أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح الأسباني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح الأسباني. إظهار كافة الرسائل

السبت، 27 مايو 2023

آه، يا كارميلا" لسينيسترا: المسرح الذي ينعش الذاكرة

مجلة الفنون  المسرحية 
آه، يا كارميلا" لسينيسترا: المسرح الذي ينعش الذاكرة

صداقة" لمايورغا.. مسرحية الحياة والموت

مجلة الفنون المسرحية 

صداقة" لمايورغا.. مسرحية الحياة والموت

السبت، 22 أغسطس 2020

مسرح خوسيه مورينو أريناس.. ظلال أشخاص يحاولون البقاء

مجلة الفنون المسرحية

مسرح خوسيه مورينو أريناس.. ظلال أشخاص يحاولون البقاء

المواقف الرمزية الحادة واللاذعة لمسرح الإسباني أريناس خرجت من روحه الساخرة.

محمد الحمامصي - العرب

قد تطور المسرح بشكل كبير خاصة من حيث تقنيات الإنجاز والكتابة، إذ بات أكثر استقداما لما هو مواز له من عوالم أو حتى ما هو مضاد ومختلف ليقحمه في اللعبة المسرحية التي لا تنفك قواعدها تتغير في كل مرة وفي كل عرض ولحظة ومع كل تنقل من مكان إلى مكان ومن لغة إلى لغة. وفي ما يلي إطلالة على خوسيه مورينو أريناس أحد المسرحيين الإسبان المعاصرين الذي كتب للفن الرابع العديد من النصوص الصادمة والخارجة عن المألوف، في محاولة منه للوقوف في منطقة وسط بين الأندلس العربية وإسبانيا الغربية اليوم، وبين شمال البلاد وجنوبها المتهم دوما بالتوق إلى الانفصال.

كان ولوج المسرحي الإسباني خوسيه مورينو أريناس إلى الدنيا عام 1954 وإلى عالم المسرح في منتصف الثمانينات لتشكل أعماله منذ الثمانينات إضافة مهمة للمسرح الإسباني، وموضوعا لأطروحات ودراسات وبحوث متنوعة في العديد من جامعات العالم، وعروضا على المسارح الإسبانية والأوروبية.

الغربي الشرقي
وقد قام الكاتب والمترجم خالد سالم بترجمة عدد كبير من هذه الأعمال، وقد صدر له أخيرا المجلد الثاني عن دار العين بعنوان “مسرح الميتاتياترو” وضم مسرحية “المطيعون” و21 نصا مسرحيا قصيرا تضع خطا مرئيا تحت مشكلات المجتمع المعاصر مع مسحة من السخرية والانغماس في تقنية المسرح داخل المسرح.

مسرح معقد يتضمن سلسلة من الثوابت الرمزية والجوهرية

يشير سالم إلى أن خوسيه مورينو أريناس يلجأ إلى الاقتضاب في أعماله، فكلها قصيرة باستثناء مسرحية “المطيعون” التي يضمها هذا المجلد، فهي نموذج للمسرح داخل المسرح، معها نثريات درامية التي تمثل وخزة للمتلقي لتوقظه لما يطرح عليه.

وفي مسرحية “المطيعون” هناك عالم هؤلاء الشخوص هو نفسه عالم جمهور القاعة والممثلين، وهو محصور في زمان التمثيل ومكانه. ولهذا فإنه يجعل من الخيال الدرامي موضوعا، إلى حد كبير، للشبكة الاجتماعية المؤسسية للمسرح، سواء أكان هذا خلال فترة العرض المحدد على خشبة المسرح والقاعة أم كان المكان والزمان حيث يعيش الأشخاص الذين هم على اتصال بالمسرح. ويضيف أن “مسرح خوسيه مورينو يحمل قارئه لأول وهلة إلى عالم غرناطة الأندلسية بقسمات وجهه المتمازجة، تجمع بين الشرق والغرب، ليبدو وكأنه خرج من مجلس الحكم في قصر الحمراء، فهو من بلدة البلوط، من أعمال غرناطة في إقليم الأندلس جنوبي إسبانيا، وعليه آثار العز والثراء”.

درس أريناس الحقوق في جامعة غرناطة، فجمع بين المسرح والقانون في حياته المهنية، ويعترف، وفقا للمترجم، بأن ميوله المسرحية تعود إلى والدته، إلى جانب تشجيع بعض أساتذته لمغامراته الأولى في عالم المسرح التي أخذت شكلها المهني في عام 1987 بعمله الذي اختصرته بالاتفاق معه إلى “المطيعون” والموجود ضمن هذه المختارات التي يقترب فيها من صامويل بيكيت، حسب دارسي مسرحه. وكان قد ولج هذا العالم بعرض لهذه المسرحية قامت به فرقة “El Olivo” أي شجرة الزيتون، في قاعة الاحتفالات في جامعة غرناطة، مرآة العروض المشهدية في تلك الفترة.

ويوضح سالم في مقدمته التي قرأ وحلل فيها مسرح خوسيه مورينو أنه تلت تلك الفترة سنوات حاسمة في نتاجاته المسرحية، فكتب أبرز أعماله من بينها “هجوم مسلح”، “السيرة”، “الإغراء”، و”رحلة سفاري”، “المرأب” ـ الكراج ـ و”الماكينات”، و”النادل”.. إلخ، وقد قدمتها لجمهور المسرح فرق عدة من إسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة واليونان، ونشرت هذه الأعمال في العديد من الدول في أوروبا وأميركا، وترجمت إلى عدة لغات.

أعمال لاذعة
طروحات المسرح السريالي والعبثي أو اللامعقول

يرى المترجم أن خوسيه مورينو يتمتع بروح لاذعة وساخرة، إحدى صفات أهل إقليم جنوب الأندلس، وهو ما قد يفسره البعض على أنه عنصرية، إذ يلجأ إلى هذه الميزة الأندلسية ليقول في لغة تشي بالمشكلات الاجتماعية، بغية الكشف عن العنصريين والتدليل على وجودهم في المجتمع الإسباني عند معالجة قضايا المهاجرين الوافدين إلى إسبانيا في تسعينات القرن الماضي

والسنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين. ومن هذه الروح الساخرة واللاذعة خرج مسرحه الرمزي، أعماله اللاذعة، ذات المواقف الحادة، الملامسة للهراء التي تشكل هجوما ضاريا على المؤسسة، على ما هو متعارف عليه من ثوابت وقوالب جامدة.

ويضرب سالم مثلا لهذا المزج بين السخرية واللوذعية بمسرحية “الشاطئ” وعنوانها بالإسبانية “Te vas a ver negro” ـ سوف تصبح أسود ـ واستعراض خوسيه مورينو لهذه المشكلة، مشكلة الهجرة، كان لفضح عنصرية البعض، مع أن قطاعا عريضا من الشعب الإسباني هاجر في خمسينات القرن الماضي وستيناته وسبعيناته.

وينطلق المؤلف في جرأته لطرح إشكالية تشغل المجتمع من منطلق أنه لا يمكن قتل الرسول، حامل الرسالة، أي المؤلف وكما قال “فقد كتبت عما يحيط بي، ما أراه حولي”. والعنوان الأصلي للمسرحية يعني إثارة الغضب، لكن المؤلف يترك الباب مفتوحا أمام التلاعب باللون الأسود، لون المهاجرين الذين يطلون على الشاطئ بهجرتهم غير القانونية حيث تدور أحداث المسرحية.

ويشير إلى أن خوسيه مورينو يستخدم ألفاظا مثيرة ومستفزة لغرض معين، لغرض في نفسه، تحيل للوهلة الأولى إلى دلالات ضمنية عنصرية. وهو بذلك يثير المتلقي، المناوئ والمؤيد لمثل هذه المواقف والأفكار العنصرية، كي يتفاعل مع شفرات الرسائل الضمنية.

 إنه يبحث عن إثارة ضمير القراء والمتفرجين وتحريضهم على المشاركة الفاعلة في الفعل المسرحي، ما يعد مكافأة فورية للجمهور.

 إن رسائل أعمال هذا المسرحي الغرناطي تغلفها غلالة من السخرية والدعابة، فعندما يعرض لمشكلة المهاجرين في إسبانيا عبر سطور مسرحية “الشاطئ” فإن هذه الروح تغلب على المسرحية، ولا يجب تفسير الأمور تفسيرا مباشرا وكأنه يتهكم أو يسخر من أحد، فالقضايا المطروحة تخلو من الدعابة والمزاح، إلا أن خوسيه مورينو يخضع هذه القضايا، من منطلق العلاقة القوية بين ما هو كوميدي وما هو غير كوميدي، للمزاح الذي يمتطيه من أجل الحصول على الغرض المرجو من مسرحه.

مسرح داخل المسرح

يلفت سالم إلى غزارة إنتاج خوسيه مورينو المسرحي، حيث تتواصل نصوصه بطروحات المسرح السريالي والعبثي أو اللامعقول على طريقة المسرحي الإسباني رامون ديل بايي إنكلان، مع نقد عميق لعبثية التصرف الإسباني، ويتواصل من خلال هذا المنحى مع التجديد على خطى إيونيسكو وميجيل ميورا وفرناند أربال وفرانثيسكو مارتينيث باييستيروس، كما يلاحظ دارس نصوصه أنها تنم عن حالة من الدهشة كوسيلة لكسر الفكر الأوحد الذي يهدد حياة الإنسان ويحاصرها.

ويتابع أن أسلوب خوسيه مورينو في المسرحيات القصيرة المقتضبة يقترب من أسلوب وسائل الإعلام في استغلالها للسياق الدرامي للأحداث اليومية، فتوجزها في عنوان براق وسطور قليلة تلخصها تحت عنوان، لتصبح الأخبار جذابة ومغرية، وهو ما يزمعه ويحققه خوسيه مورينو في مسرحياته المتناهية الصغر، إذ تشكل ومضات درامية في رأي النقاد.

 ويتميز مسرحه بالإيعاز والإثارة وبالإيجاز في البنية والسياق، ويشحذ الوعي الاجتماعي والفني لقرائه ومتفرجيه من خلال الحد الأدنى من الكلمات والمواقف. هذا النوع من المسرح المقتضب مسمى وضعه خوسيه مورينو لمسرحياته القصيرة وقد أصبح بمثابة علامة تجارية مسجلة ترتبط به حسب مسرحي آخر هو خيرونيمو لوبيث موثو. ويشير المؤلف إلى أن مسرحه مرآة تعكس ظلال أشخاص يحاولون البقاء على قيد الحياة في مجتمع يحيط به هو شخصيا ويشارك فيه، وسط أقوال مطروقة وقوالب اجتماعية مؤطرة سلفا.

أما تقنية المسرح داخل المسرح، ميتاتياترو، فتقوم على أساس فكرة أن الواقع ليس تمثيلا دراميا وأن الأشخاص الحقيقيين شخوص في مسرح. وهو تداخل عوالم مختلفة في مسرحية واحدة، نصا وإخراجا.

خوسيه مورينو أريناس يبحث عن إثارة ضمير القراء والمتفرجين وتحريضهم على المشاركة الفاعلة في الفعل المسرحي

وهذا يعني وجود أسلوب كتابة، تأملي، أو ذي وعي ذاتي يذكر المتلقي بأنه أمام عمل من وحي الخيال، يعمل على تعقيد العلاقة بين الخيال والواقع، لنقع في الحيرة التي يسببها عدم القدرة على معرفة أين ينتهي الواقع ويبدأ الخيال.. ومسرح خوسيه مورينو خير نموذج على هذا، أعني تقنية المسرح داخل المسرح التي تتجلى أكثر في تلك المسرحيات القصيرة التي لا تلجأ إلى الكلمة، الحوار المسرحي.

ويخلص سالم في مقدمته لمختارات خوسيه مورينو المسرحية إلى أن الطرح الذي تتضمنه المسرحيات القصية تميل في موضوعاتها وحبكاتها إلى أقصى حد من الاقتضاب، إلا أن تعقيدها وبعدها واسعان إلى أبعد الحدود.

والحبكة وحيدة وقصيرة في حين أن المضمون موجز ويسير في اتجاه واحد، خطي، وتتجلى الفكرة في جوهرها، بلا إضافات فائضة. يستغني عما هو حشو، تكميلي، عن كل ما من شأنه أن ينحرف بالانتباه.

وفي هذا السياق يظهر إيقاع العمل المسرحي سريعا، وتجري الأحداث وتدور في عجلة دون استمرارية وهنا يصبح زمن الحبكة قصيرا.

 كل هذا يحدث بغية التأثير في المشاهد أو القارئ قدر الإمكان، فيصبح مجبرا على تخطي حدود الاكتفاء بمشاهدة ما يقع على خشبة المشرح أو بين صفحات المسرحية التي بين يديه.

الاثنين، 13 أغسطس 2018

مسرح لوركا.. جمال الحياة الطبيعية دون تكلف!

مجلة الفنون المسرحية

مسرح لوركا.. جمال الحياة الطبيعية دون تكلف!

جابر طاحون

"كان ومضة متجسدة من الاستنارة. قوة في حركة دائمة، مهرجان رائع، وجملته سحر مذهل. وجوده مدهش، ذهبي، السعادة تتدفق منه"
 (بابلو نيرودا عن لوركا)

ولد لوركا عام 1898 بقرية صغيرة غرب غرناطة، واستطاع أن يكوّن لنفسه شهرة كبيرة كشاعر ومتحدث موهوب إلى جانب كونه موسيقيا عبقريا قد تتلمذ على يد "فردي" صاحب أوبرا عايدة (ومن قبله دي فالا)، وكذلك كونه رساما، وحجز لنفسه أيضا مكانته كمسرحي مهم، رغم كونه معروفا بشاعر الغجر الذي أحب الأرض وجودا وانتماء.

كان لوركا تجسيدا للروح الإسبانية، ويعتبر نفسه "أخًا لكل الرجال"، عاش في شبابه قريبا من الطبقات الشعبية، وهو المولود لأب مزارع وفارس على درجة من الغنى، وأم معلمة من أسرة مرموقة، كان أكبر أبنائهما ومرض مرضا خطيرا في طفولته حرمه من اللعب، واستعاض عن ذلك بالحس وقوة الخيال وثرائه الروحي.
  
انتقل إلى مدريد عام 1919 عملا بنصيحة لوس ريوس، وفي مدة قصيرة استطاع أن يكوِّن لنفسه شهرة كشاعر ومتحدث موهوب، وموسيقي عبقري وكذلك رسام. وكان بين أصدقائه هناك، سلفادور دالي، جيراردو ديجو، والشاعر لويس يونويل الذي أصبح فيما بعد من أشهر مخرجي الأفلام. وانتقل بعد فترة إلى أميركا، وعاد إلى إسبانيا مرة أخرى عام 1930، وفي نيته الاتجاه لمنحى جديد في حياته، وهو الاتجاه للمسرح (كانت لعبة طفولته الأولى مسرحا للعرائس).
 

مسرح لوركا 

في سنة 1953 قال لصحفي كان قد أجرى معه مقابلة: "لقد بدأت بالعمل ككاتب مسرحي لأني أشعر بالحاجة إلى التعبير عن نفسي من خلال الدراما، ولكن ليس هذا مبررا لإهمال الشعر الخالص، ومن ناحية ثانية فإن الواحد في وسعه أن يعثر على الشعر الغنائي الخالص في مسرحية كما يعثر عليه في قصيدة".(1)

   
بدأ لوركا كشاعر ما بعد الرومانتيكية، تلميذ مفرط الحساسية لخوان رامون خمينس الذي طبع أسلوبه الحميمي وحساسيته المرهفة الجيل كله، وأنهى مسيرته كمسرحي يتزايد لديه الوعي بضرورة التخلص مما في أعماله من الثقل الغنائي الذي أبطأ إيقاع أعماله المسرحية الأولى. ولد كشاعر وصار مسرحيا عبر مشتقات متواصلة وانغماس شخصي. كان يتعلم وهو يعمل ليصبح عامل مسرح ومسؤول ديكور ومديرا وممثلا، قبل أن يسيطر على كل مظاهر التكنيك المسرحي ليبدأ الكتابة، ويكتب بعد ذلك أكثر أعماله المسرحية طموحا. وكان يقول عن المسرح إنه من أهم الوسائل تعبيرا، وأفيدها في بناء البلاد، والذي يحدد عظمتها وضآلتها: "يا للمساكين، هناك ملايين من الناس لم تشاهد عرضا مسرحيا واحدا". (2)

 
امتزجت الرومانسية والغنائية والدرامية في أعمال لوركا. الغنائية الرمزية تدين بصفائها إلى الشعور الفردي للشاعر المنعزل، والدراما تأسست على التعاطف والتفهم وحركة التغيير ومعنى الحدث. كان لوركا قد اكتسب فهما ووعيا بالدعابة والسخرية لمعايشته الغجر والطبقات الشعبية، لذا كان هناك العديد من الأغاني الساخرة في العديد من مسرحياته وأعماله الشعرية. وتتضح التعابير العامية في أغنية "انفرمو" في مسرحية "دون كريستوبال" وفي أغنيات الأم في مسرحية "دون روزيتا".

المسرحيات الأولى
ألّف لوركا في أول الأمر مسرحيات لصالح مسرح العرائس، وثبّت قدميه على المسرح بعد عرض ونجاح مسرحيته "ماريانا بينيدا"، وكتب مسرحياته "العرس الدامي" و"روزيتا" و"برما" و"بيت برنار ألبا" لما كان مديرا للمسرح المتجول "البارّاكا". في مسرحيته الأولى "الفراشة" تنصهر لديه الرومانسية والغائية، كتبها في الوقت الذي كتب فيه قصائده الرمزية الأولى، والحركة بعوامل الإلهام في قصائده التي تتناول الحيوانات والحشرات. وبجانب الكثافة، وخاصة حين يستوحي حياة الغجر، فإن عمله الدراماتيكي قد تطور بمحاذاة شعره، في الأسلوب والمزاوجة بين الخاص والشعبي.
  

مسرحية لوركا "ماريانا بينيدا"
  
بعد عدة أعوام من "الفراشة" بدأ لوركا مسيرته المسرحية الفعلية بمسرحية "ماريانا بينيدا" المستوحاة من الطابع الشعبي. وفيها صهر الرومانسية بالعناصر الكلاسيكية في المسرح، وقيادة ذلك نحو اتجاه معاصر. الموضوع التاريخي ومشاعر الخلفيات والبطل كملاك مُضحًّى به، أخذ كل ذلك في جانب العنصر الرومانسي. وأخذ في جانب العنصر الكلاسيكي الروح الجوهرية والجوهر الدرامي. ورغم كون العمل يفتقد للأبعاد المسرحية بعض الشيء، فقد خرج في صورة لوحة ثابتة، وحواران فقط يجريان بين بدروسا وماريانا. الصدام بين الإرادات التي يبدو أن العمل كان سيفتقر إلى العنصر الدرامي بدونهما. رسم لماريانا رسما أوليا هزيلا بالنسبة للصراع الداخلي لها وظهرت من البداية كبطلة موجهة نحو المصير المحتوم. ظهرت كصورة مجسدة للتضحية دون أمل في إنقاذ نفسها، حتى الحب لم يؤكد لها شيئا ليغير موقفها من الاستسلام.

تدين المسرحية للتوليفات الغنائية وحضورها سواء كانت منفصلة عن الحدث أو معاكسة للفعل الدرامي. ورغم كون المسرحية تفتقر إلى بعض النضج في محاولته تجربة تكنيك جديد ونقص الصقل أثناء ذلك، فإنها على درجة من الأهمية يظهر فيها الحس التراجيدي والذوق الجيد والجمالية التي تنقذ الضعف أحيانا إضافة إلى الوعي بالتجديد.
   
تلت مسرحية "ماريانا بينيدا" ثلاث مسرحيات قصيرة، أتت أكثر قوة في البناء الفني وأظهر فيها لوركا ثقة أكبر وحضور الحس الساخر الذي أحسن تأطيره والوعي به. كُتبت المسرحيات الثلاث في الفترة بين 1929 و1931. جاءت المسرحية الأولى "غرام برلميلين بيليسا في بستانه" الأكثر غنائية فيهم في إطار ساخر عام 1933 رغم كتابتها قبل ذلك بمدة طويلة. وجاءت "الإسكافية العبقرية/العجيبة" نموذجا للسحر الفلكلوري عام 1930. وآخرهم مسرحية "دون كريستوبال" الهزلية التي قُدّمت لأول مرة في المسرح الإسباني بمدريد عام 1930.
   

العرس الدامي ويرما
" أنا الآن أرى بوضوح الوجهة التي يجب أن يتطور فيها مسرحي"
 (لوركا)

في الوقت الذي أخرج فيه لوركا ديوانه "شاعر في نيويورك"، أو بعدها بقليل، كان مناخ السريالية مسيطرا في فرنسا وانعكس مناخه في إسبانيا. وكتب "لو مرت خمسة أعوام" وبعض مشاهد من مسرحية "الجمهور" بحضور واضح للسريالية. الجو الوهمي، مسحة الحسية الشاذة، الشخصيات الخيالية، مشاهد الدم والصور العنيفة المختلطة بالسخرية.

جاءت مسرحيات "العرس الدامي" و"بكائية المصارع" و"يرما" لتؤرخ لمرحلة النضج في أعمالل لوركا، جنبا إلى جنب مع أحد أفضل أعماله الشعرية "الرومانسيرو جيتانو" و"الغناء العميق". جاءت مصقولة أكثر، نقية وبسيطة بصيغة فنية أكثر تكاملا واتساقا. حضور للجوهري أكثر من الهامشي والروعة الفنية الصافية على حساب الزخرفة.

عُرضت "العرس الدامي" لأول مرة في مدريد التي كتب فيها أغلب شعره عام 1933. ظهر في المسرحية التعبير السليم متفوقا على الكثافة العاطفية، وحضور الحيلة والأغنيات مكان الحياة والطبيعة. عنفوان كامل كأنه تعبير عن الرغبة في كماله الذاتي. تقول الخطيبة: "أنا امرأة محترقة، مليئة بالحروق الداخلية والخارجية. وابنك هذا قطرة ماء، أنتظر منها أولادا وتربة خصبة، وعافية". وقد تحولت المسرحية إلى فيلم تحت عنوان "La Novia" العروس، من بطولة إنما كويستا (Inma Cuesta) بطلة فيلم "La Voz Dormida".

   
وفي "يرما"، المسرحية التي بمناسبة عرضها المئة ألقى مرثيته الرائعة "بكاء اخناثيو سانشيز ميخياس"، والتي قالت عنها إحدى ممثلاته: "إنها مأساة فيدريكو نفسه"، وتحتل موقعا فريدا بين أعماله بجانب دون روزيتا (أهم شخصيات مسرح لوركا النسائية)؛ عادت الاتجاهات العاطفية للظهور ولكن بصورة أكثر غنى وتجارب أكثر تطورا، وتوازن بين الغنائية والدرامية ووحدة العناصر الشعرية.

 



     

لوركا ما بين إليوت ويتس
المسرح الشعري استمد قوته بشكل كبير من "و. ب. يتس وتي إس إليوت". وربما كتب لوركا المسرح الشعري على طريقتهما، ولكن مسرحه تميز بأنه لم يكن خاصا بالصفوة، كما اتسمت مسرحياته بالحياة الطبيعية فوق المسرح، دون لجوء إلى التنظير أو التكلف في البناء المسرحي.

 
بدأ يتس وإليوت بكتابة الشعر قبل التأليف المسرحي، ولكنه شعر بالحاجة إلى قصة، وإلى صيغة تجعل المسرحية نفسها شعرية. وقد رأى كل منهما ذلك في الأسطورة والشعائر، فانطلق يتس ابن الأساطير الأيرلندية إلى الصيغ الإنجليزية عن أوديب وإلى صيغ قائمة على نفي المسرحة. أما إليوت فجرب الأساطير اليونانية وتبنى صيغ الشعائر والطقوس المسيحية. وقد أثبتت تلك التجارب أنها موحية وناجحة بشكل كبير.

 
أعمال يتس كانت تحمل طابعا ميلودراميا غنائيا لكنها تفتقد إلى التواتر وتنوع الحركة، ومسرحيتا إليوت "جريمة في كاتدرائية" و"اجتماع شمل العائلة" تسطع بوضوح ثم تبدأ في الخفوت. واعترف إليوت هو نفسه بذلك؛ صعوبة العثور على الصيغة الشعرية الملائمة للمسرح، وأن الحل هو استخراج النظم الشعري المناسب الذي يصلح للعمل فوق المسرح.

 

وعوّض لوركا ذلك بدمغ مسرحه بعبقريته وتفرده والتوليفات التي اجتمعت في شخصه والتي هي جزء حميمي من إبداعه، بجانب التراث الإسباني الذي كان يُظهِر حيوية جديدة وواضحة.
اعتمد لوركا في مسرحه على قصص ذات مسحة أسطورية معتمدا في ذلك على المصادر الشعبية الإسبانية المتمثلة في الحكايات الشعبية المعروفة باسم "بالاد" ذات الصبغة الشعرية، والتي بطبيعتها حكاية ووضع وشخصيات متناقضة وحدث له معنى. وحين جسدها لوركا على المسرح بجانب إظهار الغنائية الشعرية، والتواتر والتناقض، كان حريصا على أن يحتفظ بمشاعرها وحميميتها مثل أغنية أو قصة ترويها إحدى الجدات.
 

الشعر في المسرح


 

أعمال لوركا المسرحية لم تنفصل عن أعماله الشعرية، هو نفسه لم يكن يعترف بمسألة الحدود الغنائية والدرامية، هو يكتب الشعر والمسرح معا ولا يشغله شيء غير ذلك. أراد أن يعيد للمسرح الشعري مكانته، عبر اللغة كمفتاح والشاعرية والعناصر الفنية كعوامل مساعدة.

حاول لوركا استبدال شعر المسرح بالشعر في المسرح، والتأثير الشعري بالانتقال من صورة إلى أخرى وكان يقول: "الشعر في مسرحي يكمن في الصور وليس في النص". ويقول روبيرتو سانشيز في كتابه عنه: "إن لوركا عبقرية مسرحية أكثر منه موهبة درامية خالصة، فهو على سبيل المثال لا يملك الدافع الأخلاقي والفكري الذي يتوفر للكاتب المسرحي إبسن، وهو قليلا ما يتعامل مباشرة مع المشاهد أو القضايا المعاصرة، وهو عادة يعثر على المفتاح إلى المسرحية في الرسم أو الموسيقى أو الشعر أو في المسرح نفسه أيضا". (3)
 
يبهرنا التأثير الشعري الذي نجده في مسرح لوركا بانتقاله من مشهد إلى آخر، الحساسية الشعرية في تسلسل أحداث المسرحية. التأثير الشعري لهذا التسلسل في أحداث مسرحياته كثيف ومباشر، ويخرِجه لوركا من تآلف عناصر قد تبدو تقليدية وقديمة. ومحاولة استخراج الشعري في مسرحه لا تكون بالاكتفاء بالفقرات مهما كان جمالها، بل بالالتفات إلى حركة المسرحية في جملتها. يكمن الشعر في الشخصيات وعلاقتها ببعضها، فكرة كل شخصية الخاصة بها، تناقضها واتساقها.

 

لوركا والموت
 "كم للموت من أطفال؟ جميعهم في صدري". (4)

  
الموت يتوارى خلف كل شيء، ونلتقي به في أقل الأماكن التي نتوقع أن نلتقي به فيها. يفهم لوركا الحياة ويحس بها عبر الموت، والموت هو مصير شخصيات لوركا التي خلقها، سواء في شعره أو مسرحه، يكون الموت نهايتها.

 
في "العرس الدامي" لمن ستكون العروس؟ لعريسها أم لليونارد؟ هذا الرجل الآخر الذي يجتذبها بسحره وتميل العروس إلى ليونارد وتهرب معه، ولكن من هي حتى تقرر؟ الموت، المتنكر في هيئة امرأة عجوز شحاذة، هو الذي يقرر كل شيء، وهو الذي يقرر أن يضع الرجلين وجها لوجه، يتقاتلان ويموتان. "يرما" تقتل زوجها وأطفالها. وفي "بيت برنار إلبا" تتشوق امرأة إلى رجل يختبئ خلفه الموت، فيموتان معا.

   
ترك لوركا أعمالا غنية كحياته في مجالات فنية عديدة، لدرجة يصعب معها تصنيفه. وترك بالأخص مسرحا متنوعا، كان الحب ركيزة فيه، وحضرت فيه الشعرية الأصيلة، عمق الطبيعة، الدعابة والسخرية، الحس التاريخي، والمزج بين أشد المظاهر تناقضا. وعُرضت أعمال لوركا في أماكن كثيرة حول العالم: أميركا، كوبا، برشلونة، مدريد. عَبَرت أعماله الزمن، بعد أن فشل جسده في العبور. موته كان على يد عساكر فرانكو، بعدما اقتيد فجر19 أغسطس/آب 1936 إلى حقل أشجار الزيتون، في مكان غير بعيد عن "عين الدمعة ". وجثته كانت شبه متروكة على جانب طريق، وغير معروف من نبش جثته وأين دُفن. (5)

-----------------------------------------
المصدر : الجزيرة

الجمعة، 11 أغسطس 2017

أزمة اللغة في "المسرح الجديد" في إسبانيا

الجمعة، 19 مايو 2017

التجريب في المسرح الإسباني في مطلع القرن العشرين: بايي إنكلان وغارسيا لوركا ورافائيل ألبيرتي / إيزابيل نيجرينا "باحثة إسبانية "

الثلاثاء، 26 يوليو 2016

2016 عام الكاتب المسرحي الاسباني رامون فايي إنكلان: بذراع واحدة أثرى الأدب الاسباني مثل مواطنه سيرفانتس

مجلة الفنون المسرحية

بعد حلول الذكرى الثمانين لرحيل رائد المسرح الاسباني المعاصر الكاتب فايّي إنكلان (1936ـ1866) مافتئت «مؤسّسة فاييّي إنكلان» الاسبانية الثقافية التي تُعنى بآثاره وأعماله تحتفي بسنة احتفالية كاملة في اسبانيا وفي العالم الناطق باللغة الاسبانية على أوسع نطاق بهذا الكاتب المسرحي خلال العام الجاري، حيث تحلّ الذكرى 150 لميلاده. وتتوفّر هذه المؤسّسة في الوقت الرّاهن على مسرح يُعنى بالأعمال الإبداعية، والمسرحية، والدرامية لهذا الكاتب، كما تعتزم هذه المؤسّسة التي تحمل اسمَه إصدارَ مجلة أدبية دورية تحمل اسمَ أحد أعماله المسرحية وهي مسرحيته الشهيرة «برادومين» التي كانت حققت نجاحاً كبيراً في حياته وبعد مماته، كما تزمع المؤسّسة نشر أعماله الكاملة في مجلّدين كبيرين، سيضمّ الاوّل إبداعاته النثرية، ويتضمّن المجلد الثاني أعماله المسرحية والشعرية والقصص. وأشارت المسؤولة عن هذا المشروع مارغاريتا سانشيس إلى أن المجلدّين سينشران في غضون 2017. كما عملت هذه المؤسّسة على إحياء احتفاليات وتظاهرات وملتقيات ثقافية وأدبية، وتنظيم عروض مسرحية وسينمائية وموسيقية، وإقامة معارض وندوات، فضلاً عن إقامة مسابقات أدبية في القصّة، والمسرح، وإنشاء كراسي أستاذية جامعية تحمل اسمَه، في مدينة «سانتياغو دي كومبوستيلا» وفي بعض المدن والمناطق الاسبانية التي عاش فيها الكاتب، وفي العالم الناطق

الأربعاء، 25 مايو 2016

محاكاة للمسرح العالمي في مهرجان المسرح الدولي في اسطنبول

مجلة الفنون المسرحية

مهرجان المسرح الدولي العشرين في اسطنبول يقدم مجموعة من أروع الأعمال المسرحية والراقصة التركية والعالمية. من أبرز الأعمال لهذا العام مسرحية إيرانية بعنوان “أكثرُ قليلًا كلَّ يوم”. يشير عنوان المسرحية إلى قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف المتغيرة ومع مجتمع يشهد تطوراً مستمراً. الشخصيات الرئيسية للعمل هن ثلاث نساء يتبادلن الحديث عن ماضيهن وحاضرهن ومستقبلهن، في ظلام المطبخ. وقالت المخرجة افسانة ماهيان التي حدثتنا عن هذا العمل: “بطريقة أو بأخرى هذا مسرح وثائقي، ما يعني أننا اعتمدنا على قصة واقعية. قمنا بتكييف وصياغة تلك القصة لتؤدى على المسرح. تدور المسرحية حول المشاكل الاجتماعية للشعب الإيراني في قالبٍ أنثوي، فجميع الشخصيات من النساء، وهن يتحدثن عن حياتهن وجميع الأحداث اليومية في حياة كل امرأة”.

السبت، 23 أبريل 2016

مسرحية " فوق الصفر" عرض مسرحي راقص على خشبة "دوّار الشمس" الحرب في منظار فرقة "كون" السورية بإخراج أسامة حلال

مجلة الفنون المسر حية

من ضمن مهرجان "دي كاف" الذي تجري عروضه في القاهرة وتشارك فيه فرق من العالم كافة، آثرت فرقة "كون" السورية، لعدم تمكنها من تقديم عرضها "فوق الصفر" في مصر، أن تكون لها في بيروت خشبة مؤاتية لعمل استوحته من قصائد برتولد برشت التشاؤميّة، التي تردد في نهاية كل مقطع "أعيش في الأزمنة الداكنة"، ولعل أساساته شيّدت لها قصيدتها التعبيرية، الحيّة، حيث الإنسان المضطهد، المرسل بأدوات العنف والتعذيب إلى الموت أو الجنون، يرسم حدود جسده لا بالكلمات الشعرية بل بخطوط جارحة، نازفة، يشاركه الجمهور الجالس في مقاعده أحاسيسه المشرئبة، مخاوفه، وهربه من فخ ليقع في آخر.

الجمهور ليس من قارة بعيدة عنه، بل هو من ضلع هذا الإنسان الذي يمثّل على الخشبة حياته، أي بكلمة أخرى، ذلّ الحياة، قهرها، المجهول الذي بات صيغة تصرّف عليها أفعال القتل والدمار والإبادات، في سوريا، في العراق وعلى الحدود اللبنانية. في مجيئنا بهذا الكم الواسع من الناس لحضور "فوق الصفر" لمخرجها أسامة حلال، وأداء راوية الشاب، سارا الزين، ستيفاني كيّال، انطوان بوغيير، ماري تيريز غصن، عامر البرزاوي وحسّان رامح، كأننا كنا بمازوشيتنا المتأصّلة فينا، نمارس تعذيب الذات، وفي آن واحد نشارك الممثلين، واقع حياتهم، جزءاً لا يتجزأ منهم.
المشاهد المغمّسة بأفكار عبثيّة سوداء، ورموز عنيفة لا يفقه معانيها سوى من كتبوا النص الصامت إلاّ من الحركة الشبيهة غالبا

السبت، 9 أبريل 2016

لوب دي فيغا: أمير المسرح الإسباني /إبراهيم محمود الصغير

مجلة الفنون المسرحية

لوب دي فيغا) علم من أعلام المسرح الإسباني، ومن أهم أدباء إسبانيا في عصر النهضة، وهو أحد أهم وجوه (الباروكية) الإسبانية، أي المرحلة الكلاسيكية في إسبانيا، وقد افتتح أول الطرق لبناء ما يدعى (المسرح القومي الإسباني)، وكان قد شكل مع معاصره الشهير (سيرفانتس)، ومن قبله (لوب دي رويدا)، ومن ثم (كالديرون)، أحد تلاميذه ومنافسيه، الذي جاء بعده، كان قد شكل معهم الصرح المسرحي العظيم لإسبانيا. إلا أن (لوب دي فيغا) كان أشهرهم في مجال المسرح(1)، وقد شهد له بذلك (سيرفانتس)، معاصره ومنافسه العظيم، وأقر له بالتفوق الفريد في مجال المسرح، ونصبه ملكاً للمسرح، حيث يقول في مقدمته لمجموعة مسرحياته: «ثم لم يلبث أن برز أعجوبة الطبيعة، وغولها الخارق، (لوب دي فيغا) العظيم، فتربع على عرش الكوميديا، وأصبح جميع المؤلفين من رعاياه، وملأ الدنيا بأعماله الموفقة المحكمة.» كما تأثر به، تلميذه ومنافسه العتيد (كالديرون) إلى درجة كبيرة. وليس من الغريب أن تعتبره إسبانيا أعظم كاتب عرفته في تاريخها. وهو في ذلك لا يقل أهمية عن (شكسبير) بالنسبة لانكلترا، أو (موليير) بالنسبة إلى فرنسا. وقد أعجب الشعب الإسباني به إلى درجة أنه كلما شاهد أو قرأ عملاً عظيماً، كان يقول هذا من عمل (لوب). «لقد بلغ من تقدير عامة الناس له أن اسمه دخل اللغة الإسبانية كعلم على أغلى ما يتداوله الناس من ذهب وفضة وحرائر. فإذا أراد بائع أن يعلي من شأن ما يعرضه من سلع نادى عليه باسم (لوب). وإذا أراد رسام أن يسمي إحدىلوحاته بأرفع الأسماء أطلق عليها اسم (لوبي). فأصبح اسمه نعتاً للرفعة والسمو.»(2)

الأربعاء، 6 يونيو 2012

إطلالة على المسرح الإسباني المعاصر

مجلة الفنون المسرحية

إطلالة على المسرح الإسباني المعاصر

محمّد محمّد الخطّابي :

 بمشاركة 23 فرقة مسرحيّة عالميّة تنتمي لتسع دول،كان قد إنطلق في 9 ايار/ مايو المنصرم المهرجان الدّولي 'الخريف في فصل الربيع للمسرح' لمدينة مدريد ، في دورته التاسعة والعشرين، ومن المنتظر أن تختتم فعاليات ووقائع هذا المهرجان يوم 3 حزيران/يونيو الجاري2012، وقد قدّمت خلال هذه الدّورة العديد من العروض المسرحية المنوّعة بمشاركة صفوة ممتازة من المخرجين والممثّلين العالميين، الذين ينتمون إلى مختلف مدارس الفنون المسرحية العالمية الحديثة، وفي مقدّمتهم بيتر بروك، وسيمون ماكبورني، وروبير لوباج وسواهم.
ومن البلدان المشاركة هذا العام: فرنسا، بلجيكا،بريطانيا،البرتغال،إيطاليا، كندا،الدانمارك، بولونيا بالإضافة إلى إسبانيا البلد المضيف. قدّمت هذه العروض، التي بهرت عشّاق المسرح من الجمهور، والمثقّفين والنقّاد، على خشبات العديد من القاعات المسرحية المنتشرة في مدريد وضواحيها وأرباضها. كما قدّمت ضمن فعاليات هذا المهرجان الرّبيعي كذلك بشكل مواز العديد من عروض الرّقص، والغناء، والموسيقى المختلفة، ولقد حوّل هذا المهرجان العاصمة الإسبانية في الأيام الأخيرة إلى عاصمة للمسرح الأوروبي، وقبلة للفنون والإبداع.
وحريّ بنا بهذه المناسبة أن نلقي نظرة عجلى على ثلاثة نماذج لأبرز المسرحيّين الإسبان في هذا العصر وهم: 'فاييّي إنكلان'، و'بويرو باييخو'، و'لويس ريّاثا'، الذين يمثلون إتجاهات مختلفة للنصّ الدرامي في المسرح الاسباني في حقب متفاوتة من تاريخنا المعاصر .
يتميّزالمسرح الاسباني على إمتداد تاريخه بالتنوّع والغنى والثراء، سواء في مواضيعه أو نصوصه أو جوهره.
ومنذ كتّاب المسرح الاسباني الكلاسيكيين الاقطاب أمثال 'فرناندو دي روخاس'، و'لوبي دي فيغا'، و'كالدرون دي لا باركا'، و'تيرسو مولينا '، و'خوان رويث دي ألاركون' ما فتئ المسرح الاسباني يحقق نجاحات تلوالأخرى في مختلف العصور، وقد بلغ أن قدّمت في مدريد وحدها منذ بضع سنوات في وقت واحد ما يقارب خمسين مسرحية تمثل مختلف الاتجاهات والمدارس المسرحية المتباينة. كما يعرف المسرح الاسباني نجاحات كبيرة كذلك خارج اسبانيا خاصة في أوروبا وفي بلدان أمريكا اللاتينية.

إنكلان وثورة النصّ
التيّارات الجديدة التي عرفها المسرح الغربي انطلاقا من عام 1887 في كل من باريس وبرلين وموسكو ولندن تعتبر انعطافا في تطويرهذا المسرح، حيث عرفت المواضيع الاساسية المتعلقة بالعروض المسرحية تطوّرا هائلا مهّدت السبيل الى ظهورالمسرح الحديث الذي سيصبح من أبرز رجالاته' برتولت بريخت'، و'أرثور أداموف'، و'جان جينيه '، و'غروتوسكي'، و'بيتر بروك'، وسواهم الذين يعتبرون برمّتهم من الوجوه المشعّة في تاريخ تطوّر المسرح الاوروبي. هذا التيّارلا يعتمد على الصورة المسرحية بقدر ما يعنى بجوهرالنصوص، هذه النقلة في عالم المسرح في اسبانيا قام بها الكاتب الاسباني 'فاييّي إنكلان' إنطلاقا من سنة 1906حيث بدأ يتجلى الابداع المسرحي في الورق والكتابة قبل أن يظهر على الخشبة بواسطة الإخراج المسرحي. وهناك نصّان بارزان لهذا المبدع هما 'نسر المجد' و'غنائية الذئاب' حيث بدأ مرحلة جديدة في الفن الدرامي في اسبانيا، وتغلف هذه النصوص أجواء من الظلام، والطلاسم، والموت، والدم، والعنف، والقساوة وعناصر أخرى ظلت بمنأى عن النصوص المسرحية الاوروبية وعن خشبات المسارح الغربية بشكل عام .لا تحتاج نصوص 'فايّيي إنكلان' سوى الى حيّز رمزي لابلاغها للجمهور، و تغدو كلمات شخصياته حليفة الضوء واللون والصّوت ولصيقة بأجسام الممثلين وحركاتهم ومواقعهم، ذلك انّ هذه النصوص تتوفر على قوّة سحرية ليس إنطلاقا من ثراء مضامينها وحسب، بل وبشكلها وإطارها ووقعها وتنغيماتها، هذه النصوص هي ذات طابع إجتماعي ونفسي في آن واحد، إذ لا يقوم العالم الدرامي لدى الكاتب سوى على النطق والقراءة كما كان الشأن في النصوص الواقعية، بل انه لصيق بالجّو الرمزي الجديد، أيّ طغيان الكلمة باعتبارها الخاتم الجديد لمسرح القرن العشرين. إنّ 'فاييي إنكلان' بهذا الاتجاه الجديد لم يكن كاتب نصوص وحسب، بل كان ممثلا ومخرجا مسرحيا في آن واحد داخل نصوصه نفسها. وهذا المنحى المسرحي لدى' إنكلان' ليس هروبا من الأعراف المسرحية او نكرانا لها بقدر ما هو عودة الى ينابيع الدراما، وانغماس في معايشة الفن المسرحي في أجلى معانيه وصوره. انه بهذا الاتجاه مثلما هو عليه الامر في التراجيديا الكلاسيكية يمثل رجوع الانسان الى رؤاه الأولى المبكرة للعالم الحافل بالأسرار والغوامض، هذا العالم المغلف بلغز التساؤل الأبدي، وما يتراءى له في نصوصه من شخصيات غريبة تتعانق فيها الخيالات وأضغاث الأحلام باللا وعي والهذيان. انّ فاييي إنكلان باتجاهه هذا قد أعاد الاعتبار لبعض الأبطال الكلاسيكيين الذين نعرفهم، انّ الاشكال المسرحية في نصوصه هي الحلقة الواصلة بين جيري وبريخت، أو أرتولد وأونيسكو أي بين المسرح الملحمي أو الحماسي ومسرح اللامعقول.

فايّيخو والدراما التاريخية

إنّ رؤية العالم التي تقدّمها لنا الدراما التاريخية هي نتيجة تداخل عملية تركيب ايديولوجي للحقيقة التاريخية بواسطة الكاتب بمساعدة المتفرّج ،هذا التركيب عادة ما يكمن في بنيوية رؤية الماضي عن طريق تلاقي الكاتب والمتفرّج في الحاضر، وانّ البعد القائم بين الزمنيين يغدو ملكا للسرد التاريخي. ذلك انه من أهم المميّزات الاساسية للدراما التاريخية القدرة على الربط بين الماضي والحاضر، وهنا تكمن مقدرة 'بايخو' في الوساطة التراجيدية بين الزمنيين. وخير مثال لدى الكاتب مسرحيتاه 'حكاية معلم' و'الظلام الملتهب' حيث تعتبر هاتان المسرحيتان تقصّيا مهووسا للظرف التراجيدي للإنسان كعنصر بارز من عناصر التاريخ. بل انّ هذا الهاجس في تقصّي عامل الزمن نجده في مسرحيتين أخريين للكاتب هما 'الحاكم للشعب' و'الإنفجار'، انّ الفرق بين الضمير المعتقدي والضمير التراجيدي لا ينحصر في تقبّل الحقيقة او تغييرها، بل على العكس من ذلك يكمن في عدم قبول إنشراح المتفرّج باجابة او تفسير يؤدّيان الي تلاشي الصراع القائم، ويحوّل الضمير التراجيدي عملية التساؤل الى تناوش تراجيدي وذلك بتفجير السؤال نفسه على خشبة المسرح ،وبالتالي نجعل المتفرج مشاركا بالضرورة في البحث عن الاجابة ليس على خشبة المسرح وحسب بل في الحيّز التاريخي كذلك. والاجابة رهينة بطبيعة الحال بمقدرة وكيفية تلقي المتفرج للسؤال وفهمه واستيعابه.
إنّنا اذا تأمّلنا مسرحيات 'باييخو' فسوف نجدها حافلة بهذا العنصر التساؤلي التاريخي، وهو بذلك يزيد في مضاعفة وظيفة الاعضاء السمعية والبصرية لدى المتفرّج، وتنشيط السّمات الكلامية لديه فتغدو التراجيديا عنده وسيلة مفتوحة وليس مغلقة، لانه بذلك يستبدل مفهوم القدرية بالحرية، محوّلا إيّاها الى المحور المحرك لنظرته التراجيدية للتاريخ ،وبذلك تغدو المسافة الممتدّة بين العطاء والاستقبال أيّ بين الكاتب والمتلقي للنصّ هي المسافة القائمة بين الضمير التراجيدي وتساؤله، والضمير وجوابه. وبذلك تتحوّل الدراما الى حقيقة تاريخية ويظل المتفرّج هو وحده باستطاعته تخطّي الحواجز وتجاوزها في سباق التاريخ.
وتتميّز الرؤية المسرحية لدى الكاتب المسرحي الاسباني 'لويس رياثا' إنطلاقا من مسرحيته 'الحصان داخل السور' بهالة من السخرية والترف والتهكّم في أجلى مظهره في المسرح الغربي الحديث، انّ الكاتب بدل ان يتقبّل مختلف الاشكال التجريبية للمسرح الجديد المنتشر بين ضفتي المحيط اي بين اوروبا وامريكا، يلجأ الي صنع أسلوب مسرحي جديد خاص به.ان قارئ نصوصه، وهو يأتي مباشرة بعد موجة العبث، لكي يتسنّى له فهم ما يقرأ لا بدّ له ان يقيم عددا من الوسائط او الصلات بين النصّ والعرض نظرا لتكاثف الرموزعنده وتداخلها ،وتفجيره لعنصرالأنا ولهويّة الممثل والمتفرج في آن واحد.

المسرح الإسباني والتراث الأندلسي
وتجدر الاشارة الى ان المسرح الاسباني على امتداد العصور قد استقى غير قليل من مضامينه وموضوعاته من التراث العربي والحضارة الاسلامية في الاندلس، كما يشهد بذلك معظم الدارسين والمستعربين الاسبان وغير الاسبان على حدّ سواء. حيث حفلت العديد من الاعمال المسرحية الاسبانية القديمة منها والمعاصرة بالاشارات الواضحة الى المظاهر الحضارية والثقافية وإبراز مواقف الشهامة والشجاعة والنبل والكرم والأنفة عند العرب والمسلمين. وتتجلى مظاهر هذا التأثير منذ القرون الوسطى وفي العصر الذهبي للمسرح الاسباني، أيّ منذ عصر الرومانسيين القدامى الى المجدّدين من المسرحيين الاسبان في القرن العشرين. ومن أبرز الكتاب الاسبان في هذا المجال على سبيل المثال وليس الحصر- 'فرانسيسكو فييّا إسبيسا' حيث شكلت المواضيع العربية في أعماله عنصرا أساسيا لإبداعاته الادبية والمسرحية على اختلافها. وقد حقق هذا الكاتب الاسباني نجاحات باهرة باعماله هذه داخل اسبانيا وفي بلدان امريكا اللاتينية، كما ترجم بعضها إلى اللغة العربية،إلا ان بعض هذه الاعمال لم تسلم من معاول التهجّم والهدم لبعض النقاد المتزمتين. في حين أنّ نقادا آخرين أنصفوه وجعلوه في طليعة الممهّدين والمبشّرين للمعاصرة والتجديد والحداثة في الادب الاسباني وفي امريكا الجنوبية. من أعماله الابداعية المعروفة في هذا الصدد مسرحيته 'قصر اللؤلؤ' (1911) التي نقلها الى اللغة العربية أستاذي في جامعة عين شمس بالقاهرة الدكتور لطفي عبد البديع. ومسرحيته 'بنو أميّة'(1913) و'باحة الريّاحين'(1908) و'عبد الرحمن الأخير'(1909) و'انتقام عائشة'(1911). ولد 'فرانسيسكو فييّا إسبيسا' في مدينة ألمرية 1877 وتوفي في مدريد1936.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption