميل ومؤتر ) أعني من غيرك أبقى على طعم الرماد ... العربي حبيبي ... لا أريد أن
       تجهض اعترافاتي هذه الأفكار ... وتتركني في نصف الطريق ...
العربي ـ يا للفرق الشاسع بينك وبين صديقتي جيجي ... يا للبساطة ... والنظافة ... وذلك
         الجنون في البحث عن اللذة ... آه لو رجعت سويا ...
راضية ـ أنت سوي ...
العربي ـ أقسم لك أنني انسان غير سوي ... انني أتصرف أحيانا بتهور طفل ...
راضية ـ ثم ماذا ... أنت طفلي المتهور الحبيب ... حالات سريعة وتزول ...
العربي ـ إلى متى هذه الحالات ... مند ما يقرب على السنتين  وأنا إنسان ملغى لساعات طويلة في النهار ... لماذا المصائر عمياء ... حمقاء ؟...
راضية ـ هكذا الحياة ... غريبة ... ثم ان مصيرك رائع ...
العربي ـ رائع ... أين ذاكرتي ؟... أين صفاء ذهني ؟... لماذا أصاب بهلوسات ؟... لماذا
       أتصرف كما لو أن قوة غامضة تحركني ؟... لماذا تاتيني الأفكار تارة واضحة ؟...
       وثارة من غمغمات ثم فجأة تتضخم في رأسي ؟... ( بصوة دامع ) لقد حولني أولائك         الحراس و الأطباء من أجل أفكار عمياء الى انسان شقي ... ان الحقد أعمى عيونهم  ... الحقد الذي أنجبته السياسة ... وتعهدته وسائل الاعلام إلى أن صار وحشا ...
راضية ـ انس ياعزيزي ...
العربي ـ لقد تعبت ... مند طفولتي وأنا أعمل ...راضية ... صديقيني لقد كانت طفولتي ...
       وصباي ... وشبابي عملا متواصلا ... بصراحة لم أدق طعم الطفولة ...
راضية ـ ( بحزن ) يا لحبيبي المسكين الذي لم يحظ بطفولة سعيدة ...
العرب ـ ( يضطرب ) لماذا تشفقين علي ... ( تنباه نفس الحالة النفسية ) انظري ...
       الهزيمة ... الاحباط ... الخيبة ... المسدسات ... الافلاس النهائي لكل الجهود ...
       ( بالقاء مسرحي ، بحركات مضطربة وتعابير وجه مؤلمة ) لقد كانت معركة غير
       متكافئة ... أنا أنظر بنبل وبطولة الى نفسي ... ما كنت أفقد شجاعتي أبدا لو كان
       معي شيء ادافع به عن نفسي ... ماذا بوسعي أن أعمل ضد الأطباء ... ضد الحراس          في السجن ... وأولئك الشباب كانوا مدججين بالسلاح ... لم أكن جبانا ...
راضية ـ طبعا يا عزيزي ... بل كنت شجاعا ...
العربي ـ آه ... لا أعرف ... هل أنا أبرر موقفي ؟...
راضية ـ أبدا ... أنت لا تقول سوى الحقيقة ...
العربي ـ ( يردد ) أشعر الليلة بأن الكلمات
                     مصابة بجروح ميتة
       ( وقفة ) لمن هذه الكلمات ... لاأعرف ...
راضية ـ أعتقد ... يجب أن أتركك لترتاح ...
العربي ـ ( بحزن ) تتركينني ؟... وبصحبة من ابقي الى حين رجوع المعطي ؟... من لي                سواك في هذه اللحظات ؟...
راضية ـ أرى لو تتمدد لساعة أو أكثر ...
العربي ـ هل انتهى النهار ؟...
راضية ـ لا ... نحن في الظهيرة ...
العربي ـ لماذا أتمدد اذن ؟...
راضية ـ لترتاح ... تنام ... تحلم ...
العربي ـ أنا ... أحلم ... جميل أن يسلم الانسان نفسه الى الأحلام ... حتى في منامي خيال
       يخلق لي المصائب ... أستطيع فجاة أن أحلم بغابة من الحقن والمسدسات                      ...والسكاكين والقارورات ...
راضية ـ العربي ... عزيزي ... لماذا تؤديني ؟..
العربي ـ ( بتعجب بذهول ) أنا أؤديك يا راضيتي ؟... أعرف أي عذاب مر أن يؤدي الانسان            غيره ( يزداد اضطرابه ) أتعرفين ماذا تفعل الدراما ؟...
راضية ـ ماذا ؟...
العربي ـ الدراما بكل أنواعها عرض للفعل الانسان ... أقدمه أنا ... وأنت ... وممثلون                  كثيرون نكشف من خلاله عن الفعل الإنساني ... والأفكار ... والأعماق ...
راضية ـ ماذا تريد أن تقول ؟...
العربي ـ إنني أكشف لك نفسي ... أقول عندما تهشمت جمجمتي ... تهشمت معها ذاكرتي ..
           وروحي ...
راضية ـ العربي ... أرجوك ... أر جوك ... ذاكرتك لا زالت قوية ... فأنت تناقش في علم                المسرح كأستاذ كبير ...
العربي ـ ( مستمرا بنفس التوتر في الحديث ) أستاذ ... طبعا أنا أستاذ للدراما ... ( يسلط
       ضوء قرمزي على وجهه ) ألا تريدين أن تعرفي دراما حياتي ؟.. ألا تريدين أن
       تعرفي لماذا غدوت مجرد انتظار ... ( يغمغم ، يردد الحوار المسرحي التالي بطريقة الهلالويا الكنسية )                                                                                                        هؤلاء نساء فلندرز
                        ينتظرن الضائعين
                        ينتظرن الضائعين الذين
                      لن يغادروا المناء أبدا
       ( وقفة ) راضية ...
راضية ـ نعم ...
العربي ـ لمن هذه الأبيات ؟...
راضية ـ لا أعرف ...
العربي ـ لعطارد ... لا لزحل ... ( يصرخ ) أزيحي الستار وافتحي النافدة ... ( يتجه نحو               باب غرفته ، يفتحها ... يترك الباب مفتوحا يتجه إلى وسط الخشبة ... تتغير الإنارة ...  يبدأ في الرقص ... إلى النهاية ... تتغير الإنارة ... ينظر إلى راضية ثم يختفي ويغلق الباب وراءه .تبقى راضية  مرتبكة بعض الوقت وتتجه بدورها الى
( باب الخروج ، تنظر الى الجمهور ثم تنسحب وتغلق الباب )               
 

                                                             ظلام



0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption