أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

كركلا.. مجنون بالإبداع ولغة الجسد

مجلة الفنون المسرحية


كركلا.. مجنون بالإبداع ولغة الجسد


حمزة عليان - القبس


أهمية «كركلا» تأتي من كونه من أهم الفرق المسرحية العالمية التي تتعاطى لغة الجسد، مثل فرقتي البولشوي (الروسية) وبيجار (الفرنسية). واختياره {وجهاً في الأحداث} لأنه، وللمرة الأولى، سيقدم عرض «إبحار في الزمن على طريق الحرير» على مسرح مركز جابر الأحمد الثقافي.

■ رغم عالمية فرقة عبدالحليم كركلا ورؤيته للفن من منظور الجسد ورسالته في أن يتعرف العالم على ثقافة أهل الشرق (من منطلق أننا نسير معكم ولسنا خلفكم)، فإنه ما زال يحرص على أن يصطحب معه «كنزين» حيث يحط رحاله: «الربعة» (أي الخيمة ذات الــ12 عموداً)، و«العباءة» (بما ترمز إليه من قيم الولاء).
■ عندما يقف عبدالحليم كركلا على المسرح ويرمي على الضيف «عباءته»، فهذا تقليد سار عليه، ويعني به عباءة الولاء للضيف وللشرف العربي والضيافة، فقد أمضى حياته بحثاً عن القيم الإنسانية ذات الأبعاد الجمالية لإحياء مسرح عربي معاصر.
■ هذا الرجل «مجنون بالإبداع» وصف أطلقه عليه أحد معاصريه، فلا خليفة له؛ يسبق الآخرين برؤيته، وعلى المسرح يطير بثلاثة أجنحة: نجله (ايفان)، وابنته (أليسار)، وشقيقه عميد الفرقة (عمر).
■ دخل في منافسة الكبار عبر استخدام التكنولوجيا البصرية وما يعرف بــ«الكوريغرافيا»، إيفان، أدخل الحداثة إلى المسرح وطور في العمل، استعان بالمنهج المعتمد في الغرب، فالعمل عنده لا يقتصر على مهارة الراقصين وعظمة اللحن انما هو مجموعة متكاملة، تبدأ من المسمار إلى الاضاءة باعتبارها جزءاً أساسياً من لعبة المسرح، حيث يقضي قبل وقوفه امام الجمهور مدة ستة أشهر ليرسم كل شيء على الكمبيوتر، أما «أليسار» فتتولى مهمة تدريب الراقصين وبتوجيهات «الاستاذ» في حين ان عمر، وهو الأخ الأكبر لعبدالحليم «عميد الفرقة» يبقى الراقص الأساسي على المسرح وصاحب الباع الطويل في العلاقات الاجتماعية.
■ يرى الجسد بحركته، يقضي 3 سنوات يرسم عمله بعقله. يتدخل مع الملحنين بكل نوتة، هو من يطلب ادخال النوتة مع حركة هذا الجسد أو ذاك يكتب النوتات الموسيقية، يرسم الثياب التي يختارها وشكل الأزرار والألوان ونوعية القماش… قبل أن يخرج العمل إلى العلن.
■ كانت القاعدة ان كل من ظهر على مسرح الرحابنة يوظف كديكور للفنانة الكبيرة فيروز، فعندما تذهب لمشاهدة اي مسرحية للكبار، أمثال صباح او فيروز، لا ترى غيرهما المغني بالصف الاول والراقص في آخر المسرح، غير مرئي باستثناء اصوات الحركة التي يؤديها. جاء عبدالحليم كركلا وقلب الصورة والمشهد معاً، اخذ على عاتقه تغيير هذا المفهوم، وصار في كل مسرحياته الجسد وحركاته في المقدمة.
■ أعطى عبدالحليم كركلا اهمية للبعد العربي، وعينه على منافسة المسرح العالمي، فقد نجح بتعريف الغرب على الثقافة الشرقية، حمل التراث العربي والجسد العربي وتكلم بلغة لندن ونيويورك وسيدني.
■ صارت فرقته التي تحمل اسمه، مقرونة بثقافة الجسد العربي Oriental dance اي انه وضع مسرح كركلا في مصاف الفرق الاولى التي تتكلم تلك اللغة، اراد ان يوصل إلى العالم انه باستطاعتنا ان ننافسه بالثقافة التي نمتلكها، ثقافة اهل الشرق، فهنا جسد يتحرك على انواع الموسيقى.
■ أمين على تراث الرحابنة، فقد عمل معهم في الستينات، وبعد وفاة عاصي بقي محافظاً على صلته بهم ومشاركته في رقصاتهم، ولغاية اليوم يبدي حرصاً شديداً على إشراك هدى وجوزيف عازار وايلي شويري بأعماله الاستعراضية، لكنه طور هذا المسرح الذي نشأ فيه وبدل الكثير من مفاهيمه وأدواته.
■ في مسرحه خصوصية عبدالحليم كركلا… اينما يذهب ينقل الديكور الخاص به، تقوم الفرقة بتغيير الثياب التي ترتديها بواقع خمس الى سبع مرات اثناء العرض، يذهب بنفسه الى الجزائر والهند وافغانستان ليختار القماش الذي يناسبه، لديه بصمة اصبع كما يقال، يعرف نوع القماش، وعيناه على كيفية ترتيب الالوان وتجانسها.. وفي احد اعماله ألبس سيمون عبيد عباءة وزنها 20 كيلوغراما، وكانت حدثاً متفرداً!

السيرة الذاتية
● عبدالحليم كركلا.
● مؤسس مسرح وفرقة كركلا.
● مواليد «بعلبك» – لبنان، عمره فوق الـ85 سنة.
● بدأ حياته أستاذ رياضة بدنية بعد تخرجه من دار المعلمين في بيروت، ونال بطولة لبنان في لعبة الزانة (القفز فوق حاجز مرتفع بواسطة العصا) كما نال بطولات في سباق الـ100 و400 متر وفي القفز العالي.
● درس علوم المسرح الراقص وتاريخه في لندن وباريس بين عامي 1962 و1966 وتابع دراسة علم الفولكلور العالمي في فرنسا.
● عام 1968 أسس فرقة كركلا اللبنانية وضمت في بداياتها 14 عضواً لتصبح اليوم 150 راقصاً وراقصة.
● مسرحية «اليوم بكرا ومبارح» كانت أولى أعماله الفنية عام 1972، ووصلت الى أكثر من 20 عملاً فنياً خاصاً به.
● متزوج ولديه إيفان وأليسار.
● نال وفرقته عدة أوسمة ونياشين من ملوك ورؤساء عرب، ومن مؤسسات ثقافية عالمية.

كيف يقضي يومه
مازال يمارس الرياضة اليومية، مشي وركض لمدة 3 ساعات، يتناول وجبته الرئيسية من الجوز واللوز والبندق والفستق النيء والمشمش المجفف والشاي البعلبكي بدون سكر، ثم يكمل يومه بالذهاب الى مسرحه لتدريب الفرقة على الرقص واعمال اخرى.

مصممة الرقصات
أليسار كركلا، تعمل على تصميم الرقصات، حائزة شهادة الماجستير في الفن المسرحي الراقص من جامعة كاليفورنيا، أسست فرقتها الراقصة الحديثة للتدريب.

الانطلاقة والتأسيس
جمع تراث بادية الشام وبعلبك، حيث مسقط رأسه، وخروجه الى الدنيا وسط تلك الهياكل العظيمة وفي بيئة شاعرية استمدها من والده الذي كان شاعراً شعبياً، لينشئ فرقة تتألف من مجموعة اشخاص بأواخر الخمسينيات، ثم يؤسس مسرح كركلا ويعمل على تطوير الدبكة اللبنانية الى جسد يتكلم لغة عالمية.

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

ما المقصود بمصطلح (ميتا مسرح)؟

مجلة الفنون المسرحية

ما المقصود بمصطلح (ميتا مسرح)؟

سامي عبد الحميد - المدى 



في الآونة الأخيرة أدعى أحد المسرحيين العراقيين الشباب بأنه يبتدع (الميتا مسرح) وراح يبشر به، وعند تفحصنا لعروضه المسرحية، وجدنا انتماءها إلى ما يسمّى (مسرح الجسد) أو (الرقص الدرامي) فلماذا إذن أدعى هذا المسرح المجتهد والمجدد ذلك الادعاء؟ ذلك هو الذي دفعني إلى أن أرجع إلى مرجع موثوق ليعرفني معنى (ميتا ثياتر). 
الميتا ثياتر – هو الدراما أو العرض المسرحي الذي يعكس ذات الممثل ومنزلته كفنان في المجتمع. وتتمثل تلك الانعكاسية أما بنص المؤلف المسرحي عندئذ نسميها (ميتا دراما) أو في الإنتاج المسرحي الذي يتولاه المخرج والمصمّم وفي كلتا الحالتين تظهر جماليات الذات وفقاً للشروط الفنية والميتا فيزيقية وفي اعمال تبتعد عن الواقعية، وأوضح مثال لها بدعة (المسرح داخل المسرح) كما في مسرحية (هاملت) لشكسبير، عندما يستدعي الأمير هاملت فرقة مسرحية لتقدم تمثيلية أمام عمه وامه تتناول حدثاً يشابه حدث اغتيال أبيه. ومثل ذلك التوجه يقترب مما يسمّى (التمسرح) أي تقديم صورة مسرحية للواقع ، صورة متخيلة وليست شريحة من الواقع. وكانت التمثيلية المقدّمة في مسرحية (هاملت) تعبيراً عن ذات الأمير نفسه. وهذا بالضبط ما تعنيه كلمة (تمسرح) وقد سار المسرح الأغريقي القديم الاتجاه نفسه، وما من شك في أن شكسبير قد اهتم بالتسطيح المظهري، ويظهر ذلك في مسرحيته (العاصفة) حيث يعلق (بروسبيرو) على انجذابه للسحر المسرحي. ولا عجب بأن تلك المسرحية فضّلها المخرجون المحدثون على غيرها ومنهم (سترهلر) الذي قام عام 1978 بصهر النص والإخراج باهتمامه بالصنعة الاخراجية والسينوغرافية. وكانت الشخصيات ذات الوعي الذاتي الدرامي واضحة في مسرحيات الدراميين الإسبان المحدثين، إذ قام البعض منهم بضمّ انشغالهم بالفن الباروكي وصنعته الى ثيمات لا ترتبط جمالياً بما هو تقليدي وكان (كالديرون) منهم، حيث كتب مسرحيته (الحياة حلم) عام 1929 وبذلك تم اعتباره المبشّر لنشر الميتا ثياتر في مسرح الحداثة.
في عصر علم النفس فإن الانشغال بآليات الذاتية يفترض صيغاً مختلفة، فالمدرسة الطبيعية تهتم بعروض آليات الايهام المسرحي، واستكشف (سترندبرغ) امكانية المسرح في عكس العمليات الذاتية في (مسرحية حلم) عام 1907 وفيها تنبع الحبكة والسينوغرافيا من اللا وعي للحالم / المؤلف في ثلاثيته المتكونة من (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) و(لكل انسان طريقته) و(الليلة نرتجل) يبني (بيرانديلو) مكونات احداثه المسرحية وشخصياته بمقابل المؤلفين، والممثلين بمقابل الشخصيات، والممثلين بمقابل المتفرجين.
ما يربط (ميتا ثياتر) للقرن السادس عشر مع (ميتا ثياتر) أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هو افتراضات النظام المتماسك للقيم الاجتماعية التي يمكن مقارنتها بالحقل المسرحي، وبكلمة أخرى فإن (التمسرح) كمصطلح مجازي، يستلزم أن تكون الحياة نفسها مثبتة على خشبة المسرح وبإطار محدد. وهذا يعني غياب مثل تلك المحددات الاجتماعية التي تمثل نماذج الميتاثياتر لما بعد الحرب العالمية الثانية، فإذا كانت المراوغة المجازية تكمن في لب اليأس اللامعقول، فإن الكشف عن الإمكانات التفسيرية هو لباقة انتاجاتها والتي يمكن رؤيتها في ميتا ثياتر كل من (يونسكو) و(جينيه) و(بيكيت) كان غموض المعنى قد تم تطبيقه في التجريب الشكلي للميتا ثياتر في مسرح ما بعد الحداثة لكل من المخرجين (ويلسون) و(فورمان) و(لوكوم) و(باوش) و(الوبيج) وكان النشاط الفردي في فن الاداء متخذاً جسد الكاتب المسرحي والممثل الموقع الكامل للتمسرح مفترضاً أن الميتا ثياتر قد حوّل موقعه كمجار، ليصبح اسلوباً تمثيلياً رئيسياً لا يتحدد بحدود النطاق المسرحي.
وإذا كان هذا المسرحي العراقي يريد من عروضه أن يعبّر عن ذاته ويكشف عن مركزه الفني الى جمهوره، عندئذٍ سيكون من جملة مبتدعي الميتا ثياتر.



الخميس، 19 أكتوبر 2017

بيان وتبيين .. عن المخرج فاروق صبري

مجلة الفنون المسرحية

بيان وتبيين .. عن المخرج فاروق صبري 

*عادل البطوسى :

مرة أخرى ـ وهي مهما جرى أخيرة ـ أجدني مضطراً لإقحامكم ــ أيها الأحباء ــ وإقتحام سكينة حضراتكم ــ يا أهل المسرح الأنقياء ــ بالجديد مما جرى بين الورى في أمرٍ وجدت نفسي مدفوعاً للسباحة في "أطيابه" ومجبراً لإدراج بعض الحقائق التي بالتأكيد تدخل في سياق الهم المسرحي العام ـ وليس الخاص ـ خاصة وأن هذا الـ (مسكين) لا يزال يواصل تصرُّفاته الصبيانية وسلوكه الذي أربأ بنفسي أن أصفه على حقيقة واقعه، ويقتحم خصوصيَّة أصدقائي عبر (الخاص) بإدعاءاتٍ ومهاتراتٍ وأساليب غير سويَّة، وأوجز لعنايتكم أيها الكرام هذه الحقائق في ثلاث نقاطٍ طوال هنَّ :
(1) حين إفترى عليَّ المسكين المدعو "فاروق صبري" في سياق بحثه عن دورٍ بإدعاءاتٍ باطلةٍ ومزاعمٍ كاذبةٍ تهدف لتشويه سمعتي ــ عمداً وقصداً وحقداً وضغينةً وبهتاناً ـ في العديد من المنابر بتوصيفاتٍ مؤسفةٍ وبشكلٍ أقل ما يوصف به أنه غير مُتَّزن ـ ولن أقول "غير أخلاقي" تأدُّباً ـ وهو الذي يستخدم ألفاظاً لا تليق بمن يعمل في مجالٍ راقٍ حد السباب المُطلق بلا رادع ولا وازع حد أنه ـ عفواً ـ بأسلوبٍ لا يليق بمرحلته العمريَّة تفرَّغ لإقتحام خصوصيَّات المئات من أصدقائي الأفاضل الذين لا يعرفونه ـ وصديقاتي الفضليات ـ عبر الخاص بالفيسبوك ــ بخزعبلاته المعطوبة ــ ورغم ما أصابني من أضرارٍ معنوية ومادية فإني قد إلتزمت الصمت طوال ثلاث سنوات وفوضت أمري إلى الله، حتى وجدته بعدما أعلن مزاعمه بدعمٍ وإيعازٍ من أشخاصٍ أعرفهم جيداً ـ ولا أجد أهمية لذكر أسمائهم ـ يسارع وينشر نصاً ــ لغيره ــ بعنوان "أسئلة الجلاد والضحية" على أحد المواقع الإلكترونيَّة وكان ذلك من منطلق أي نصٍ مكتوبٍ بهدف تأكيد مزاعمه الواهية وادعاءاته الخائبة ـ التي لا تنطلي على مُنصف ولا يناصرها إلا مُغرض ـ ونشر النص بأحد المواقع الإلكترونية بتاريخ 31/10/2014م عقب صدور "ياراجويا" مطبوعة بشهر تقريباً أي قبل ثلاث سنواتٍ على وجه التقريب، وهو الذي أقرَّ واعترف بنفسه على صفحته بتاريخ 3/3/2015م أنه قرأ "ياراجويا قبل طباعتها" إذن قرأها قبل إصدارها بشهورٍ عديدة، فقد أرسلها إليه أحدهم ــ أو إحداهن ــ مثلما تم إرسالها ــ عبرهما أو أحدهما ــ "مخطوطة" ـ لناقدٍ عربيٍّ ليهاجمها، وتأكَّد لي أن الناقد "الأكاديمي" إطلع عليها "مخطوطة" من قوله في سياق مقاله "الهجومي" الذي قام الموقع الإلكتروني القاهري "الخاص" بنشره ثم "أعاد نشره" (يقول المؤلف ص:8) وهذه الصفحة بالكتاب المطبوع بها إضاءة كريمة كتبها أستاذنا "فائق حميصي" في سياق إضاءاتٍ رائعاتٍ لنخبةٍ من أشهر المبدعين العرب ـ والمبدعات ـ والنص يبدأ من ص : 38 في الكتاب المطبوع، ولن أذكر ـ أيضاً ـ أسماء الثلاثة : ــ الذي أوغَر صدره وشجَّعه وكتب له ضدي ــ التي زَغرَدَت وغرَّدت ونشرت له وأيَّدته ـ الناقد الذي ورَّطوه في الموضوع ..!!!
(2) عقب إصداري (بياني الأول) ونشره في أكثر من موقعٍ إلكترونيٍّ وعلى صفحتي صباح الجمعة 21/7/2007م وقلت فيه أن فكرة "البوستر الدعائي الأول" لعرضه مأخوذة من التصميم المنشور بالصفحة الأولى من نصي "ياراجويا" والتي صمَّمته لنا الفنانة اللبنانية "شانتال" سارع (المسكين) بتغيير "البوستر الدعائي الأول" ـ أحتفظ به ـ لشكلٍ آخر ـ أحتفظ به أيضاً ـ ونشر فجر السبت 22/7/2007م التصميم المختلف وتعمَّد أن يكتب فوقه : البوستر الأول للعرض، ليس هذا وحسب بل والمذهل أنه قام ـ فجأةً ـ بتغيير إسم النص الذي يشتغل عليه والذي أشرت بعاليه أني طالعته في صورته الأولى من "أسئلة الجلاد والضحية" إلى "مانيكانات" أي "دمى" ـ وشتان ما بين العنوانين في الإيحاء والمحاور الدرامية ـ وفي هذا نهل ـ وتأدُّباً لن أقول سرق ـ من رؤيتي الإخراجية ورؤايا السينوغرافية المدرجة بدقةٍ في سياق نصين لي لأن "الدُّمى" هي شخوص مسرحيتي الشعرية "الدُّمى" المطبوعة عام 2005م والتي حصلت بها على جائزة الدولة المصريَّة 2006/2007م في المسرح الشعري، وهي ـ أيضاًـ السياق السينوغرافي والدرامي والشخوص في نصي المونودرامي الشعري "المزدوج" الأول في تاريخ المسرح (ياراجويا) وهو بدوره قائم على "الدمي" ـ ولعله إستبدل توصيف "الدمى" بالمرادف "مانيكانات" حتى لا يكون النهل ـ وتأدُّباً لن أقول السطو ـ مفضوحاً، مع الوضع في الإعتبار أن "ياراجويا" وصلته "مخطوطة" بإعترافه حيث كتب على صفحته كما أشرت آنفاً، وإجمالاً "ياراجويا" طبعت 9/9/2014م وعرضه "مانيكانات" عرض يوم 26/7/ 2017م أي بعد 12 سنة من صدور مسرحيتي الشعرية "الدمى" وثلاث سنوات من صدور "ياراجويا" وباعترافه يكون قد قرأها قبل الطباعة بشهورٍ عديدة، ولا نغفل الفترة الزمنية التي عكفت فيها على كتابة "ياراجويا" والتي قد تمتد لأكثر من عامٍ كامل، وعلى الرغم من ذلك ولأنه "مسكين" جاءت رؤاه متضاربة وهي القائمة أساساً على خواءٍ وعدم دراسةٍ، وفشل فشلاً ذريعاً ـ كما فشل غيره من قبل ــ لأن الراسخ هو أن ما ينفع الناس هو الأبقى خاصة حين يكون قائماً على درايةٍ بمنطلقات وثوابت التجريب وتطبيقه مشهدياً ونصياً بوعيٍ شاملٍ وكاملٍ وهذا ما فعلته لأني رغم كل ما جرى منه ومن غيره ـ سرَّاً وعلانيَّةً ـ فإني لم أتوقَّف ـ بفضل الله ـ عند هذه المعوِّقات وواصلت مشروعي المونودرامي الشعري الهادف لتحديث الإطار المونودرامي وتطبيقاته النصيَّة وأطلقت ـ بنعمة الله وتوفيقه ـ في فترةٍ وجيزةٍ المصطلحات النقديَّة الجديدة وكتبت نصاً مونودرامياً شعرياً مواكباً لكل مصطلح (المزدوجة / ياراجويا ــ الثلاثية / دزديموليا ــ المركَّبة / موناريتا ــ الوثائقيَّة / كليوبطره) ـ فضلا عن المونودراما الشعرية التقليدية "كشتن" ـ ولم يبق سوى مصطلح واحد "الأوبرالية" والتطبيق النصي له وأعمل عليه حالياً ليكتمل المشروع بمشيئة الله تماماً ..
 (3) الثابت هو أن ذاك "المسكين" سعى ـ هباءً ـ بنهله من الروافد السينوغرافية والرؤى الإخراجية التي أدرجتها تفصيلاً في "الدمى / ياراجويا" لتأكيد مزاعمه الخائبة ـ والتي ثبت كذبهاـ والتي سبق وأن أعلنها متباكياً ومستنجداً بكيان "الهيئة العربية للمسرح" منصاعاً لنصيحة "زعيم" الذين دعَّموه ـ والواضح من الأسلوب انه هو الذي كتب له أيضا أو أملاه ــ ورغم أن هذه سرقة رؤيويَّة وسينوغرافيَّة ودراميَّة واضحة ومتعمَّدة فإني بكل أريحيَّةٍ وهدوءٍ لن أتهمه بسرقة الفكرة أو السطو أو اللصوصيَّة، لأني أيقن تماماً أنه يقصد من هذه الإضافات والتغيرات المتعمَّدة مقارنة بالنص الذي قرأته في صورته الأولى مقصداً مراوغاً داعماً لمزاعمه السابقة عن السبق في الفكرة وليته ما فعل لأنه بذلك طرح عرضاً مهلهلاً مرتَّقاً وسأكتفي بشاهدين رائعين ودليلين دامغين لذلك :

ـــــ أصدر الفنان العراقي الشهير "رائد محسن" بياناًـ طالعته بتاريخ الجمعة 28/7/2017م على صفحة المبدع العراقي الجميل "ماجد لفتة العابد" ـ لام فيه السيد وزير الثقافة العراقي لوماً شديد اللهجة لدعمه عرض ذاك "المسكين" مؤكداً فشله، وبغض النظر عن المآخذ الخاصة التي لا تدخل في سياق ما نحن فيه هنا فما يعنينا منه هذا الحديث الذي خاطب به الفنان "رائد محسن" معالي الوزير، قال ( كان الأجدى بك أن تأتي بمخرجٍ يعرف طريقه بالمسرح ... أمَّا أن تدعِّم "مسكين بسيط" كان طلاب معهد الفنون يضحكون على عرضه يوم أمس لأنه بلا موهبة) فبالله عليكم أيها الأنقياء : كيف لمثل هذا "المسكين" الذي بلا فكر أن يأخذ منه أحد فكراً، كيف ..؟! والجدير بالإشارة ـ هنا ـ للوقوف عند أخلاقيَّاته أنه بعد أن أصدر الفنان "رائد محسن" بيانه وصفه "المسكين" على صفحته بلفظٍ لا تليق وبعد أن نصحه أصدقاؤه حذف المنشور كله ..!!! 




ـــــ وفي نفس اليوم الجمعة 28/7/2017م كتب المخرج والناقد المسرحي العراقي المعروف "حاتم عودة" 

على صفحته وموقعه "الخشبة" منتقداً العرض في جوانب عديدة منها مشهد "المضاجعة" الذي قال أنه (كان له الفعل الأكبر في الإشمئزاز والتقزُّز حيث تحوَّل إلى فعلٍ جنسيٍّ مكشوفٍ وعارٍ عن الحَجْبْ) وأشياء أخرى يعنينا منها هنا ما تفضَّل عنايته بكتابته عما يسميه المخرج "المونودراما التعاقبية" والتي جعل هذا "المسكين" بغرابةٍ مذهلةٍ وضجيجٍ رديءٍ كل ما هو حداثي وجديد مُستقىً منها حتى لو لم يُطَّلع عليها أساساً بغض النظر عن التسويف بالسبق التأريخي(!!!) فقد تساءل المبدع "حاتم عودة" عن جدواها في عمل كهذا؟ وأكد قائلاً ( بصراحة لم أر لها نفعاً بل ربما العكس .. فقد أثقلت العرض وأربكته ولأنها "غير مدروسة بتيقن" فأنها قد أصبحت عبارة عن مسرحيتي مونودراما منفصلتين عن بعضهما وكان من الممكن تقديم واحدة فقط)  مؤكداً (وعلى هذا فإننا نرى إن "المونودراما المتعاقبة" لم تتوفَّر على معطياتٍ حقيقية بإمكانها أن تثبت وجودها على أرض الواقع الفكري للبحث المسرحي) وأرى أنا ـ بدوري ـ أن ذلك لأنه لا علاقة له بالفكر التحديثي المسرحي المونودرامي رغم ما "يطنطن" بإنجازه من أعمالٍ وأنه كما قال لي أحد النقاد العرب الأفاضل "حالة ثابتة" لا تحمل لا فكراً ولا مقومات للتطوير وربما ينبغي هنا ـ إذا سمحتم لي ـ القول أن تجربتي ـ والحمد لله ـ هي الأكثر ثقلاً وفكراً وإبداعاً وعمقا لأن الذي يطلق المصطلحات عن دراسةٍ هو الذي يطلق المصطلح مع التطبيق النصي له بوعي ودراسةٍ شديدين ويواصل مشروعه بمصطلحاتٍ حداثية ونصوصٍ جديدة مواكبة للتطوير الذي يطمح له بعون الله ..  
وانتهاءً ـ ودون عودة لهذا الموضوع مرة أخرى مطلقاً ـإن شاء الله ــ مهما تطاول هذا (المسكين) ومارس مهاتراته الصبيانيَّة التي لا أريد أن أصفها بمسمياتها الحقيقية تأدُّباً ـــ أقول : لم يبق سوى أن أكرر التأكيد على أني حرصت على تجنُّب أي رشق لفظيٍّ فهذا ليس أسلوبي ـ لأني ببساطةٍ لا أجيد ذلك ـ بل أنا أسامحه بمحبةٍ لا رياء فيها وأسامح كل من جاء الإدِّعاء على هواه، فخطَّط وكتب ونشر له ووالاه ـ لأني ـ والحمد لله ـ تربيت تربيةً حسنة جداً تجعلني أحرص على إحترامي لنفسي وأنأى بها عن المهاترات والصغائر والأساليب (الساقطة) لتحقيق مآرب أو مغانم، وأربأ بها ـ أيضاً ـ تأدُّباً واحتراماً لذاتي أن أملأ الدنيا ضجيجاً بعباراتٍ بعيدة كل البعد عن لغة الإنتماء لفنٍّ شديد الرقي إبداعاً وإنسانيةً ألا وهو فن المسرح ..!!!!!

*شاعر ومؤلف مسرحي



الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

السياسة واللغة المسرحية

مجلة الفنون المسرحية


السياسة واللغة المسرحية

ادهم ابراهيم 

لسنا هنا في مجال الخوض باللغة كمفهوم علمي ، ولا بالسياسة العامة . . ولكننا
نتطرق الى اللغة واللهجة التي تمثل الفعل المباشر للممثل على خشبة المسرح
ان اللغة المسرحية واسعة حيث هناك لغة النص الادبي . ثم اللغة الفنية للمخرج اي الطريقة التي يراها المخرج للنص الادبي لكي يحولها الى مسرحية . ولغة الممثل وهي التي تتعلق بالحركات الايمائية وطريقة تلفظه للعبارة لنقلها الى المتفرج او المتلقي . والتي يجب ان تتصف بالوضوح لنقل المعنى او الفكرة المطلوبة الى المشاهد . ويقول جورج اورويل ان الكتابة الغامضة هي دليل النفاق . وكان يعتمد على العمل السياسي المباشر والواضح للرواية

ان ما دفعني للحديث عن هذا الموضوع هو تصريح احدى الممثلات العراقيات من جيل السبعينيات والثمانينيات من ان النظام السابق كان يمنعهم من تقديم عروض مسرحية بلهجة المدن العراقية الجنوبية
ان هذا الموضوع مهم جدا ويتعلق بسياسة الدولة من ناحية اللغة او حتى اللهجة . اي كيف تتعامل الحكومة مع هذه اللغة او اللهجة المحلية . ويرتبط مفهوم سياسة اللغة ، بلغة المخاطبات الحكومية اولا . ثم تبني هذه اللغة او اللهجة من قبل السياسيين لضمان التواصل مع الجمهور لفهم السياسة المتبعة بسهولة ويسر . وكذلك استخدامها في المجالات الاجتماعية والثقافية العامة ومنها المسرحية

في دول العالم اجمع هناك لهجة معينة ينظر اليها على انها شكلا متطورا او صحيحا للمخاطبة وخصوصا في المجالات الثقافية والمسرحية
ويحضرني هنا اهل مدينة باريس ، العاصمة الفرنسية الذين ينظرون باستنكار او عدم ارتياح عندما يسمعون لهجة مغايرة للهجتهم وخصوصا اهل مرسيليا او بعض المدن الجنوبية الذين يلفظون الراء راء” وليس بحرف الغاء ( غ) وهم يعتبرون انفسهم اكثر تحضرا ومدنية من الاخرين
كما وجدت في هولندا ان هناك كثير من اللهجات حسب الاقاليم او المحافظات . حتى اصدرت وزارة التعليم منشورا يدعو المدارس الى حث اولياء امور التلاميذ للتحدث باللهجة الشائعة في بيوتهم لتسهيل عملية التدريس وتفهم الطلاب للدروس . ولتحقيق التواصل الاجتماعي والانسجام بين الطلاب في المدارس

لقد حصل خلاف كبير حول استخدام اللغة الفصحى او العامية في العروض المسرحية . وقد ذهب فريق الى تبني اللغة العامية القريبة من الفصحى
والغاية من كل هذه الاراء هو تحقيق اكبر قدر من الانتشار والشهرة التي يطمح اليها كل مسرحي . وتوسيع الرقعة الجغرافية لعرض المسرحيات على اكبر عدد ممكن من الجمهور وصولا الى المسرح العالمي . وتعتبر اللغة من اهم المحددات في هذا المجال
اننا نشاهد احيانا مسرحيات من المحافظات ولكننا على سبيل المثال لانفهم المسرحية باللهجة الموصلية او باللهجة الريفية لمحافظة ميسان . ولذلك تكون مثل هذه المسرحيات محلية لاتحقق الانتشار المنشود لها . واذا اراد المخرج عرض مسرحية ذات بيئة ريفية فبامكانه استخدام بعض الكلمات الدارجة المعروفة وعلى نطاق ضيق حتى لايخل بموضوع وهدف المسرحية

ان النظام السابق قد امتد على سنوات طويلة تجاوزت الثلاثين عاما . وكان هناك علماء ومسرحيين ومخرجين وفنانين معاصرين اسهموا اسهامات ممتازة في تقدم وحداثة العلم والادب والفن . ولايمكن وصم تلك الفترة بانها فترة بعثية او صدامية مرفوضة . ولا يمكن اعتبار كل الانجازات السابقة على انها فاشلة او مظللة او تسييسها . لان المجتمع يتطور ويتقدم بذاته ، اضافة الى تشجيع الدولة لهذا النمط من التطور والتقدم
ان التأكيد على عدم استعمال اللهجة الريفية في المسرحيات العراقية هي فكرة صائبة للاسباب التي اوردناها . واهمها تسهيل التواصل مع الجمهور بلغة مفهومة وتحقيق الانتشار المطلوب . وان الفنانة التي انحازت الى لهجتها المحلية قد جانبت الصواب . وربما ارادت ان تظهر نفسها بمظهر المضطهد من النظام السابق كوسيلة من وسائل المحاباة للنظام الجديد الذي لم يتميز باي دور خلاق سواء في الثقافة العامة او المسرحية . لا بل انه عمل ويعمل دوما على اشاعة تحريم الفن والمسرح على اعتبار انه مفسدة للشباب وذلك للظهور بمظهر حامي التدين وهو ابعد مايكون عن الدين الحقيقي

ان اللغة او اللهجة الشائعة المستخدمة في المسرحيات بالاضافة الى انها تسهم في توسيع وانتشار نطاق المشاهدة المسرحية . فانها تعتبر ايضا عاملا مهما للوحدة الوطنية لاي دولة من الدول ولعل اللهجة البغدادية هي اكثر اللهجات العراقية فهما للجمهور العراقي لكون بغداد تمثل العاصمة التي تتواجد فيها الحكومة والمؤسسات التعليمية والفنية الكبيرة وكذلك تتوافر فيها التقنيات المسرحية والوسائل المتقدمة في العروض . اضافة الى توفر دور العرض والمسارح على نطاق واسع

وخلاصة القول ان استخدام اللهجة البغدادية في المسرحيات العراقية تعد من عوامل الجذب والانتشار على عكس اللهجات العراقية المحلية الاخرى التي تسبب ارباكا وتحول دون وصول الفكرة او المغزى من المسرحية الى المتلقي وتقف عائقا امام تمتع الجمهور بالعمل المسرحي

السبت، 7 أكتوبر 2017

عناصر الشخصية المسرحية المؤثرة / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية


عناصر الشخصية المسرحية المؤثرة 

محسن النصار 


على الرغم من اجماع أغلب النقاد والكتاب على ان تأثير الشخيص المسرحي يتأتى دائما مما تفعله الشخصية نفسها في سياق الفعل والخطاب الدرامي ,فاننا لانستطيع ان نغفل اهمية العناصر او الوسائل الأخرى في تأثير الشخصية سواء كان تأثيرا فرديا او تأثيرا نمطيا لأننا نستطيع أن نرى من خلال المقومات والأبعاد المختلفة للشخصية المسرحية ونتحقق من أنسجامها , ودلالات الدوافع التي تحركها في ما يجري من أفعال وتصرفات ,وما ينتج عن ذلك من صراعات او خلافات بينها وبين الشخصيات الأخرى ,ويمكن تحديد عناصر ومقومات وتأثيرات الشخصية المسرحية بمراجعة النصوص المسرحية العالمية منها والعربية وأعتمادا على بعض المصادر التي درست الشخصية المسرحية وحددت ملامحها الأساسية كمقومات الشخصية وأبعادها وعناصرها وساتناول عناصر الشخصية ويمكن تحديدها بالعناصر الأساسية والعناصر الثانوية ..
فالعناصرالأساسية في عملية التشخيص هو ( التشخيص بالفعل ) وهو التشخيص الماثل بالفعل الذي تقو م به الشخصية من خلال تصرفاتها وسلوكها وحركتها ومواقفها في الأزمات وردود الأفعال ,وخارج الأزمات لأن جوهر الدراما هو تمثيل فعل ما ,فان هذا العنصر هو من أبرز عناصر التشخيص في في الخطاب المسرحي الدرامي , وعلية لابد من توافر صلة معقولة بين الشخصية والفعل , ولعل افضل وسيلة لمعالجة مشكلة العلاقة بينهما هي وسيلة الدوافع التي تحتم على الكاتب المسرحي الناجح والمبدع ,ان يأتي الفعل في ضوء وطبائع الشخصية ورغباتها ومشاعرها وغرائزها وقواها العقلية والتفكيرية ومن اشهر عناصر التشخيص بالفعل في المسرح العالمي , تشخيص الكاتب المسرحي العالمي وليم شكسبير لشخصية ياغو في مسرحية عطيل ,وماكبث ,والملك لير ,وكريولانس ,وهاملت .
وهنالك عنصر اساسي آخر في عملية التشخيص وهو ( التشخيص بالفكر ) .
وهو عنصر أساسي في الكشف عن الشخصية من خلال أفكارها وأطلاعنا على أدق اسرارها ومسالكها العقلية ,ورؤيتها للعالم من خلال مواجهتها لجميع المواقف والتحديات ولأزمات ودخولها في نقاشات مع الشخصيات الأخرى ويبرز هذا العنصر التشخيصي الفكري في المسرحيات الفلسفية والمسرحيات الكلاسيكية , ومسرحيات وليم شكسبير .
وأما العناصر الثانوية التي تساهم في عملية التشخيص هي ( التشخيص بالرأي , والتشخيص بالمظهر ,والتشخيص بالكلام ,والتشخيص بالمونولوج ).
فالتشخيص بالرأي هو عنصر ثانوي يحاول أماطة اللثام عن الشخصية من خلال ماتطرحه الشخصيات الأخرى عنها من آراء وأنطباعات وملاحظات ووصف لطبائعها وأبعادها النفسية والأجتماعية والطبيعية والفكرية 
وقد أكد الناقد مارتن أسلن ان ( هذا النوع من التشخيص المنقول لايجدي نفعا ,بل انه من اكثر الأخطاء تكرارا التي يقترفها كتاب المسرح الطموحون ,وغير المجربين ).(1)
وأما (التشخيص بالمظهر ) وهوالعنصر الثانوي الذي يعرفنا بمظهر الشخصية ,الشكل والبنية والقوام , ويوفر لنا معلومات كثيرة لفهمها وتحليل مزاجها وطبيعتها ومكانتها الأجتماعية .
واما عنصر (التشخيص بالكلام )وهو عنصر ثاني يساهم في بناء عملية التشخيص المسرحي من خلال الكشف عن بعض جوانب الشخصية من خلال الصوت (عمقه ,ومداه ,وحجمه ,واتساعه )الذي يميزها عن غيرها من الشخصيات ,فضلا عما يقوله هذا الصوت ( وترتبط هذه في التشخيص ارتباطا وثيقا بالوصف الجسماني ,فطبيعة الصوت ,ونوع الكلام الذي تنطق به الشخصية يوحيان لنا بالصفات التي تتحلى بها الشخصية من ذكاء او بلادة ,او رقة في الأحساس او تبلد فيه ,اوسعة في الخيال ,اوضيق فية )(2).
واما العنصر الثانوي ( التشخيص بالمونولوج ) هو العنصر الثانوي الذي يتيح للشخصية ان تفصح عن دخيلة نفسها لتكشف عن مشاعرها الباطنية , وافكارها وعواطفها ,وكانها تفكر بصوت مسموع , ويلجا أغلب الكتاب المسرحين الى هذا العنصر في التشخيص حينما تجد الشخصية نفسها تحت وطأة انفعال او ازمة عنيفة تسيطر على فكرها ووجدانها الى موقف حافل بالصراعات والأحداث والتي يجب ان يطلع عليها المتلقي ,ومن اشهر المونولوجات مونولوج هامات (أكون او لاأكون , ذلك هو السؤال )ومنولوج ( آه آه ليت هذا الجسد الصلد يذوب وينحل قطرات من ندى ) .
وقد أزداد شيوع هذا العنصر التشخيصي في المسرح مع ظهور مدرسة التحليل النفسي التي أمدت وزودت كتاب المسرح بمعلومات هائلة عن التركيب الشعوري والاشعوري للشخصية الأنسانية , والتداعي الحر للهواجس والأحاسيس والرغبات المكبوته , وكان المذهب التعبيري من أبرز الحركات ,الى جانب المذهب السوريالي .
ويقول اوسكار وايلد ( ان الشئ الوحيد الذي يعرفه الأنسان حق المعرفة عن الطبيعة البشرية هو انها تتحول وتتبدل والنظم التي تفشل هي تلك التي تعتمد على ثبات الطبيعة البشرية وليس على نموها وتطورها )(3)
.ومن هنا فأن عملية التشخيص المسرحي لها اهميتها الكبيرة والمؤثرة في الشخصية المسرحية وتفرض على الكاتب الامسرحي الألتزام بمقولة التغيير ونمو الكائن الأنساني ,فالشخصية لابد ان ينتابها تغير اساس في بنيتها وهي تدخل في سلسلة من المواقف والصراعات والأزمات .

المراجع
(1) كتاب تشريح الدراما - تأليف مارتن اسلن - ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت . –اصدار العراق –بغداد 
(2) ميليت –وجيرالد ىيدس بنتلي – كتاب فن المسرحية – ترجمة صديقي حطاب – اصدار دار الثقافة –بيروت 
(3) لاجوس اجري – كتاب فن كتابة المسرحية – ترجمة دريني خشبة – القاهرة

الأربعاء، 4 أكتوبر 2017

على خشبة مسرح!

مجلة الفنون المسرحية

على خشبة مسرح!

فهد عافت

ـ فيما لو بدأت فرقة مسرحية عرضها، ثلاثة ممثلين على خشبة المسرح، ولكن مقاعد الصالة كلها فارغة باستثناء مقعد يجلس عليه رجل واحد، هو كل جمهور ليلة العرض هذه، تُرى ما الذي يمكن لممثلي المسرح تَمَنِّيه، أنْ يكونَ الرجل متفرّجاً، أم ناقداً صحفيّاً، أم رجل أعمال يفكّر في فتح شركة إنتاج ويبحث عن وجوه شابّة؟!

ـ الممثل الذي تكون أعلى أمنياته أن يكون الرجل متفرِّجاً، هو أقرب الممثلين الثلاثة إلى الفن، لا بأس أن تكون الأمنيات الأُخرى حاضرة، غير أنه وفيما لو كانت أمنيّته المُهَيْمِنَة، هي أن يكون الرجل الوحيد في الصالة متفرِّجاً، فهذه أُمنية فنّان حقيقي، حتى وإن خانته الموهبة والقُدُرَات، ويا لمصيبة من لا يتوافق حلمه مع إمكانياته، في هذه الحالة سيعيش وَرْطَة كبيرة، قد تؤدي به إلى الجنون، أو إلى التوبة عن الفن وتحريم التمثيل والمطالبة بحرق ستائر المسارح وأخشابها!

ـ إنّ واحدةً من أهم أسباب التّطرّف، فيما أظن، أن تكون لدى إنسان ما، رغبة مُلِحَّة، أمنيّة صادقة، شغف وعشق حقيقي، في أن يكون شيئاً ما، شيئاً مُحَدّداً تماماً، ثمّ حين يبدأ طريقه فيه تتكشف له مقادير الخذلان من قُدراته ومواهبه فيه.

ـ الممثِّل الذي سَبَحَتْ أمانيه، في بحر أن يكون ذلك الرجل ناقداً صحفيّاً، إنّما أراد الشهرة، وطلب الشهرة ليس عيباً في حد ذاته، لكنه حين يكون الرغبة الوحيدة الأكيدة، حين يكون الأمنيّة الأكثر تسلّطاً، فلا يقترب منها سواها إلا على بعد أميال، فإنها تشكّل إما الطغيان إن هي تحقّقَتْ، وإما حسرة الحقد والكراهية والاتّهامات الباطلة للناس والمجتمع إنْ هي لم تتحقّق، ولربّما انتقل صاحبها من خانة الحسرات الحاقدة إلى خانة الكفر والإلحاد، يُلبِس ذلك بتنطّع فلسفي يتوكَّأ على عناوين فاقعة، لا يخشى سوى من انكشاف زيفها، وتبيان خيبة الطِّلاء على وجهها.

ـ الممثِّل المسرحي الذي تأكد له أن جمهور عرضه المسرحي ليس سوى رجل وحيد، فتمنّى أن يكون هذا الرجل منتجاً يفكّر في التعاقد معه، لعرض مسرحي جديد، يكون أكثر الممثلين الثلاثة واقعيّةً، وأطمعهم بالوظيفة! إنه حتماً أقل طموحاً مما يستوجبه العمل الفنّي، غير أنه أقل الثلاثة عُرْضَةً للتأثُّر بالنقد والفقد، ولأن الأرزاق بأمر الله تنفتح من كل باب، وما إن يُغلق باب حتى يفتح الله ألف باب، فإن مثل هذه النوعية من الناس تعيش بسلام أكثر من غيرها، وحتى ضجيجها يظل هادئاً، فهو ضجيج طارئ ومؤقّت على الدوام، مشكلة هذا النوع من الناس أنه لا يمكن له أن يكون خَلّاقاً، وهو أقل مُبادَرَة مما يمكن له تقديم جديد للحياة في شكلها وفي معناها، هو في أفضل حالاته واحتمالاته: أكثر من آلَة وأقلّ من عَالَة.

ـ وليوسف وهبي جُمْلَة شكسبيريّة، شهيرة: "ما الدنيا إلّا مسرح كبير".

-------------------------------------------
المصدر : الرياضية  

هل يتجه المسرح المعاصر إلى السينمائية؟

مجلة الفنون المسرحية

هل يتجه المسرح المعاصر إلى السينمائية؟
يبقى التيار الرئيسي معتمداً على مزيج من الآداب والفنون

*رياض عصمت - الشرق الأوسط 

لا شك أن زمننا الراهن هو زمن التعددية في الفنون الدرامية، ولا شك أن الدراما استفادت من بقية الفنون استفادة متزايدة، سواء كنا نتحدث عن المسرح أو الفن التشكيلي أو الموسيقى أو السينما. لذلك، لا بد أن يستسلم المتفرج المعاصر لفكرة ضرورة تنوع وتعددية المدارس والاتجاهات والتيارات في الفنون الدرامية، وإلا فإنه سيصبح خارج إطار الزمن. علينا أيضاً أن نتقبل فكرة أن لكل نمط من الفن الدرامي جمهوره، وأنه لا يحق لأحد فرض نمط واحد في الدراما، تراجيدياً كان أم كوميدياً، سياسياً كان أم ترفيهياً، تاريخياً كان أم واقعياً، تقليدياً كان أم حداثياً. ويا حبذا لو يتعلم السياسيون الديمقراطية من حكمة الآداب والفنون!

ولا شك أن صدارة العنصر الأدبي بدأت بالتناقص في دراما النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من الألفية الثالثة، ليبرز دور المشهدية البصرية. لكن الأمر ما لبث أن بلغ حداً متطرفاً حاول قتل الكلمة كلياً، والاستعاضة عنها بالإيماء والرقص والموسيقى والغناء والتشكيل والسينما والكومبيوتر. وهناك مقاربات كثيرة ألغت النص المؤلف مسبقاً، واستعاضت عنه بنص وليد للبروفات، يسهم في توليفه الممثلون تحت قيادة مخرج، وربما بمساعدة مصمم السينوغرافيا. الفكرة بحد ذاتها طليعية وذات فوائد، لكن الإسراف فيها يؤدي لتسميم لفن المسرح برمته، وإلغاء لماضيه العريق. الاتجاه الأصح هو ألا تستغني الدراما عن تيارها الأساسي في الكلام، إنما تعمل على إضفاء المزيد من الاستمتاع «السمع - بصري»، عبر مشهدية مسرحية تضيف إلى الحوار عنصري الجسد والتكنولوجيا. إن رفد التيار الرئيس بالتجريب أمر مشروع، بل مطلوب لتجديد دماء المسرح في العروق الهرمة، كما برهنت تجارب عدة فيما أطلق عليه اسم «المسرح التشكيلي»، في بولندا وفرنسا على وجه الخصوص، أو في التجارب الرائدة للفنان المسرحي الأميركي جورج كوتس؛ وجميعها اعتمد منهج الحداثة والتجريد الجمالي في التشكيل والإضاءة والصوت، واستغنى كلياً أو جزئياً عن نصوص الحوار. والحق يقال، إن هناك تفرعين لمسرح التفاعل والتقاطع ما بين الفنون: أحدهما جسدي محض، والثاني تقني محض في استخدامه المكثف لوسائل الاتصال المعاصرة. والاتجاهان وليدا ما أطلق عليه اسم «مسرح المخرج»، وهو تيار شاع منذ الثلث الأخير من القرن العشرين، مستلهماً بعض كبار المسرحيين العالميين الرواد، مثل غوردن كريغ، وأدولف آبيا، وماكس راينهارت ومايرهولد. ويعمد المخرج من هذا التيار إلى تفكيك النص، ثم إعادة بنائه من جديد على أساس بصري، ويتحرك الممثلون كدمى معبرة جسدياً عن جمالية ومعنى اللوحات الدرامية المرسومة بدقة من قبل مخرج ملهم. وقد استفاد مخرجون لامعون من هذه التجارب الرائدة، ومنهم يوري لوبيموف (روسيا)، وبيتر شتاين (ألمانيا)، وروجيه بلانشون (فرنسا)، وسواهم. كما نشأ عنها نظريات وممارسات بيتر بروك وجيرزي غروتوفسكي وجوزيف تشيكن ويوجينيو باربا في «المسرح الفقير»، وسط فراغ مسرحي متقشف، يملأه حضور طقسي جسدي للممثل، بعرض احتفالي تستخدم فيه الأقنعة والهياكل العملاقة أحياناً كثيرة. اليوم، نجد أسماء عدة لامعة، نذكر منها: جوليا تيمور، وسيمون ماكبارني، وكيتي ميتشل، وريماس توميناس، وديمتري كريموف.

ماذا كان موقفنا في أقطار العالم العربي من كل هذا؟ بالتأكيد، لم يكن ممكناً الانغلاق على الذات. توزع شرف الريادة بين المغربي الطيب الصديقي، والتونسي المنصف السويسي، واللبنانيين منير أبو الدبس وريمون جبارة ويعقوب الشدراوي، والمصريين سعد أردش وكرم مطاوع وأحمد زكي، والسوري فواز الساجر، والعراقيين إبراهيم جلال وسامي عبد الحميد ويوسف العاني وقاسم محمد. بعد ذلك بمرحلة زمانية، وجدت مساهمات لاحقة متباينة الاتجاهات التجريبية، من طليعية التوانسة الفاضل الجعايبي ومحمد إدريس وتوفيق الجبالي وعز الدين قنون والفاضل الجزيري، إلى حداثية العراقيين صلاح قصب وجواد الأسدي، إلى رؤى انتصار عبد الفتاح وحسن الجريتلي، وجميعها حاولت المزج بين الأصالة والحداثة.

تلك جميعاً نباتات انبثقت من أرض خصبة، تنتمي في أعماقها إلى ملكوت الشعر، وإن كانت تستخدم لغة النثر، أو حتى لغة الصمت.

اتجهت معظم التيارات المسرحية التجريبية إلى استلهام الفن التشكيلي والموسيقى، وكثيراً ما استخدمت مصطلحات مثل «المسرحية / المعرض»، و«المسرحية / الكونشرتو»، بل وصل الأمر إلى ما هو أبعد من التصوير الواقعي أو التعبيري، ليلامس السيريالية، وليبلغ أحياناً حد التجريد المسرحي. كذلك فعلت العروض المسرحية المتأثرة بالموسيقى والرقص، بحيث إن الحركة والتعبير الجسدي صارا طاغيين أحياناً كثيرة على دلالات المعنى.

يبقى التيار الرئيسي للمسرح معتمداً على مزيج من الآداب والفنون، يعمل في انسجام وتنسيق وتآلف داخل كل عملٍ حسب طبيعته وطرازه الدرامي. وتظل الحبكة والحوار دعامتين أساسيتين للدراما، كما أن الديكور والإضاءة والأزياء والموسيقى جميعها عناصر تسهم إسهاماً خلاقاً في تجسيد الدراما. الجميع يعرف أن السينما تأثرت في بداياتها بالمسرح في أوجه كثيرة، لكنني أود أن أضيف أن المسرح تأثر خفية بالسينما أيضاً، ليس من إدماج بعض العروض السينمائية في العرض المسرحي، وإنما من خلال استلهام البناء الدرامي السينمائي نفسه في المسرح، وسريان هذا من التأليف إلى الإخراج والسينوغرافيا، وصولاً إلى فن الأداء.

وفي عصرنا الراهن، إذن، أصبحت السينما الملهم الأكبر للمسرح. فمن ناحية، نجد مخرجي سينما عالميين تفوقوا مسرحياً، ومنهم إنغمار برغمان، وأندريه فايدا، وفرانكو زيفريللي، وباتريس شيرو. كما نجد بعض كبار مخرجي المسرح نحوا إلى إبداع أفلام قيمة، ومنهم أورسون وِلز، لورنس أوليفييه، بيتر بروك وكينيث براناه. ربما كان الأهم أن النص المسرحي في عصرنا بدأ ينحو نحو استلهام السيناريو السينمائي من حيث البناء والحبكة، متحدياً إمكانات المسرح المحدودة، التي أنجبت ما يسمى «لغة المسرح»، واعتمدت على التقشف في الديكور.

وفي السنوات الأربع الماضية، أتيحت لي في الولايات المتحدة الأميركية فرصة حضور كثير من نماذج ما أطلق عليه اسم «NT - Live»، وهو برنامج ينقل تلفزيونياً بقالب فني بعض أشهر المسرحيات البريطانية من إنتاج «المسرح القومي البريطاني» أو سواه من الفرق، ويعرضها على الشاشات السينمائية الكبيرة لجمهور يقتني البطاقات مسبقاً بإقبال لافت للنظر. أذكر من بين هذه العروض التي شاهدتها، وذلك على سبيل المثال، وليس الحصر: «هاملت» من بطولة بنيدكت كامبرباتش، و«كوريولانوس» من بطولة توم هيدلستون، و«سالومي»، و«حلم ليلة صيف»، و«منظر من الجسر»، وسواها.

ولا يتناقض اتجاه التأثر بالسينما كثيراً مع نظرية بروك في اعتبار أية مساحة فارغة مجالاً متاحاً للتمثيل، أو نظرية غروتوفسكي حول المسرح الطقسي المتقشف، ولا نظرية باربا حول «المقايضة» بين ثقافتين متباينتين. نحن لا نتحدث هنا عن إدماج العرض السينمائي بالمسرح، كما كان الأمر في تجارب بسكاتور وراينهارت، التي أثرت بعمق على نظرية وممارسة برشت، وإنما نتحدث عن مسرحٍ ذي بنية سينمائية الطابع. هناك مسرحيات كلاسيكية ومعاصرة يزداد توهجها في زماننا تقوم أساساً على استلهام السيناريو السينمائي، أو الاستفادة من الصور البصرية. نذكر منها على سبيل المثال، مسرحية وليم شكسبير «هاملت»، ومسرحية إدموند روستان «سيرانو دو برجراك»، ومسرحية برتولد برشت «غاليليو»، ومسرحية فرانك فيديكند «يقظة الربيع»، ومسرحية جورج بوشنر «دانتون»، ومسرحية آرثر شنيتسلر «الدائرة»، فضلاً عن كثير من أعمال الميوزيكال، مثل: «شبح الأوبرا»، و«المسيح نجم عالمي»، و«البؤساء»، و«أوليفر»، و«إيفيتا».

وهناك نماذج عربية تأثرت أو طمحت إلى مجاراة السينما، نذكر منها مسرحية ألفريد فرج «الزير سالم»، ومسرحية محمود دياب «باب الفتوح»، ومسرحية عبد الرحمن الشرقاوي «الحسين ثائراً وشهيداً»، ومسرحية الدكتور سلطان القاسمي «الواقع.. صورة طبق الأصل»، ومسرحية محفوظ عبد الرحمن «حفلة على الخازوق»، ومسرحية سعد الله ونوس «منمنمات تاريخية»، ومسرحية ممدوح عدوان «سفر برلك»، ومسرحية كاتب هذه السطور «عبلة وعنتر»، وقد قدمت جميع هذه النصوص المتفاوتة بين التراجيديا والكوميديا بنجاح على خشبات المسرح.

وتعود بدايات التأثر المسرحي بالسينما إلى كتابين رائدين للمخرج السينمائي العظيم سيرغي آيزنشتين، هما «الحس السينمائي» و«الشكل السينمائي»، وكلاهما يتحدث عن جماليات الدراما عموماً من قبل فنان ممارس، كان له شرف الريادة في استكشاف قدرات المونتاج على التأثير العاطفي في المشاهد. وتجرأ آيزنشتين، الذي اشتهر بأفلامه المصورة بالأسود والأبيض، على التحدث باستفاضة عن الأهمية التعبيرية للألوان في السينما. وبالتالي، ليس المونتاج وحده، ولا الفلاش - باك، هما ما يميزان «المسرح السينمائي»، بل استخدام مبهر للتكنولوجيا في السينما. والواقع، منذ زمن آيزنشتين، ظهرت تجارب مسرحية كثيرة في مختلف أرجاء العالم، واحتفي ببعضها في مهرجانات عالمية كبيرة، مثل: «أفينيون» و«إدنبره» و«برلين»، استلهمت روح السينما وتكوينها أفضل استلهام، وانتقل تأثير السينما إلى المسرح، بحيث إن السينوغرافيا كانت بطل عرض الميوزيكال البريطاني «المرأة ذات الرداء الأبيض»، عن رواية ويلكي كولينز الشهيرة، ومن إخراج تريفور نن. وفي عصرنا الراهن، تصدق مقولة «المسرح سينمائي الطابع»، كما كان هناك في عصر مضى «السينما مسرحية الطابع»؛ وهذا المزيج السحري هو ما سيكوِّن مسرح المستقبل.

* كاتب سوري مقيم في الولايات المتحدة

الخميس، 28 سبتمبر 2017

المتغير العلامي فـي الخطاب المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

المتغير العلامي فـي الخطاب المسرحي

أحمد شرجي  - المدى 

تخضع اللغة عند (رولان بارت Roland Barthes) للنموذج الدوسوسيري، لأنها تشكل الأسس الرئيسة لفهم بنية الحياة الثقافية والاجتماعية لأي مجتمع. فالبنية الاجتماعية والثقافية ممارسة يومية يعتاد عليها الفرد، ومن ثم تصبح الأرضية التي يتعامل بها ، ومن ثم تتجه تمثلاتها في العرض المسرحي . وبالنسبة لبارت تدرس التمثلات الجماعية بدلاً من الواقع الذي تشير إليه كما في علم الاجتماع، وهذا ما نجده في مقاربته البنيوية والسيميولوجية لنظام الموضة أو الأزياء، إذ يحاول اختزال الظواهر الاجتماعية وإرجاعها إلى بيئتها لكونها وظيفة عامة. ويؤكد لنا هذا الاختزال البارتي مفهومنا للعلامات والتي نطلق عليها بـ "العلامات الجيلية و العلامات الترحيلية. ونعرف الجيلية: بأنها العلامات التي تحمل خصوصية الجيل، والعادات، والسلوكات، والتقاليد. أما العلامات الترحيلية: فهي العلامات التي ترحل من جيل إلى جيل، وتحافظ على رسوخها داخل المجتمع، لأنها هوية جيل وعلاماته. وتندرج اللغة ضمن هذا الإطار لكونها سلوكاً يومياً بين الفرد والمجتمع. ومن هذا المنطلق فإن العلامات قد تندثر عند الجيل اللاحق، أو يترحل بعض منها. بينما توحي العلامة عند (رولان بارت ) بثلاث علاقات، تشكل أنماط العلامة وعلاقاتها، وهي:
- علاقة داخلية: توحد بين دالها ومدلولها، وتتضح معالمها من خلال العلاقة الترابطية التي تفرضها طبيعة الدال على المدلول، ولا يمكن لأحدهما العمل بشكل فردي، لأن ذلك معناه تقويض قصدية العلامة.
- علاقة افتراضية: توحد بين العلامة ومخزون محدد من العلامات الأخرى قد تنهل منها بهدف ولوج عوالم الخطاب، وبالتالي تشكل علاقة خارجية.
- علاقة فعلية: وهي توحد بين العلامة وغيرها من العلامات في الخطاب الذي يسبقها أو يعقبها، وهي أيضاً علاقة خارجية.
لا يمكن التسليم بأن دلالة التعيين Denotation يقرأها المتلقي بذات القصدية الثقافية داخل الخطاب المسرحي، إذ يتوقف ذلك على عدّة عوامل، منها: ثقافة متلقي العرض، وثقافة الممثلين، وثقافة النص، وثقافة العرض. فقد لا ينتمي النص إلى ثقافة الممثلين وثقافة المتلقين، والأمر نفسه ينطبق على العرض المسرحي. بمعنى آخر: يتأسس العرض، بوصفه منظومة أنساق علامية، على ثقافته الأصلية التي كُتِب في ضوئها المعجم الدلالي للعرض، غير أننا نجد أنفسنا في الغالب أمام نص غادر زمن كتابته الأولى وهاجر سياقه الثقافي الأصلي. فالخطاب المسرحي يتضمن دلالات متعارف عليها، لكن رغم ذلك، يشوب العلامة المسرحية شيء من الالتباس بسبب الدلالة الحقيقية، إذ "تكتسب العلامة المسرحية حتماً معاني ثانية لدى الجمهور الذي يردها بدوره إلى القيم الاجتماعية والأخلاقية والإيديولوجية المعمول بها داخل الجماعة التي ينتمي إليها المؤدون والمشاهدون"( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:18). وهذا ما انتبه إليه (بيتر بوغاتريف Petr.Bogatyrev)، حين لاحظ قدرة حامل العلامة على الإشارة إلى ما وراء الدلالة الحقيقية، فضلاً عن الدلالة القصدية بشقيها الثقافي والمسرحي. وهنا يكون الحديث عن مرجعيتين ثقافيتين، هما: مرجعية ثقافة النص المسرحي ومرجعية ثقافة العرض المسرحي. فالمرجعية الأولى ذات ارتباط زمني بعلامات الزي والديكور، ونقصد زمن النص المسرحي الأدبي. وتفسَّر العلامات ¬هنا¬ وفق العلاقة الزمنية المشار إليها، أي وفق الانتماء والظرف الزمنيين. أما المرجعية الثانية فتربط العرض وعلاماته الثقافية بالمتلقي، لأنه المؤوِّل النهائي للعرض المسرحي. وحتى لو كانت العلامات المسرحية ترتبط مع بعضها البعض حسب ما ذهب إليه (بوغاتريف)، فإنها لا تشير ¬لحظة العرض المسرحي¬ إلى العلامة ذاتها التي طرحها النص الأدبي، بل تتحدد علاقتها المباشرة بالمؤول وموروثه الثقافي، من خلال إرجاع العلامات لا إرادياً إلى ثقافته وبيئته الاجتماعية. ولهذا استبدل بوغاتريف الدلالة الحقيقية بمصطلح آخر أطلق عليه: (الدلالة بالتضمن)، وتتمثل في كل عناصر العرض المسرحي. وتحكم العلاقة الجدلية بين الدلالة الحقيقية والدلالة بالتضمن كل مظهر من مظاهر العرض المسرحي، لأن "الديكور وجسد الممثل وحركاته وكلامه يحدد ويتحدد على الدوام عبر تغيّر شبكة من المعاني الأولية والثانوية"( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:19). وارتباطاً بتعددية الدلالة بالتضمن، تنتج العلامة المسرحية سلسلة من الوحدات الثقافية في العرض المسـرحي، وتكمـن قدرتها التوليدية في اتسـاع الدال بالتضمن، لأنه "مهما بلغت درجة تحديد مؤشرات الدل بالتضمن، فإنها تعتمد على قوة الاتفاقات الدلالية المعمول لها"( نفسه، ص:20). لكن هناك استثناءات، ففي المسرح الإغريقي ومسرح النو والكابوكي، تكون الأنساق العلامية والوحدات الدلالية ثابتة، بحيث يصعب التمييز بين الدلالة الحقيقية والدلالة بالتضمن، بل تختفي دلالة التضمن نهائياً، لأن العرض لا يحيد عن أنساقه العلاماتية المحددة مسبقاً والتي يدركها المتلقي جيداً.
يحدد صناع العرض المسرحي الوحدات الدلالية، بناء على الاتفاقية التي اعتمدت أثناء التداريب، لكن تتغير قصديتها أثناء العرض من متلق إلى آخر، لأن "قابلية المشاهد الحقيقية لإدراك ترتيب ¬ثانوي للمعاني في عملية فك كودات العرض، تعتمد على القيم خارج¬ المسرح والقيم الثقافية العامة التي تحملها بعض المواضيع وضروب الخطاب أو أشكال السلوك"( نفسه، ص:21). وفقاً لذلك، فإن العرض المسرحي "آلة سبرنطيقية" كما يقول رولان بارت، ويضاف إلى قدرة علاماته التوليدية قابلية العلامات على التأويل المستمر. فالعرض المسرحي بوصفه دلالة، بمقدوره توليد العديد من الدلالات التي تعمل بدينامية داخل العرض المسرحي، وتتحول إلى دلالات بالتضمن لكونها تخضع لثقافة المؤول من جهة، وتذعن لمجموعة سلوكات وعقائد دينية واجتماعية وأخلاقية، لأن "عالم التوليد السيميائي هو عالم متحرك. وأن نفترض أن له بنيات لا يعني أبداً أننا نفترض أنه ثابت: إن الأمر يتعلق، على العكس من ذلك، بالتعرف على آليات تغير بنيته"( إيكو ، أمبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، ص:179).

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

عن مسرح الدمى، اللعب، والسياسة

مجلة الفنون المسرحية

عن مسرح الدمى، اللعب، والسياسة


رياض عصمت - الحرة 


تغيرت قواعد اللعب في زماننا. يطلق على التمثيل في المسرح بالإنكليزية كلمة playing، أي "اللعب". لطالما قلت لطلاب التمثيل: "العبوا للجمهور، لكن إياكم أن تلعبوا على الجمهور". كنت أقصد ألا يسعى الممثلون الشبان إلى خداع الجمهور بأداء زائف، واستعراض المهارات أمامه لتلقيمه الأمور عنوةً كدروس ثقيلة على القلوب. الجمهور في الشرق الأوسط ذكي، يدرك بالفطرة الصادق من الزائف، مثل صائغ محترف يميز عيار الذهب 24 قيراطا من ذلك المطلي والمغشوش. لكن موضوعنا ليس لعب المؤدين الأحياء على خشبات المسارح، بل اللعب بمؤدين من خشب وقماش في ما يسمى "مسرح الدمى"، وهو ما يسمى أيضا "مسرح العرائس"، بينما يسمى في اليابان "مسرح بونراكو".

في زمن مضى، كان كراكوز وعيواظ شخصيتين تركيتين متناقضتين بطبعيهما وسلوكيهما، تجسدَّان بأشكال مقصوصة من الجلد السميك، تحركها خفية من وراء شاشة مضاءة أسياخ معدنية رفيعة تمسكها بمهارة أصابع لاعبين مهرة، وكان يطلق على هذا النمط المسرحي اسم "خيال الظل" Shadow Theatre. استهوى هذا النمط المسرحي البدائي الجماهير العربية، وشاع في كل أرجاء البلاد التي استعمرتها الإمبراطورية العثمانية آنذاك. ظل اللاعبون الذين يحركون تلك الدمى الجلدية البدائية مختفين عن الأنظار ليتابع المتفرجون حركة الدمى من وراء ستارة بيضاء، ويصغون إلى تلميحات سياسية لا تخلو أحياناً كثيرة من ألفاظ نابية تنفِّس الاحتقان والغضب الشعبي من استفحال الفساد والاستبداد. بالتالي، لا يدعو للاستغراب أن مسرح خيال الظل قوبل برقابة قاسية ومتعنتة، فمنعت له عروضٌ بدت محرضة لوعي الجمهور الشعبي، كباراً وصغاراً، كي يدفع عنه الضيم، يستعيد الكرامة ويسخر من الحكام الظالمين والأثرياء المستغلين، على طريقة مسرحيات موليير الهزلية وكوميديا السينما الصامتة عند تشارلي تشابلن وأقرانه.

قبل أكثر من نصف قرن، حين كان والدي الراحل يصطحبني مع أختي وأخي إلى "مدينة الملاهي" في دمشق، كان أول ما يلفت أنظارنا لدى ولوجنا المكان مسرح دمى متواضع يقدم عليه لاعبون مختفون عن الأنظار شخصيتي كراكوز وعيواظ بقفازات تحركها أيديهم من الأسفل، وكان لحن "عزيزة" للموسيقار محمد عبد الوهاب يصدح عالياً ليصم الآذان. اللافت للنظر أنه كان من المحرمات أن يلمح الجمهور أولئك الذين يلعبون خلسةً بالدمى وينطقون بحوارها.أما في مصر، فظهرت نسخ مطورة عن مسرح الدمى أطلق على الشخصية المحورية فيها لقب "الأراجوز"، ومن هذا النموذج استقى الكاتب المعروف يوسف إدريس مسرحيته السياسية الشهيرة "الفرافير".

أنتقل إلى المستوى العالمي، لأذكر أنني شاهدت نموذجاً راقياً لمسرح الدمى في مدينة سالزبورغ النمساوية Salzburg Marionette Theatre وذلك عندما اصطحبت زوجتي إلى عرض فريد من نوعه لم يسبق لنا أن شاهدنا مثله من قبل، هو أوبرا موزارت "الناي السحري" وقد جسدت بصورة أخاذة وغناء رائع يضاهيان بعض أفضل ما شاهدنا من عروض الأوبرا العالمية. أيضاً، كان اللاعبون هنا متوارين عن الأنظار ليحركوا دمى "الماريونيت" بخيطان خفية، فتلك ظلت قاعدة اللعب الأوربية السائدة في المسرح وفي الحياة لحقبة طويلة من الزمن، بحيث يتم تحريك الأقطاب المؤثرين في الجماهير بالخيطان الخفية كما تحرَّك دمى "الماريونيت".

بالمقابل، تذكرت اليوم طرازاً عريقاً ومختلفاً لمسرح الدمى، إذ لاحظت أن موضته أحييت في القرن الحادي والعشرين، وهو الطراز الياباني المسمى "بونراكو". مسرحيات بونراكو مختلفة عن كل ما سبق ذكره، فهي أعمال جادة، وليست كوميدية أو غنائية الطابع، بحيث اشتهر تشيكاماتسو كأعظم مؤلفيها التراجيديين عبر نصوصه الدرامية المؤثرة. في هذا الطراز - المنافس بقوة لطرازي "نو" و"كابوكي" المسرحيين اليابانيين اللذين يؤديهما بشر - يرى الجمهور دمىً ضخمة الأحجام، يصل الواحد منها إلى ثلث حجم الإنسان، يحركها بوضوح أمام أنظار الجمهور لاعبون ظاهرون للعيان يتشحون جميعاً بالسواد. مسرحيات "بونراكو" عادةً مأساوية، تنضح بالدم والدموع، وتختتم بنهايات تسبب رعشة الشفقة والخوف لدى المتفرج، محققة ما أسماه أرسطو "التطهير" في النفس الإنسانية. لكن هذا التطهير، في الواقع، لا يؤدي إلى أي تغيير، بل إلى مراوحة في المكان.

تغيرت قواعد اللعب في عصرنا إلى حد الانقلاب. ما كان يجري خلسةً في الخفاء على استحياء، صار يجري الآن في العلن دون خجل أو وجل. صارت السياسة الدولية تأنف من مسارح الدمى التي يجبر فيها اللاعبون على الاختفاء محركين هياكل شخوصها بقفازات أو بخيوط. نحن لا نرى اللاعبين في هذين النمطين، وإنما نرى آثار أفعالهم، فهم يتلاعبون بمشاعرنا ويتحكمون بوجداننا وهم مختفون عن الأبصار. أما عند اليابانيين، فلاعبو الدمى لا يأبهون بالتواري عن الأنظار، ولا يضيرهم انكشافهم متنكرين بالسواد، فهم يحركون الدمى الأكبر حجماً في العلن، من دون مواربة أو تستر. هكذا، أصبح فن "بونراكو" الياباني عالمياً في زماننا الراهن، وتغيرت قواعد اللعب بين الماضي والحاضر، ليكرَّس الثبات ويُنعى التغيير. ما أشبه "بونراكو" بمواقف المجتمع الدولي في عالمنا اليوم!

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

إشارات معرفية عن ثقافة الصورة

مجلة الفنون المسرحية

إشارات معرفية عن ثقافة الصورة


علوان السلمان - الصباح الجديد 

التراكم المعرفي الكمي والانشغال بقضية المعنى.. والمثقف المنتج هو العنصر الفاعل في تحقيقها للوصول الى هذا المعنى الكامن في ما وراء اللفظة والصورة الثقافية التي هي اول حرف هجائي لغوي اتخذه الانسان للتعبير عن ذاته والمحيط.. وبذلك حققت وظائفها في تسجيل مظاهر الحياة والتعبير عن الاحاسيس والمعتقدات.. فحققت وظائفا سايكولوجية بحلها بعض المتطلبات النفسية والعقلية.. اضافة الى وظيفتها الاخبارية بوصفها انجح وسيلة اعلامية تمنح المتلقي المضمون بواقعيته المتميزة..كونها (اعادة انتاج طبق الاصل او تمثيل مشابه لكائن او شيء) على حد تعبير روبيرت robert..فهي تخلق واقعا متخيلا يسهم في القضاء على امية المشاهد(المستهلك)..كونها قيمة ثقافية مضافة ومصدر تأويل يقترن بالصيغ التعبيرية متمثلة في اللغةlangage القدرة التي يختص بها النوع الانساني والتي تمكنه من التواصل بوساطة نسق من العلاقات الصوتية..كونها خزان فكري وديوان الحضارة تقوم على خلق التفاهم وتحقيق المعارف والاندماج الاجتماعي بين الهويات..عبر الكلمة التي هي رمز دالsignifiant متآلف مع دوال الجملة كي يحرك آلية التفكير فيستحضر التاويل ..كونه يقدم نفسه على هيئة متلاحقة من الصوتيات(الفونيمات)و(المورفيمات) والوحدات الدلالية التي تشكل ثقافة العقل المتأمل بأساليبه الاستدلالية..اما ثقافة الصورة فهي امتداد للادراك البصريvisual literacy والتي تمثل مقدرة الجمهور على تحليل وتقييم وفهم وسائل الاعلام كوثيقة تاريخية وذاكرة اللحظات المحتفظة بها وجودا مؤثرا..
لذا فان (رولان بارث) يذهب الى ان النص اللغوي الذي يحضر الى جوار الصورة يلعب احد الوظيفتين: الاولى الترسيخ ذلك ان الصورة تتسم بالتعدد الدلالي ..وثانيهما التدعيـم والاسنـاد كون النص اللغوي يمارس سلطة على الصورة..وهذا يعنـي انهما نتاج متعايش لتعزيز دورهما المعرفي.. فالصورة علامة مبتكرة بافـق دلالي يحاول الاستحواذ على ذهن المتلقـي وتكييفه على وفق ما يتطلبـه منطـق الاستهـلال..فضلا عن انها علامة معرفية وثقافية واعلامية تعيد انتاج العالم بحدثيتها التي تفرض وجودها على المتلقي بعد ان كانت تشكل الهامش اذ كان حضورها جزئيـا.. فصارت بعد الثورة التكنولوجية وازدهـار الصحـف والمجلات وانتشارظاهرة التوثيق تهيمـن صناعتها على مكونات الحقل الثقافي في عصر الحداثة التي ثورت اساليب التواصل عن طريق الصورة التي اصبحت العلامة الثقافية التي حلت محل الكلمة المسموعة التي تشكل ثقافة العاطفـة كونهـا شحنة انفعاليـة تساعـد علـى التكوين العاطفي للانسان.. بعد ان تحولت من الهامش الوجودي الى المركزي الفاعل..المؤثر..ومن الحضـور الجزئـي الـى السيادة الكلية لما تفـرزه من معطيـات وما تحدثه من تحولات في الرؤى والقيـم.. كونهـا وثيقـة تاريخيـة وذاكـرة ثقافيـة ومـرآة اجتماعيـة في تثبيـت اللحظـات الانسانية المتحركة.. لـذا فهـي الغايـة والمنتهى.. وكيان قائـم بذاتـه يشكـل ثقافة موهمة بالواقع البصري ذاتـه والذي هو اداة من ادوات المعرفـة التـي تسهم في التكوين الثقافـي وتشكيـل قدراته على رؤية الاشياء..
ان ثقافة الصورة في قوة تأثيرها اليوم تمثل فرصة غير مسبوقة في تاريخ البشرية للاعلام والتوعية والتثقيف..فهي تثير الوجدان اكثر من العقل وهي بطبيعتها تلك لا يمكنها ان تستقل عن اللغة في التواصل الفاعل مهما بدا لنا ان عصـر الصـورة يوحـي لعكـس ذلك..
منذ منتصف القرن العشرين كان الاهتمام بالفوتوغراف بوصفه فن تعيينـي(صـوري)وجمالي (تشكيلي) حين اتخذت فنـون ما بعـد الحداثة الصورة كسيرة ذاتية ازاء التحولات الزمكانيـة..وتعتبر قراءات شاكر لعيبـي فـي (بلاغـة الصـورة الاشهاريـة) وذاكـرة بغداد لكفاح الامين من اهم المحاولات التطبيقية لاهمية الفوتوغراف.. اذ تناول كل منهمـا فلسفة الصورة ومدى قوتها التأثيرية في تحديد مسارها طبقا لآلية التأويل القائم على المفارقة..

السبت، 23 سبتمبر 2017

بين ثقافة متلقي العرض وثقافة النص..العرض المسرحي ومتاهة العلامات الثقافية

مجلة الفنون المسرحية

بين ثقافة متلقي العرض وثقافة النص..العرض المسرحي ومتاهة العلامات الثقافية

أحمد شرجي - المدى 

تقوم السيميولوجيا على توسيع فكرة اعتباطية الدال، بمعنى اتفاقيته واستناده إلى العُّرف. وإذا كانت اعتباطية المدلول سهلت المأخذ والفهم، فإن الصعوبة تكمن في كيفية تخلص الفرد من الشعور بأن هناك شيئاً ما طبيعياً في هذه المدلولات التي تبدو كأنها أشياء طبيعية. ولهذا انفتحت السيميولوجيا على حقول معرفية أخرى، من قبيل: اللسانيات التي اعتبرها دوسوسير جزءاً من علم أشمل وأكثـر اتساعاً وهو السيميولوجيا.


يعتبر المنهج السيميولوجي منهجاً للتحليل، بيد أنه يضع العلامة أمام عوائق عديدة في سبيل وصولها إلى مقصدها الدلالي، إذ تقوم إجراءات الممارسة السيميولوجية على أساس تراتبي. فالعملية التحليلية ذات مراحل ثلاث، حسب التصور البورسي، وهي:
• المرحلة الأولى: تحليل الممثل الأول.
• المرحلة الثانية: تحليل الموضوع.
• المرحلة الثالثة: تحليل المؤول.
لا تخضع هذه التراتبية لأي تراتبية عقلية ولا يمكن التسليم بحياديتها، لأنها ترفض أي تقاطع مع الواقع. وبناءً على ذلك، فإن عدم الاعتراف بوجود هذا المثلث العلائقي الذي ترتبط به أجزاء العلامة (الممثل، الموضوع، والمؤول)، معناه أنه لا وجود للعلامة، مادامت لا توجد إلا من خلال تلك العلاقة التراتبية الترابطية. فإذا سلمنا بأن الممثل هو: (أ)، والموضوع هو: (ب)، والمؤول هو: (ج)، فمن غير المعقول أن يتم تجاوز (ب)، للربط بين (أ و ج) بعلاقة يكون مصدرها (ب)، إذ عندها ستكون العلامة مبهمة وتفتقد إلى القصدية الدلالية. وبالتالي فإن (أ و ج) يوصلان إلى (ب) لضرورة إعلامية أو جبرية. ومن هنا، فإن سيميولوجيا التحليل وفق المقولات البورسية، كما أوضحها جيراردو لودال، كالآتي:
• حل التشفير (الموجود بالقوة).
• التواصل الفعلي (علاقة تشفير ¬ حلّ تشفير).
• التشفير (القواعد).
ومن المسلم به أنه لا يوجد تشفير جديد من دون حل التشفير السابق، ولكنه في كلتا الحالتين تشفير مقصود، لأن التشفير الجديد قائم حتماً في الذهن، فـ"لا وجود لأي تواصل عن طريق العلامات من دون وجود قصدية وراء فعل التواصل، ومن دون وجود إبداع أو على الأقل من دون توليف للعلامات"( جيراردو لودال، السيميائيات أو نظرية العلامات، ص:126.). ومن هنا نتساءل: لماذا نرفض سيميولوجيا المؤول، ونصّر على استبدالها بعلامة المؤول والتي لا تؤول في النهاية إلا عن طريق الإنسان؟
لا يمكن التسليم بأن دلالة التعيين Denotation يقرأها المتلقي بذات القصدية الثقافية داخل العرض المسرحي، إذ يتوقف ذلك على عدة عوامل، منها: ثقافة متلقي العرض، وثقافة الممثلين، وثقافة النص، وثقافة العرض. فقد لا ينتمي النص إلى ثقافة الممثلين وثقافة المتلقين، والأمر نفسه ينطبق على العرض المسرحي. بمعنى آخر: يتأسس العرض، بوصفه منظومة أنساق علامية، على ثقافته الأصلية التي كُتِب في ضوئها المعجم الدلالي للعرض، غير أننا نجد أنفسنا في الغالب أمام نص غادر زمن كتابته الأولى وهاجر سياقه الثقافي الأصلي. فالعرض المسرحي يتضمن دلالات متعارف عليها، لكن رغم ذلك، يشوب العلامة المسرحية شيء من الالتباس بسبب الدلالة الحقيقية، إذ "تكتسب العلامة المسرحية حتماً معاني ثانية لدى الجمهور الذي يردها بدوره إلى القيم الاجتماعية والأخلاقية والإيديولوجية المعمول بها داخل الجماعة التي ينتمي إليها المؤدون والمشاهدون"( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:18 ). 
وهذا ما انتبه إليه بيتر بوغاتريف Petr.Bogatyrev، حين لاحظ قدرة حامل العلامة على الإشارة إلى ما وراء الدلالة الحقيقية، فضلاً عن الدلالة القصدية بشقيها الثقافي والمسرحي. ولهذا تساءل: "ما هو الزي المسرحي على وجه الدقة، أو ما هو الديكور الذي يمثل بيتاً في المسرح؟ عندما يستخدم هذا أو ذاك في المسرح يكون قد جرى اعتبار أي منهما علامة تشير إلى وحدة من خصائص علامات الزي أو البيت في المسرحية. ففي الواقع يكون اي منهما علامة لعلامة أخرى ولا يكون علامة لشيء مادي"( بوغاتريف في: كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:19). نستشف مما سبق، بأن بوغاتريف يتحدث عن ثقافتين، هما:
• مرجعية ثقافة النص المسرحي.
• مرجعية ثقافة العرض المسرحي.
فالمرجعية الأولى ذات ارتباط زمني بعلامات الزي والديكور، ونقصد زمن النص المسرحي الأدبي. وتفسَّر العلامات ¬هنا¬ وفق العلاقة الزمنية المشار إليها، أي وفق الانتماء والظرف الزمنيين. أما المرجعية فتربط العرض وعلاماته الثقافية بالمتلقي، لأنه المؤوِّل النهائي للعرض المسرحي. وحتى لو كانت العلامات المسرحية ترتبط مع بعضها البعض حسب ما ذهب إليه بوغاتريف، فأنها لا تشير ¬لحظة العرض المسرحي¬ إلى العلامة ذاتها التي طرحها النص الأدبي، بل تتحدد علاقتها المباشرة بالمؤول وموروثه الثقافي، من خلال إرجاع العلامات لا إرادياً إلى ثقافته وبيئته الاجتماعية. ولهذا استبدل بوغاتريف الدلالة الحقيقية بمصطلح آخر أطلق عليه: (الدلالة بالتضمن)، وتتمثل في كل عناصر العرض المسرحي. وتحكم العلاقة الجدلية بين الدلالة الحقيقية والدلالة بالتضمن كل مظهر من مظاهر العرض المسرحي، لأن "الديكور وجسد الممثل وحركاته وكلامه يحدد ويتحدد على الدوام عبر تغيّر شبكة من المعاني الأولية والثانوية"( كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ص:19).
وارتباطاً بتعددية الدلالة بالتضمن، تنتج العلامة المسرحية سلسلة من الوحدات الثقافية في العرض المسـرحي، وتكمـن قدرتها التوليدية في اتسـاع الدال بالتضمن، لأنه "مهما بلغت درجة تحديد مؤشرات الدال بالتضمن، فإنها تعتمد على قوة الاتفاقات الدلالية المعمول لها"( نفسه، ص:20). لكن هناك استثناءات، ففي المسرح الإغريقي ومسرح النو والكابوكي تكون الأنساق العلامية والوحدات الدلالية ثابتة، بحيث يصعب التمييز بين الدلالة الحقيقية والدلالة بالتضمن، بل تختفي دلالة التضمن نهائياً، لأن العرض لا يحيد عن أنساقه العلاماتية المحددة مسبقاً والتي يدركها المتلقي جيداً.
يحدد صناع العرض المسرحي الوحدات الدلالية، بناء على الاتفاقية التي اعتمدت أثناء التداريب، لكن تتغير قصديتها أثناء العرض من متلق إلى آخر، لأن "قابلية المشاهد الحقيقية لإدراك ترتيب ¬ثانوي للمعاني في عملية فك كودات العرض، تعتمد على القيم خارج¬ المسرح والقيم الثقافية العامة التي تحملها بعض المواضيع وضروب الخطاب أو أشكال السلوك"( نفسه، ص:21). وفقاً لذلك، فإن العرض المسرحي "آلة سبرنطيقية" كما يقول رولان بارت، ويضاف إلى قدرة علاماته التوليدية قابلية العلامات على التأويل المستمر. فالعرض المسرحي بوصفه دلالة، بمقدوره توليد العديد من الدلالات التي تعمل بدينامية داخل العرض المسرحي، وتتحول إلى دلالات بالتضمن لكونها تخضع لثقافة المؤول من جهة، وتذعن لمجموعة سلوكات وعقائد دينية واجتماعية وأخلاقية، لأن "عالم التوليد السيميائي هو عالم متحرك. وأن نفترض أن له بنيات لا يعني أبداً أننا نفترض أنه ثابت: إن الأمر يتعلق، على العكس من ذلك، بالتعرف على آليات تغير بنيته"( إيكو ، أمبرتو، العلامة تحليل المفهوم وتاريخه، ص:179).


الاثنين، 18 سبتمبر 2017

ابتعاد النص عن تجسيد الواقع

مجلة الفنون المسرحية

ابتعاد النص عن تجسيد الواقع


علاء كريم - الصباح 


المتعة الجمالية تركيبة معقدة من الاحاسيس التي يعاني منها الإنسان وبقوة، لذا لن يستطيع الكاتب أثارتها اذا لم يكن متعمقا في واقع الإنسان الاجتماعي والنفسي، كما لا يمكنه التأثير في ذاكرة المتلقي التي لا تختلف عن أي ذاكرة معرضة للفقدان، بسبب تراكمات الحياة المتشابكة. السؤال هو: هل ابتعد النص عن واقعنا الحقيقي؟ قد يجادل البعض بالإجابة عبر النفي، ويؤكدوا على أن ما يعرض هو جزء من واقعنا وأحداثه المتجددة، والدليل على ذلك بما يقدم سنويا من عروض. المجموعة المسرحية ( ثامن ايام الأسبوع) للمؤلف المسرحي العراقي علي الزيدي والتي تضم الى المسرحية التي حملت عنوان المجموعة، ثلاث مسرحيات أخرى هي: (العد التنازلي لمكبث) و (كوميديا الأيام السبعة) و (خروج بإتجاه الدخول)، كتبها المؤلف بشجاعة عبر نقله وقائع ترتبط بالفرد وواقعه الاجتماعي، والشارع العراقي بكل تحولاته، وذلك من خلال كشفه ثنائية القسوة الخوف وتعرية الفاسدين واعلاء صوت المطالبين بالحق والعدالة. 
تناولت النصوص مضامين إنسانية متعددة معتمدا بذلك على التراث الانساني العراقي، وربطه بالتراث المسرحي العالمي، بشكل يتيح للمتلقي استقبال النص. مسرحية(كوميديا الايام السبعة) بطل المسرحية طاهي يتهم هو وحفيده بقتل كلبه، مما فرض عليهما هذا الحدث الامتناع عن الاكل لمدة أسبوع حداداً على كلبه، فقد الطاهي وحفيده انسانيتهم، الاول بسبب فعل الشر المتلبس به، والآخر بسبب خوفه وضعف شخصيته، أجاد المؤلف في رسم خطوط الشخصيات وربطها بحرفة بالواقع المتصل مباشرة بالناس، فضلا عن تحوله من الماضي إلى الحاضر وبالعكس. النص قريب للواقع العراقي وجانبه الاجتماعي، والسايكولوجي، لذا أرى انه يجب على المجتمع أن يعطي للكاتب مساحة حتى يكتب ما يشاء وينقل صورا واحداث الواقع بحرية مطلقة على شكل مشاهد درامية، ومن ثمة يعالجها كيفما يشاء دون ضوابط أو قيود مجتمعية
، هذا الأسلوب في الكتابة يعطي حرية بعيدة عن المثالية، لان النص الممتع هو الذي يظهر بشكل فني ناضج، كما أنه حامل لافعال إنسانية تبعث شعورا للمتلقي على انه يعيش الحدث ويتفاعل معه وكأنه واقعه الذي يصارع من اجله، وهذا يعطي ايضا استمرارية للمتعة أن تؤدي ما عليها من واجب، كما انها تعطي للمتلقي عنصر (التشاركية) وتبعده عن الشد خلال فترة العرض اذا كان (مسرحيا) او ( دراما تلفزيونية). 
لا بد أن يجمع الكاتب عند كتابته النص صورا من الذاكرة، لانها ستضيف الكثير الى جمالية المشهد، لما تحمله من عمق في المعنى وألم الحياة ومأساتها التي رسم لها الموت، والجوع، فضلا عن الحروب شكلا آخر في مجتمعنا المغاير لطبيعة حياته، كما أن التواصل الى فحوى المغايرة وآليات اشتغالها لابد أن يسبقه كشف بسيط لأهم ملامح ذلك الاشتغال الذي ينتج النص على شكل كائن يحيا ويعيش، هذا ما ينطبق على نص مسرحية (ثامن أيام الأسبوع)، من مجموعة المؤلف “علي الزيدي” الذي بث عبر هذا النص شكلا مختلفا لعمق المأساة التي يعيشها المجتمع، وشبح الموت الذي حكم به الإنسان، رغم شدة الصراع من أجل الحياة، وصعوبة التغلب على عامل المقبرة (الدفّان)
، إلاّ إن هذا الصراع لن ينتهي إلا بوضع الدفان داخل القبر ورمي التراب عليه. يتميز هذا النص بمقاربته ثنائي الوجود، عالم واقعي، وآخر افتراضي، بالتزامن مع إرادة الموت، واثبات الوجود من أجل استمرارية الحياة كما تفرضه البيئة. يجب أن يبحث الكاتب عن احداث الحياة اليومية، والابتعاد بعض الشيء عن المنجز الادبي، كالرواية، والشعر، والقصة، لان غالبا ما يكون النص الأدبي وطريقة اعداده سبب الرتابة التي يشعر بها المتلقي، وذلك نتيجة التجارب الدرامية التي تحمل أخطاء في الطرح والصياغة، ليس على مستوى الفكرة الدرامية فحسب، بل على مستوى التأويل الإخراجي أيضا، بما فيه من معالجات بصرية، باعتبار أن النص يبنى على أصول الكتابة الواقعية لأنها تنقل وتجسد الحدث، وقادرة على حماية المعالجات الإخراجية من السقوط في مثل تلك الأخطاء. 
بالمقابل يرى المخرجون أن النصوص الهادفة حاليا قليلة وغير متوفرة، وأغلبها لا يقدم رؤى إبداعية جديدة، ولا يجد فيها المخرج ما يحفز أفكاره في تجسيد الفعل، ويستدعيه لمعالجته، حيث يعتقد المخرجون أن أكثر النصوص تستعيد نفس الأفكار والرؤى التي عولجت سابقا، في حين أن طبيعة الحياة هي التجدد، والبحث عن مقاربات إبداعية جديدة، رغم ان هذا الغياب يؤدي الى المقاربة في خلق الجمال، وهذا ما يستدعي الى إيجادصيغ جديدة للمعالجة الدرامية. من المؤكد أن هناك أزمة في النص الدرامي
، لذلك يأمل أن يجد الكاتب مُخرجاً يأخذ نصه إلى الخشبة أو حتى الدراما التلفزيونية، وهذا يعتمد على حرفته وكيفية انتقاء الفكرة التي تعطيه دعما للولوج إلى مايريد، لذا عليه البحث عن تجارب إنسانية جديدة تعطيه استمرارية لخلق 
الجمال.

المتعة الجمالية تركيبة معقدة من الاحاسيس التي يعاني منها الإنسان وبقوة، لذا لن يستطيع الكاتب أثارتها اذا لم يكن متعمقا في واقع الإنسان الاجتماعي والنفسي، كما لا يمكنه التأثير في ذاكرة المتلقي التي لا تختلف عن أي ذاكرة معرضة للفقدان، بسبب تراكمات الحياة المتشابكة. السؤال هو: هل ابتعد النص عن واقعنا الحقيقي؟ قد يجادل البعض بالإجابة عبر النفي، ويؤكدوا على أن ما يعرض هو جزء من واقعنا وأحداثه المتجددة، والدليل على ذلك بما يقدم سنويا من عروض. المجموعة المسرحية ( ثامن ايام الأسبوع) للمؤلف المسرحي العراقي علي الزيدي والتي تضم الى المسرحية التي حملت عنوان المجموعة، ثلاث مسرحيات أخرى هي: (العد التنازلي لمكبث) و (كوميديا الأيام السبعة) و (خروج بإتجاه الدخول)، كتبها المؤلف بشجاعة عبر نقله وقائع ترتبط بالفرد وواقعه الاجتماعي، والشارع العراقي بكل تحولاته، وذلك من خلال كشفه ثنائية القسوة الخوف وتعرية الفاسدين واعلاء صوت المطالبين بالحق والعدالة. 

الأحد، 3 سبتمبر 2017

ايرفن بيسكاتور ومسرحه السياسي 1893_1966

مجلة الفنون المسرحية

   ايرفن بيسكاتور ومسرحه السياسي 1893_1966

  وضاء قحطان الحمداني

يعد *( بيسكاتور ) أحد مؤسسي المسرح السياسي في العالم وأكد ان المسرح يجب أن لا يغفل السياسة بأي شكل من الاشكال والمسرح لديه وسيلة من الوسائل التعليمية في المجتمع وحاول أن يربط بين سياسته الفنية وبين الطبقة العاملة من أجل أن يضمن حياة حرة كريمة لهم وتحقيق الحصول على حقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . يقول بيسكاتور ( ان ميلاده الحقيقي هو يوم انضمامه للمسرح وكان ذلك عام 1914 . إلا انه في نفس السنة تحدث الحرب العالمية الاولى وتغلق المسارح ويجند بيسكاتور في صفوفالجيش الالماني ويصاب بالرعب من الحرب بعد ما رأى أكداس
الجثث من الجانبين المتحاربين خاصة بعد أن استخدمت ألمانيا الغازات السامة في المعركة "(1).
فكان في البداية من المتحمسين للحرب لكنه بعد التجارب المريرة رفضها بكل ما فيها وأسس مع صديقه(هرمان شولر)عام 1919(مسرح العمال الثوري )  وأسلوب (بيسكاتور) الإخراجي يتألف من ثلاثة عناصر رئيسة : عنصر سياسي وعنصر ملحمي وثالث تقني .

" لقد وجد (بيسكاتور )جذور المسرح البروليتاري في ثلاث حركات أو اتجاهات هي الطبيعية والتعبيرية والفن الشعبي ، فقد أعجب بالطبيعيين لاهتمامهم بالمشاكل الاجتماعية ولكنه أخذ عليهم خطأهم في تتحديد أنفسهم بالتقرير الموضوعي ومعاملة الواقع على أساس الثبات ، وأعجب بالتعبيريين لرغبتهم في تغيير المجتمع لكنه أخذ عليهم مثاليتهم وتجريداتهم ، وكان يساند الدوافع التي حفزت المسرح الشعبي إلا انه يعتقد إن الفن الشعبي قدم مسرحيات للطبقة الوسطى بدلاً من ابتداع مسرح بروليتاري حقيقي "(2).


استخدم (بيسكاتور) العنصر الملحمي أول مرة في مسرحية (الرايات ) ل(الفونز باكيت) وأستخدم الشاشات وتصوير الخلفية الاجتماعية والاقتصادية.

إن المسرح الملحمي عند (بيسكاتور) " يجب أن لا يحقق مالا يستطيع الأدب أن يحققه وذلك عن طريق العرض : عرض مباشر للتاريخ لا كخلفية للمسرح ولكن في المستوى الأول للعرض المسرحي ، توصلاً إلى هضم الحكمة السياسية التي تطرحها تجاربه"(3).

ويقول( سعد أردش) في مجلة عالم المعرفة تحت عنوان ( المخرج في المسرح المعاصر  عن الواقعية السياسية عند (بيسكاتور) يقول (بيسكاتور) : " إن الماضي هو الماضي ونحن نعيش في الحاضر في حقبة تغلي بالمتغيرات السياسية ولهذا فأن السياسة تحتل المستوى الأول من الاهتمام وتستوعب الجميع تحت جناحها فلماذا نطلب إلى المسرح شيئاً آخراً غير الدعاية السياسية ؟إن هذا ما كان يفعله المسرح الإغريقي "(4).



إن مسرح (بيسكاتور) مسرح سياسي مسرح (البروباجنده) الدعاية السياسية هو مسرح التعليم والاستفزاز السياسي هو مسرح لا بد أن يكون بالضرورة للطبقة العاملة ، أخرج مسرحية (الطوفان) ل(أدولف باكي) عام  1924 وفيها أستخدم السينما لأول مرة وأخرج مسرحية (هولا _نحن نعيش) للكاتب التعبيري (توللر) عام 1927 ولجأ إلى خلق توازن بين أحداث المسرحية على الخشبة وأحداث  لحرب والثورة مسجلة على فيلم سينمائي فيستيقظ البطل ( توماس) من عزلته في المجتمع بعد هزيمته في الحرب واندحار الثورة ليكتشف إن زملاءه في الحرب قد انصهروا في المجتمع الجديد مجتمع ما بعد الحرب ، كما استخدم (بيسكاتور) السينما في مسرحية (الاستعراض الأحمر ) عام 1942 وهي مسرحية دعائية تحريضية (بروباجندا) وفي عام 1927 قام بنقل مسرحية تاريخية تجري أحداثها في القرون الوسطى للمؤلف (آدم فليك) بعنوان (عاصفة في بلاد الغوث) ليجعل منها مسرحية حديثة جعل شخصياتها ترتدي أقنعة شخصيات موجودة في الزمن الحاضر.

"يعتقد (بيسكاتور) إن المسرح السياسي يجب أن لا يكتفي بعرض الأحداث الفردية بل يتخطى ذلك غالى تحليل انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية وتقرير كافة الوقائع التاريخية بشكل ينقل الصورة الدرامية إلى الآفاق الملحمية بإكساب العرض الطابع القصصي واللجوء إلى الوسائل التوضيحية( كالخرائط ، واليفط، والبيانات ، والشرائح الزجاجية ، والأفلام التسجيلية "(5).

إن "بيسكاتور لم يكن هدفه تقديم متعة جمالية للجمهور بقدر ما يدفع الجمهور إلى اتخاذ موقف عملي من القضايا التي تهمه وتهم بلاده ذلك أن المسرح عنده برلماناً والجمهور هو الهيئة التشريعية "(6).

وكان يقدم (بيسكاتور) المسرحيات التاريخية ليس لمجرد السرد بل " إن رسالة المسرح لا تتلخص في سرد الأحداث التاريخية بل أن نستخلص من هذه الأحداث  دروساً قيمة وإقامة علاقات سياسية واجتماعية حقيقية "(7).

وكان مسرحه يقدم أحداث تاريخية معاصرة تهم حياة الجمهور الألماني في نهاية الحرب العالمية الأولى وما سببته هذه الحرب من نتائج كونه أحد الرافضين للحرب مهما كانت أسبابها ودوافعها ، وقد استخدم

(بيسكاتور) الملحمية كشكل مسرحي


مضاد للتعبيرية لتزويد الجمهور بخبرة جديدة ويصيح الجمهور عنصراً مشاركاً فعالاً في العرض المسرحي.

وأستخدم (بيسكاتور) مناظر باعتماده على رسامين في تصميم مناظره لأكثر أعماله " أعتمد (بيسكاتور) على الرسام (جورج كروس) في تصميم مناظره كما في مسرحية (السفينة التائهة) فقد استخدم البروجكتر والفانوس السحري لعرض الصور وتحديد خشبة المسرح وعرض مقطع من شريط سينمائي  لعكس الظروف السياسية والاجتماعية "(8).

نال (بيسكاتور) شهرته في ثلاثة أعمال مسرحية هي (هولا _نحن نعيش)و(راسبوتين) و(الجندي الطيب شفايك ) و(افتتح مسرح (بيسكاتور)

بمسرحيته (هو لا _نحن نعيش) وهي تحكي عن أحد الثوار الذين يطلق سراحهم

من السجن بعد عشر سنوات ليكتشف ان جميع رفاقه القدماء قد استقروا في حياة مريحة أخرجها عام 1927،وفي المسرحية جمع بين الفيلم السينمائي والممثل الحي


"وفي أواخر عام 1927أخرج ( بيسكاتور) النص المعدل عن قصة (تولستوي )

حيث شيد (بيسكاتور ) بناءاً رمزياً يشابه الكرة الارضية ويحوي داخله عدة مناطق  للتمثيل ، وأستخدم شاشة بيضاء لعكس الصور وأستخدم احدى الشاشات ليعرض عليها التواريخ والتعليقات والملاحظات والهوامش.

وقصة (تولستوي) الروسية تحكي قصة المؤامرات في القصر الملكي وهي  مسرحية (راسبوتين) ، وقد أخرج (بيسكاتور) عام 1928مسرحية (الجندي الطيب شفايك)عن رواية جيكية للمؤلف الالماني (ياروسلاف هاجيك) بطلها شخصية كوميدية مخبول ظاهرياً وخانعة بسذاجة معبرة عن جنون وتفاخر العالم "(9).

 واستعمل (بيسكاتور) قرصين دوارين للدوران باتجاهين مختلفين أحدهما الشخصية الرئيسة (شفايك )    والثاني للشخصيات الاخرى فكان الجندي شفايك كما لو أن بساطاً يدور به. وأخرج مسرحية (تاجر ب   رلين)والتي عرضت عام 1929 للتعبير عن الصراع بين الطبقات عبر ثلاث حاملات للكشافات ا     لضوئية تصعد وتنزل حسب تطور الفعل. أما عن سبب انهيار المسرح السياسي في ألمانيا فهو لأسباب سياسية


حيث ازدياد الوعي السياسي الذي اصطدم بتنامي الرجعية السياسية في المانيا  أزمة في ميدان علم الجمال ، هرب (بيسكاتور) الى الولايات المتحدة اثر أستلام (هتلر) السلطة ثم عاد عام 1950الى برلين والى المسرح الالماني بتقديم مسرحية (الحرب والسلام) مأخوذة عن رواية ل(تولستوي) وساهم كل من (بيسكاتور)و(بيتر فايس)و(جنتر جراس)و(كيبارد)و(بريشت)في  تأسيس المسرح السياسي أو ما يسمى بالمسرح التسجيلي أو المسرح الوثائقي ان  من مؤلفات (بيسكاتور) (كتاب المسرح السياسي) عام1930وملحق لكتاب المسرح السياسي عام 1960.


  *بيسكاتور (1893_1966) مخرج مسرحي ألماني ، تتلمذ على يد المخرج ( ماكس راينهارت ) عمل في العاصمة برلين من

  1919_1938في المسرح الشعبي الالماني وهو أحد مؤسسي المسرح السياسي (البروبجانده) أو الدعاية السياسية ، هاجر الى

ا الولايات المتحدة الامريكية عام 1938 هارباً من النازية وأسس مدرسة للتمثيل تحت اسم المدرسة الدراماتيكية التجريبية وأستمر

مهجره حتى عام 1950 حيث عاد الى المانيا مرة اخرى .


الهوامش :

(1)سعد أردش ، المخرج في المسرح المعاصر ،(الكويت : مجلة عالم المعرفة ، 1978)، ص195.

(2)سامي عبد الحميد ، ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين ، (بغداد : د0ت)، ص0173

(3)سعد أردش ، مصدر سابق ، ص0202

 (4) المصدر نفسه ، ص0201

(5) سعد أردش ، المصدر نفسه ، ص0197

(6)جيمس روس ايفانز ، المسرح التجريبي من ستانسلافسكي الى بيتر بروك  ، ترجمة : فاروق عبد القادر ،(الشارقة : هلا

للنشر والتوزيع ،د0ت )، ص0109

(7) أوديت أصلان ، فن المسرح ، ترجمة : سامية أسعد أحمد ،ج2، (بيروت : ايف للطباعة والنشر،د0ت)،ص0363

(8)فاضل خليل ،مادة: مناهج وأساليب عالمية في الإخراج المسرحي ، ألقيت على طلبة الدراسات العليا ، كلية الفنون الجميلة،

جامعة بغداد ،15/10/01995

 (9)ينظر: د.سامي عبد الحميد ، مصدر سابق ، ص176_ص0177

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption