أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح الأنكليزي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح الأنكليزي. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 26 نوفمبر 2023

فيض المخيلة في (الطاحونة القائمة على نهر فلاس) / علي كامل: لندن

مجلة الفنون المسرحية

فيض المخيلة في(الطاحونة القائمة على نهر فلاس)

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023

إدوارد ألبي و"ثلاث نساء طويلات" على خشبة مسرح Wyndham اللندني .. مرثية في ذكرى الحاضر!

مجلة الفنون المسرحية
إدوارد ألبي و"ثلاث نساء طويلات" على خشبة مسرح Wyndham اللندني ..
مرثية في ذكرى الحاضر!

الاثنين، 19 يوليو 2021

في مواجهة كورونا... شركة شكسبير تفتتح مسرحا في الهواء الطلق على ضفاف نهر

مجلة الفنون المسرحية
في مواجهة كورونا... شركة شكسبير تفتتح مسرحا في الهواء الطلق على ضفاف نهر

في مواجهة كورونا... شركة شكسبير تفتتح مسرحا في الهواء الطلق على ضفاف نهر

ستراتفورد أبون إيفون (إنجلترا) (رويترز) :

افتتحت شركة شكسبير الملكية البريطانية مسرحا في الهواء الطلق وبدأت العروض بتقديم نسخة جديدة من مسرحية (كوميديا الأخطاء) "ذا كوميدي أوف إرورز" وهي أول إنتاج بهذا الحجم تعرضه أمام الجمهور مباشرة منذ أكثر من عام.

وشيدت الشركة، التي تتخذ من ستراتفورد أبون إيفون مسقط رأس وليام شكسبير مقرا، مسرح ليديا آند مانفريد جورفي جاردن أمام مسرح سوان التابع لها على ضفاف نهر إيفون.

وكان من المنتظر أن تبدأ عروض (كوميديا الأخطاء) في أبريل نيسان 2020، لكن الشركة، مثل غيرها من دور العرض المسرحية في بريطانيا وخارجها، أوقفت العروض الحية بسبب جائحة كوفيد-19.

وقام مخرج العمل فيليب برين بتعديل العمل الآن ليتناسب مع المسرح المفتوح في الهواء الطلق.

ووفقا لخريطة طريق وضعها رئيس الوزراء بوريس جونسون لإنهاء الإغلاق العام في البلاد، بدأت أماكن الترفيه في إنجلترا استقبال الزوار منذ منتصف مايو أيار بطاقة استيعابية تصل إلى 50 بالمئة. وبدءا من يوم الاثنين لن تكون هناك قيود على أعداد الحاضرين.

ويتسع المسرح المفتوح إلى 500 من الجمهور أو 310 عند إتباع قواعد التباعد الاجتماعي.

وقال جريجوري دوران المدير الفني للشركة لرويترز "شعرت أن هناك سببين قويين لتشييد هذا المسرح: أحدهما هو أن ذلك يرمز نوعا ما للتجديد... لكنه أيضا مرحلة انتقالية بحيث يمكن للناس أن يشعروا بالاسترخاء عند جلوسهم في الهواء الطلق".

وتابع "هذا قد يمنحهم المزيد من الثقة للعودة إلى القاعات المغلقة عندما نبدأ عرض (المسرحية الغنائية) ’ذا ماجيشنز إليفنت’ (فيل الساحر) في أكتوبر في شركة شكسبير الملكية".

(إعداد مروة سلام للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)

السبت، 20 مارس 2021

لماذا اختفت مسرحية "تيتوس آندرونيكوس" لشكسبير؟

مجلة الفنون المسرحية

الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

كيف صور شكسبير جنون الطغيان / رياض عصمت

مجلة الفنون المسرحية

كيف صور شكسبير جنون الطغيان / رياض عصمت

إنه لتصوير مدهش لشخصية الطاغية فعلا ما قام به وليم شكسبير قبل أربعة قرون ونيف في مسرحيته "ماكبث"، ليس لأن الطغاة لم يكونوا موجودين في غابر الزمان، بل لأنه رسم تفاصيل دقيقة لنفسية الطاغية في كل زمان ومكان، بل لهواجسه المؤرقة التي حرمته من النوم وجعلته يشارف حد الجنون، كما تنبأ بنهايات الطغاة الدموية عقابا لهم عما اقترفوه من جرائم.

مسرحية "ماكبث" هي أكثر مسرحيات وليم شكسبير تصويرا لمدى مسؤولية الطاغية عن أفعاله، وبالتالي استحقاقه للقصاص. إنها أقصر تراجيديات شكسبير الأربع الكبرى وآخرها بعد "هاملت" و"الملك لير" و"عطيل".

في الحقيقة، لم يكن أيا من أبطال الترجيديات الثلاث السابقة شريرا مثل ماكبث، بل كان بطلا تراجيديا وقع في زلة أودت به إلى نهاية مأساوية. لذا، تبدو مسرحية "ماكبث" ناشزة عن معظم تراجيديات شكسبير، ولعلها محاولة إعادة صياغة لمسرحيته التاريخية "ريتشارد الثالث"، فكلاهما تصور شخصية تصل إلى السلطة من خلال اغتيال دموي للحاكم الشرعي، وبعدها لا يتورع الطاغية الذي خان الولاء عن انتهاك كل الأعراف الأخلاقية والإنسانية في سبيل الحفاظ على عرشه.

تكاد مسرحية "ماكبث" أن تكون دراسة سريرية عن الشر في النفس البشرية
​​تتميز "ماكبث" عن سابقتها "ريتشارد الثالث" بأن موضوعها السياسي يحفل بخيال خصب يصور لنا رمزيا طموحات العقل الباطن لشخصية الطاغية وزوجته المحوريين، ذلك لأنه يوجد دافعان قويان يحرضان ماكبث على ارتكاب أولى الجرائم باغتيال ضيفه الملك الشرعي دانكان، أولهما الساحرات الثلاث اللواتي يتنبأن له بنيل التاج، وثانيهما زوجته الليدي ماكبث التي تحرضه على قتل الملك الشرعي غيلة واغتصاب عرشه. سرعان ما يدفع خوف ماكبث من تنبؤ الساحرات لصديقه بانكو بأن ذريته سترث العرش إلى تجنيد مرتزقة لاغتياله وابنه، خاصة أنه وزوجته الليدي ماكبث عقيمان لا ينجبان.

تتالى تصفية ماكبث لخصومه، لكن أشباح القتلى تطارده وتؤرق نومه ونوم الليدي ماكبث شريكته في الجرم. واضح أن العنصر التراجيدي هنا أكثر بكثير من زلة بطل، إذ أنه سقوط أخلاقي مريع لطاغية ارتكب دون وازع ضمير جرائم ضد الإنسانية، موقنا بأنه خالد ولا أحد يستطيع أن يمسه بأذى.

قدم "مسرح شيكاغو الشكسبيري"Chicago Shakespeare Theater  مسرحية "ماكبث" بإعداد وإخراج جديدين حافلين بالمشهدية البصرية المبهرة والخدع السحرية الممتعة. أخرج العرض الفنانان اللامعان آرون بوسنر وتيلر  Aaron Posner & Teller اللذين سبق لهما أن قدما معا أيضا لصالح الفرقة ذاتها مسرحية شكسبير "العاصفة" في عرض نال جائزة "جيف" المسرحية.

تميز العرض بلمسات السحر المدهشة التي صممها جوني تومسون، فالعرض يفتتح بالليدي ماكبث جاثية في وسط المسرح وهي تمارس طقس دفن طفلها الميت في تابوت صغير، وإذا بها تختفي بخدعة بارعة ليحل محلها زوجها ماكبث. تتالى الحيل المبتكرة، فإحدى الساحرات الثلاث تتلاشى أمام أعيننا على المسرح مخلفة عباءة فارغة، ويتوالى ظهور شبح بانكو مضرجا بدمه ثم اختفائه أمام عيني ماكبث في مشهد المأدبة. أما في مشهد جنون الليدي ماكبث، نراها تضمخ يديها وثوبها الأبيض بالدم أمام أعيننا. في ختام المسرحية، بعد أن يقطع رأس ماكبث بسيف ماكدوف، تنفتح العينان في الرأس المقطوعة فجأة، ويفغر الفم ليصدر فحيحا مخيفا.

يقارب إعداد وإخراج آرون بوسنر وتيلر مسرحية "ماكبث" بشكل جديد، حافل بالجماليات المبهرة. يتكامل ذلك التصور بتضافر الإضاءة الموحية مع الأزياء المتقنة، والمكياج البارع مع المعارك الحيوية، والديكور الذي صممه دانيال كونواي مكونا من ثلاثة أبواب تفتح وتغلق بصورة سحرية وبجانبها سلم معدني ملتف وطابق شديد الارتفاع كثيرا ما تطل منه الساحرات الثلاث، كما يعزف عليه بشكل حي الفنان الموسيقي المبدع راني معالي على أدوات موسيقية غريبة تصدر ما يتجاوز حدود الموسيقى المألوفة بحيث لعبت المؤثرات دورا أساسيا في تقوية التأثير الدرامي للأداء.

من ناحية أخرى، جعل المخرجان المعارك وسواها تجمد أحيانا لنرى بعض الشخصيات فقط تتكلم، وتجنبا تظاهر الليدي ماكبث بالإغماء كي تنقذ زوجها من نوبة تخيله لشبح بانكو القتيل في المأدبة. أما الإضافة الإخراجية الفريدة، فجاءت في جعلهما شخصية البواب (ماثيو فلويد ميلر) تتجول بين صفوف المتفرجين ممازحة في المشهد الكوميدي الذي يلي اغتيال الملك، والذي ـ وإن أضحك ـ فإنه يزيد من التوتر والترقب. لكن الأمر لم يقتصر عند هذا الحد، إذ جعل المخرجان ماكبث نفسه يتجول بين أروقة الصالة، ويخاطب بعض المتفرجين مباشرة، مشابها في ذلك بعض ما يقوم به ريتشارد الثالث في المسرحية التاريخية التي تحمل اسمه.

يقتل ماكبث أول مرة بدافع ما زينته له الساحرات الثلاث وزوجته لكنه سرعان ما يدمن على القتل بسبب خوفه المزمن
​​تألقت في العرض بشكل خاص الممثلة شاون كروس بتجسيدها البارع لشخصية الليدي ماكبث بشكل مزج الإيحاء الجنسي وإحباط العقم، وجعلهما يتضافران معا ليشكلا شهوة إلى السلطة، وكان أداؤها لدورها النفسي الصعب مرهفا وشديد الإقناع. من ناحية أخرى، كان توزيع دور ماكدوف وعائلته لممثلين ملونين إضافة مميزة، زادها قوة الحضور الحركي النابض بالحيوية لممثل شخصية ماكدوف (تيموثي د. ستيكني) أما دور ماكبث المحوري الهام، فأداه (إيان ميريل بيكس) بحضور وحرفية ممثل مقتدر دون شك، لكن أداءه الخارجي أثر على صدقه الداخلي، إذ قارب الشخصية أحيانا بشيء من الخفة، كما زاد الأمر طابع الأسلبة المصطنعة الذي غلَف المعارك وجعلها أشبه بحركات راقصة.

جدير بالذكر أن مسرحية "ماكبث" تعتبر مسرحية تجلب الشؤم لصانعيها. لذا، يقول المخرج العالمي الشهير بيتر بروك إنه لن يفكر يوما بإخراجها بسبب تطيره منها. لكن المخرج السينمائي العظيم أكيرا كوروساوا لم يتوان عن اقتباسها في فيلم "عرش الدم" (1957) مضفيا على قصة الطاغية طابعا يابانيا أصيلا، وجاعلا مصرعه ليس عبر مبارزة فردية انتقامية، وإنما عقابا جماعيا من جنوده الذين يمطرونه بوابل من السهام لتعريضه لهم للموت في حرب عبثية إرضاء لطموحاته الأنانية إلى السلطة.

في الواقع، هناك ستة اقتباسات سينمائية مختلفة لمسرحية شكسبير "ماكبث"، تراوحت بين إخراج أورسون ويلز ورومان بولانسكي وروبرت غولد، وتألق في أدائها النجمان مايكل فاسبندر وماريون كوتيار في إخراج سينمائي آخر. الرائع في مسرحية "ماكبث" حقا هو أن شكسبير يحمل بطله الشرير فيها مسؤولية أعماله، ويبرهن أن نبوءة الساحرات ليست إلا وهما.

تقول الساحرات أمام ماكبث وبانكو إن العرش سيكون من نصيب ذرية الأخير، فيقلق هذا ماكبث ويدفعه لمحاولة اغتيال صديقه مع ابنه الصغير، لكن الولد يلوذ بالفرار، ولا نسمع أنه نافس على العرش أو اعتلاه. كما تتنبأ الساحرات لماكبث بأنه لن يهزم إلا عندما تزحف غابة "برنام" على قلعته، فإذا برسول يبلغه بزحف الغابة، غير مدرك أن جنود الجيش المهاجم قطعوا أغصان الأشجار وموهوا بها أنفسهم. أما نبوءة الساحرات الثالثة الخائبة فتكمن في قولهن لماكبث إنه لا يمكن أن يقتل من قبل رجل ولد من رحم امرأة، فإذا بمكدوف يعلن له خلال المبارزة الختامية إنه ولد بعملية قيصرية، لتتهاوى ركبتا ماكبث فزعا ويرمي سيفه مدركا مصيره الحتمي ومستسلما للطعنة النجلاء.

تكاد مسرحية "ماكبث" أن تكون دراسة سريرية عن الشر في النفس البشرية، وعما يمكن للطموح الجشع للسلطة أن يولده في نفس الإنسان، بحيث يحوله من محارب بطل إلى طاغية مستبد. إن ماكبث يقتل أول مرة بدافع ما زينته له الساحرات الثلاث وزوجته الليدي ماكبث، لكنه سرعان ما يدمن على القتل بسبب خوفه المزمن. إن ماكبث الطاغية يقتل ليس لأنه قوي، بل لأنه ضعيف، ويوغل في القتل ليس لأنه شجاع، بل لأنه جبان. إنه يوظف القتلة المأجورين لخدمة أغراضه كما فعل ريتشارد الثالث تاريخيا من قبله، وهو يلقى الجزاء العادل لشره الذي يتجاوز كل الحدود. تلك هي نهاية كل طاغية غدار لا يحفظ عهدا، ولا يقدر صداقة، ولا يتورع عن إزهاق أرواح النساء والأطفال الأبرياء انتقاما من خصومه، فإذا به يدفع الثمن غاليا عبر جنون زوجته وانتحارها، ثم عبر مصرعه هو بعد أن تبددت أساطير الوهم وأزفت ساعة الحقيقة.

---------------------
المصدر : الحرة

الخميس، 9 يوليو 2020

«روميو وجولييت»… وليام شكسبير والحب الخالد

مجلة الفنون المسرحية

«روميو وجولييت»… وليام شكسبير والحب الخالد

 *زيد خلدون جميل - القدس العربي 

من الصعوبة بمكان العثور على شخص لا يعرف شيئا عن قصة «روميو وجولييت» التي كتبها الكاتب المسرحي البريطاني وليام شيكسبير (1564 – 1616) كمسرحية، فقد ترسخت في أعماق الثقافة الشعبية والإعلام العالمي. ولا يتوقف إنتاج الأفلام المأخوذة عنها، أو المتأثرة بها، حيث أنتج حتى الآن أكثر من مئة فيلم عنها، بالإضافة إلى آلاف الأفلام التي تأثرت بها والسينما العربية ليست استثناء. وكثير من الأفلام التي تقع أحداثها في الصعيد المصري أو الغرب الأمريكي، أو الخيال العلمي تعكس بوضوح آثار هذه المسرحية بالذات.

أحداث المسرحية

تدور أحداث المسرحية في القرن الرابع أو الخامس عشر، فقد كانت مدينة «فيرونا» تعاني من صراع محتدم بين اثنتين من أشهر عوائلها، وهي عائلتي «مونتاغيو» و»كابوليت». وتجرأ شاب في السادسة عشرة من العمر من عائلة «مونتاغيو» يدعى «روميو» للدخول خلسة في حفلة للطبقة العليا من مجتمع المدينة، أقامتها عائلة «كابوليت» المعادية لعائلته، وشاهد بالصدفة «جولييت كابوليت» ذات الثلاثة عشر ربيعا، التي تخطط عائلتها لتزويجها بأمير من عائلة حاكم المدينة. ويتبادل الاثنان النظرات، وسرعان ما يتبادلان التحية والكلام. وخلال ثوان قليلة فقد الاثنان الشعور بوجود الآخرين، حيث أصبحا في عالم خاص بهما، وعرف الاثنان أن ما يجمعهما هو الحب العميق والمصير الواحد. ولكن الحياة ليست خالية من المفاجآت، إذ اكتشف «تيبولت»، ابن عم «جولييت» وجود ابن العائلة المعادية «روميو» في عقر دار عائلته، وفي هذه الحفلة المهمة، فأراد قتله، ولكن والد «جولييت» منعه فورا، كي لا تحدث معركة في منزله وأمام الحضور المكون من كبار القوم. ويلتقي العاشقان المراهقان عند شباك القصر ويقرران الزواج، وينجحان في إتمام الزواج سرا في اليوم التالي. وتحدث معركة بالسيوف بين صديق «روميو» العزيز «مركشيو» وابن عم «جولييت». وعندما يحاول «روميو» منع صديقه من القتال يستغل «تيبولت» الفرصة ويطعن «مركشيو» طعنة قاتلة ليخر صريعا بين يدي «روميو». ولم يصدق «روميو» ما حدث، فقام بتحدي «تيبولت» وقتله بعد مبارزة حامية الوطيس. ونتيجة لهذا قام حاكم المدينة بإصدار أمر بنفي «روميو» إلى خارج المدينة. ولكن أحد رجال الدين يقترح خطة معقدة على «جولييت» كي تلحق بحبيبها، وهي أن تتناول «جولييت» مخدرا يجعلها مغشيا عليها بطريقة تعطي الانطباع بأنها ميتة لفترة محددة، كي يُلغى زفافها من الأمير، ويأتي «روميو» في موعد استعادتها لوعيها ويأخذها معه إلى خارج المدينة، ولكن الخطة تفشل وتنتهي القصة بانتحار «روميو» بالسم، وكذلك انتحار «جولييت» بطعن نفسها بخنجر كان «روميو» يحمله في حزامه.

تاريخ القصة قبل المسرحية

تمثل قصة «روميو وجولييت» مثالا لكيفية تطور القصص وتأثرها ببعضها بعضا، فقد تكون بداية هذه المسرحية قصة «ثيسبي وبيراموس» للكاتب الروماني «أوفيد» المتوفى في القرن الأول الميلادي، والتي تدور أحداثها في بابل، حيث نجد عشيقين من عائلتين متخاصمتين. ونجد المخدر الذي يجعل من يتناوله يبدو ميتا لفترة معينة للمرة الأولى في قصة يونانية شهيرة من القرن الثاني الميلادي. وفي بداية القرن القرن الرابع عشر، ظهر اسما العائلتين المتخاصمتين «مونتاغيو» و»كابوليت» للمرة الأولى في «الكوميديا الإلهية» للكاتب الإيطالي دانتي. وعلى ما يبدو أنهما كانتا من العوائل القوية، إذ تذكر المصادر التاريخية، أنهما كانتا في صراع مع بعضها بعضا في شمال إيطاليا آنذاك. وتطورت القصة حتى ظهر اسما «روميو» وجولييت» أخيرا في نسخة للقصة نشرت عام 1531 من قبل الكاتب الإيطالي لويجي دا بورتو، ونرى فيها للمرة الأولى الأسماء التي استعملها «شيكسبير» في مسرحيته. وانتقلت القصة إلى بريطانيا عندما ترجمها أرثر بروك إلى الإنكليزية عام 1562، والتي كانت أساس المسرحية التي كتبها «شيكسبير» بعد أن قام ببعض التحويرات عليها. وكان قد اعتاد المسرحيون البريطانيون في تلك الفترة على أن يحولوا بعض هذه القصص إلى مسرحيات، ولم يكن «شيكسبير» استثناء حيث حول خمس قصص إلى مسرحيات لاقت رواجا ملحوظا في إنكلترا، وأشهرها «روميو وجولييت» و»تاجر البندقية»، ولكن مسرحية «روميو وجولييت» كانت أول مسرحية تندمج فيها الكوميديا والتراجيديا بالرومانسية، وكانت هذه بداية لنوع جديد من المسرح لا يزال حيا حتى الآن.

كان أول فيلم شهير للمسرحية قد أنتج عام 1936 ومن تمثيل ليزلي هوارد في دور «روميو» ونورما شيرر في دور «جولييت»، وأثار تقدم كلاهما الواضح في السن، سخرية الكثيرين، حيث كان الممثل في الحقيقة في الثالثة والاربعين من العمر بينما كانت الممثلة في الرابعة والثلاثين.

عرض المسرحية

يُعتَقَد أن شيكسبير بدأ بكتابة المسرحية عام 1591، ولكنه نشرها عام 1597. وتتسم المسرحية بجميع سمات أسلوب «شيكسبير» الذي تميز بحوادث القتل بمختلف الأساليب خاصة السم، وكذلك حالات الانتحار، فقد أدرك شيكسبير أن الموت يمثل أقصى درجات التراجيديا. ونجد هذه السمة كذلك في مسرحية «روميو وجولييت» التي امتازت بالعنف والانفعالات الشديدة حيث قُتِلَ شخصان في مبارزات وانتحر اثنان. ولكن لماذا كان السم الوسيلة المفضلة للكاتب؟ قد يكون السبب أن الانتحار بالسم يمثل حالة متطرفة من العذاب النفسي للإنسان. وأما القتل بالسم والذي نجده بكثرة في مسرحيات شيكسبير، فإنه الطريقة التي لا تترك علامة على القتيل، ودليلا على مؤامرة محبوكة بشكل مثير، حيث لم يكن الطب متقدما آنذاك لكشف السم.
الغريب في الأمر أن نجاح مسرحية «روميو وجولييت» كان محدودا في البداية، واضطر الممثلون الرجال أن يمثلوا الأدوار النسائية بسبب قوانين تلك الفترة التي كانت تمنع النساء من التمثيل. واستمر الحال على هذا المنوال حتى عام 1662 عندما مثلت دور «جولييت» الممثلة ماري سوندرسن. وسرعان ما تغيرت الظروف، حيث ازدادت شهرة المسرحية وأصبح الاشتراك فيها أمنية الممثلين من كلا الجنسين، ففي القرن التاسع عشر مثل دور «روميو» أدوين بوث، الذي كان أشهر ممثل في الولايات المتحدة، وهو شقيق جون بوث، الذي اغتال الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن. وفي الولايات المتحدة كذلك قامت الشقيقتان شارلوت وسوزان كوشمان بتمثيل دوري «روميو» و»جولييت» في العروض نفسها. أما في القرن العشرين، فقد ازدادت شهرة المسرحية وتوالت العروض المسرحية، وأنتجت العشرات من الأفلام السينمائية عنها، واشتهر بعضها بشكل خاص. وحاول بعض الكتاب والسينمائيين تغيير بعض التفاصيل وكذلك النهاية، بل إن فيلما فكاهيا اقتبس عن المسرحية من تمثيل بيتر يوستينوف، حيث تحب ابنة السفير الأمريكي ابن السفير السوفييتي في إحدى الدول الاوروبية.
كان أول فيلم شهير للمسرحية قد أنتج عام 1936 ومن تمثيل ليزلي هوارد في دور «روميو» ونورما شيرر في دور «جولييت»، وأثار تقدم كلاهما الواضح في السن، سخرية الكثيرين، حيث كان الممثل في الحقيقة في الثالثة والاربعين من العمر بينما كانت الممثلة في الرابعة والثلاثين.
أما الفيلم الشهير التالي عن المسرحية، «قصة الحي الغربي» (1961)، فقد كان فيلما غنائيا، وأصبح «روميو» شاب امريكي أبيض يغرم بفتاة بورتوريكية في منطقة تشهد صراعا بين البيض والبورتوريكيين. ونال هذا الفيلم شهرة واسعة، واعتبرت موسيقاه التي وضعها الموسيقار الأمريكي الشهير ليونارد برنشتاين، من كلاسيكيات الموسيقى التصويرية في الولايات المتحدة. ومثلت النجمة الأمريكي ناتالي وود دور البطولة فيه، ما جعلها إحدى أشهر ممثلاث السينما الأمريكية حينها. وفي عام 1968 قام المنتج والمخرج الإيطالي فرانكوزيفرللي بإنتاج الفيلم، الذي اعتبر الأقرب إلى المسرحية الأصلية، حيث استعان بالبريطانية أوليفيا هسي ذات الخمسة عشر ربيعا لتمثيل دور «جولييت» والبريطاني ليونارد وايتنغ في دور «روميو»، الذي كان أكبر من الممثلة بعام واحد. وقد أثار الفيلم ضجة لقيام الممثلين المراهقين بتمثيل مشهد فاضح فيه. وكان للموسيقى للمرة الثانية دور مهم في شهرة الفيلم، حيث قام الموسيقار الإيطالي نينوروتا بتأليف إحدى أجمل المقطوعات الموسيقية في تاريخ السينما العالمية. ولكن هذه النسخة كررت خطا مقصودا ظهر في الكثير من الأفلام والمسرحيات عن هذه القصة، حيث تحول الشباك، الذي تقف عنده «جولييت» وهي تصرح بحبها لـ»روميو»، إلى شرفة. وقد تكون الشرفة أجمل وعملية أكثر من الشباك، ولكنها لم تكن موجودة في البنايات في عهد شيكسبير، بل إن كلمة شرفة لم تكن موجودة في اللغة الإنكليزية آنذاك، ولذلك ذكر شيكسبير الشباك، وليس الشرفة. وتشترك جميع هذه المسرحيات والأفلام عن المسرحية في إظهار «روميو» كمراهق خجول وبالغ الرقة. ولكن قراءة دقيقة للمسرحية تعطي الانطباع أنه ربما كان شابا بالغ الجرأة والتهور.

نجاح المسرحية على مدى كل تلك القرون، يثبت أن الطبيعة البشرية لم تتغير مهما تغير العالم، فلا تزال الرومانسية تؤثر في الطبيعة البشرية في كل مكان.

تم إنتاج أربعة وعشرين أوبرا حول المسرحية وعدة عروض للباليه، كان أشهرها من تأليف الموسيقار الروسي الكبير بروكوفييف. وأما أشهر سيمفونية عن المسرحية، فقد ألفها الموسيقار تشايكوفسكي.

المسرحية والتاريخ

قصة المسرحية خيالية، ولكن الكثير من التفاصيل كانت من مظاهر الحياة في إيطاليا في القرن الرابع عشر، فالمدن الإيطالية، كانت فعلا تحت سيطرة عدد قليل من العوائل القوية، التي كانت أحيانا تدخل في صراع ضد بعضها بعضا يقع ضحيته أفراد منها، وقد تكون أشهرها محاولة اغتيال كبار أسرة «مديتشي» من قبل عائلتين منافستين لها أثناء حضورهم صلاة عيد الفصح في إحدى كنائس مدينة «فلورنسا» عام 1478. أما المبارزات بالسيوف، فقد كانت من أشهر الوسائل المستعملة حينذاك لإنهاء الخلافات، على الرغم من وضع قوانين صارمة لإيقافها. وهذه علامة مهمة، حيث لم تكن المبارزة بالسيوف معروفة قبل أواخر العصور الوسطى في العالم، على عكس ما تظهره الأفلام السينمائية وتدعيه الحكايات الشعبية.
لم يكن للحب أي دور في أي زواج حتى القرن الثامن عشر، حيث كانت هناك أسباب عملية وبعيدة عن الحب، تجعل المواطنين يبحثون عن شريك للحياة. ولهذا فإن الزواج الذي كان من المفروض أن يتم بين الأمير و»جولييت» كان هو المعتاد. وأما زواج «روميو» منها الذي كان نتيجة قصة حب، فكان في الواقع شيئا نادرا. كان لنجاح المسرحية نتائج لا علاقة لها بالفن، حيث استفادت مدينة «فيرونا» كثيرا من المسرحية وأصبحت مدينة معروفة يقصدها السياح من مختلف أنحاء العالم، خاصة العشاق منهم. وكان هذا عاملا اقتصاديا مهما بالنسبة للمدينة. واستفاد كذلك عدد كبير من المخرجين والمؤلفين والممثلين من المسرحية، حيث كانت الاختبار الحقيقي لقدراتهم الفنية، ومثلت نقطة انطلاق لمسيرتهم المهنية، ومنهم الممثل ليوناردو دي كابريو. ولا يمكن تجاهل استفادة بريطانيا والمسرحية من بعضهما بعضا، حيث عززت المسرحية من مكانة المسرح البريطاني لتظهر بريطانيا كقوة ثقافية عالمية، بالإضافة إلى كونها قوة سياسية، وفي الوقت نفسه ساهم كون شيكسبير إنكليزيا بشكل أساسي في شهرة المسرحية، حيث صاحب نمو الإعلام البريطاني تأسيس الامبراطورية البريطانية العملاقة. وبذلك أصبح شيكسبير ومسرحياته وبريطانيا رموزا بالغة الأهمية للثقافة العالمية.
إن نجاح المسرحية على مدى كل تلك القرون، يثبت أن الطبيعة البشرية لم تتغير مهما تغير العالم، فلا تزال الرومانسية تؤثر في الطبيعة البشرية في كل مكان.

٭ باحث ومؤرخ من العراق

الخميس، 25 أبريل 2019

محاولة لدمج الواقع الافتراضي بعروض مسرحيات شكسبير في إطار شراكة مع «ماجيك ليب»

مجلة الفنون المسرحية

محاولة لدمج الواقع الافتراضي بعروض مسرحيات شكسبير
في إطار شراكة مع «ماجيك ليب»

 تتولى سارة إيليس في شركة «رويال شكسبير» في ستراتفورد، مهمة صعبة، وهي اكتشاف كيفية ملائمة مسرح القرن السادس عشر للقرن الواحد والعشرين. وتمثل إيليس، بصفتها مديرة التطوير الرّقمي، وهو مسمّى وظيفي ربما يبدو غير ملائم في صناعة يحكمها أداء البشر المباشر، تغيراً حديثاً في عالم الشركة. إنّها تعمل على دمج تكنولوجيا افتراضية جديدة مع عمل كاتب مسرحي تفصلنا عنه قرون.
دشّنت شركة «رويال شكسبير» خلال الرّبيع الحالي أحدث مشروعاتها، التي تمت في إطار شراكة مع شركة «ماجيك ليب» للتكنولوجيا، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» لشكسبير من مسرحيته «كما تشاء»، وهو مناجاة للنفس، وكانت عبارة «ما الدنيا إلا مسرح كبير» هي أشهر جزء فيها، وتوجز تلك العبارة مقاصد الشّركة من هذا المشروع. وتشير الشركة إلى المشروع باسم «مسرح سطح الطّاولة» وهو تقديم أعمال صغيرة جداً يمكن تمثيلها على أي سطح.
تقول إيليس: «لقد أردنا البدء بمشهد من أعمال شكسبير، واستخدامه كعبارة بيانية توضح الاتجاه نحو طموح أكبر في هذا المجال، إنّه التنوع». وتضيف قائلة: «إنها نقطة البداية بالنسبة لنا لاستكشاف كيفية تقديم مسرح باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة التي نجدها في الألعاب وغيرها من المجالات، مثل التقاط الصور المتحركة، والتصوير المساحي، والالتقاط الحجمي».
تبدأ مناجاة الذّات بعد وضع سماعة الواقع المعزز «ماجيك ليب وان» لتراها على منصة صغيرة في حجم قاعدة تمثال أمامك. أدّى هذه المناجاة، ومدتها 3 دقائق، ممثل مسرحيات شكسبير روبرت غيلبرت، وعُدّلت لتناسب ذلك الوسيط ذي الحجم الصغير، بحيث تكون لها قوة تأثير العرض الحي. تم تسجيل أداء غيلبرت في البداية باستخدام تقنية الالتقاط الحجمي، وهي عملية تتضمّن العمل على مقطع مصور لإخراج مساحة رقمية ثلاثية الأبعاد منه، ما يتيح ترجمة الأداء الحي على خشبة المسرح إلى واقع معزّز يمكن تقديمه في أي مكان. توجد وراء الممثل شجرة ضخمة، يتقدّم عمرها مع استمرار العرض؛ حيث تتحوّل من اللون الأخضر، الذي نراه في الربيع، إلى اللون الأحمر الذي نراه في الخريف. وتبدأ الأوراق بالتساقط من الفروع، ما يجعل الشّجرة عارية مع وصول المناجاة إلى نهايتها.
وتوضح إيليس: «لطالما كانت هناك علاقة بين المسرح والتكنولوجيا. لذا فإنّ هذه التكنولوجيا تضيف إلى ما لدينا من أدوات للمسرح، وتوسع نطاق خيارات الأداء من خلال ما نمتلكه من أدوات اليوم. لطالما كانت تجربة الحكي والقصّ تتم باستخدام أفضل وسائل التكنولوجيا المتاحة وهو الممثل الحي. المهم بالنسبة إلينا هو كيف تساعدنا الوسائل التكنولوجية الجديدة في تعزيز ذلك الأداء، وتطوير تجربة الحكي ورواية القصص، وتقديم خيارات جديدة أمام المخرجين والمصممين، وتمكيننا من تشكيل وتنقيح وإعادة تعريف التجارب لجمهورنا». وتابعت: «ما وجدناه في الواقع المختلط هو قدرته على تقديم تجربة متشاركة مع وجود عالم رقمي متاح لنا من خلال التكنولوجيا. كذلك يتيح لنا ذلك التفكير في العالم الحقيقي والعالم الرّقمي بشكل متزامن، وجمعهما معاً. لقد وجدنا أنّ الجمهور يركّز على الأداء، لكنّهم ينظر بعضهم إلى بعض من خلال تلك الوسيلة، ويستمتعون بهذه التجربة الجماعية القائمة على التواصل».
وبدأت شركة «رويال شكسبير» استكشاف هذه المساحة بالتعاون مع «إنتل» لإنتاج مسرحية «العاصفة» لعام 2017، التي تضمنت أداء كاملاً بتقنية الاستشعار لالتقاط الحركة، يقدمه آريل الخادم من الجن في المسرحية. بعد ذلك بعامين يصبح الترفيه باستخدام الواقع المختلط أكثر انتشاراً مع تزايد انتشار التكنولوجيا.
وتستطرد إيليس: «شهدنا خلال العقود الماضية صناعات لحكي القصص تسعى وراء الغاية نفسها من دون تشارك المعلومات»، متحدثة عن مجالات الإبداع مثل السينما والتلفزيون والمسرح والموسيقى والإنترنت. وتضيف: «يعبر الجمهور بمرور الوقت تلك الحواجز، ويحدّد معاييرها الخاصة بالمحتوى مع دخول قنوات رواية القصص الخاصة بهم، مثل موقع (يوتيوب)، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمنصّات المتوفرة على الإنترنت مثل (نتفليكس) و(أي بلاير)، لمجال الترفيه بأحدث أداء للمارشميلو. هذه هي المساحات التي يجتمع من خلالها الجمهور، وهذه هي الطريقة التي نوظّف المسرح من خلالها».
يتصور غريغ رينالدي، مدير بارز لعلاقات التطوير والإبداع في «ماجيك ليب» مستقبلاً يتم الاستمتاع فيه بجميع أشكال الترفيه من خلال الواقع المختلط؛ حيث لا توجد شاشات أو وسائل تحكم أو وسيط سوى السماعة. ويوضح قائلاً: «أنا من أشد محبي الخيال العلمي. أعتقد أنّ هذا هو سبب عملي في الشّركة».
الجدير بالذكر أنّ رينالدي كان يعمل في مجال ألعاب الفيديو في «إلكترونيك أرتس» قبل عمله في شركة «ماجيك ليب»، وكان يبتكر ألعاباً يشارك فيها عدة أفراد، ويقدم عوالم هائلة عبر الإنترنت ليشارك فيها آلاف اللاعبين. مع ذلك بعد 15 عاماً من العمل في مجال تسيطر عليه أدوات التحكم والشّاشات، يرى حالياً أنّها معوقات في مجال الترفيه الافتراضي. كذلك يقول: «يعيش أكثرنا التجارب في العالم من خلال التحديق في الهواتف المحمولة، وأنا لا أريد أن أفعل ذلك خلال العشرين سنة المقبلة. لا يجب أن تكون تلك هي طريقة تفاعلي مع العالم الرّقمي. نأمل أن تتطوّر التكنولوجيا، بحيث تصبح أصغر وأقوى، وبحيث يصبح من الطبيعي ارتداء نظارة للتّفاعل مع ابتكار وسيط مرئي جديد. ما نحاول التوصل إليه هنا هو كيفية جعل التفاعل يسير بشكل طبيعي من دون مشقة في التعلم».
وينبغي القول إنّ الواقع المختلط ليس مثل الواقع الافتراضي تماماً؛ حيث توجد فروق واختلافات فنية بين الاثنين. على عكس الواقع الافتراضي، الذي يوظف الصّور الرّقمية ثلاثية الأبعاد لتكوين عوالمه الافتراضية، تسيطر «ماجيك ليب وان» على «حقول الضوء الرقمية»، وهي طريقة تقدم لمرتدي السّماعة إشارات وأصواتاً مماثلة لتلك الصّادرة عن أشياء في العالم الحقيقي. مع ذلك ربما يكون الفارق الأهم ذا طابع فلسفي؛ حيث يلّفك الواقع الافتراضي ويدخلك إليه. يقول غريغ رينالدي، رئيس «ماجيك ليب»: «أعتقد أنّ الواقع الافتراضي تكنولوجيا مذهلة، لكنّه مختلف كثيراً، فهو يقوم على الهروب. يمكنك تكوين عوالم ثرية حقاً في العالم الافتراضي. ويمكنك تكوين المساحة في العالم الافتراضي؛ حيث تمتلك القدرة الكاملة على خلق هذا العالم الآخر. على الجانب الآخر في الواقع المختلط عليك احترام المساحة التي توجد بها، وعليك فهم كيفية تفاعل المحتوى الرقمي مع المساحة، وتفاعل المشاهدين مع تلك المساحة». وأضاف قائلاً: «أعتقد أنّ سبب تحمّسنا للواقع المختلط هو عدم اضطرار المرء إلى إبعاد البشر عنه. مع ذلك لا أعتبرهما وسيلتين متنافستين، بل فقط مجرد وسيطي معايشة مختلفين، مثل الفيلم والإذاعة».
وتقول إيليس: «ستعتمد الحكي ورواية القصص خلال العشرة أو العشرين عاماً المقبلة على أحداث اليوم، وسوف تظل مسرحيات شكسبير جزءاً أصيلاً من خطاب المجتمع اليوم». وتضيف: «خلال الأعوام العشرة المقبلة، سنتفاعل كصناعات وقطاعات وأنواع مع الجمهور ومع مساحات تجمعه الجديدة. كذلك سنرى التقاء تلك المنصات، وسيكون مستقبل الترفيه أكثر انفتاحاً، أو ستقل هيمنة المنصة أو التجربة الواحدة عليه».
أعلنت شركة «رويال شكسبير كومباني» في يناير (كانون الثاني) عن برنامج «جمهور المستقبل» الذي يستكشف مستقبل الأداء الحي المباشر، بالتعاون مع «مارشملو ليزر فيست» و«ماجيك ليب» و«إنتل» و«إيبيك غيمز» وغيرها. وسيكون مجال استكشافها المقبل هو المسرح والحاسوب المكاني مع توفير 6 منح زمالة لدى جامعة «بورتسموث»، وجامعة «غولدسميثز» و«آي تو ميديا ريسيرش».
وتوضح إيليس: «أعتقد أنّ إمكانات جهاز (ماجيك ليب) المتعلّقة بتقديم المسرح كثيرة، ونحن نستكشف تلك الطّرق حالياً. يمنحنا العمل على ذلك بشكل جماعي فرصة لتصوّر شكل إنتاج أو أداء مستقبلي ما، مع التفكير في الطّرق الكثيرة التي يطلّع الجمهور من خلالها على المحتوى ورواية القصص. كيف يمكن للمسرح أن يوجد في تلك المساحات، وكذلك كيف يمكنه أن يوظّف بعضاً من تلك الابتكارات في هذه المجالات».

---------------------------------------
المصدر : لندن - الشرق الأوسط

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

جولة في شارع المسرح البريطاني زواج فيجارو..

مجلة الفنون المسرحية

جولة في شارع المسرح البريطاني زواج فيجارو..




ترجمة : هشام عبد الرءوف - مسرحنا 


ما أكثر العروض المسرحية المأخوذة عن المسرحية الموسيقية الكوميدية زواج فيجارو للموسيقار النمسوي موزار. عاش موزار حياة قصيرة لم تتجاوز 36 عاما بين عامي 1756 و1791. وقد أبدع هذه المسرحية وهو في الثلاثين من عمره وكان العرض الأول لها في عام 1786. ولم تتوقف عروض تلك المسرحية المكونة من أربعة فصول سواء كانت بشكلها الموسيقي التقليدي أو معالجة غير موسيقية أو مسرحيات مقتبسة منها. هذا بالإضافة إلى الأفلام والمعالجات التلفزيونية.
لكن العرض الناجح الحالي لتلك الأوبرا على مسرح هاكني إمباير في لندن الذي تقدمه فرقة الأوبرا المتجولة وهي فرقة بريطانية شهيرة، والذي سيطوف المدن البريطانية بعد نجاحه في لندن، يعتبر من العروض المتميزة لسبب مهم للغاية، فهو عرض مصاب بعمى الألوان، فالأصل في العرض الذي كتبه موزار أنه يدور في أوساط الطبقة الراقية في فرنسا؛ أي أن كل أبطاله من العنصر الفرنسي الأبيض والأشقر. لكن الأمر لم يكن كذلك مع العرض البريطاني الحالي. ذلك أن أكثر من نصف أبطال العرض من السود أو من أصحاب البشرة ذات اللون الزيتوني (مثل معظم المصريين). وقام هؤلاء بشخصيات يفترض أنها من البيض ولم يكن يجسدها غير ممثلين من البيض في العروض المختلفة السابقة. لكن هذه المرة يجسدها ممثلون من السود دون أن تكون هناك دلالة للون البشرة. وهذا تماما ما يحدث أحيانا في مسرحيات يشارك فيها أبطال من المعاقين دون أن يكون لإعاقتهم أي دلالة في العمل الفني.
ومن يشاهد المسرحية للوهلة الأولى يظن أنها مسرحية أمريكية تتناول كفاح العبيد السود ضد السادة البيض في الجنوب الأمريكي كما يقول الناقد المسرحي للديلي تلجراف البريطانية. وبعبارة أخرى كان المبرر الوحيد لظهور الممثلين هو كفاءتهم وليس لون بشرتهم. وهذا هو الوضع السليم في رأيها.
وكان في مقدمة السود الذين شاركوا في العمل مطربة السوبرانو البريطانية نادين بنجامين التي جسدت شخصية الكونتيسة ألمافيفا. وبالإضافة إلى نادين بنجامين كان هناك المغني صاحب الأصول والبشرة الهندية روس راموبين الذي قام بدور فيجارو، وممثلة زنجية أخرى هي راشيل ريدموند التي قامت بدور سوزانا، وقد أدوا جميعهم أدوارهم بحيوية ونشاط شعر بهما المشاهدون.
الأحداث مقنعة
والأصل في هذه الحالة أن يخشى البعض ألا تكون الأحداث مقنعة بسبب اختلاف لون البشرة. لكن ما حدث بالفعل أن الأحداث كانت طبيعية ومقنعة تماما بفضل الأداء الموسيقي الرائع والتصميم المتميز للملابس والأداء الصادق للممثلين قبل هذا وذاك. فكانت نادين بنجامين تتعامل مع الممثل الأشقر داويد كمبرج الذي جسد شخصية الكونت بشكل طبيعي للغاية. وقد أجاد كمبرج وانتزع ضحكات المشاهدين بباروكة غريبة الشكل وبأدائه قبل ذلك. وتنصح ناقدة الديلي تلجراف نادين وكمبرج بعدم المبالغة في الاندماج في الشخصية والانفعال بالدور.
وتقول إن العرض استمر لثلاث ساعات دون أن يصيب المشاهدين بالملل. وكان لذلك عدة أسباب أبرزها التوزيع الموسيقي الجديد والإخراج الجيد. كما كانت الترجمة الإنجليزية للأغاني للشاعر الإنجليزي جيريمي سامز، بسيطة لم تحتج وقتا طويلا من أبطال العرض لحفظها ولم تحتج جهدا كبيرا لترديدها.
والمسرحية عبارة عن لحن لنص مأخوذ عن نص أوبرالي للشاعر الإيطالي الأمريكي لورينزو دا بونتي. وهذا النص بدوره مأخوذ عن مسرحية للأديب الفرنسي بيير دي بومارشيه (1732 - 1799)، وهي تعد جزءا ثانيا لمسرحية للكاتب نفسه باسم “حلاق إشبيلية”، وهي عبارة عن قصة رومانسية كوميدية تدور أحداثها في إسبانيا حول الخادمين فيجارو وسوزانا اللذين يرتبطان بعلاقة حب ويتعرضان للوقيعة بينهما من جانب الكونت والكونتيسة ألمافيفا. ويحاول الكونت إقامة علاقة مع سوزانا فتصده وتعطيه درسا قاسيا في أهمية الإخلاص لزوجته الطيبة.
وبشكل أكثر تفصيلا تدور أحداث المسرحية في مدينة إشبيلية بإسبانيا حول الكونت الذي تمكن من خلال مساعدة خادمه فيجارو من التودد والفوز بروزين الجميلة بعيدا عن حارسها العجوز الفظ وزوج المستقبل دكتور بارتولو، وفي رواية «زواج فيجارو» أكمل بومارشيه تلك القصة، حيث تزوج الكونت من روزين، لكن المشكلات عرفت طريقها إلى علاقتهم الزوجية بسبب تغزله في السيدات الأخريات. وقد توقف فيجارو عن مهنة الحلاقة وأصبح من المقربين للكونت. ثم أتمم خطبته على سيدة تدعى سوزانا، كانت تعمل خادمة للكونتيسة روزين. ثم يعود بارتولو العجوز لينتقم من فيجارو بسبب إبعاده روزين عنه، بمساعدة مدرس الموسيقى دون بازيل. ويضاف إلى عوامل الفكاهة في العمل شخصيات أخرى من بينها مراهق غرامي، وخادمة عجوز ماكرة، وبستاني مخمور، وفتاة شابة سخيفة. ووقعت معظم الأحداث في يوم واحد.
لا تكشفوا النهاية
الإثارة وحدها لا تكفي
على المسرح الملكي في لندن بدا عرض مسرحية “حب من الغريب” المأخوذ عن رواية أجاثا كريستي عميدة كتاب القصة البوليسية في العالم التي لا تزال قصصها تجد إقبالا واسعا رغم مرور 42 عاما على رحيلها. وتعد هذه القصة من أوائل قصص كريستي التي وجدت طريقها إلى خشبة المسرح؛ حيث عرضت لأول مرة على المسرح قبل 82 عاما في 1936. وكان ذلك بعد 12 عاما من تأليفها؛ حيث نشرت كقصة قصيرة باسم كوخ فيليمول. وأعد المعالجة المسرحية لها الممثل والكاتب المسرحي فرانك فوسبير الذي قام بدور البطولة فيها قبل أن يلقى مصرعه في ظروف غامضة عام 1037 عن 38 عاما. وفي نفس العام تحولت المسرحية إلى فيلم سنيمائي. ولأن قصتها باتت معروفة من خلال الكتب أو المعالجات، عادة ما يقوم المخرجون في المسرح بإدخال بعض التعديلات البسيطة التي تساعد على إكساب النص بعض الحيوية والإثارة لجذب المشاهدين، لكن يظل الخط الأساسي ثابتا. وهذه المسرحية سبق عرضها في مصر ضمن أعمال كثيرة عرضت لهذه الكاتبة البوليسية المتميزة.
يقوم ببطولة المسرحية الممثل البريطاني الشاب سامز فرانشوم (25 عاما فقط) وهو أيضا كاتب سيناريو ناجح يمارس التمثيل والكتابة معا منذ كان في الثامنة عشرة من عمره. وأشاد بأدائه في المسرحية دومنيك كافنديش عميد نقاد المسرح في بريطانيا.
وهي تدور سكرتيرة تشعر بالملل وهي مخطوبة منذ فترة طويلة لشخص يفترض أنه سوف يعود قريبا من السودان لتبدأ الحياة الزوجية.
وفجأة تهبط عليها ثروة من السماء عن طريق اليانصيب، وهنا تنصرف مشاعرها عن خطيبها وتتجه إلى شاب اآخر أمريكي تكبره سنا فتتزوجه ويجمعهما معا هواية حب الترحال والسفر. وبعد الزواج تسيطر عليها مشاعر بأنه تزوجها من أجل أموالها وليس حبا فيها وأنه يخطط من أجل قتلها، وتبدو منه بعض التصرفات المريبة التي تغذي مشاعر الخوف لديها. كما تصلها معلومات غير مؤكدة بأن هذا الشخص أصلا قاتل مطلوب للعدالة. ويظهر في حياتها ضابط يقوم بدوره سامز فرانشوم.
إشادة
وعند هذه النقطة يشيد ناقد الديلي تلجراف بأداء فرانشوم الذي ساعد على تعميق هذا الشعور لدى المشاهدين بفضل الإضاءة والمؤثرات الصوتية. وتتوالى الأحداث المثيرة حتى يصل فرانشوم إلى الحقيقة. وعادة تطلب الفرقة من المشاهدين عدم ذكر نهاية المسرحية لأحد حتى لا تضيع متعتها ولا يحجم المشاهدون المرتقبون عن حضورها. وهذا ما كان يحدث دائما مع العروض المسرحية لأعمال أجاثا كريستي مثل “مصيدة الفئران” وشاهد الادعاء. والمسرحية الأولى استمر عرضها للمرة الأولى لأكثر من 33 عاما وكان الجمهور يلتزم بهذا الطلب. كما كان النقاد يلتزمون أيضا ويعلقون على المسرحية دون الحديث عن نهايتها ومنهم كافندش نفسه. أما المسرحية الثانية فتعرض حاليا على مسرح آخر في مانشستر وهي من إخراج المخرجة المسرحية البريطانية لوسي بيلي وهي مخرجة متخصصة في الكلاسيكيات العالمية لشكسبير وغيره. وهي أيضا مخرجة مسرحية «حب من الغريب».
ويرى كافندش أن العرض الحالي تمكن من تحقيق معادلة صعبة تتمثل في الحفاظ على الإثارة في العمل المسرحي مع الحفاظ على المقومات المختلفة للعمل المسرحي مثل رسم الشخصيات والإضاءة والحوار وغيرها. وأشاد بأداء هيلين برادبوري في شخصية السكرتيرة وكانت تحمل اسم سيسيل هارنجتون وجاستين هافوث في دور الخطيب الأمريكي.

الجمعة، 5 أكتوبر 2018

طـــــــارد الأرواح الشريرة على مسارح بريطانيا

مجلة الفنون المسرحية


طـــــــارد الأرواح الشريرة على مسارح بريطانيا


وتدور أحداث القصة حول صغيرة تدعى ريجان ماكنيل وهي ابنة ممثلة مشهورة في الثانية عشرة من عمرها تتلبسها روح شريرة ويسعى اثنان من القساوسة لإخراج هذه الروح من جسدها. وقد استوحى بلاتي هذه القصة من قصة طالع وقائعها في الصحف عندما كان طالبا في جامعة جورج تاون عام 1950. ولهذا السبب اختار أن تجرى أحداثها في واشنطن قرب مقر الجامعة. وأعاد إصدارها بشكل جديد في 2011 بمناسبة مرور 40 عاما على صدور طبعتها الأولى وغير في بعض التفاصيل لكن الهيكل الرئيسي ظل ثابتا.
وحققت القصة منذ طبعتها الأولى أرقاما قياسية في التوزيع أغرت بلاتي بتحويلها إلى فيلم سنيمائي أنتجه وكتب له السيناريو بلاتي بنفسه، وحقق الفيلم الذي كان واحدا من أبرز أفلام الرعب الكلاسيكية في تاريخ السنيما الأمريكية، والذي يصنف بين أفضل مائة فيلم في تاريخ السنيما الأمريكية، إيرادا بلغ 36 ضعف تكلفة إنتاجه التي بلغت 12 مليون دولار.
في بريطانيا
والآن، حان وقت تحويل هذا العمل الناجح إلى عمل مسرحي في بريطانيا على الجانب الآخر من الأطلنطي بعد مرور نحو عامين من رحيل مبدعه الأصلي في 12 يناير 2017. وقد سبق عرض معالجة مسرحية له في برودواي عام 2012 قامت ببطولتها النجمة الأمريكية بروك شيلدز وريتشارد شامبرلين.
يتم التحويل هذه المرة على الجانب الآخر من الأطلنطي في بريطانيا حيث يبدأ العرض الشهر القادم ويقوم ببطولته الممثل الأسترالي صاحب الأصول الكولومبية أدم جارسيا ويشاركه الممثلة البريطانية الشابة كلير كونولي والممثل البريطاني المخضرم بيتر باولز البالغ من العمر 82 سنة الذي يتحرك على المسرح برشاقة شاب في العشرين.
ويشارك في العرض صوتا فقط ممثل مخضرم آخر هو إيان ماكيلين (79 سنة) الفائز بست من جوائز لورانس أوليفييه المسرحية البريطانية المرموقة. سوف يقوم ماكيلين بدور الروح الشيطانية خلال العرض حيث يصدر مجموعة من الأصوات الشيطانية المخيفة. وسوف يكون صوته مسجلا بالطبع. ولن يكون له اسم في العمل المسرحي.
وسوف تحتاج المعالجة المسرحية مجموعة كبيرة من المؤثرات الصوتية والبصرية مثل الارتفاع المفاجئ في الصوت أو الإظلام المفاجئ وإطلاق الدخان والألعاب النارية حتى يصبح المشاهد أكثر اندماجا مع العرض تماما كما لو كانوا يجلسون في دار للسنيما دون أن تثير هذه المؤثرات ضيقهم. كما تم تصميم الديكور نفسه بحيث يعطي الإحساس بالرهبة والغموض.
كتب المعالجة المسرحية للعمل الأدبي الكاتب المسرحي جون بالميير وأخرجها المخرج المسرحي الويلزي شين ماتياس وهو أيضا كاتب مسرحي وكاتب سيناريو ومخرج سنيمائي.
ويقول ماتياس إنه مما يزيد من صعوبة العمل أنه لن يتنافس فقط مع قصة مكتوبة أو مع فيلم سنيمائي بل سيتنافس أيضا مع مسلسل ماخوذ عن العمل الأدبي يعرض حاليا على قناة فوكس نيوز الأمريكية. كما تناولت أعمالا درامية كثيرة. كما أنه سوف يتنافس مع معالجة مسرحية بريطانية أخرى عرضت قبل عام تقريبا في برمنجهام تكريما للمؤلف بعد رحيله. لكنه كان عرضا دون المستوى بسبب ضعف الإمكانيات وهو العيب الذي سيتلافاه العرض الجديد. وهو لا يعتبر العرض المسرحي الأمريكي منافسا لعرضه عام 2012 لأنه ركز على جوانب دينية وتجاهل المؤثرات الصوتية والبصرية التي لا قيمة للعمل بدونها بدرجة كبيرة بدرجة أضعفت العمل.
شخصيات
قامت بدور الطفلة الممثلة البريطانية كلير لويز كونولي رغم أن عمرها يتجاوز 22 سنة. وجاء اختيارها لهذا الدور اعتمادا على براءة ملامحها وجسمها الصغير وتكفل الماكياج بالباقي وتكفل أيضا الأداء وتغيير صوتها بالباقي. ويأخذ عليها فقط دومنيك كافندش عميد النقاد المسرحيين في بريطانيا – وعلى المخرج من قبلها بعض الألفاظ غير اللائقة التي وردت في الأغاني التي كانت ترددها تحت تأثير الأرواح الشريرة حسب النص.
وبعد ذلك أدى بقية الممثلين أدوارهم بشكل جيد أو معقول مثل جيني سيدروف في دور الأم الممثلة وتريسترام ريمارك في دور المخرج صديق الأم الذي يحاول إخراج الروح الشريرة فيلقى مصرعه على يديها. وهنا تستعين الأم بجارسيا الذي يلعب دور قس كاثوليكي وزميله بيتر باولز.
وساعد على نجاح العرض الإنجليزي نجاح مهندسة الديكور أن فليشيل في تصميم خشبة المسرح على عدة مستويات بحيث أعطت انطباعات موحشة عن البيت الذي تجرى فيه الأحداث. كما أجادت في تصوير مشهد الدماء وهي تسيل من ورق الحائط حتى ظن المشاهدون أن هناك دماء حقيقية تسيل من الورق وليس مجرد خدع بصرية. وكذلك مشهد تحطم غرفة النوم.
ويرى الناقد أن هناك بعض نقاط الضعف التي يمكن التعامل معها حتى موعد بدء العرض ومنها الحوار الذي يحتاج بعض التركيز. ويرى أن يعود صاحب المعالجة إلى الفيلم المنتج عام 73 لأن حواره كان رائعا.
أزمة إيما رايس
أفكار جديدة وعقليات قديمة
إذا كان المسرح نشاطا ثقافيا في المقام الأول، فهو في الوقت نفسه أيضا نشاط إداري واقتصادي وصناعي ويمكن أن تطفو بعض مشكلاته على السطح.
ومثال ذلك الأزمة التي تتحدث عنها الصحافة البريطانية الخاصة بفرقة شكسبير المسرحية البريطانية بعد عزل إيما رايس المديرة الفنية للفرقة وهي ممثلة مسرحية وسنيمائية وتلفزيونية وممثلة دوبلاج صوتي ومخرجة مسرحية. وجاء العزل بناء على توصية من مجلس أمناء الفرقة المكون من عدد من الشخصيات العامة وهو غير مجلس الإدارة.
وفي أول تصريحاتها للصحافة البريطانية بعد عزلها قالت رايس (52 سنة) ساخرة، إنها تتفهم جيدا قرار المجلس بالتوصية لإقالتها. فهي مواطنة بريطانية من أصول بسيطة ولا تنتمي إلى الطبقات الراقية وأسر النبلاء. ولو كانت كذلك لما استاء المجلس من دعوتها للتجديد بإدخال بعض التقنيات المسرحية الحديثة مثل منصات الإضاءة والأصوات المكبرة واعتبره خروجا على التقاليد العريقة للمسرح البريطاني. وهذه التقنيات لا تؤثر إطلاقا على الطابع التراثي للمسرحيات التراثية التي تقدمها الفرقة لشكسبير أو غيره لكنها تقدمها بشكل عصري مناسب. وقالت إنها لو كانت من أبناء الطبقات الراقية لوجدت من يستمع إليها ويناقش أفكارها ويحتكم إلى قدرتها على تنفيذ أفكارها على نحو مناسب لكونها مخرجة مسرحية صاحبة خبرة طويلة.
هجوم مستمر
وواصلت هجومها على مجلس أمناء الفرقة في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية في برنامج موجات ليلية للمذيعة الشهيرة صاحبة الأصول الهندية سميرة أحمد. قالت في البرنامج إنها تعتقد أن مجلس الأمناء أخطأ أصلا في اختيارها لأنهم اعتقدوا أنه في الإمكان أن تتخلى عن أفكارها لمجرد إرضائهم والبقاء في منصبها. وبسبب موقف المجلس منها لم تستطع أن تقدم شيئا للفرقة ولا للمسرح البريطاني بشكل عام خلال عامين - أو تعتبر نفسها كذلك – رغم النجاح الذي حققته المسرحيات التي قدمتها الفرقة خلال العامين. وقالت لسميرة أحمد مذيعة برامج الفنون في هيئة الإذاعة البريطانية إنها لو استمرت عشر سنوات في منصبها لما استطاعت أن تقدم شيئا مع أشخاص بهذه العقلية. ومضت قائلة إنها تشعر بالألم لهذه التجربة الفاشلة التي انتهت بسرعة.
وتعود فتقول إنها تعتبر الفرقة أفضل مكان في العالم ويبدو أنها فكرت بصوت عالٍ وكان لا بد أن يكون الصوت منخفضا. وقالت إنها تتمنى لخليفتها ميشال تيري – وهي أيضا ممثلة وكاتبة مسرحية – كل التوفيق باعتبارها صديقة وزميلة لها.
وكانت إيما رايس قد فازت بجائزة سيدة بريطانيا الأولى في استفتاء البرنامج الإذاعي الشهيرStandard Issue Magazine عن عام 2016 بفضل شجاعتها وقدراتها القيادية وقدرتها على الابتكار.

------------------------------------------------------------------
المصدر ترجمة هشام عبد الرءوف - جريدة مسرحنا العدد 579 



السبت، 8 يوليو 2017

عبقرية شكسبير ومصادر مسرحياته

مجلة الفنون المسرحية

عبقرية شكسبير ومصادر مسرحياته 

محسن النصار 

ان عبقرية شكسبير تنحصر في كشفه عن اهمية  تعقيد  التصادمات والطبائع البشرية الى جانب قدرته على جعلنا نحس بجو الحدث الخارجي وطبيعته‏ و مسرحياته التاريخية المبكرة » هنري السادس «و » ريتشارد الثالث و » الملك جون« تتضمن الكثير من الاحداث المسرحية والشيء الكثير من الشرور الانسانية , و يكشف لنا بشكل دقيق ما يدور في جوانب الحياة السياسية و آلية سيرها .‏
ولكن ابطال هذه المسرحيات ذوو طبيعة غير معقدة فهم إما شريرون وإما ضحايا , غير ان عبقرية شكسبير في كتابة المسرحية التاريخية تتجلى على أوضح وجه في مسرحية » هنري الرابع« حيث نجد كل بطل من أبطال هذه المسرحية التي تصور الصراع على السلطة , له شخصية متميزة , فريدة , وميزتها الاساسية هي كونها لا تصور ما يجري في مقدمة المسرح التاريخي الطبقة العليا فحسب بل تصور ما يجري خارج ابواب التاريخ حيث يعيش اناس بعيدون عن اهتمامات الدولة العظمى , غارقون في همومهم الصغيرة والعادية جدا ..‏
وفي الكوميديا بدأ شكسبير بها كبدايته في المسرحية التاريخية بتصوير الحدث الخارجي , وكوميدياته المبكرة اقرب الى الاعمال الهزلية وموضوعاتها ليست اكثر من حكايات غرامية ذات صبغة رومانتيكية مليئة بالمغامرات وتقمص الشخصية لغير صفاتها والمغالطات والالتباس المضحك ولا تتعقد الاحداث المسرحية الا في » تاجر البندقية « و » جعجعة بلا طحن« و »واحدة بواحدة « حيث تسحق هذه الاحداث الطابع الرومانتيكي وتضفي على هذين العملين طابع القتامة , وكوميدياته تكاد تكون خالية من العناصر الانتقادية وثمة صفة اخرى هامة من صفات الكوميديا الشكسبيرية هي الاحساس بالقرب من الطبيعة .‏
لكن شكسبير معروف اكثر في انه ذلك المبدع في تراجيدياته الخالدة » روميو وجولييت « و » هاملت« و » الملك لير « و » مكبث« والذي كان يفكر بعمق بتناقضات الحياة ويغضب في اعماقه لظواهر الشر التي يصطدم بها في الواقع , وهو الكاتب المسرحي الموهوب منذ صباه عندما كتب تراجيدياته العاطفية الرائعة » روميو وجولييت « غير ان السنين أكسبت الكاتب العبقري خبرة كبيرة في شؤون الحياة أنضجت افكاره و أغنتها الى أبعد حد .‏
لكن طابع التراجيديات المتأخرة كانت أشد قتامة , وتراجيدية الحياة فيها عميقة الى حد لامثيل له عند شكسبير وليس ذلك ناتجا« عن اخفاق في حياة الكاتب او بسبب مصيبة اصابته , بل الاعوام التي ابدع فيها شكسبير هذه المسرحيات التراجيدية كانت افضل اعوام حياته من جميع النواحي .‏
وقدرة شكسبير على تجسيد الحياة تجسيدا دراميا فائق الروعة , والقدرة على سكب رؤيته للحياة في قالب شعري فريد , وقد استخدم الشعر وسيلة فعالة يتغلب بواسطتها على فضول المشاهد السطحي تجاه احداث المسرحية وينفذ الى روحه فيوقظ فيها قوة الخيال التي تساعد المرء على رؤيته للعالم افضل مما لوكان ينظر اليه نظرة عملية ذات اهداف تطبيقية .‏

مصادر مسرحيات شكسبير

ن اصالة شكسبير لا تظهر فقط في طريقة علاجه لحبكات مسرحياته فقط ولكن ايضا في جدته وتأثيره الدرامي، ان مسرحيات شكسبير مستقاة من مصادر متعددة اما عن طريق مسرحة قصص حزينة في تراجيدياته او قصص فكهه في كوميدياته , اضافة الى انه اعتاد ان يمسرح موادا تاريخية واخرى من السير الشخصية , ومن هنا تعددت مصادر مسرحياته التي كات يكتبها بمعدل مسرحييتين في كل عام . اعتمد شكسبير في كوميدياته الرومانسية العاطفية على الانتفاع من الروايات البسيطة التي كانت شائعة بين المواطنين، كما انتفع ايضا في هذا المجال من اشعار الشاعر الروماني " اوفير" وكوميديات " بلاوتوس" وكتب الرحالة المعاصرين المليئة بالقصص والحوادث المسلية والطريفة.
اما تراجيدياته فترجع موضوعاتها الى ( قصص مصارع الملوك) كقصة المراكشي الغيور" عطيل " المأخوذة من رواية ايطالية والى قصص تاريخية او سير شخصية يتناولها بالمعالجة باسلوبه الشكسبيري.
وبخصوص مسرحيات شكسبير التاريخية تقوم على اعمال فنية مستمدة من التاريخ, ومن هنا لاحظ النقاد ان مسرحية ( الحب جهد ضائع) هي المسرحية الوحيدة التي يصعب تتبع اصلها في اي مصدر من المصادر المتاحة حتى الان. اما مسرحياته الباقية فيمكن دراستها في ضوء مقارنتها باصولها التي تحولت في يديه الى اشكال درامية رفيعة المستوى, ومهما كان المصدر فان معالجات شكسبير تكشف دائما عن موقفه الشخصي الفني من المادة التي ينتقيها نظريا وعمليا، فإن المادة الخام التي كان يستخدمها قد تكون سردا روائيا او تاريخيا او شعرا قصصيا كل ذلك يتحول في بوتقة فنه الى صيغة حوارية , ولكن في شكل درامي مشحون بعناصر فنية مختلفة من حيث الشكل والمضمون ( مثل عاطفة، انفعال، تشويق، ازمة، تصوير صادق... الخ).
ان شكسبير لم يكن يتردد في ان يخرج تفصيلات ثانوية يقتطعها من مصدر او اكثر او ان يغير من طبيعة المواقف التي يقتبسها عن طريق تأكيدها او تحويرها او حتى تغيير ملامحها تغييرا تاما والاكثر من ذلك انه كان في الغالب يغير من ترتيب القصة الاصلية من ناحية ( كمها وكيفها) فأما ان يكتب بعض المشاهد الموسعة وترك مجرد اشارة للأصل واما ان يغير النتائج التي وردت في الاصل او يضيف شيئا اخر من عنده , واذا كان هذا هو الحال مع حبكاته فانه يتبع الاسلوب نفسه مع شخصياته فهو قد يستبقي شخصية وردت في الاصل او يغيرها او يسقطها او يضيف اليها وهذا كله وغيره يدل على تمكن شكسبير من صنعته وقد  قسم  النقاد مسرحيات شكسبير الى ثلاثة انواع من حيث الناحية الشكل والمضمون .

أولا : المسرحيات الكوميدية

الحب جهد ضائع، 1591م ,

كوميديا الاخطاء، 1590/1591

السيدان المهذبان من فيرونا،1591/1592 ,

حلم منتصف ليلة صيف،1593/1595م

تاجر البندقية،1594/1596م ,

 ترويض الشرسة او( النمرة)،1596

زوجات وندسور المرحات،15998م ,

جعجعة بلا طحين،1599م

كما تهواه ،1600م ,

الليلة الثانية عشر، 1600م

العبرة بالخواتيم،1595/1604م ,

واحدة بواحدة،1603/1604م

بيريكليس،1606/1607م ,

سيملين ملك بريطانيا، 1609/1610م

قصة الشتاء،1610/1611م ,

العاصفة،1611م

ثانيا : المسرحيات التاريخية

الملك جون،1592/1593م ,

ريتشلرد الثاني، 1594م ,

هنري الرابع الجزء الاول، 1597م ,

هنري الرابع الجزء الثاني، 1597م ,

هنري الخامس،1599م ,

هنري لسادس ج1،ج2،ج3، 1590/1592م ,

ريتشارد الثالث، 1592/1593م ,

هنري الثامن، 1612م

ثالثا : المسرحيات التراجيدية

تيتوس اندرينكوس، 1590/1591م ,

روميو وجولييت،1594/1597م

يوليوس قيصر،1599/1600م ,

هاملت امير الدنمارك، 1600م

ترويلوس وكريسدا، 1602م ,

عطيل،1604م

الملك لير،1605م ,

مكبث،1606م

انطونيو و كليوباترة، 1608م ,

تيمون الاثيني، 1606/1608م

كاريولانوس،1609م



الأحد، 30 أبريل 2017

مسرح شكسبير اللندني يؤدي إلى روما

مجلة الفنون المسرحية

مسرح شكسبير اللندني يؤدي إلى روما

شكسبير يصور سواد الناس خرافاً، والزعيم الماكر ذئباً جائعاً للسيطرة بخطبة عصماء منمقة، ينقلب الناس على الجنرال بومبي ويبايعون قيصراً.

في عيد ميلاد شكسبير، الكاتب المسرحي الأعظم، يغدق مسرح شكسبير الملكي من ميزانيته على إنتاج مسرحيات شكسبير الرومانية جميعها، “يوليوس قيصر” و”أنطونيو وكليوباترة” أولا ثم “كوريولانوس” و”تيتوسأندرونيكوس” من بعدهما.

ترامب في السلطة فارضا شعبوية لن تداويها الديمقراطية؛ وبريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي مهددة بفوضى سياسية واقتصادية واجتماعية؛ وتعريف الصالح العالم يختلف الآن بين الحاكم والمحكوم اختلافا جذرياً. حقا آن الأوان لأقسى مسرحيات شكسبير دموية وأكثرها تشبعا بالسياسة، التراجيديا الملحمية “يوليوس قيصر” التي يتواصل عرضها حتى التاسع من سبتمبر المقبل في بلدة ستراتفورد-أبون-آيفون، مسقط رأس الكاتب.

في “يوليوس قيصر” ينفرط بلا كابح عقد السباق على حكم امبراطورية العالم. وتتردد في آذاننا البروباغندا السياسية بأطيافها، اليمين واليسار والوسط. وكلهم بلا استثناء يخاطبون الجموع طمعا في “أصواتهم”. يرتفع ستار العرض عن ثلاثة سياسيين عراة الصدور يجثمون على ثور هائل تحت أقدامهم. الثور يحتضر على أثر الضربات والرجال يقيمون الشعائر ويخضبون أجسادهم بدماء الجثة. من الذي يغتاله الساسة؟


ديمقراطية دامية

يؤوب قيصر من أتون الحرب، متوَّجا بهالة الانتصار. يختال أقوى رجل في العالم اختيالا، بيد واحدة يهيمن على منطقة تترامى من إسبانيا إلى بلاد الشام. وعلى خلفية من نشوة الغلبة، ينشب التمرد بين أروقة البرلمان. يوشي واش بأن قيصر، الإله الخالد حينذاك، يخطط لأن يتوج نفسه ملكا. هو في موقف القوة وله أن يستهزئ بالقواعد.

ولكن روما الجمهورية لم تشهد ملكا منذ خمسمئة عام. والحكم تتقاسمه ثلة من السياسيين بطريقة يمْكن وصفها اليوم “بالديمقراطية”.

الممثل البريطاني أندرو ودول يتقمص دور الطاغية المستبد تقمصاً مخيفاً يذكرنا بآكل لحوم البشر هانيبالليكتر في روايات توماس هاريس
يعتقد المخْلصون من الساسة والطامعون على حد سواء أن حاكما أوحد خطر على روما وشعبها. يتعالى صوت أحدهم، “لا سبيل إلا بتقاسم السلطة”. وهكذا تدب الوساوس بين أروقة القصور، ويصير التخلص من قيصر “الطَموح” هو الغاية والمبتغى لدرء الفوضى والشعبوية.

تتناهى إلينا كلمة “طَمُوح” وكأنها سبة في الجبين. كانت بالفعل سبة للرومان في هذا السياق السياسي. فكيف يطمح سياسي في استلاب شيء من شعب روما الحبيب؟ روما لم تركع من قبل، وكاسيوس الثوري الأصيل يندد، “الخطأ يا عزيزي بروتوس ليس في حظوظنا. ولكن في أنفسنا، في أننا تابعون”.

تتتابع المؤامرة المقاوِمة لصعود الدكتاتور ساعتين ونصف الساعة ونحن جالسون على أطراف المقاعد. ومعرفتنا بالحبكة لا تكبح إثارة تخللت إلينا مع كل جريمة قتل أو انتحار.


التلاعب بالحشود

ومثلما هو الحال دائما وأبدا، تتلون هذه الخيانة السياسية (أو التضحية السياسية، هي وجهات نظر لم يحسمها شكسبير) بلون الدماء. ثلاثون طعنة اخترقت جسد قيصر في البرلمان. يعاتب قيصر صديقه بروتوس ذلك العتاب الشهير، “حتى أنت يا بروتوس. اسْقُطْ إذن يا قيصر”. والأمر الأخير لنفسه يوحي بأن الخيانة أفقدته كل إرادة على الحياة.

يُغرق القتلة (أو الثوريون وفقا لانتمائك السياسي!) أنفسهم بالدماء حتى الأكواع في مشهد بدائي ينتمي إلى العصر الحجري. يسير المتآمرون في شوارع روما يتصايحون، “السلام، الحرية، الحرية”.

لم يضع الساسة في الحسبان أن أسوأ مخاوفهم قد تتحقق لتقتل أحلامهم في المهد. يشهد أنطونيو قائده يُذبح ذبحا، فلا يدخر حيلة للتلاعب بالحشود ليتمردوا، مرة ثالثة!

يتساءل المخرج آنجيس جاكسون في أحد حواراته الصحافية إن كان الانقلاب على الديمقراطية يبرر اغتيال القادة، “هل سيكون من المبرر أن تغتال المعارضة قائدا غربيا كترامب مثلا إن أساء استخدام سلطته؟” كما يعقِّب موقع “واتس أون ستيج” على المكيدة المسرحية بأن القوة الفجة للأداء والعرض الضخم لتراجيديا المؤامرة يجعلانها أكثر من مجرد استحضار للمكائد الترامبية.


لم يضع الساسة في الحسبان أن أسوأ مخاوفهم قد تتحقق لتقتل أحلامهم في المهد

الرجل سيد قدره

أدار المخرج دفة المسرحية بكفاءة منقطعة النظير. ولكننا لا نكاد نتذكر أن للعرض مخرجا. على ما في الأحداث من قوة وجمال، لم تختلف الوقائع كثيرا عن نص شكسبير. قد يُعتبر اختيارا آمنا إلا أنها كانت واحدة من حسنات العرض.

فقد لعلعت اللغة الشكسبيرية مع لعلعة أدوات الحرب. بعضها سلس، والبعض الآخر في حاجة إلى مترجم! الملابس رائعة من الدرجة الأولى، والديكور مبهر استلهمه المصمم من الساحات الرومانية العتيقة، وبدا جليلا حريا بالامبريالية في أبهى صورها. يطالعنا وجه روما الحضاري الآني، وفي الوقت ذاته أنقاضها المستقبلية وراء الأسوار.

يتساءل شكسبير عن معنى القيادة والرجولة. ما معنى أن تكون رجلا في عهد إليزابيث الأولى؟ عله المعنى نفسه في يومنا هذا. يلازم الرجولة النبل والشجاعة، وأحيانا العنف. يؤكد السيناتور بروتوس أن الرجال أسياد أقدارهم. في المسرحية صوتان نسائيان فقط لا غير، ولا سلطة سياسية أو حربية لهما.

يتقمص الممثل البريطاني أندرو ودول دور الطاغية المستبد تقمصا مخيفا يذكِّرنا بآكل لحوم البشر هانيبال ليكتر في روايات توماس هاريس. جاء الأداء منوما مغناطيسيا، بالكاد تستطيع أن ترفع عينيك عن الممثلين، والجائزة الكبرى ينالها جيمز كوريجان في دور أنطونيو وأليكس ولدمان في دور بروتوس.

كان أدهى ما في العرض هو التصوير الدقيق للانقسامات بين الطامحين للفوز بالعرش والانقلاب على الحاكم المطلق. رويدا رويدا تتكشف لنا ظلال من اللون الرمادي. وقوفنا ضد الدكتاتور لا يعني أننا لسنا دكتاتوريين. وقوفنا ضد الشر لا يعني أننا نمثِّل الخير. تُحلل المسرحية قيمة الأخلاق ودلالاتها الاجتماعية. بروتوس مثال للرجل الخلوق، ولكن ينتهي به الأمر قاتلا لصديق ورئيس دولة. المضحي في سبيل أهله هو في الواقع جزار.


لا خير في المدينة

هذه الفكرة الفلسفية حيرت الكثيرين، وقادت السياسيين في متاهات ومتاهات. نتخيل عالما طافحا بالشر من دون مسحة خير. عالم يتقاتل نصرة للإيذاء والفتك. مَن يقف ضد الآخر يطمح في المزيد في الطغيان ليس إلا، ولا نصير للشعب.

إن الديمقراطية في التحليل الأخير هي حكم الشعب. وبسهولة منقطعة النظير يتلاعب كل اتجاه من الاتجاهات السياسية الثلاثة، يمين ويسار ووسط، بالشعب الذي بدا أشبه بالغوغاء في المسرحية. أكان تحذيرا من شكسبير بأضرار السلطة الشعبية؟ هل يلهث العامة وراء يوتوبيا بعيدة المنال أم أنهم مغيبون بالفطرة؟
عودة الأوتوقراطية والثورات الأهلية وما أعقبها من فوضى ووحشية

يصور شكسبير سواد الناس خرافا، والزعيم الماكر ذئبا جائعا للسيطرة. بخطبة عصماء منمقة، ينقلب الناس على الجنرال بومبي ويبايعون قيصرا. وبخطبة مثلها ينقلبون على قيصر ويبايعون بروتوس، ومن بعده يجيء دور أنطونيو بخطبته الطنانة، “أصدقائي وأهل روما وأبناء بلدي”.

شعب ينحني مع الريح وتهزه النسمة. نرى رؤية العين كيف تتحول الديمقراطية إلى شعبوية. وتقلٌّب القوم بين المشهد والتالي مخيف فعلا. يداهمنا كل اتجاه سياسي بلغة ومنطق وتطرف خاص به، والأهم بمطامع لا تنقطع في العرش.

يوحي شكسبير بأن الحكم الأوحد ليس هو الشر المطبق. كيف وقيصر مهدور الدماء انتحب “حين بكى الفقراء”؟ الحق أن شعب روما لم يكترث على الإطلاق بفكرة الحرية. حين علموا كذِبا بأن قيصرا ترك لكل روماني 75 دراخمة في وصيته، هللوا وانقلبوا على الثورة في لحظات معدودات.

وهكذا يعري المشهد تلو المشهد حقيقة عصرنا هذا: عودة الأوتوقراطية والثورات الأهلية وما أعقبها من فوضى ووحشية. نريد أن تحيا روما بالطبع، ولكن هل من المجدي حقا أن تحيا روما أو “تموت حرة” كما هتف الثوريون؟ بين يدينا مسرحية معاصرة إلى حد الغرائبية.

ونترك للقارئ العربي تمييز الأحداث واستلهام العبرة، فالمسرحية ذاتها لم تنزلق في منزلق المجاز العاري. قد يستنكر البعض تقليدية العرض غير أن أفكاره النبوئية لن تخفى على أحد. لو عاش شكسبير إلى اليوم، لأتم أربعمئة وخمسين عاما. كل عام والكاتب العظيم بخير.

-----------------------------------------------
المصدر : هالة صلاح الدين - جريدة العرب 

الخميس، 6 أبريل 2017

أنطونيو وكليوباترة يزوران شكسبير في ستراتفورد

مجلة الفنون المسرحية

أنطونيو وكليوباترة يزوران شكسبير في ستراتفورد


المخرج إقبال خان يعود بتراجيديا الحب والسلطة عبر مسرحيته 'أنطونيو وكليوباترة' التي تتسم بالروح العنيف والإبهار.

في مسقط رأس شكسبير، ببلدة ستراتفورد-ابون-آيفون وعلى خشبة فرقة شكسبير الملكية تم افتتاح تراجيديا شكسبير الخالدة “أنطونيو وكليوباترة”. سوف يتواصل عرض الدراما حتى السابع من سبتمبر القادم وستعرضها دور السينما البريطانية في عرض حي في الرابع والعشرين من شهر مايو القادم.

يلتقط مخرج المسرحية إقبال خان خيوط القصة بعد اغتيال يوليوس قيصر وتربُّع أنطونيو على السلطة. أنطونيو، المنتفخة أوداجه من فرط الزهو، يرمي حينذاك بخيوط الإمبراطورية في سبيل حياة من اللهو واللذة مع كليوباترة.

ولتمكُّن الحب من كل حواسه تنبذه ألمعيته العسكرية ويفضي الغرام إلى الخاتمة التراجيدية المحتومة. تلك القصة التي أهلكها الشعراء وكتاب المسرح على مدار عقود. ماذا في جعبة خان إذن ليعرضه في عام 2017؟ وكيف تتباين النسخة الشكسبيرية عن نسختنا هذه؟


لا نلمح أثراً عصرياً للعهد الحالي

نسخة عتيقة

اتسمت نسخة خان بالروع العنيف والإبهار، فقد أجاد استخدام أدواته من موسيقى مهيبة وإضاءة تطرح ظلالاً موحية وملابس فخيمة رغم تقشف ميزانية المسرح الملكي. كما جاء ديكور روبرت إنز هوبكنز خلاقاً، فقد أحسن استغلال المساحات مستغلاً خشبة المسرح كمنصة وميدان عمومي وحفرة عميقة بل وغرفة بخار تلمّ شمل القادة العظماء.

ومع أن خان أعاد سرد القصة سرداً اعتباطياً دون احترام كامل للترتيب الزمني تبدّت، بمعنى ما، كزاوية منمّقة ضاربة في العتق للمسرحية المكتوبة منذ مئات السنوات، وكأنما يعتبرها “وثيقة تاريخية” مثلما أشار الناقد المسرحي مايكل بيلنجتون، وكأن الاثنين، خان وشكسبير نهلا من المصدر نفسه في تأليف المسرحية، أي فصل “حياة مارك أنطونيو” من كتاب “حيوات أنبل اليونانيين والرومان” للمؤرخ اليوناني بلوتارخ.


رؤية تاريخية مهلهلة

المعيب أننا لا نلمح في المسرحية أثراً عصرياً للعهد الحالي، لا التكنيك ولا الحبكة، والأهم أنها لا تقدِّم لنا رؤية عميقة لمفهوم السلطة وقيمتها في القرن الحادي والعشرين.

كانت المسرحية حين كتبها شكسبير أطول من أن تحويها خشبة المسرح، ولم تزل مع خان واسعة القماشة منتزعة السياق. تُهنا في ثناياها ومتاهتها الدائرية فكان وكأننا نشهد فصلاً ونصفا من مسرحية لم نطالع منها إلا سطوراً معدودة رغم أننا قضينا نحو ساعتين ونصف داخل هذا المسرح.

ولكن ما أخذه خان وما تركه أمر ولا ريب مختلف عليه. فالعديد من كتّاب المسرح المعاصرين يختزلون شكسبير لحد الإخلال. إذ لا يثقون بما يمكن أن نُطلِق عليه النصوص “المُدمَجة”، وهي نصوص رقَّعها كتّابها ترقيعاً أخرق من نسخ أو مراجعات سابقة.

ومثله مثل شكسبير يظْهر خان مولعاً بالتناقص بين الفن الشعري والطبيعة في عهد جيمز الأول. ولعلّ الفرق بينه وبين شكسبير في التناول هو أن شكسبير وجد شكلاً جماليا يجمع بين فوضى الطبيعة في إطار التاريخ على حين كان خان معنياً بالامتداد المحض للتجربة ذاتها، فجاءت مسرحيته لتخفي في طياتها أشكالاً درامية تدعو إلى تهمة اللاشكل!

غالباً ما يستسهل إقبال التعامل مع كلاسيكيات شكسبير على مسرحه إلا أنه أحياناً ما يجد من مادته ما يستحق إلقاء ضوء جديد مثلما كان الحال مع مسرحيتيه “جعجعة بلا طحن” عام 2012 و”عطيل” عام 2015.

يتعاطى في مسرحيّتنا هذه مع حالة العشق بتعاطف مبالغ فيه. يناقش أعداء القائد الروماني ما شاء لهم النقاش سلوكَ أنطونيو “عديم الرجولة” في صحبة ملكة النيل، يتفجّع فيلو الجندي الروماني بدرعه الجلدي ونبراته المتكلّفة التي صبغت مونولوجات المسرحية بـأسرها، “وسوف تشهدون فيه عاموداً ثلاثياً يدْعم العالم، ولكنه يتحول إلى أحمق المومس”. والأحمق هو أنطونيو ولا شك الذي يقوم بدوره بافتعال خطابي الممثل البريطاني أنطوني بيرن.

خان يكاد يهمل الجانب السياسي من حياة كليوبترة. بل إنه يرسمها ذات مرة ساذجة سياسياً، "أواه يا عهد الغرارة حين كنت خرقاء في أحكامي، باردة الدماء"
ولكن كليوباترة ليست مومساً وإنما سياسية ترفض الانضواء تحت لواء الرجل، امرأة ذات “تنوع لا نهائي” مثلما ينعتها إنوباربص صديق أنطونيو الصدوق بحروف متقطعة.

يرى المجتمعُ البطريركي المرأةَ القوية شائنةً يرمقها بعين الشك ويرميها بالالتواء. فهي عشيقة تارة ومخادعة تارة أخرى، ومَن مثْلها لن تجمع ولا محالة بين الطهر الأخلاقي والصلابة. الحق أن كليوباترة اليوم تتقطع بين الفينة والأخرى بين الغيرة القاتلة والوسواس الأعمى. تتمحور حول ذاتها المجنونة وتقفز من العنف العشوائي إلى نبرات الحب الخفيضة في ثوان.

وربما كان السبيل الوحيد لرجُل الأمس ورجل اليوم إلى امتلاك السلطة هو أن يبصرها من زاوية الشبق والشهوانية. وقد جعل خان ساحلَ البحر معبّراً عن حياة بوهيمية أخذ بأسبابها القائد الروماني وملكة مصر، فكان الموقع الكائن على خلفية من السّماوات الزرقاء موقع شعَر فيه العشوائي بالحميمية والجامح بالفن.

تحكي جوزيت سايمون، الحاصلة على رتبة الإمبراطورية البريطانية من الملكة إليزابيث والتي لعبت دور كليوباترة باقتدار، أن أحد أساتذتها نصحها ألا تعلِّق آمالاً عالية على العمل في فرقة شكسبير الملكية، ثم أردف مفسراً “للونها الكاريبي”.

وقد كان من المفهوم وقتذاك حثّه لها على البراغماتية، إذ لم تقم ممثلة سمراء حتى ذلك الحين بلعب دور البطولة في أيّ مسرحية لشكسبير بالفرقة الملكية.


كليوباترة أفريقية

كليوباترة هنا سمراء البشرة لا قمحية فنتوه في أصلها وفصلها، وإنما سمراء بجدائل خشنة، سمرتها تلتمع بالتضاد مع رداء ملكي ذهبي اللون. الواقع أن ملكة مصر لم تجر في عروقها نقطة دم مصرية، وإنما كانت يونانية من مقدونيا.

ومنذ جسدت الإنكليزية البيضاء بيجي أشكروفت دور كليوباترة في نسخة المخرج الإنكليزي جلين بيام في الخمسينات من القرن العشرين، لم نر كليوباترة إجزوتيكية ببشرة سفعتها الشمس في عرض كبير مثل هذا العرض، وذلك بالرغم من قدرة العاطفة والبلاغة الدرامية على تحدي الحقيقة والتاريخ ذاته.

نسختنا هذه طالها “التصحيح السياسي” تتحدى عينيّ إليزابيث تيلور البنفسجية وتستدعي قصيدة الشاعر الأسترالي كلايف جيمز “حيث يلتقي البحر بالصحراء” الذي يقحم فيها عدة أبيات عن عبد كادح -ربما لم تعد منه جدوى- قذفته إحدى السفن والعشيقان يلهوان في ماء البحر:

“سبح أنطونيو وكليوباترة بمرسى مطروح في مياه ضحلة، زرقاء اللون صافيته/تخيَّل الرمال النظيفة، بلا مهملات، بلا زجاجات بلاستيك أو فضلات من العلب/لا شيء طرحته المراكب على الإطلاق/عدا جثة بين الفينة والأخرى/عدا جثة عَبْد مستعمَل مرمي من مطبخ سفينة”.


آثر خان في عمله تحاشي الجدل السياسي

روما تتهاوى

يكاد خان يهمل الجانب السياسي من حياة كليوبترة. بل إنه يرسمها ذات مرة ساذجة سياسياً، “أواه يا عهد الغرارة حين كنتُ خرقاء في أحكامي، باردة الدماء”. وكثيراً ما نصطدم بها مراهِقة تغلبها النزوة، شبقة في إيروتيكيتها، تحاول بلا كلل اغتصاب عيون الجميع نحوها.

الحق أنها كانت ماكرة مكر الرجال في ثكنات الحرب كما في المعترك السياسي. وقد فات خان أن يذكر أن رخاء عمّ على يديها، تلك المرأة التي يتلون صوتها بالسلطة الساحقة تارة وبهدهدة خفيضة تارة أخرى. وفي الأغلب أهمل أن ينتقد إضاعة الزوجين لمملكتيهما، بل وإضاعة فرصة أكيدة لإحلال السلام على شعبيهما. هل عدِما أيّ طموح أو حكمة؟ الثابت أن أنطونيو على الأقل تنازعته الحسرة والندم على إمبراطورية راحت منه وهو في سكرة الحب.

يتفجّع خان مرّ التفجع على عشيقين راحا ضحية للهوى. تنفض الأحداث وهما يخوضان علاقة جسدية أخيرة هرباً من الشيخوخة والموت. ينبس أنطونيو بلهجة المستبدّ العتيد وهو يتباهى بفحولته الجنسية في رداء روماني فضفاض أمام الدرجات الرخامية للمباني الرومانية العامة، “دع روما تذوب في نهر تايبر، وقنطرة الإمبراطورية مترامية الأطراف تتهاوى: هنا مكاني”.


تحاشي السياسي الملغوم

لعل خان آثر تحاشي الجدل السياسي الملغوم وتفاصيل التكتيكات الحربية، واختار أن يلقي أغلب شباكه -عدا حوار هنا أو هناك- على حبائل الغرام. انتهى بأن خاض الاثنان مصيراً أعمى من الانتحار. والقيصر يؤكد “سيدفنها أنطونيو حبيبها، فلا قبر على وجه الأرض يسعه أن يطوِّق زوجين في مثل هذه الشهرة”.

وبعدها، وبمنهج متثاقل مسلوب الإيقاع على اقتضابه، أطلعنا خان على التبعات المهلكة لإمبراطورية تتفسّخ أمام أعيننا في حال من الشغب والفتنة. ينتهج شيئاً من المثالية السياسية وهو يذكر كيف قضى الاثنان على مسيرتهما التي انتهت بزحف أوكتافيوس على مصر ليتلاشى عهد البطالمة ويحكم أوكتافيوس العالم الروماني بلا منافس.

وفيما بين صخب الجياد وأبّهة أروقة القصور، والشعارات السياسية تتساقط، ينكشف الوجه الحقيقي للمستبد، ونلفي في هذه المسرحية تذكرة كلاسيكية من جعبة شكسبير بأن ألاعيب مجلس الشيوخ ومكائده والتفات القائد عن كرسي الحكم وشواغله، ولو في سبيل الحب، قد يقضي على أمّة ويعرِّض أجيالاً متتابعة لا تسْلم من البراءة إلى حرب ضروس.

----------------------------------------------------
المصدر : هالة صلاح الدين -  العرب 

الجمعة، 31 مارس 2017

المسرح الانكليزي في القرن العشرين

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الانكليزي في القرن العشرين

أ د.حميد حسون بجية

تضاءلت تدريجيا منذ بداية القرن السابع عشر فترة رائعة شهدها المسرح الإنكليزي - ذلك هو عصر شكسبير وبن جونسون ر وبستر وكون كريف. ولمدة ما يقرب من مائتي سنة تلت باستثناء أعمال منفردة لشريدان وكولد سميث- لم تظهر أعمال مسرحية ذات أهمية(على المسرح). وبعد ذلك وفي آخر عقد من القرن التاسع عشر وخلال معظم القرن العشرين كانت هناك نهضة باهرة. بدأت هذه الفترة عام 1892 بظهور أوائل مسرحيات جورج برناردشو.

جورج برناردشو:

        أعلن برناردشو رأيه عن أهدافه ككاتب مسرحي عندما كتب مرة : ينبغي للمسرح أن يتحول من الأدب المسرحي الخيالي والحسي إلى الأدب المسرحي التنويري . فكانت كل مسرحياته التي بدأت (ببيوت الأرامل) عام 1892 ولم تنته إلا بعد ما يقرب من ستين عاما. تلت مسرحيات تعليمية وأخلاقية في مغزاها بشكل مكثف. ومنذ البداية كان برناردشو يسعى لفضح الرياء والحماقة والتقاليدية في طريقتنا في الحياة وسار على ذلك المنوال في مسرحياته الواحدة تلو الأخرى مستخدما سخرية مسلية وروح هزل مثيرة. فلم تعد أبطاله وبطلاته نبيلة ولا رومانسية بل أناسا عاديين من قبيل شخصية ديك ددجيون في مسرحية (تلميذ-تابع- الشيطان) أو قيصر في مسرحية (قيصر وكليوباترا)  اوالقديسة جان دارك في المسرحية التي تحمل اسمها. وتمتاز  أعمال برناردشو بولعها بالهدم (غير بناءه)  أكثر مما هي إبداعية (خلاقة). فهو يقدم القليل من الحلول لما نواجهه من مشاكل بيد أن تعليقاته الدرامية (المسرحية) حول قيمة الهدم جديرة بالاهتمام. يحدث ذلك مثلا في الفصل الثاني من مسرحية (قيصر وكليوباترا) حيث يراقب كل من الامبراطور والمؤرخ ثيودوتس حريق مكتبة الإسكندرية الشهيرة.

ثيودوتس: أن ذاكرة الإنسان هي التي تخترق هناك.

قيصر: يالها من ذاكرة تجلب العار. دعها تحترق.

ثيودوتس(باستغراب) : هل تريد أن تحرق الماضي؟

قيصر : اجل ، وابني المستقبل من أنقاضه.

     

هذا هو مثل برناردشو الأعلى. وفي مكان آخر في مسرحية (الاانسان والإنسان الامثل) يعبر دون جوان عن              آخر من المعتقدات التي يعتز بها برناردشو عندما يقول:

        أؤكد لك أني طالما أحس بشيء أفضله على نفسي فلا يمكنني أن أكون سهل الانقياد

        ما لم أكافح (أناضل) من اجل تحقيقه أو إفساح المجال لتحقيقه. انه قانون حياتي

        واقصد به ما  يدور في خلدي حول الطموح الحياتي المتواصل للحصول على تنظيم أكثر سموا.

        روعي بالذات اتساعا وعمقا وشدة إلى جانب فهم للذات أكثر وضوحا.            

إن أعظم إنجازات برناردشو هي قابليته على خلق ملهاة رائعة مما يبدو لأول وهلة مادة غير درامية. فلا احد قبله ولا بعده تمكن من كتابة مشاهد نقاشية تمثل فيها زخم المناظرة كمصدر أساسي للإثارة الدرامية. ففي عالم الملهاة النثرية والهجاء خلال تقديم دراما الأفكار وفي كمال نضج حواره النثري حقق برناردشو إنجازا كمنت فيه براعته.

جون غالزويرذي (1867-1933)     

        كانت أعمال غالزويرذي ككاتب مسرحي معاصرة لمسرحيات برناردشو المبكرة. فقد كتب مسرحية (الصندوق الفضي )عام 1906 واتبعها في السنوات اللاحقة بمسرحياته (الصراع) و(العدالة) و(لعبة النصب والاحتيال) و (الو لاءات) و أخرى غيرها. وكانت كل تلك المسرحيات دراسات مأساوية للفرد الواقع تحت  رحمة القوى الاجتماعية المستبدة. فكل واحدة منها تقدم إحدى مشاكل الظلم الاجتماعي.  لقد كتب كل واحد منها بصدق و بقدر كبير من  المهارة الفنية.  بيد أن مسرحيات غالزويرذي اختفت  و لم تعد تعرض على المسرح. و يكمن السبب في ذالك في آن شخوصه الرئيسة متخشبة بحيث  لا يمكن أن تكون مبعث اهتمام دائم للجمهور المتردد كثيرا على المسرح. فشخصية فا لدر في مسرحيه (العدالة) أو انطونيو روبرتس في مسرحية (الصراع) كانت بقايا  دمى متحركة تحت رحمة قوى مجردة عملاقة هي القانون الرأسمالية والعمل.

سومرست موم(1874-1965)   

        بينما استخدم برناردشو التقليد القديم لملهاة السلوك للاستفادة منها في أغراضه الخاصة، اقتنع معاصره سومرست موم بمواصلة هذا التقليد في مسرحيات من قبيل (الدائرة) عام 1921 و(أفضل من هم على شاكلتنا) عام 1923 و(المعيل) عام  1930. ففي كل هذه المسرحيات كما هو الحال في مسرحيات أخرى ناجحة اظهر موم ثقة كاملة بالنفس في مجال معالجاته للحبكة والشخوص وتضلع في استخدامه للسخرية والهجاء المقذع. بيد أن التألق النهائي الذي ميز مسرحيات كونكريف وشريدان ووايلد الهزيلة بقي دائما بعيدا عن متناول موم.

نوئيل كاوارد (1899-1964)

        بدا كوارد صلته الغرامية الطويلة بالمسرح و هو في سن الحادية عشرة عندما ظهر كممثل صبي في احد مسارح  في الطرف الغربي (ويست اند). أخرجت مسرحيته الأولى (الفكرة الجديدة) عام 1919 ومنذ ذلك الحين اخذ بكتب باستمرار ونجاح المسرح اللندني. وكان أول نجاح حقيقي له في مسرحيته (الدوامة) عام 1924 . و هي هجاء لاسلوب الحياة الحديثة في لندن ما بعد الحرب. ففيها حيوية أخاذة لاذعة كانت تروق كثيرا لنظارة ذلك الزمان. كما كتب مسرحياته المتأخرة من قبيل (حمى القش) و (المركيزة) و (الملائكة الهابطون) و (حيوات شخصية) و (الروح المرحة) فيما بين عام 1924 وعام 1945 وكانت كلها بارعة النجاح. ومرة أخرى كان التقليد الأقوى في المسرح الإنكليزي - أي ملهاة السلوك والسخرية - هو ما قدمه كما ورد بمثل هذه البراعة.

شون اوكابسي (1884-1946 )

        ظهرت ثلاثة ملامح في أعمال الكاتب المسرحي الايرلندي شون اوكابسي وهي بدء نوع جديد من الفن المسرحي ورد فعل ضد ملهاة السلوك إضافة إلى الفضول الشديد حول كون الإنسان كيانا مختلفا عن كونه مجرد كائن اجتماعي. عرضت مسرحياته المبكرة وهي(ظل مقاتل) و (جونو والطاووس) و (برج الدب-المحراث والنجوم-) فيما بين عام 1922 وعام1926. وكانت كلها من وحي تجاربه خلال سنين الشقاء 1915-1923 عندما كانت ايرلندا تكافح من اجل الاستقلال. فهي تتمركز حول معاناة الناس العاديين. وتقدم كل واحدة منها مجموعة من الشخوص المنوعة وتستخدم أسلوبا مميزا غنيا.

حي بريستلي (1894-1984)

        كان هناك نفس الاستياء الضمني تجاه السخرية والمادية في أعمال كاتب مسرحي متأخر قليلا وهو جي بي بريستلي. فقد كان دائما مصمما على الاستفادة من تجاربه كما تظهر مسرحيته الأولى (الركن الخطر). وفي مسرحية تالية وهي (جونسون وجور دن) عام 1939، استخدم الموسيقى ورقصات الباليه والأقنعة في فنتازيا كهذه تتعامل مع تجارب إنسان عادي بعد موته مباشرة. وكذلك في مسرحياته الأخرى مثل (كنت هنا من قبل) أو (دعوة مفتش) حيث أبدى رغبته في الإفلات من قيود التقليد. بيد أن التغيير الأول الرئيسي في المسرح كان قد جاء توا عام 1935 من خلال أعمال تي أس اليوت.

 تي أس اليوت(1888-1965)

        لقد استخدمت الأعمال المسرحية الإنكليزية وسيلة الحوار النثري بشكل كاد يكون حصريا منذ عام 1660 وحتى بداية القرن العشرين. وكان هناك القليل من المحاولات في الدرجة الأولى (إلى حد بعيد) على أيدي شعراء القرن التاسع عشر - لأحياء الفن المسرحي الشعري التي كانت سائدة عند كتاب العصر الاليزابيثي. وكانت تلك المحاولات ناجحة إلى حد بعيد. وجرت محاولات أخرى في بداية القرن العشرين لإحداث انعطافة نحو الشكل الشعري قام بها ديلوي بيتس وستيفن فلبس وماسفيلد وآخرون ولكن بقي الشكل من جديد ميتا بشكل مستعص على المعالجة. وكان من الضروري أن نعرف أن المسرح مضاربة تجارية حيث تكتب المسرحيات للمشاهدين (النظارة) وليس للقراء في المكتبات وانه من دون ما يسمى "شباك التذاكر" ليس أمام المسرحية سوى فرصة نجاح ضعيفة. وعندما بدأت نزعة لوضع الشعر والمسرح التجاري في عمل مشترك في الثلاثينات من القرن العشرين، جرى استقبالها بحماس كبير (منقطع النظير) .

        يعود الفضل في ذلك إلى تي أس اليوت. فقد أعلن عن اهتمامه بالمسرح الشعري عام 1920 عندما ضمن مقالا له حول" إمكانية تحقق مسرح شعري " ضمن مجلد بعنوان " الأيكة المقدسة". وفيها العبارة المهمة التالية :"تكمن مشكلتنا في تبني نوع من التسلية مخضعة لعملية تجعل منه تقليدا فنيا. وبعد بضع سنين كتب في مقالة بعنوان "حوار في الشعر الاليزابيثي" . وفي عام 1935 طلب إليه أن يكتب مسرحية لمهرجان كانتربي. وبهذه الطريقة بدأت عملية إحياء الفن المسرحي الشعري في بريطانيا بإخراج مسرحية (مقتل في الكاتدرائية) عام 1935.

        تعتبر هذه المسرحية إنجازا  هاما من ناحيتين.  فهي أولا عادت مجددا إلى فكرة قديمة - وهي الصراع داخل نفس الإنسان ضد خلفية تعكس أهمية دينية وسياسية. وثانيا إن هذه المسرحية استخدمت كل وسيلة فنية كانت مستعملة في المسرح سابقا. فقد استعار اليوت من المسرح الإغريقي استخدام الكورس والذي لا يساعد في التعليق على الأحداث فحسب وإنما يسهم أيضا في خلق الجو المناسب وفي إبداع شعور بالعمومية . إن الصيغة العروضية الرئيسية المستخدمة في هذه المسرحية هي الإيقاع المنطلق الذي  قام بتجريبة  والإجادة فيه الشاعر جيرارد ما نلي هو بكنز - وهذا الإيقاع عبارة عن عدد من النبرات الثابتة في كل بيت مع اختلاف عدد المقاطع.فمرة نسمع أصداء من موسيقى الشعر المرسل الشكسبيرية الرصينة ومرة نصغي إلى لحن أغاني الأطفال المثيرة للضحك والخارجة على قواعد الوزن الشعري. وبهذه الطريقة ابتدع اليوت أسلوبا محايدا موحيا" بالماضي والحاضر على حد سواء ".

        وتكشف مسرحياته المتأخرة مثل(التئام شمل العائلة) عام 1939 و(حفلة كوكتيل) عام 1950 و(الكاتب المؤتمن) عام 1954 عن براعة فنية فائقة وعن نفس العمق والجدية في فهم الشخصية البشرية والعلائق الإنسانية.

المسارح الشعرية الأخرى

        كانت المسرحيات الشعرية التي اشترك فيها دبليو ايج اودن وكريستوفر اشر وود معاصرة تقريبا لتجارب تي أس اليوت في المسرح الشعري. وكلن المسرح يعني لكلا الكاتبين وسيلة دعائية لغاية سياسية في المقام الأول. وتعتبر مسرحياتهما (الكلب  تحت الجلد) عام 1935 و (الصعود ) عام 1936 و (على الحدود) عام 1938 عرضا حيا للهجاء المصحوب بعروض عاطفية لمعالجات ماركسية. ويبدو إن فشل هذه المسرحيات يمثل تنبيها ممتعا إلى خطر استعمال الفن لمجرد غايات دعائية سياسية.

        ويتجسد أكثر النجاحات وضوحا في المسرح الشعري بعد اليوت في مسرحيات كريستوفر فراي. فبعد تجاربه المبكرة في مسرحيتي (الصبي والعربة) عام 1938 و(المولود الأول) عام      برز فراي ككاتب رئيس في حقل المسرح الشعري عام 1946 في مسرحية (العنقاء ذات الزيارة المتكررة) التي تدور إحداثها حول امرأة رومانية ذات مقام اجتماعي رفيع كانت على وشك أن تضحي بنفسها على قبر زوجها السابق لكن احد القادة الرومان أعادها لممارسة حياة جديدة مفعمة بالحيوية. وحول هذه الفكرة البسيطة حاك فراي نسيجا من مفردات مفعما بالجذل والسخرية والحيوية.

        وكان حب فراي  للحياة مفتاحا لمسرحية كتبها بعد سنتين وهي(السيدة ليست للحرق) - وهي قصة لساحرة  مشهورة إنقاذها  من الموت جندي سابق. ومرة أخرى  نجد تدفقا غنيا من الصور الخيالية المثيرة للبهجة تعتبرا لناتجة من إدراك  متعة الحياة ، وربما بسبب الاهتياج لقرب الموت وهذا يعبر عن تضاد رائع. واشتملت إعمال فراي اللاحقة مسرحيات ممتعة  مثل(فينوس حين ترصد) و (الظلام ضياء كاف) و(المعطف الفظ ) وكلها كانت تكشف عن حسن فهم حقيقي للمسرح وقدرة فائقة على الإبداع الاكثر حداثة.

        إن النزعة الاكثر حداثة في المسرح البريطاني ابتداء من 1950 وحتى الوقت الحاضر هي التحول عن المسرح الشعري إلى نوع جديد من المسرح النثري. فهي جديدة لأنها في حالة ثورة. إذ أن كتابا مسرحيين من قبيل جون اوزبورن وهارولد بنتر و سامويل بيكيت رفضوا المسرح الارستوقراطي والمسرحيات التاريخية والملهاة الاجتماعية والشعر. وقدموا المسرحية النثرية كبديل كونها تتمركز حول حياة الناس العاديين كما أنها المسرحية التي ولدت من الصراع بين الشباب وبيئتهم. انه مسرح الناس المنبوذين والمخفقين والذين يعوزهم الانسجام والتكيف مع مجتمعهم. فعند الإطلاع على مسرحيتي اوزبون(انظر إلى الوراء بغضب) عام 1957 و(السامر) عام 1957 ومسرحية هارولد بنتر(المتعهد) عام 1962 ومسرحية سامويل بيكيت( في انتظار جودو) عام 1954 يكون على بينة من التغيير الكلى الحاصل على مستوى المعتقدات والمواقف  وكذلك على مستوى التجريبية الاستثنائية في معالجة التفاصيل الفنية. يتجسد ذلك جليا في معالجة بنتر للحوار في تركيز بيكيت على الشخوص المنزوين الذين يعملون بانفراد لتحقيق سمة من سمات الواقع الراهن. فهدف الكاتب المسرحي المعاصر هو تقديم نمط جديد لمحتوى جديد ومن خلال البحث الحثيث لذلك تكمن كل الدلائل التي تبشر بمستقبل واعد.   
-----------------------------------------------------------------                                

 المصدر : ترجمة د. حميد حسون بجية
فصل من كتاب A Short History of English Literature
تاليف Waldo Clarke  
- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=63816#sthash.5MLRIsLy.dpuf
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption