أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 20 مايو 2017

برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي

مجلة الفنون المسرحية

برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي

فاضل سوداني

أولا:ملحمية التراث المسرحي العربي 

بالرغم  من ان برشت ظاهرة أوربية وان المفاهيم الفكرية والمشاكل الاجتماعية التي  عالجها تتعلق بالمجتمع الاستغلالي وصراع الطبقات وكذلك كشف البعد الطبقي  للانسان البرجوازي الاوربي، إلا ان الفنان العربي يجد نفسه قريبا فكريا من  مفهوم التغريب والرؤيا التاريخية والوعي الجدلي لهذه ا لمفاهيم بسبب  الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية


 التي تحرم إنساننا من حريته والعيش في مجتمع الديمقراطية. وبما ان الفن ينشأ لتلبية الحاجات الاجتماعية، فمن السهولة ان نكتشف في الفعاليات الفنية والثقافية التراثية تلك العلاقة التي تتسم بالحميمية بين المؤدي والجمهور. من هذه الزاوية ينحو المسرح العربي المعاصر لتحقيق تاثيره الاجتماعي والجمالي وبناء الوعي الفكري للإنسان في المجتمع العربي، وخلق العرض المسرحي الشعبي استنادا الى الغنى والتنوع في الاشكال التراثية الشرقية وارتباطا بمكتشافات المسرح الاوربي المعاصر ومنها المفاهيم الملحمية البرشتية.

اذن هنالك ممهدات هيأت الجمهور العربي لاستيعاب ظاهرة المسرح ومن ثم تقبل المفاهيم المسرحية الملحمية البرشتية:
يمكن القول بأن المجتمع الإسلامي القديم عرف بعض من الأشكال والممارسات التي تحتوي على الكثير من العناصر ألما قبل الدرامية، والتي مورست كطقوس وفعاليات ثقافية، مثل الطقوس والأغاني الدينية المختلفة والرقصات الصوفية الفردية والجماعية،، وبعد ذلك الأشكال البدائية ما قبل المسرحية.، 
فمن خلال دراسة هذه الجذور المسرحية نستطيع ان نعثر على الملحمية وكذلك على ملامح من التغريب في ذات الوقت والتي يمكن ان تخلق علاقة جدلية ديناميكية بين المؤدي والمشاهد، وتؤدي به الى ان يتحول الى مشاركا في الحدث ـ الطقس (كان المتفرجون يحتشدون حول مكان الحدث سواء كان الاحتفال ياخذ طابعا دينيا اودنيويا، من هنا جاءت فعالية المتفرجين القصوى حيث لايحس الواحد منهم انه مجرد مراقب بل هو مشترك ضروري في كل مايحدث امامه. ولهذا فان عملية التقبل والخلق في الفن البدائي كانت تتمان في نفس الوقت)(انظر بوتيتسيفا. ألف عام وعام على المسرح العربي)
ان الحياة الثقافية في الشرق القديم وبالذات الثقافة العربية اعتمدت على الحكاية والسرد الشفاهي، ولعب الراوي (الحكواتي)دورا كبيرا، حيث كان يسرد قصصا تاريخية واقعية او اسطورية متخيلة مشحونة بالحكمة الاجتماعية والفلسفية المستقاة من حكايات الف ليلة وليلة والملاحم والاساطير والحكايات القديمة وحكايات كليله ودمنه والتاريخ العربي والاسلامي،وتلك البطولات العربية القريبة في عظمتها وغرابة احداثها وعجائبيتها وسحرها التي كانت تضاهي عظمة الالياذة والاوديسة او المهابهاراتا الهندوسية مع اختلاف الزمان والمكان.
ان التطور الذي حدث في اداء الراوي بعد ذلك هو ان حكاياته لم تعد تروى شفاها وانما ارتبطت بنص مكتوب يحمل طابع الحكاية الدرامية القديمة (كما في حكاية ابي القاسم البغدادي ـ لمؤلفها احمد الازدي) حيث كتب هذا النص مابين القرن السابع والتاسع الميلادي. والذي يتحدث فيه حواريا عن مختلف الشخصيات والاحداث التاريخية في المجتمع انذاك. وعثر آدم سميث 1902 على هذا النص وترجم للالمانية.(فن التمثيل. د.الاعرجي) 
وقد يحدث ان يوجد اكثر من راوٍ من اجل توصيل الحكاية الى الجمهور، وقد ابتكروا العديد من الوسائل والاساليب لتوصيل حكاياتهم كالشعر والامثال والنوادر الشعبية والاغاني واللآلات الموسيقية الشرقيةوغيرها. (لقد كانوا يعيدون إحياء الحكاية عن طريق المحاكاة والحركات والإشارات والرقص والتقمص Embodiment والارتجالImprovisation والتشويق الدرامي وفي هذا يكمن الجانب الفني. كان الفعل في القصة يتصاعد نتيجة الاتصال الذي لابد أن يتم بين الراوي والجمهور. وكانت قوانين الطقس والفرجة تفرض على الراوي خلق الاتصال من اجل أن يشترك الجمهور في الحكاية والحدث.) وقد تناقل الرواة هذه القصص على مر الأجيال حتى وقتنا الحاضر، حيث مازلنا نسمع بعضها من الرواة المعاصين في الاسواق والساحات العامة خاصة في المغرب العربي.ان الراوي في العصور اللاحقة اصبح لا يستغني عن الغناء والشعر فمن خلال الاغنية يقوم الراوي بسرد الاحداث المثيرة ولذلك فان استخدام الاغنية المعبرة يمكن ان يخلق شكلا متميزا للعرض المسرحي الشعبي. 
وحينما احتل الممثل من غير الرواة مركز الطقس ـ العرض المسرحي فان دور الراوي بقي على أهميته غير ان مهمة الراوي ـ الممثل لم تقتصر على اداء الشخصية وانما عرضها ايضا عندما يخلق تلك المسافة بينه والشخصية ليتحدث عنها وهي خارج التقمص. اضافة الى هذا فان الراوي (الحكواتي)  يقوم ايضا بتغريب اللاحد ا ث من خلال ابراز تضخيمها وإبراز نواقصها.
وعندما استخدم برشت وسائل المسرح الاسيوي (وخاصة الاغنية والراوي وتغريب الحدث كما في المسرح الياباني) فانه كان واعيا بأهمية هذه الوسائل في خلق العلاقة الجدلية بين عناصر العرض الملحمي، وهي تشكل اساسا تمايز التراث الشرقي.
وهنا يؤكد فابيون باورز في كتابه المسرح في الشرق (ان المسرحيات الاسيوية تتطلب وسيلة خاصة للتعبير وتلك هي الراوي، فالدراما في جميع انحاء آسيا قد نشات من الكتب القديمة والاشعار الملحمية (.
ان الجمهور كان مهيأ لمشاهدة اشكالا فنية من تراثه وفولكلوره مادامت هذه الفعاليات تعرض امامه في اماكن تواجده، ولذلك فانه يتعرف على اشكال تراثه الفني في حياته العامة، وهذا هو السبب في انسجامه مع (المقامات) مثلا وهي حكايات غنية بالاحداث الدرامية والمنالوجات والحوارات المثيرة التي تدعوا الجمهور للمشاركة الفعالة فيتحول العرض الى طقس احتفالي جماعي (وهذا مادفع الطيب الصديقي / والمدني وغيرهم الى استخدامها في المسرح). وتعتبر(المقامات) احد الاشكال المسرحية البدائية التي تتطرق للمشاكل الاجتماعية بشكل كوميدي ساخر وتعتمد على (ممثل واحد) امام جمهور الاسواق العامة والساحات او في قصور الخلفاء.
لكن الطقوس التي لها علاقة بالدرامية والاحتفالية والفرجة هي طقوس كانت تمارس لوقت قريب مثل خيال الظل والحكواتي، وكذلك التعزية، باعتبارها طقس ديني ودرامي يخلق الفرجة الشعبية التي تتحقق من خلال العناصر الدرامية الموجودة في هذا الطقس الذي يذكرنا ببعض الطقوس التراجيدية البابلية أو اليونانية القديمة.
وتعتبر هذه الطقوس وخاصة خيال الظل، تعبيرا ديناميكيا عن طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسلامي القديم، لأنها تعكس الواقع بكل قسوته، وتشير إلى المشاكل السياسية والاجتماعية مما يُغني ويحفز الرغبات الداخلية المشحونة بالمواقف النقدية التي يتبناها الإنسان في علاقته بالسلطة، لكن من خلال التركيز على الجانب ألا متاعي والترفيهي والذي يعد تذوقا جماليا متماشيا مع مقاييس المجتمع القديم.وبالتأكيد فإن هذا هو السبب الأساسي لديمومتها في حياة المجتمع الشرقي بالرغم من تعرض القائمين عليها لأشكال مختلفة من الاضطهاد والمنع.
وبتأثير المفاهيم البرشتية للمسرح الملحمي الهادف للمتعة والمعرفة،أمكننا اكتشاف هذه الوسائل الملحمية بجذورها البدائية في الاشكال التراثية الماقبل المسرحية في التراث العربي، وبهذا فان برشت منح الفنان العربي كيفية البحث في اشكاله التراثية من اجل خلق خصوصية مسرحه المعاصر حيث ومن خلال هذه المفاهيم البرشتية بدأنا البحث عن القيم الدرامية في تراثنا وعن الحكواتي / الراوي و الكوال والاغنية الدرامية والرقص التعبيري وغيرها.. يمكن تحديد اتجاهين في المسرح العربي المعاصر:
1  - المسرح التراثي
وضع الفنان العربي أمامه مهمة اكتشاف وتحديد المفاهيم والأشكال المسرحية التي تخدم أفكاره الفنية من أجل معالجة مشاكل مجتمعه، وقد حتم هذا الرجوع إلى التراث القديم مع أهمية الاستفادة من كل تطورات الفن المسرحي الأوربي، من اجل الوصول إلى أشكال مسرحية بعيدة عن المفهوم الأوربي الغربي. وبما إن المسرح يفترض الروح الجماعية في تحقيق المعرفة واكتشاف الجمال، لذلك فان الفنان عمد إلى إرجاع المسرح إلى كونه ظاهرة احتفالية شعبية وطقوس يمكن أن تقام في كل مكان، وحتم هذا أيضا تغير شكل العرض أي استخدام شكل العرض المسرحي المفتوح، وبالتأكيد فان هذا يتطلب تغير مفاهيم التأليف المسرحي"المعتمدة على مفاهيم أر سطو".أي تغيير علاقة المؤلف بفضاء النص وبنيتة والمواضيع التي يعالجها وفرض هذا تغيير علاقة المسرح بالجمهور. وبالرغم من أهمية رفض (مسرح العلبة المغلقة حسب مفهوم المسرح الأوربي) إلا أن الضرورة تفرض الاستفادة من أشكال المسرح الأوربي وخاصة مسرح برشت الملحمي.
2ـ العرض التراثي الشعبي وافهومة برشت 
تأثر المسرح العربي المعاصر بالكثير من اتجاهات الفكر والمسرح الأوربي وخاصة مسرح اللامعقول
Absurd Theatre في فترة الستينات من هذا القرن كمسرح يونسكو، بيكيت، آدا موف مما فرض مفاهيم جديدة على الجمهور العربي، فقد كتب توفيق الحكيم مسرحية ياطلع الشجرة،ومسرحية الفرافير والمهزلة
الأرضية ليوسف إدريس و مسرحية الوافد، والخطاب لميخائيل رومان، وبالرغم من وجود بعض المعقولية
في الأحداث وعلاقات الشخصيات الا أن هذه المسرحيات كانت تحاول التعبير عن عبثية الحياة بمفهومها الغربي (حسب د. حياة جاسم - الدراماالتجريبية في مصر) 
ولكن سرعان ماإنحسرت هذه المفاهيم، لأنها كانت غريبة عن الهموم الحقيقية للإنسان العربي المبتلى بمشاكله الاقتصادية والسياسية والفكرية وأنظمته الدكتاتورية التي تحرمه حريته وحقوقه. فعبثية الحياة العربية متأتية من الخلل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وشيزوفرينيا الذات العربية، وليس هنالك غربة حقيقية بالمفهوم الأوربي في المجتمع العربي.
وضمن التزام المؤلف العربي بمعالجة مشاكل مجتمعه انطلاقا من واقعه، واستخداما لتراثه الغني مع التطبيق التقليدي للمفاهيم البرشتية أدى في فرض الالتزام السياسي ـ الاديولوجي في الكثير من المعالجات لدرجة وصف فيها المؤلف المصري الفرد فرج بانه كاتب برشتي، ويمكن ملاحظة الكثير من التأثيرات البرشتية عليه وخاصة في مسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفا) واتهمها الكثير من النقاد بانها اقتباسا من مسرحية (السيد بونتلا وتابعه ماتي). وتؤكد د. لميس العماري بان موضوع وهدف مسرحية المؤلف الفرد فرج ليس بعيد عن مسرحية برشت (بونتلا) ولكنها ليست اقتباسا لها. لهذا يمكن اعتبارها مسرحية عربية تراثية تستخدم بعض مقومات الكتابة المسرحية البرشتية.

ثانيا: في فضاء الكتابة والعرض المسرحي 
امتلك فن الاخراج المسرحي أهميته في القرن العشرين، حتى بات يطلق على المخرج، بانه الخالق والمبدع لقوانين العرض المسرحي، والواعي لتطور الطبيعة والمجتمع. وبات المخرج يفرض وجوده على كل العناصر الفنية الاخرى التي تدخل ضمن العملية الابداعية للعرض، بما فيها النص ايضا. ومن المنطقي القول بان لكل عصر مؤلفه الواعي، فكذلك يمكن القول بان المخرج يمكن ان يكون مؤلفا ثانيا للنص. من خلال استخدامه للوسائل الفنية الاخرى في العرض، وقد حتم هذا اهمية مسرح برشت الملحمي وبالذات مبدأ التغريب في المسرح للتعبير عن مشاكل الانسان العربي المعاصر.
وفي الوطن العربي يمكن القول بانه في ثلاثينيات وأربعينيات هذا القرن بدأ الاخراج المسرحي في المسارح العربية يتحول الى مهنة تتطلب ثقافة خاصة وتجربة غنية. 
وفي كل بلد عربي هنالك اتجاهين في الاخراج المسرحي: الاول، نقل لربرتوار المسرح الغربي وعرض مسرحيات اوربية ذات طابع انساني شمولي، تبدو بعيدة عن مشكلات المسرح العربي الذي مازال بعيدا عن الاغتراب في المجتمع الاوربي. والاتجاه الثاني: استخدام الاشكال التراثية والفلوكلورية العربية والشرقية واشكال ماقبل المسرح في محاولة لتأصيل المسرح 
(لكن التعرف الحقيقي على برشت والمسرح الملحمي من قبل الفنان العربي كانت في فترة الستينات من القرن الماضي، وجرت اولى التجارب لتقديم المسرح البرشتي في مصر من خلال نص دائرة الطباشير القوقازية الذي اعده صلاح جاهين. وكان سعد اردش من الاسماء الاولى في اخراج بعض مسرحيات برشت). 
وبتاثير المسرح السياسي والمسرح الملحمي البرشتي استخدم المخرج العربي الكثير من الوسائل التي تخلق العلاقة بين المتفرج والعرض المسرحي: كالمسرح داخل المسرح. او توزيع الممثلون في الصالة وجعلهم جزءا من سينوغرافيا العرض المسرحي حيث يجلس الجمهور حول خشبة المسرح ويصبح العرض دائريا، كما في مسرحية"المهرج"للسيد الشوربجي والفرافير ليوسف ادريس. وبعد ان يموت الملك لصلاح عبد الصبور. ومسرحية الليلة نضحك لميخائيل رومان. وامتد هذا التاثير كذلك على تجارب المخرج العربي مثل الطيب الصديقي ونجيب سرور وكرم مطاوع وابراهيم جلال، سامي عبد الحميد ود.صلاح القصب و د.فاضل خليل وفاضل سوداني وسهام ناصر ويعقوب شدراوي وريمون جباره ونضال الاشقر وقاسم محمد وعز الدين قنون وفاضل الجعايبي ومحمد ادريس وصقر الرشود. ولم يقتصر التاثير على المسرح المشرقي وانما كان له تاثيره في المغرب العربي ايضا.
فمن المتاثرين ببرشت في المسرح الجزائري الروائي والمؤلف المسرحي كاتب ياسين الذي عاش في فرنسا ابان الاحتلال الفرنسي لبلاده وساهم هناك في الدفاع عن قضية شعبة أمام القارئ الفرنسي من خلال رواياته الشهيرة مثل رواية"نجمة"التي حاز عليها عدة جوائز وكذلك مسرحياته كمسرحية:الاجداد يزدادون شراسة. ومسرحية مسحوق الذكاء. والجثة المطوقة، التي تناقش عنها مع برشت عند زيارة البرلين انسامبل الى باريس عام 1955. وبعد التحرير أصبحت نظرته كوسموبولوتية (عالمية) وبدأ في الكتابة التي تخدم نضال الانسان عموما كما في مسرحية"الرجل ذو الحذاء المطاطي"التي كتبها عن نضال الشعب الفيتنامي انذاك. وقد انتقل للعيش في بلاده نهائيا وترك الكتابة بالفرنسية واستقر بين الجماهير الفقير ة في الريف وبدأ بالكتابة عن همومها (حتى وفاته). ومشاكلها وخاصة قدرية التخلف المتأتي من التزمت الديني السلفي وأثره في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. وقد استفاد كاتب ياسين من المسرح البرشتي، لانه يعتبر برشت فنانا ديالكتيكيا واعطى اهمية كبيرة لاستخدامه في المسرح الجزائري والمسرح العربي لكن بشئ من الحذر.(غير ان مبدأ التغريب الذائع الصيت لايمكن الاستفادة منه في ظروف الجزائر، لان الجمهور في بلادنا ـ خلافا للجمهور البرجوازي الالماني الذي صاغ برشت هذا المبدأ من اجله ـ لم يتشوه بعادة الاندماجEmpathy مع الحدث او الشخصية. ان هذة العدة لاتشكل خطورة بالنسبة لنا.ولهذا فنحن نحذفها من قائمة استفادتنا من مسرح برشت الملحمي).   
ان هدف التغريب لا يعني فقط الحيلولة دون حدوث الاندماج بين الشخصية والجمهور. التغريب هو جزء عضوي من نظرة ديالكتيكية للعالم، وهذه النظرة هي التي تتحكم في عملية الخلق الفني برمتها. انه في الواقع موقف من الحياة.(كما كتبت د. لميس العماري).  
وبالرغم من اهمية عنصر التغريب في المفاهيم البرشتية وتكيفها لتنسجم مع الكثير من الثقافات والمسارح لمختلف البلدان، إلا ان اطروحة كاتب ياسين وحذره من استخدام التغريب في المسرح الجزائري لها اهميتها 
في الوقت الحاضر وتمتلك مكانتها في المناقشات عند ما تحتم الضرورة اعادة صياغة المفاهيم المسرحية الجديدة للمسرح العربي. 
ويعتبر المؤلف والمخرج المسرحي عبدالقادر علولة (اغتيل في الجزائر دفاعا عن حرية الفن والديمقراطيةوضد الظلامية) واحد من اهم المخرجين العرب والجزائريين الذين يعملون على تكييف افكار برشت وانجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري من خلال ربطها مع المخزون الهائل من التراث والثقافة العربية. معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد. ولهذا فانه يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الاشكال الماقبل المسرحية او المسرحية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي التي تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس اوربيا. وقام علولة باحلال وظيفة الكوال بدل الراوي البرشتية وهي شخصية يمكن ان نجدها في التراث الشعبي العربي وتراث المغرب العربي بالتحديد. ومهمة هذه الشخصية هي رواية وتمثيل الاحداث والقصص التاريخية التي لها مكانتها في الذاكرة الشعبية وكذلك الاحداث المعاصرة في الاسواق والساحات العامة وا ماكن تجمع الناس الذين يشكلون جمهوره عادة. و يمكن حتى يومنا هذا مصادفة الكوال في اسواق المغرب العربي الشعبية وهو يقص على الجمهور حكاياتة التاريخية او المعاصرة مازجا اياها ببعض المشاكل السياسية التي تثير جماهير السوق.. وبهذا فان الممثل في مسرحيات هذا المخرج اصبح كوالا ووظيفته"كراوية"اصبحت اكثر تأثيرا، عندما امتزجت بتقنية التجربة العالمية، بحيث اصبح الكوال يلعب الدور الاساسي في الحدث.واصبح العرض المسرحي سرديا وبهذا فانه اقترب من المسرح الملحمي البرشتي. فيقوم الراوي (الكوال) بكسر مجرى الاحداث ليس في النص فحسب (ان المخرج علولة هو الذي يكتب ويعد مسرحياته عادة) وانما في الاداء والعرض. ولهذا فان الممثلين هم رواة اوكوالون، اضافة الى كونهم يؤدون اكثر من دور. (ويعتبر هذا تحولا جديدا في المسرح الجزائري والعربي عموما) ومن اجل التأكيد على كسر الايهام في الحدث والاداء، فان علولة يمزج في عروضه بين ماهو واقعي وماهو رمزي، بحيث يتم التاكيد للجمهور بانهم في مسرح وان هنالك ممثلون على الخشبة يروون حكايةما.فالمسرح لايكتفي بالسرد من قبل الراوية وانما يجب ان يخضع كل شئ لمتطلبات اللغة المسرحية بحيث يخدم المشكلة الاجتماعية. وبغية الوصول الى تغريب الحدث والشخصية فان المخرج الجزائري يعمد الى خلق تلك المسافة بين الممثل والشخصية باستخدام صيغة الشخص الثالث كما هو الحال لدى برشت. أي ان الممثل يمثل الشخصية ويستعرضها بشكل مبدع وليس بشكل ميكانيكي. وبهذا فان الجمهور يمتلك تصوره عن الشخصية. واستمر التأثير الكبير للمسرح البرشتي على الفنان العربي وجمهوره ايضا نتيجة لطموحات هذا المسرح الفكرية والسياسية في العمل على تغير وعي الإنسان وعلاقاته بالمجتمع، وقد تأثر الكثير من المؤلفين المسرحيين بأفكار برشت بهدف كتابة مسرحية للكشف عن طبيعة المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتهم مثل سعد الله ونوس،نجيب سرور، يوسف إدريس يوسف العاني قاسم محمد الطيب الصديقي ومحمود دياب جلال خوري و الفريد فرج، عزالدين المدني و عبد الكريم بورشيد، عبد العزيز السريع، نو الدين فارس وعادل كاظم وغيرهم. مما ادى هذا الى تشكيل ملامح عرض مسرحي عربي بتأثير التغريب البرشتي في ربرتوار المخرج العربي. ومازالت الكثير من العروض العربية تنهل من المفاهيم البرشتية سواء كان ذلك في الأسلوب الملحمي للكتابة اوالفكر الإخراجي لصورة العرض المسرحي.

-------------------------------------------------------
المصدر : ملحق منارات 

الثلاثاء، 16 مايو 2017

جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر

مجلة الفنون المسرحية

جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر


د. سامي الحصناوي

مقدمه لابد منها  

    غالبا ما تتصارع الايدولوجيات لتثبت إن احدها الأحق بألبقاء من الأخرى ...وكذا النظريات التي تحاول أن تزيح مثيلتها او غريمتها لتتسيد الساحة وتعلن أنها هي صاحبه الرياده والأولى في البقاء والوجود .. وكذا النظريات ألمسرحيه منذ نشأتها كانت تتبلورعلى وفق معطيا ت المحيط والبيئه والظروف التي نشأ ت بها ،حيث مثلت جمله حقائق أفرزتها طبيعة المجتمع وأفكاره بعد تبنيها على مستوى الاقتصاد أو السياسة أو التكنولوجيا ... فمن الكلاسيكية ألقديمه لليونان والقوانين الصارمة في الوحدات الثلاث و التطهير الى الكلاسيكية الجديدة في منتصف القرن السادس عشر وفهمه على الأسس ألقديمه في النظام والوضوح والمثاليه مع الابتعاد عن المواضيع الاسطوريه او الصراع الخارجي بين الانسان والقوى الخارجيه وضعف الالتزام بالوحدات وابتعادها عن التطهير ومحاوله مزج الكوميديا مع التراجيديا ،ثم جاءت الرومانتيكيه كرد فعل على تزمت الكلاسيكيين ورجعيتهم،فكانوا ميالين الى مناقشه المواضيع الحديثه وترك الوحدات نهائيا وضروره عرض الحوادث في اماكنها الطبيعيه وجعلها تتحدث عن ذات الانسان لا الجماعه ..ثم جاءت الواقعيه لترسخ مبدأ الجماعه والهم العام لسواد الطبقه المسحوقه ...ثم اتت الطبيعيه ربيبه الواقعيه لتكرس مبدأ حقيقه الشئي ونسخ الحياة على خشبه المسرح بلا ادنى  رتوش ، وهكذا استمر هذا الحال الى عصرنا الحديث والمعاصر حيث ظهر ( فرويد ) فمتزج علم النفس بنظرياته المعقده مع خطورة تحليل الشخصيه وسلوكها ،حيث جاء ( ستانسلافسكي ) بطريقته الاندماجيه واقامته الجدار الرابع ،وكذا جاء (برخت ) حيث ازال هذا الجدار الوهمي ليعلن تغريبه المسرح ،وهكذا باتت تترسخ فكرة الاحلال والحداثه ليكون المسرح عرضه للنفلات المبدع على الصعيد الفكري والشكلي وليعلن روح الحريه والثوره على اشكاله التقليديه وخروج الممثل من رق جدرانه المتحكمه الى ساحه الانعتاق في المسارح البسيطه العدد والاتجهيزات ومن ثم الى الشارع والجبل والسهل والكهف والمقهى والكنيسه والهواء الطلق  لينفتح عصر جديد من تحرير المكان المسرحي في تقليديته على اعتبار ان الخشبه  هي اعادة بناء وليست طبيعتها البنائيه التي تجعلها خشبه مسرح بل حقيقه كونها تمثل مكانا دراميا  . وليكون هدف تلك الاماكن الجديديه والممسرحه حديثا هو ازاله حدود الفضاءات والمساحات الوهميه المفترضه ولتكون وحدة امتزاج الخشبه مع الصاله هما هدف هذا المكان الممسرح وأبراز جمالياته على وفق عشوائيته وتكوينه الوظيفي او الفطري الاول ، ولكن ثمه اشكالات في تجربه   مسرحة المكان ..اهمها...هل يفترض ان هناك صلاحيه او تطابق بين النص المكتوب وتفاصيل وطبيعة ذلك المكان الممسرح ؟ .ثم مدى قدرة ذلك المكان الحر(الممسرح ) على استيعاب حركة الممثل مع الجمهور والعناصر المسرحيه الاخرى ؟ ثم ماهي نسبة الالفه بين ذلك المكان الممسرح والممثل والمتلقي في اجواء قد تبدو غير مريحه نوعا ما ؟ وما قدرة ذلك المكان الممسرح على التأثيرالدرامي على الممثل والمتلقي في ان واحد ؟ ومدى السيطره الميدانيه للممثل على المؤثرات الجانبيه من ضوضاء وصخب على تركيزه وانتباه ؟ واخيرا ما هي الجماليه من الممارسه في تلك الاماكن في الشكل والمضمون ؟ وبتالي هل يمكن للمكان المسرحي ( الحر) ان يمنح العرض المسرحي بعداً جمالياً ذا تاثير فكري وبصري ؟؟


وتعاريف لابد منها

1 - الجمال :-

        يعرف الجمال لغوياً بأنه " صفه تلحظ في لاشياء وتبعث في النفس سروراً ورضا ،وعلم الجمال باب من ابواب الفلسفه يبحثفي الجمال ومقايسه ونظرياته ،ويقال جمالك :اصبر وتجمل وجمالك الاتفعل هذا :لاتفعله والتزم الامر الاجمل "[1] . كما يعرف الجمال اصطلاحاً بأنه " نزعه مثاليه تبحث في الخلفيات التشكيليه للانتاج الادبي والفني ، وتختزل جميع عناصر العمل في جماليه "[2] وكذالك " تفيد الجماليه بمعناها الواسع محبة الجمال ،كما كما يوجد في الفنون بألدرجه الاولى وكل ما يستهوينا في العالم المحيط بنا "[3] كما يعرف " بأنه اللذه المتحققه موضوعياً "[4] .

2 - المكان :-

        يعرف المكان لغوياً بأنه " مكان ، يستقرفيه- ومن الشئ: قدر عليه او ظفر به "[5] . وجاء في كتاب التعريفات بأن " المكان المعين له اسم نسميه به بسب أمر داخل في مسماه ، كالدار فان تسميته لها بسبب الحائط والسقف وكلها داخله في مسماه "[6] . وفي موضع اخر فأنه " المشهور بين الناس جعل الارض مكاناً للحيوان والهواء المحيط  به حتى لو وضعت الدرقه على رأس فيه بمقدار درهم لم يجعلوا مكانها الا القدر الذي يمنعها من النزول كذا "[7] . اما المكان اصطلاحاً فأنه"المكان الاليف وذلك هو البيت الذي ولدنا فيه أي بيت الطفوله ،انه المكان الذي مارسنا فيه احلام اليقظه وتشكل فيه خيالنا،فألمكانيه في الاول هي الصوره الفنيه التي تذكرنا او تبعث فينا ذكريات بيت الطفوله ومكانة الادب العظيم تدور حول هذا المحور"[8] .

  

3 - المكان الحر ( الممسر ح ) :

         يعرف الحر بمعناه اللغوي بأنه "خلاف العبد ، ومنه التنزيل ( اني نذرت لك ما في بطني محررا "[9] . اما في معناه الاصطلاحي المسرحي فهو " تحرير مفهوم الخشبه من قيودها البنائيه"[10] . وكذلك فأن المكان الممسرح  ( الحر ) ليس فيه من " الضروري ان يكون فضاء الخشبه فضائاً ، لأن الصوت يستطيع ان يكون الخشبه والموسيقى تستطيع ان تكون الحدث الدرامي والمشهد ان يكون النص "[11] . وكذلك يمكن "ان يكون مسرحاً بشرط ان يوفر مكاناً كافياً لتحريك الممثلين ووجود الجمهور "[12] .واخيراً فأن المكان الحريعني " توليد اشارات مسرحيه بلا حدود ومعاني لا متناهيه ناتجه عن امكانية اعادة تشكيل لانهائيه لمساحة المسرح "[13] .

4- المكان المسرحي :-

      هو المكان المسرحي الذي " يتحدد بعلاقته الماديه والمعماريه بالمدينه من الاماكن المسرحيه ( المسرح الاغريقي ،مدرج المسرح الروماني ، اوبرا باريس )"[14]. وفي موضع اخرهوالمكان " المحافظ دائماًوبشكل صارم على حدوده الفاصله والنظم الانسانيه حددت هذه الحدود بأنشاء مبان مخصصه للمسرح بل وتحمل اسم المسرح ،ولكن المباني المؤقته التي التي يتم اقامتها في الساحات اوفي الملاعب ليست اقل انعزالاً وتحديداً بشكل تقديري ان لم بشكل مادي عن بقية العالم"[15] . وكذلك يعني " ان يكون المكان المنصي بالنسبه للفنان الممارس كما هوبالنسبه للجمهور من المعطيات المهمه التي ينبغي له ان يعرف كيف يتصرف حيالها"[16]

   
المحطه الاولى :- العرض المسرحي بين العلبه و مسرحة المكان .

        يدرك الجمهور الاغريقي عندما يتوجه الى مسرحه ويشاهد احدى عروضه فأنه سيرى ان ذلك المسرح بلا سقف وان السماءفوقه يعجز ان يتجاهلها وان الريح والدخان والمطر وضوء الشمس داخله اليه في اي لحظه لامحال ،ومثل هذا التواجد كان يسبقه ارث بدائي في المشاهده ،ففي بداية الامرلم يكن المسرح الاغريقي يعرف هذا البناء المهول من المسارح الكبيره بل كان يقدم عروضه الاولى في زمن ( ثسبيس ) عام (535ق.م ) على عربات حيث يذكر" هوراس شيئاً عن (عربه) ومنها يمكن الاستنتاج ان ثسبيس لابد وأنه كان يقف على عربه في وسط الكورس وانه كان يمثل لجمهوريحيط به من كل ناحيه "[17]، هذه البدايه الصعبه للمسرح الاغريقي قد بدأت في فضاء بعيد عن المساحات التقليديه للمسرح ،ومثل هذه العروض كانت تقدم في الاسواق والقرى ،ولكن بتطور الدراما الاغريقيه بعد ذلك وظهورالمسابقات الرسميه ظهر المسرح المفتوح الواسع حيث " اتخذ المسرح الاغريقي شكله المعروف بمدرجاته التي تستقرعلى الارض الصلبه في اسفل الجبل ، ولعل مسرح ( ديونيزيوس) بأثينا الذي قدمت عليه لاول مره مسرحيات ( اسخيلوس ،وسوفكلس،ويوربيدس،وارستوفانيس ) اشهر المسارح الكلاسيكيه"[18] ثم بعد اقيمت بعد ذلك المدرجات الكبيره على شكل نصف حدوه ليأخذ الشكل النهائي في تقديم العروض اللاحقه حيث اصبح الجمهور الاغريقي يرى العروض من مكان مرتفع خلاف المرحله السابقه حيث كان يجلس بمستوى واحد في مسرح دائري كبير، فقد" تطورفعل المشاهده بطريقه متأمله من فعل المشاهده التلقائي بطريقه تنطوي على المشاركه ومن تحديد فضاء مخصص للمشاهده كما يتجلى في نشاط المسارح المتقدمه التي تأخذ شكل حدوة الحصان"[19] . اما في العصر الروماني فقد اخذ الكثير من التصميم العمراني الاغريقي بالاضافه الى انشاء مسارح ذات خشبه عملاقه تميزت بخشبه مسرح طويله وضيقه تمثل شارع تحيط به عدة منازل ، حيث ان " بعض هذه المسارح المؤقته كانت من النوع الذي يستخدم في الاحتفالات الخاصه بالانتصارات العسكريه اكثر من استخدامه لاحتياجات العروض المسرحيه"[20]. ولكن بعد ذلك ظهرت الحاجه الى بناء مسارح من الحجر ،حيث باتت النزعه المتعاليه الرومانيه تتفاخر بهذا السمو ففي عام " 154 ق،م تم بناء مسرح روماني من الحجر ولكن مجلس الشيوخ الروماني الذي كان مشهورا بتزمته قد اصدر حكما بهدم هذا المبنى ، ثم بعد ذلك بمائه عام (55-52) بنى بومبي اول مسرح ثابت "[21] . اما في العصور الوسطى وبعد سقوط روما عام 476 ظهرت الدراما من جديد في القرن العاشر ظهرت عدة فرق من الممثلين المتجولين حيث كان هناك ثلاث انواع من المسارح التي كانت تعرض في الهواء الطلق وكانت متحركه لانها تمثل على عربات او على مصطبات مؤقته فألاول هو " مسرح المصطبه المؤقت للفرق التمثيليه الجواله والثاني المسارح المتصله المستخدمه في تقديم مسرحيات الاسرار والمعجزات والثالث مسارح العربات المستخدمه في تقديم مسرحيات الاسرار الانجليزيه والالمانيه "[22]. ولكن عندما عادت الكنيسه للاهتمام بالدراما الدينيه وتبنت هذه العروض وادخلتها بين اسوار الكاتدرائيه لتدخل المسرحيه الان من فضائها الرحب والمتحرك المتجول الى دهاليز الكنيسه وزخرفتها الجميله حيث " شغلت دراما الطقوس الدينيه التي ازدهرت داخل الكاتدرائيه مكانه ما بين الشعائر الدينيه والاطارالفني للمعمار والنحت والزجاج الملون "[23] وقد استفاد العاملون من زوايا الكاتدرائيه مثل سرداب الكنيسه والمقابر الملاصقه ، والغريب ان معظم الفرق كانت تطوف الشوارع قبل دخولها للعرض داخل الكنيسه وكأن المدينه باتت هي المكان المسرحي الخاص بهم ، وفي عصر النهضه باتت النزعه الارستقراطيه هي المهيمنه على مستوى البلاد ، لذا فان معظم هذه المسارح المزخرفه اصبحت داخل قصورالامراء والارستقراطيين ، ولكن هذه الاحتكاريه للعروض داخل القصورحثت مجموعه الشباب البحث عن عروض خارجها والتوجه نحو اسلوب راديكالي شعبي يحقق الذات لهذه المجموعه من الممثلين فقد " شجع مركب من الاماكن المسرحيه التقليديه المحدوده ورغبه مخرجين تجريبيين في تجريب اماكن غير تقليديه شجع ذلك على استخدام الميادين وساحات القرى "[24] . وبذلك تبنت تلك المجموعات الخروج الحر الى الاماكن العامه لاول مره في عصر النهضه من خلال ادراك واعي بالاسلوب التجريبي وعدم حصر العروض داخل الابنيه المشيده لهذا الغرض بالذات ، ورغم ذلك فقد تبنت في عصر النهضه مسارح ضخمه تعبر عن الزخرفه المعماريه في هذا العصر التنويري ، فقد كان هناك المسرح الاولمبي الذي بني على الطراز الكلاسيكي ثمرة الجهود المستمره لجماعة عصر النهضه ، والذي يهمنا هنا  هي الاماكن التي مسرحت واخذت تقدم العروض خارج نطاقها التقليدي او الوظيفي بحثا عن مصاهره طبيعيه بين النص واحداثه وبين بيئه التقديم حين تكون هناك ملائمه حقيقيه بين احداث النص والمكان الذي اصبح عنصرا دراميا وجزء من التركيبه

المعماريه للعرض المسرحي سواء كان ذلك العرض داخل غرفه الرياضه او النوم او السوق او الكنيسه اوالمعمل او السجن  او غابه او جبل او كان ذلك المكان الممسرح فيه سقف او بلا ،

فالغرض هنا هو الخروج من مسرح العلبه الايطاليه والتحول الراديكالي في مكان العرض المسرحي ، لقد تمرد التجريبيون اواخر القرن التاسع عشروبداية القرن العشرين على النمط المتكررللعروض التقليديه واماكن عرضها حيث ان " التيارات المسرحيه في القرن العشرين اظهرت رد فعل مضاد لهذا الاتجاه وشهد هذا القرن الابتعاد عن الفضاء المسرحي المعماري الجامد وانتشار مفهوم مواءمه الفضاءات التي تصنع المسرح والقدره على ان نتخذ اية مساحه فارغه ونعتبرها خشبه مسرح عاريه "[25]. وقد يكون الرومانسيون وفي مقدمتهم ( فيكتور هوجو ) من شجع على الخروج الى اماكن اكثرقدره على امتلاء الروح وامكانيات المشاهده ، حيث اصر(هوجو) كجزء من جداله ضد الوحده التقليديه للمكان على اهمية تحديد المكان في الدراما فأن " الموقع المحددهو واحد من اوائل عناصر الواقعيه ، فلا تستطيع الشخصيه المتحدثه او المؤديه وحدها ان تترك انطباعاً صادقاً في روح المشاهد عن الحقائق ويصبح المكان الذي تحدث فيه مثل هذه الكارثه شاهداً قوياًلاينفصم عنها "[26] .  ثم توالت هذه التحديات لتعلن عن ولادة المخرج ( ماكس راينهارت ) ففي بداية القرن العشرين قدم مسرحية (كل انسان) على مسرح في الميدان المقابل للكاتدرائيه الكبرى في سالزبرج مستفاداً من الشوارع المحيطه وببرج الكنيسه ، كما قدم مسرحيه ( حلم منتصف ليله  صيف ) في الثلاثينات من القرن العشرين في غابه حقيقيه ،وفي الستينات كان اكثر العروض نجاحاً ذلك الذي قدم في " الاكروبوليس في اثينا وفي برج دافيد في القدس وفي باريس وفي الاهرام في مصر وفي برسيوليس في ايران "[27]. وكذلك العرض الذي قدم في الستينات والسبعينات وهو بعنوان (ست فصول شعبيه) في مصنع مهجور في بلجيكا ، والذي عبر هذا العرض عن ديناميكيه ابداع هذا النوع من الدراما ، وكذلك قدم في الثمانينات مسرحيه (كما تشاء) ومسرحيه (شكسبير المخلص) في الغابه حيث علق عليها " لم تترك الصوره أي شيئا للخيال فقط ، لقد كانت ادق من تقليد للواقع بدقه تصل الى دقه التصوير الفوتغرافي بل كانت الواقع نفسه "[28]. من هذا نرى المحاولات الحثيثه للتمرد على الخشبه التقليديه واقامه العروض في اماكن قدتتطابق بنيتها مع احداث العرض ، وهذا يكون اكبر في المسرحيات التاريخيه حيث يطالب دعاة المسرح الواقعي اكثر ملائمه وانسجام بين احداث العرض والبيئه الجغرافيه الاجتماعيه لذلك العرض وكذلك وحدة الاندماج الموضوعي بين المؤدي والمتلقي ،والمدافعون عن هذا النوع في الخروج المكاني يقولون ان المهم هو اداء الممثل لا الزخرفه المكانيه وحجمه ودقه بناءه ، ان الخروج على الخشبه التقليديه في الوقت الراهن بات امرا معروفا لا سيما عند الفرق الجواله التي لا تملك الامكانات للعرض الثابت حيث" تعمل فرق كثيره كجماعات متجوله في مدى صغير او متوسط دون ان يكون لها مسرح خاص بها "[29]. ومنذ بدايه القرن العشرين لاسيما النصف الاخير منه جرت محاولات حثيثه لركوب موجة الانزواء عن التقليديه في العروض المسرحيه وباتت وكأنها قد صنعت مستقبلاً لستقبال احداث العرض المسرحي نحو الاهتمام بالشكل لا المواءمه بين جغرافيه المكان واحداث العرض ، وانطلقت تجريبيه المسرح وعشوائيه مكان العرض من " المسرح الدادي ، وهي حركه فنيه انتشرت في فرنسا وسويسرا حوالي ( 1916- 1920) وتؤكد على حرية الشكل بعيده عن القيود التقليديه ، وقد استمرت مع مسرح (ارتادو) المتسم بالقوه والمسرح الملحمي لبرشت "[30]. وقد اطلق على هذا المسرح اشكال مختلفه كألمسرح البيئي والفن الادائي ثم المسرح ذي الموضع المحدد، ولكن هذه الحريه في الشكل الفرضي لحرية المكان المسرحي وعدم اهميه التطابق بين النص واحداثه وبين البيئه المكانيه للعرض جاورها مهتمون ايضا برفض الخشبه ولكنهم جعلوا من مسرحة المكان عنصر الهام او مؤاءمه شديده بين جغرافية المكان الممسرح وبين احداث العرض من خلال "تشكيل الافكار التقليديه لمواقع الفضاء المسرحي بدقه شديده "[31]. وهكذا ينطلق المكان الحر او الممسرح بلا حدود ويعمل على بلورة الغاء المساحات الفضائيه وتصنيفها او الحدود الفاصله لتكون مساحه واحده لاتفرق بين الصاله والخشبه او مؤدي ومتلقي ولتمتزج كل عناصر المسرح في بودقه واحده معلنه كسرحدود الفضاءات وعلانها منطقه فضائيه واحده ليدخل المكان الممسرح الحر حاله من صيرورة الاندماج الذاتي مع عناصره ليكون سينغرافيه طبيعيه قائمه بذاتها .


المحطه الثانيه :- العرض المسرحي بين جمالية المكان الممسرح والمكان المسرحي

 ان جمالية المكان المسرحي او المكان الممسرح تعتمد في البدء على عنصر الخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل عندما يوهم المتلقي على ادراك انه عندما يشيرالى فراغ فلابد ان يقنعه

بوجود شيئا ما في حين ان خشبه المسرح هي عاريه ، وهذا يتطلب امتزاج وعي واحساس المتلقي مع الممثل وخياله المتربص تلقائيا في ان مايشاهده هو حقيقه ماثله امامه " فألمؤدي يعتمد على استعداد المتفرجين والمستمعين للتعاون معه في تحويل خشبة المسرح العاريه الى عشب اخضر عن طريق الخيال"[32]. هذه القناعه المتخيله تتحول تلقائياً الى مدرك حسي بواقعيه المكان  وكذلك حدوده الجغرافيه والزمانيه ففي " العرض المسرحي يفضي الوعي بوظيفه نقيضه المكمل فأدراكنا لخصوصيه المكان المسرحي يشحذ وعينا بالمكان الواقعي المناظر له"[33]. حيث تتفاعل صفة الترابط بمسلمات الثنائيه ( الوهم والحقيقه) فيحصل التحول في ذهنية المتلقي من مجرد تصور باللعبه الحاصله امامه الى وعي بأن ما يشاهده هو حقيقه مرادفه للحياة التي يعيشها ولحظه المشاهده الحاصله زمن العرض، لذا فالمكان المسرحي ( الذي وظيفته العرض المسرحي) او المكان الحر(الممسرح الذي ليس وظيفته الاصليه العرض المسرحي) يعتمد التجسيد الخيالي من خلال توظيفه بالاشاره فهو مكان فارغ اوعشوائي، او أي مساحه خاليه في نظر (بيتر بروك) ففي كتابه(المساحه الخاليه) حيث يذكر كيف " يستطيع فعل الاشاره والتعريف ان يحول أي مكان الى عرض مسرحي"[34]. ويذكر كذلك ان أي اشاره علاماتيه مثلاً، قطع الاكسسوار او أي قطعه من المهمات المسرحيه او حتى الممثل ذاته يشكل امتلاء افتراضي يعني تحول أي مكان عاري الى مكان اخر ممسرح يكون مهيئا للعرض المسرحي فأن" غرس عمود خشبي في الارض يستطيع ان يحول مساحه ما الى مكان للعرض المسرحي ، فالدائره التي يحدها العمود حوله ويشير اليها تصنع حدا فاصلا بين مساحه المؤدي ومساحه المتفرجين ويعتمد العرض المسرحي في مجموعه على هذا التقسيم المبدئ للمساحه الى ثنائيه مكانيه"[35]. رغم ان هذه الثنائيه في محورها تترسخ في المكان المسرحى ولس الممسرح الذي يعتمد في جغرافيته المنتظمه او العشوائيه او الطبيعيه على امتزاج تلك الثنائيه ( ممثل ومتلقي) الى واحده ليس الا، ان جماليه المكان أي مكان اصبح مكاناً للعرض يعني هنا الفته ومطاوعته وما سوف يضيف من قيم جماليه على العرض ، حيث يذكر الكاتب (جاستون باشلا) ان جمالية المكان هو تصور الى البيت القديم ، بيت الطفوله ، هومكان الالفه ومركز تكيف الخيال ، وعندما نبتعد عنه نظل دائما نستعيد ذكراه حيث يقول "حين نحلم بالبيت الذي ولدنا فيه ، وبينما نحن في اعماق الاسترخاء العضوي ، ننخرط في ذلك الدف الاصلي، في تلك الماده لفردوسنا المادي ، هذا هو المناخ الذييعيش الانسان المحمي في داخله"[36]. أي ان هذه الاستعاده للبيت القديم والطفوله تعني الفطره وارتباطها بالمكان، لايخرج عن كونه مكان بكر جرى مسرحته وليس له علاقه بوظيفه العرض المسرحي اصلا فالمكان الممسرح يعني مجازا مكان لم يولوث كما هي الحياة ، ان جمالية المكان تنبع من سكونيته قبل واثناء مسرحته ، من الصمت المنبعث من اعماقه عندما تتحول الى علامات فأن "المكان احالني دوماً الى الصمت"[37]. ولكن ما الذي فجر هذه الرغبه في امتلاك المكان البكراو العشوائي او الطبيعي وسرحته للعرض؟ هل هي الدعوه لحظور الطبيعه ؟ ام الرغبه في الثوره والتمرد على السائد والتقليدي ؟ ام الاثنين معاً ، وفي رأي الباحث ان كلا الاتجاهين قابلين للتصديق والمناقشه فأن " الصيغه الجماليه للمناقشه في التواصل التأملي مع الطبيعه بالنسبه لهذا الانسان المعاصر ليس ثمة ما هو اكثر اعتياديه من ترتيب الاحكام العقليه وتنسيقها بطريقه القياس المنطقي"[38]. ولكن المكان قد يعطي تناقضاً جمالياً في نسبته لنا او نسبتنا له او في ألفته او قسوته ، وبالتالي على الصعيد الدرامي قد يضطر المؤلف المسرحي الى الملائمه او التناقض بين المكان والشخصيه حيث " يستطيع الكاتب ان يصور للقارئ خواص الشخصيه اما عن طريق التشابه او التناقض ، وعند استعمال الطريقه الاولى يكون المكان الذي يختاره الكاتب للاحداث متمشيا مع خواص الشخصيه ، اما عند استعمال الطريقه الثانيه فيجب ان يكون المكان متناقضا بشكل حاد مع خواص الشخصيه "[39]. وهناك العلاقه بين المكان الممسرح في أي مكان خارج المسرح التقليدي او ما يسمى مسرح العلبه الايطالي وبين احداث العرض (ملائمةً او تناقضاً) ،فأذا كان المكان غير متسق مع احداث العرض انتهى دور المسرح كؤظيفه علاماتيه ذات رساله حيث ان " التعارض بين العرض والموقع عاده ما يؤدي الى تحييد تأثير العرض ويفسر لنا هذا عدم قابلية الكنائس للتحول الى مسارح ، ذلك ان الرساله التي يبثها الموقع تظل دائما كنيسه"[40] . اما اذا كان العرض واحداثه وحبكته وثيمته وشخوصه موتوالفه مع المكان الممسرح تزداد قوة العرض وتأثيره ، فعلى سبيل المثال اذا كان من الاصلح تقديم عمل تدور احداثه كلها في الكنيسه فانه سوف " يطرح مشكله جديده تتمثل في الرساله العلاميه التي يبثهاهذا الموقع العارض والتي تحمل دلاله الوظيفه الاولى والدائمه للمكان وهي الصلاه ، فأذا كان العرض المقدم في الكنيسه متفقا في موضوعه ومتسقاً في اسلوبه مع نظام العقائد الذي يكرسه المكان ازدادت قوة تأثيرالعرض ، كما حدث عندما قدمت مسرحيه (ت،س،اليوت ) جريمه في الكتدرائيه في كتدرائية كانتربري"[41]. ولكي نضع اسس حقيقيه لاختيار المكان وتقسيمه او وضعه في خانة انتماء النص ومن ثم العرض اليه اوعكس ذلك لابد من تحديد تلك المواقع على اساس مدى درجة التطابق بين ما يعرض على ذلك المكان ومدى اكتسابه الجماليه الحسيه والماديه لطبيعة مستوى الاقناع الذي سوف يحظى به ام عدم القبول ، اولا سوف نستبعد المواقع الدائمه التي تمثل الحيز الطبيعي للمكان المسرحي ، حيث ان هذه المواقع الدائمه قد خصصت اصلا للعرض المسرحي ووضعت الكراسي في الصاله واصبحت في مقام الرؤيه الواضحه لمكان العرض ، وثبتت على الخشبه الستائر والسايكات والهيرسات واجهزة الاناره والصوت وكل ما يتعلق بتقنيات العرض المسرحي ، ولكن الذي يهمنا هي العروض المسرحيه ومواقعها او اماكنها الحره أي خارج بيئتها الحقيقيه ، حيث يوجد مكانان حران هما " المواقع العارضه ، وهي مواقع تقدم فيها العروض المسرحيه بصوره متكرره لكنها غير منتظمه ، وعاده ما تكون ابنيه عامه مثل الكنائس او قصور الامراء والملوك وغيرها ، اما المواقع المحايده فهي تتمتع بميزه هامه هي غموض هويتها التي تفسح المجال للخيال والتصور وتعدد الدلالات فكأنها تحمل طاقه كامنه تنتظر التحقيق الجمالي "[42]. ورغم ان الباحث يميل الى عنصر المواءمه بين المكان الحر او الممسرح وطبيعة العرض واحداثه الى تكامليه فنيه في جملة تناسق مشترك بين المؤدي والمتلقي قائمه على القناعه بواقعية العرض ،ولكن المكان الحر الاخر الذي هو الموقع المحايد فهويمتلك القدره التي تنتظر الفعل المسرحي دون الاخذ التطابقي بينه وبين احداث العرض فكلما " ازداد المكان حياداً في ملامحه ازداده غموضاً وايحاء لهذه الطاقه التي تعني لها المرونه الدلاليه وقدره المكان على التحول المجازي بسهوله ويسرالى مكان مختلف او امكنه متعدده ، ومن هذه الخاصيه او الطاقه المجازيه التي تميز المواقع المحايده يتولد الصراع الابدي بين رغبة المؤدين المشروعه في الحصول على مكان عام دائم يخصص لعروضهم بصوره رسميه علنيه وبين النموذج الجمالي المثالي لمكان العرض المسرحي كفضاء محايد لاتحده ملامح مميزه ولاتثقله سمات ثابته "[43] . هذا الانفلات الجغرافي والعلاماتي في الاماكن الحره جعلها اكثر تحدياً واكبر قدره على اعطاء التنوع الجمالي بسبب غربة المكان وخصوصيته على طبيعة العرض وشكله ، ولكن هناك امراً لابد ان نأخذه بنظر الاعتبار الا هو وضع المتلقي في الاماكن الحره وكيف تعطيه احساس مغاير لما يحسه لو كان جالسا في موقع او مكان دائم للعرض المسرحي وشعوره بانه هوموضع العرض والفرجه مما يعني زجه داخل بنية العرض في ذلك الموقع والاعتقاد بانه هو الممثل حيث تسلط عليه الاضواء شانه شأن الممثل الحقيقي لانه داخل رقعة الحركه والتمثيل، وبذلك تتحجم غربة المكان وغموصه وتزداد جماليته الفطريه وسوف يزول الاحساس بصعوبة الجلوس او الرؤيه لعشواية هذا المكان فيزداد الاصرار على الخضوع لتجربه مغايره بها نوع من الصعوبه والمتعه واحساس الجمهور بانه جزء من هذه العمليه ومشاركاً فيها ذلك الاحساس يجعلنا نحس بأننا " جزء من مناسبه اجتماعيه ما او من واقعة ما تحدث الان امامنا "[44]. وقد يكون المخرج ( ايوجينيوباربا ) من الذين انتفظو على الخشبه التقليديه واخذ يقوم بتمارينه المسرحيه في الهواء الطلق ، واكد على عروض الشارع وجعل المتلقي جزء من العرض كما حدث سابقا فمن " اهم ماجعل باربا يطوير مسرح الشارع هو تفكيره في المشاهدين ، فعلى عكس المسرح التقليدي الذي يحتوي على جمهور مسحور من المشاهدين الذين يجلسون حسب التصميم السائد في حيز العرض ، فأن الممثلين يجب عليهم في مسرح الشارع ان يجذبوا المشاهدين وان يكونوا حيز العرض "[45]. وعليه فان المكان الحر هو مكان اصبح ( بعد مسرحته) مكان مادي مشغول من خلال وجود الممثلين وعلاماتهم  وعلاقاتهم بالجمهور ، وهو كذلك اكتسب صفه الفضاء المسرحي الواحد القائم على وحدة الصاله والخشبه ، لاكما يحدث في المسرح التقليدي القائم على الفصل بين مكان العرض ومكان المشاهده ، وبما ان المكان الحر او الممسرح مكان طارئ فأنه سوف تنتفي فيه صفة المسرحه حال انصراف الجمهور عنه بعد العرض ، فألشارع "على سبيل المثال اذا تحول الى فضاء منصي فتره فانه يعود الى وظيفته الحيا[46]تيه لمجرد انصراف الممثلين"3. فالمكان الحر يكسب جماليته من كونه فضاء فطري او عشوائي او طبيعي تتحرك فيه العلامات وتتطور على وفق عشوائيتها الجغرافيه ، اي انه كتله واحده او فضاء واحد عكس المسرح التقليدي الذي يشمل فضائيين (للمؤدي + المتلقي)، ان الفضاء النفسي هو الذي يحدد الفضائين وهو نفسه الذي يحدد الفضاء الواحد في المكان الممسرح وذلك لغياب القواعد المسبقه في عملية الانشاء والتكوين وحظور الفطره المكانيه في وجود حيز ياخذ شكلاً ما  في المكان المنصي (مكان التمثيل) ممتزجاً مع مكان الجمهور، ومن ثم    يستطيع الفضاء النفسي ان يحدد او يوحد او يلغي الفضاءات ،وعلى هذا الاساس هناك فرق كبير بين المكان المسرحي والمكان الممسرح او الحر ،  فالمكان المسرحي " يتحدد بعلاقته الماديه والمعماريه بالمدينه ،من الاماكن المسرحيه ( المسرح الاغريقي - مدرج المسرح الروماني- اوبرا باريس )"[47] . أي ان المكان المسرحي مكان ثابت ووظيفته الاولى والاخيره هي العروض المسرحيه وتنتمي اليه فسحه مستقله للتمثيل (خشبة المسرح) ووجود المقاعد (الصاله) وغير ذلك الانتماء النفسي والحسي للمثل والمتلقي لذلك المكان ففي " معظم الحالات يكون المكان المنصي بالنسبه للفنان الممارس كما هوبالنسبه للجمهور من المعطيات المهمه (قاعده سوسولوجيه) التي ينبغي له ان يعرف كيف يتصرف حيالها ، ان المكان المسرحي هو جزء من هذه السوابق التي على اساسها يشكل النص الجنيني او النص المبدئى الذي يصفه الكاتب وكذلك عمل الفنان الممارس او المخرج"[48]. اما المكان الحر او الممسرح فهو يشترط كي يحقق هذه المسرحه هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه او قريبا منه معتمدا على نمط عشوايته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري ، وهو مكان مُسرح في غير وظيفته الاصليه ، فقد يكون كنيسه او محطة قطار اوحمام او مكتبه او غابه او سهل ، وسوف يرجع الى وظيفته الاولى حال انتهاء العرض ومغادرة الممثلين والجمهورذلك المكان ، وعليه فان فضاء المكان الممسرح هو فضاء محدد وهذا ما يؤدي الى ان تتحد باقي الفضاءات او تمتزج مع بعضها ، وحتى سينوغرافية هذا المكان سوف تشمل المكان المنصي والجمهور لانه جزء من حركية الفعغل الدرامي والمكاني اوالجغرافي للعرض ، في حين ان تصميم سينوغرافية المكان المسرحي تركز على المكان المنصي دون اهمال مكان المتفرجين او ارتباطها مع عمل عناصر العرض المسانده ، وفي رأي الباحث ان مفهوم الفضاء الوهمي القائم على رؤية ابعد من حدود الفضاء المنصي يعمل في المكان المسرحي المنفلت الحدود الافتراضيه والمصرح به للخيال ان يعمل فيه ما يشاء ولكنه لا يستطيع ان يعمل مباغته خياليه في المكان الحر او البيئي او الممسرح لان حدوده الجغرافيه محدوده وواضحة المعالم ولاتسمح التحديدات الارضيه واجانبيه ان تعمل فعل الفضاء الوهمي وتشظيه على اعتبار ان الفضاء المنصي هو الذي يوحي للفضاء الوهمي على الاشتغال ومشاكسة خيال الممثل والمتلقي على حد سواء نحوابعاد اكثر من حدود الرؤيه الانيه ولحظتها المميزه للانطلاق تحت وطئة الفضاء النفسي الدفين ، حيث انه ومن المعروف " ان الصعوبه التي تصاحب قراءة الفضاء المنصي في مجال الفضاء النفساني تاتي من الطبيعه الفرديه للوهم او الخيال الذي يشكل الفضاء النفساني عند كل فرد "[49]. ومادام الفضاء المسرحي في المكان المسرحي التقليدي فضاء ذو ثلاث ابعاد ومن بينها عمق المكان المنصي ، فأن هذا العمق غير محدد وغير ثابت في المكان الحر او الممسرح وبتالي فهو خاضع لابعاد متفاوته تبعاً لشكله الهندسي او عشوايته الطبيعيه ، لذا فأن فحوى الفضاء المسرحي سوف يخضع جدلياً للتكوين الجغرافي لابعاد ذللك المكان الممسرح ، ومادامت الحدود الجغرافيه وأبعادها غير موجوده في حدودها المختاره لما هي عليه بألفعل وليس كما هو محدد بالدقه في المسرح التقليدي فأن الحدود كلها باتت متداخله بأبعاد فطريه تخضع لارادة حركة الممثل وترتيب مهماته المسرحيه لذا فأن " المفتوح والمعلق والمرتفع والمنخفض والداخل والخارج ، كل ذلك يعمل معاً وفي جو من التناقض "[50]. لذا فأن المكان الممسرح قد يعطي المتلقي الوعي بألمشاهده او الاحساس انه يشاهد عرضاً طيلة الوقت او لعباً دون الاحساس بألفضاء التخيلي او الوهمي بسبب انه جالس في مكان غير المسرح الحقيقي وانه غير خاضع للوهم في حدود الفضاء داخل الفضاء التي تصنعه الاضاءه ، والذي ينشأ من خلال اظلام حدود مكان الجمهور واضاءة المكان المنصي للمؤدي , بينما هذا الاحساس غير غير موجود في المكان الحر لسببين ، الاول هو- ربما يكون العرض في الاماكن الممسرحه ( الحره) نهاراً في الهواء الطلق وبذلك تنتفي الفضاءات الوهميه والنفسيه والتخيليه وحتى لو كانت هناك اضاءه فان الفضاءين ( فضاء الجمهوروفضاء المنصه) اصبحا وحده مندمجه لعدم ترسيم ارضي للفصل بينهما ، حيث " يعني استخدام الاضاءه اننا يمكن ان نخلق فضاءاً داخل فضاء ، ان دخول الاضاءه ادى الى وضع تقليد اظلام صالة المتفرجين وحددت الوعي المكاني للمتفرج بمساحه خشبة المسرح ، وهو وعي مختلف اختلافاً حاداً عن وعيه في المسارح النهاريه المقامه في الهواء الطلق "[51]. وقد يقودنا سؤال عن علاقة المكان الممسرح وطاقة الممثل على اعتبار ان العشوائيه الجغرافيه تبقى على حالها في شكل ومحتوى المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طردياً ونلك العشوائيه وبذلك فأن طاقة الممثل في المكان الممسرح اذا كان محدود الابعاد ربما وعلى الارجح لاتصل الى مستوى تلك المبذوله -في المكان المسرحي ذو الابعاد المرسومه بمساحات ذات اعماق وابعاد ربما تصل الى حدود واسعه لاسيما في المسارح الكبيره لذا " فأن مجابهة قوة الجاذبيه او المقاومه السلبيه تعني استثمار كميه اكبر من الطاقه ،ومن ناحية اخرى اذا كان جزءاً فقط من الطاقه المستثمره بهدف اداء فعل ما تتحررعلى هيئة حركه فينتج عنها تبديد مادي بالنسبه لاقتصاد الحركه ذاتها "[52]. ولكن فائض الطاقه قد يكون اكبر اذا كان المكان الممسرح ذو جغرافيه صعبة التضاريس كوجود العرض في جبل او مرتفع او غابه مما يتطلب من الممثل التسلق او الحفر او الجري بعكس الاماكن الممسرحه ذاتها في الغرف داخل المستشفى او السجن او الممرات او محطة القطار ، ان تلك الطاقه المتوفره عند الممثل في اداءه داخل المكان الممسرح وعشوايته الجغرافيه قد يعطيه الانفلات في الارتجال لغياب عنصر الضبط النفسي بسبب غياب التقنيات المعروفه مثل فتحه المسرح والعمق والستاره والكواليس او الجلوس العشوائي للمتفرجين والمتداخل مع الممثل قد يدفع الممثل الى نوع من التمرد او المشاكسه على الارتجال والذي يعني " فن الخلق في نفس لحظة التنفيذ "[53]. وهذا قد يحصل في ظل ظرف هو نفسه ارتجالي او غير مألوف في المعايير القيسيه المتداوله للعرض المسرحي التقليدي ، وهذا امر غير مرغوب فيه حتى لو كان العرض ليست فيه الموازين الحقيقيه المفترضه في العرض التقليدي ، ان تجربة المكان الحر او الممسرح نابع من هواجس صانعيه القائمه على امكانية توليد علامات متدفقه يعجز المكان المسرحي عن الافصاح عنها ، فألمكان الممسرح غايته " توليد اشارات مسرحيه بلا حدود ومعاني متناهيه ناتجه عن امكانية اعادة تشكيل لا نهائيه لمساحة المسرح "[54]. ان النمطيه غير الثابته لجغرافية او عمران او طبيعة المكان الممسرح يخلق تلقائياً جواً من التحفيز العلاماتي بصيغته الايقونيه او الاشاريه او الرمزيه والقدره على التحول من علامه الى اخرى والتشظي الحاصل في نفس العلامه ، وبذلك يصبح هذا المكان الجغرافي منتجاً فعالاً للعلامات وكذلك لضخ الشفرات المكانيه التي لاتتكررفي مكان اخر او لاتظهر بشكلها الطبيعي في المكان المسرحي الا بتصنيعها او تشكيلها عن عمد ، ان الخصوصيه المفتوحه وغير المنتظمه احياناً للمكان الممسرح تعطيه فرصه او قاعده للامتلاء ، أي ان طبيعته حسب شكلها سوف تفرض عشوائيه ليس في التنظيم فحسب وانما الوجوب المحتم على امتلاء مساحته وتقاطع خطوطه واشغالها بالحركه او المهمات وذلك لتلاشي الخطوط والفضاءات والتداخل الذي يحصل بينهما فأن " امتلاء المساحه والطرق المتعدده التي تنتقل عن طريقها المساحه وتنقل لفضاً وتضج بالحية ، هي اساساً تصميم المسرح البيئي،ان هذه المساحه الحيه تتضمن كل المساحه في المسرح وليس ما ندعوه خشبه المسرح فقط "[55]. ومن هنا وهذه الحيويه للمكان الحر الممسرح فأنه يدعو لوحدة بيئيه والهجوم على التنظيمات المساحيه للمسرح ونرفزة التقسيم الافتراضي للمكان ، حيث يرفع هذا المسرح شعار وجوب وجود مؤدين ومشاهدين قائم على استخدام كل المساحه المتاحه جغرافياً في موقع المكان لاتقسيمه الى وحدات حيث " لاتوجد خشبة مسرح بلا حياة ولاتوجد نهايه او حدود لخشبه المسرح "[56]. وهنا تكمن جمالية المكان الحر الممسرح والتي تنبعث من خلال عشوائيته او فوضويته كما هي وبدون تحوير او تزويق وبكل تضاريسه وخطوطه او تعرجاته او تعداد زواياه او التواء جدرانه او تخسفات ارضه او بسقفه او بدونه ، حيث تعطي تلك التكوينات الجغرافيه تنوعاً قد يقتصر على عرض واحد او اثنين ثم البحث عن تنوع في مكان غير مألوف اخر ، ومن هنا اطلق على هذا المكان الممسرح تسميات اخرى مثل المسرح المفتوح او المسرح الحي او المسرح البيئي او المسرح الحر وهي تسميات انطلقت من " رؤية انتونين ارتاود عن مسرح القسوه والذي يلغي دور خشبة المسرح وقاعته ويستبدلها بموقع واحد فقط ، وبذلك يصبح المشاهدون في وسط الاحداث "[57]. ان قيمة وجمالية المكان الحر الممسرح ينبع من ما يحيط به من مادة خام لم يتدخل الانسان في تكوينها او تصميمها لغرض العرض المسرحي كوظيفه اولى لها بل هي موقع بكر لاعلاقه للانسان بها مثل ( غابه - جبل - سهل -كهف ) او صممها لاغراض او وظيفة غير المسرح او العرض المسرحي مثل ( كنيسه- معبد- سجن- مستشفى- شارع) هذا التنوع الجمالي حث على اغناء ذهنية المخرج والممثل وكل التقنين في المسرح على تحدي جغرافيه طارئه عليهم حيث ينتقل هذا التحدي الى مواءمه ورتباط حسي وعاطقي مبعثه تكوينات جديده وغير مكرره او مألوفه في زخرفة هذه الماده الطريه الخام، فألمسرح الحر" كل مايحيط به ماده خام وان يختار القيم الجماليه والقيم المسرحيه التي يجعلها تدور مثل الدوامه امام عينيه لكي يقوم بتفسيرها بلغة المسرح "[58]. وينطلق( بيتر بروك) في اعطاء مساحه العرض المسرحي شكلاً نسبياً يخضع له حجم ما يملاْ من ادوات ، لذا فهو لايهتم  بالمساحه من الناحيه النظريه بل المساحه كونها  اصبحت  اداة ، ويركز ايضاً على  جمالية العلاقه في المسرح الحرالممسرح في مفهوم العلاقه بين الممثل والطبيعه ، رغم  انه يعتبر الاداء في  خارج    حيزه التقليدي يواجه بميزات واخرى عقبات ، فهو يقول : " حين تترك المساحات التقليديه وننطلق نحو الشارع او الريف او الصحراء او نحو حظيره او أي مكان في الهواء الطلق فان هذه يمكن ان تكون ميزه وعقبه في ذات الوقت ، الميزه تتمثل في علاقه ستقوم على الفور بين الممثلين والعالم ، وهذا يعطي انفاساً حيه جديده ودعوه الجمهور الى تحطيم عاداته الشرطيه "[59]. ولكن مع ذلك فان بيتر بروك يعطي بعض العقبات خلال العرض خارج حيزه التقليدي منها (التركيز) وهوايضا خاضع لذات المكان وقربه من مصادر الازعاج ( سيارات - شوارع - معامل ) ، وكذلك ربما تكون القدره على الرؤيه رديئه فيكون من الصعب التركيز الا اذا توحدت الرؤيه في ظل ظروف ذاتيه موضوعيه بين المساحه والاداء ، فسيكون من المنطقي رؤية تركيز عالي القدره على الانتباه ، ومن هذا فأن طبيعة الاداء في هذه الاماكن يكون ذا خلق وارتباط مبدع بالمكان ذاته ، ومن هنا فان ما يطلق على لفظة التقسيم في المسرح الحر هو غير مطروح نظريا وعمليا لوجود هذا التداخل في كل عناصر العرض التي فرضتها طبيعة المكان وجماليته فهو" المكان الموحد وطريقه للعرض ، حيث يتداخل ويتحد كل من خشبة المسرح وصالة العرض واستخدام الردهه من اجل اهداف دراميه قد يكون خطوه نحو خلق الحيز الحولي التام في المسرح البيئي وبالتالي يصبح اقل تحديدا لان هناك نوعا من المشاركه المكانيه "[60]. والمقصود بالحيز الحولي ، الشموليه في اندماج المساحات التي يخلقها العرض بطبيعته الجغرافيه الفطريه او المشيده لاغراض غير العرض المسرحي المنوعه حيث ينشأ نظام مبني على حولية الحركه واتحاد الحيز المكاني العام ساحه للاداء والمشاهده ، فأن " الاهتمام بالحيز (الفراغ ) والمكان كان اساساً للعديد من افضل القراءات للمسرحيه خاصه كتابات ( إيرفينج واردل ) الذي قال صراحةً : ان المسرحيه يجب فهمها بمفاهيم مكانيه والا لن نفهمها "[61]. فالمكان الحر الممسرح يشكل العرض ويشكل طبيعة الاداء على الصوت والحركه والزوايا والفراغات التي تجبر الممثل على التحرك خلالها بفعل تكوينها الاصلي المتطابق مع وظيفتها الاصليه الاولى ، وبالتالي تفرض شكل جمالي فطري بعيد عن الصنعه وخاضعه لمنطق الجمال الطبيعي ، والذي يتشكل بالضروره من الوحده التكامليه للعرض بعناصره الطبيعيه والصناعيه التي اضيفت لاحقا عليه ، وعليه فأن المكان الحر الممسرح هو ذلك المكان الذي يشير الى ان الوظيفه الصوريه للخشبه لاتعتمد البناء المعماري بل قيمة ما يقدم من شكل ومضمون ذلك العرض وقيمة اداء الممثل لتحقيق ذلك المعنى سواء كان ذلك داخل بناء معماري أي كان ، او في الهواء الطلق او أي مكان اخر وظيفته السابقه غير العرض المسرحي .


مؤشرالمحطتين

•1-    جمالية المكان هو تصور لمفهوم العوده الى البيت القديم ، بيت الطفوله ، هو مكان الالفه ومركز تكيف الخيال.

•2-  جمالية المكان تنبع من عشوايته و سكونيته الملهمه قبل واثناء مسرحته ، من الصمت المنبث من اعماقه قبل ان يتحول الى علامات ودلالات متشظيه .

•3-    تقدم العروض خارج نطاقها الثابت (التقليدي) بحثاً عن مصاهره بين النص وبيئة التقديم الملاءمه .

•4-  مسرحة المكان يعني الخروج الى اماكن اكثر قدره على امتلاء الروح وامكانات المشاهده كجزء من رفض الوحده التقليديه للعرض المسرحي.

•5-  المكان الحر الممسرح يعمل على بلورة الغاء المساحات وحدودها الفاصله لتكون بالتالي مساحه واحده للمتلقي والمؤدي .

•6-  المكان الحر الممسرح هو كسر خطوط الفضاءات واعلانها منطقه واحده لتكون في صيروره الاندماج الذاتي مع عناصر العرض الطبيعيه المكتسبه لتتصبح بعيده عن الصنعه الزخرفيه المتكرره .

•7-  المكان الحر يعتمد على توظيفه بالاشاره بعتباره مكاناً فارغاً او مساحه خاليه في نظر(بيتربروك) ، حيث تستطيع تلك الاشاره ان تحول أي مكان الى اخر للعرض .

•8-  يكتسب المكان الحر جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت ، تتحرك فيه العلامات بسهوله وتتطور الاشياء فيه منغرابة جغرافيته .

•9-  هناك فرق بين المكان المسرحي والمكان الممسرح ، الاول مكان ثابت مكرر للعرض له شروط ، وحدوده الفاصله بين المساحات والفضاءات ، اما الثاني فهو مكان للعرض المؤقت تنتفي فيه الخطوط والفضاءات ويرجع الى وظيفته السابقه حال انتهاء العرض .



Oالحصناوي في مسرحيه حوته يا منحوته

التطبيق التحليلي للمحطتين

         مسرحية : عزلة في الكرستال

         اشعار    : خزعل الماجدي

اخراج   : صلاح القصب

مكان العرض :  ممرات في كلية الفنون الجميله

تاريخ العرض : 1990.

         يبدو ان توجه المخرج ( صلاح القصب ) في اخراجه للقصيده الشعريه (عزله في الكرستال ) قد اقترب كثيرا من المنطق العبثي في توجهاته الفلسفيه وفي علاماته ودلالاته التاويليه والتي غالبا ما توحي او ترمز الى مفهوم اساسي في نظر العبثيين الا هو غربة وضياع وتهميش الانسان  في عالم ملئ بألخداع والزيف الذي يغلفه بريق الكرستال وجمال زخرفته والوانه الخادعه وفي زمن الانحطاط الاخلاقي والعبث والموت والحروب ، صار فيه الانسان غارقا في العتمه يحاول النجاة دون طائل ، مستعيننا بالهروب الى عمق البحر حيث الطهاره والالفه والولاده الجديده ، وازاء هذه السوداويه جاء العرض متطابقاً مع روح وفلسفة المكان الحر الممسرح وختياره المعبر عن ضيق فسحة الامل واليأس من محاولات الاخلاص بلا طائل ، فالمكان كان عباره عن فسحه بين بنايتين عاليتين متقابلتين هما قسم التصميم والاخر قسم الفنون السمعيه ويجاورهما بناءاً ثالث يحتوي على سلم ضخم هو مسرح الكليه وبناية التسجيل ، ان هذه الفسحه او المساحه او الفراغ في هذا المكان الممسرح جاءت للتدليل على الهاويه السحيقه التي يعيشها الانسان من خلال ضيق المكان الحركي للاداء ومن ارتفاع البنايات والرؤيه التقزميه للفراغ الارضي الذي هو مكان الحدث والتمثيل والتلقي ، مدركاً ان هذه العموديه في العرض جعلت من الممثلين والجمهور كما انهم داخل قبور محشورين فيها وسط ثلاث ابنيه عاليه ومساحه ضيقه بالكاد يتحركون فيها ، لايتنفسون الا من خلال الشبابيك المفتوحه لتلك الابنته المطله على باحه العرض ، لتعززمساحة الهوه والفوضى وتناقضات الحياة وسخرية الناس الساكنين خلف تلك الشبابيك ومشاهدة مأساة مايحصل تحتهم في تلك الحفره السحيقه الضيقه ، لقد تعمد مخرج العرض ان يملاٌ ارضيه الفراغ او المساحه المحصوره بين البنايتين بالرمل الاحمر ليعطي دلالات الجفاف ولون الصحراء وخلوها من الحياة ، كما هي تلك الهاويه المحصوره بين عمودية البنايات معززا غربة المكان الممسرح وغموضه وانسحاقه باضافه المهمات المسرحيه في ابراز جوانب التناقض في هذه الحياه من خلال تنافر اشكال هذه القطع الاكسسواريه وغرابتها بل وفي تناقض مهماتها ووظائفها وغربتها عن المكان او الحدث ، مثل (التابوت- الجذع - الاله الكاتبه - التراب-المطرقه - النار) ، ليعزز فكرة التناقضات في الحياة ووحشة الانسان المستلب وصراعه مع قوى تستخدم  تلك  الانظمه  او المهمات بغيرما  تعطيه  من فائده له، لقد استخدم المخرج (صلاح القصب) مواقد النار ولهيبها المتأرجح ليعطي دلاله على عدم الثبات في اشاره الى ضياع القيم وانسلاخها عن اخلاقيات المجتمع ، هذه الديناميكيه وظفها المخرج في حصر او تأطيرفضاء العرض في دائره امتزج فيها فضاء المنصي (فضاء التمثيل) مع فضاء الجمهور في كتله واحده ، جاعلاً منها ساحه مباحه لمهرج متهور يرمي بألعبات السود على تلك المساحه الضيقه (ساحة المؤدين والتلقي ) ليؤكد قوة الشر المسيطره على الارض وعدم قدرة الانسان المشلول في ذلك الجحر على الحراك او الوصول الى مصدر الشر او النيل منه او القضاء على مراميه الشريره، بل اعطى دلاله على حجم الهوه في ذلك المكان الممسرح من خلال التناقض في حجم الكتل في الشكل البنائي من خلال ارتفاع البنايات وصغر مساحة حركة الممثل والتلقي التي تشبه القبر المحصور بين الكتل الاسمنتيه او افران الحرق ، وليس من متنفس الا من شبابيك ضيقه عباره عن فتحات ينظر منها بشر ساكنون جامدون لاحول لهم ولاقوه غير قادرين على التعبير او ابداء الرأي او من قدرة تغييرما يجري تحت ، او وقف ما يحصل في ذلك القاع ، او تلك الابواب الداخله للبنايات حيث تفتح من خلال اشباح غير مرئيين فتنطلق منها دراجه بخاريه قاطعةً فضاء المسرح الشاحب مدويةً بضجيج عالي صوب الفراغ المجهول في اشاره الى صخب الحياه او ربما تمثل هذه السرعه وجودنا في هذه الحياة والسرعه في الغروب عنها ، تنطلق هذه الدراجه في العتمه الامن ضوء المواقد المترجح جاعلا من الفضاء داخل الفضاء تعبيرا عن ومضات الامل التي ربما لاتخلو منها الحياة ولتجعل من الخيال والتأويل مسيطراً على مجريات الفعل الدرامي ، ان المكان الحر الممسرح في هذا العرض يعطي جمله من التأويلات في صخب مايحصل في تلك السوداويه المتمثله في شكل الفراغ المحصور وضيقه بين البنايات المعلقه في السماء او حبال شنق يلامس الموت مكرساً غربة المكان في شكله الحاد وتكويناته المسننه بين الارتفاع والانخفاض وقعروية الارض واغتراب ذلك المكان وشكله المرئي والمتخيل، وفي بؤرة التزاوج بين الفضاءات كان الجمهور حراً في مشاهدته للعرض من أي زاويه يختار سواء كان جالساً ام واقفاً او في الفراغ بين البنايتين او من خلال السلم الذي يلتصق او الخارج من بناية مسرح الكليه ، وبذلك جعل المخرج من فوضوية حركة او تحريك المهمات المسرحيه او توزيعها او حرية التلقي ديناميكيه مضافه للمكان الحر الممسرح سواء للمؤدين او المتلقي وحركته اثناء المشاهده او ختياره اللقطه في أي اتجاه يشاء او أي اتجاه يتحرك ومن خلالها يكون مشاركاً المؤدي همه وحسه وغربة الحياة واشتراكه ذات المأساة ، منتبهاً الى ان العرض في هذا المكان الممسرح قد بدأ بواسطة ابواق رافعاً رأسه مجبراً على النظر اعلى اسطح البنايات يشاهد المهرج الذي يتحكم في استدارة رأسه منتبهاً الى العباءات   التي ترمى من اسطح البنايات لينظر على ماسوف تنتهي في مستقرها على الارض ، مستسلماً الى  قوانين الطغاة ، بينما يظل محدقاً الى اعلى واسفل لايعرف ماذا عليه ان يفعل غير قادر على تغيير مسار ما يجري ، ان جمالية المكان الممسرح  واثرها في هذا العرض احدثته الصدمه في التناقضات المكانيه وغرابتها او في تنوعه العلاماتي بين شكل وعدم انتظام البنيات وبين الارض المحصوره بينها او بين العلاقه بين الفراغ والمهمات المسرحيه وحالة الامتلاء وعشوائية التوزيع وديناميكية الحركه للممثلين او تلك المهمات على مجمل توالي الارتفاع وستمراريته او بين الفراغ والمتلقي وحركته المنفلته في ارجاء مساحة العرض او بين الممثل ذاته في صنع المتعه بينه وبين فراغ قد امتلا بألحركه وسيادة صخب الايقاع وفعل الحركه والفعل لعرض شكله المكان واضافه اليه المخرج ايقاع متوازن بين احداث النص وسكونيتها وبين العرض المكاني وصخبه .

  

المحطه قبل الاخيره

•1-  تتشكل جمالية المكان الحر الممسرح من خلال تناقض المساحات في جغرافيته البكر او المكون الانشائي لغير وظيفة العرض المسرحي ، كما تبين في عرض (عزله في الكرستال ) التنوع في وجود ( بنايات + ارض محصوره) .

•2-  تنشأ جمالية المكان الحر الممسرح من شكل حرية حركة الممثل والمتلقي خلال منطقه واحده فرضتها جدلية وجود قانون الغاء الفضاءات وصيرورتها الى فضاء واحد ( حركة الممثلين والمتلقين في عرض (عزله في الكرستال ) في مختلف جوانب المكان الحر.

•3-  تتكون المنظومه الجماليه للمكان الحر الممسرح من حرية المشاهده وختيار المتلقي الجلوس او الوقوف او اختيار أي زاويه لمشاهدة العرض.

•4-  تنبع جمالية المكان الحر الممسرح من خلال ديناميكية توزيع المهمات المسرحيه على طبيعة ماتمثله جغرافية المكان البكر او بحتواء المكان او ملئه بالحركه والفعل الدرامي ( توزيع مواقد النار ، حركة الدراجه ، ظهور واختفاء المهرج من على اسطح البنايات ) .

•5-  تنشأ جمالية المكان الحر الممسرح من قدرته على صنع واستحداث العلامات بفعل العشوائيه في نمط شكله وزواياه المتنوعه المسانده على تكوين ديناميكيه في تأسيس حراك للعلامه .

•6-  تتولد بفعل لامألوفية و شكل المكان الحر الممسرح لحظة الدهشه والمتعه غير التقليديه في الاداء والمشاهده .

•7- العمق المساحي لجغرافية المكان الحر الممسرح خاضع لابعاد متفاوته لجدلية التكوين الطبيعي له ، لذا فأن الحدود كلها متداخله بأبعاد فطريه تخضع لها ارادة حركة الممثل وترتيب المشاهده وتوزيع المهمات المسرحيه .

•8-  قيمة وجمالية المكان الحر الممسرح تنبع مما يحيط به من مادة خام لم يتدخل الانسان بها ، ولم تنشأ اصلاً لغرض العرض المسرحي بل شكلها لوظائف اخرى .

•9-  عند توحيد الرؤيه في ظل ظروف ذاتيه وموضوعيه بين المساحه والاداء سيكون من المنطقي رؤية تركيز عالي القدره على الانتباه .

المحطه الاخيره

•1-  لايمكن وجود رؤيه جماليه للمكان الحر الا بتوحيد الفضاءات المتلاصقه او المتجاوره في حيز مساحة العرض.

•2-  لا يستطيع الفضاء الوهمي القائم على رؤية خارج الفضاء المنصي في المكان المسرحي التقليدي ان يعمل مباغته خيليه او متخيله في المكان الحر لان الحدود الجغرافيه فيه مقيده ولاتسمح التحديدات الارضيه او الجانبيه ان تعمل حقل الفضاء الوهمي او تنشيطه.

•3-  ينعدم احساس المتلقي بألفضاء النفسي الوهمي في المكان الحر حيث ينشأ الوعي المكاني بألمشاهده ، لاسيما في العروض النهاريه الخارجيه او ان الا ضاءه باتت لاتفرق بين حدود المكان المنصي ومكان الجمهور ، حيث لامجال لصنع مستوى فضاء داخل فضاء.

•4-  طاقة الممثل الادائيه مفتوحه في المكان المسرحي ، ولكنها تتفاوت في نسبتها في المكان الحر بأختلاف التأثيرات الجغرافيه لذات المكان .

•5-  قد تعطي العشوائيه الجغرافيه للمكان الحر الممثل انفعالات تحفزه الارتجال لغياب عنصر الضبط النفسي وفي غياب تقنيات المسرح المعروفه والجلوس العشوائي المتداخل بين المتلقي والمؤدي .

•6-  لاتنبع خصوصيه جماليه للمكان الحر الممسرح الا من خلال شموليه الحيز الحولي في صيغة اندماج المساحات التي يشكلها العرض بطبيعة المكان وجغرافيته المونوعه ، حيث ينشأ نظام مبني على حوليه الحركه المبني هو الاخر على اتحاد الحيز المكاني العام كمساحه للاداء والمشاهدهالاحالات



[1] - مصطفى ، ابراهيم واخرون :المعجم الوسيط، ( طهران : دار الدعوه ) ، ج1 ،ج2، ص136

[2] - علوش، سعيد : المصطلحات الادبيه المعاصره ، ( الدار البيضاء : المكتبه الجامعيه ، 1984) ، ص36

[3] - جونسن،ر، ف :الجماليه ، تر : عبد الواحد لؤلؤة، ( بغداد : منشورات وزارة الثقافه والاعلام ،1978) ص8.

[4] - نجم، حيدر : خيال وابتكار ، ( جامعة الموصل ، دار الكتب للطباعه والنشر ، 2001) ، ص118.

-[5] مصطفى ، ابراهيم واخرون :المعجم الوسيط، (طهران : دار الدعوه ) ، ج1 ،ج2، ص881 .

[6] - الشريف الجرجاني، علي بن محمد : كتاب التعريفات ، ( بيروت : مكتبه لبنان ، 1978) ، ص245.

[7] - التهانوي،محمد أعلى بن علي : كشاف اصطلاحات الفنون ، ( بيروت : دار الصياد ، ب ، ت ) ، ص1277

[8] - باشلار، جاستون :جماليات المكان ، تر : غالب هلسا ، ( بغداد : دار الجاحظ للنشر ، 1980) ، ص7

[9]- الشجري ،علي بن محمد بن علي : ما اتفق لفظه واختلف معناه ، ( بيروت : دار الكتب العلميه ، 1996) ،ص85

[10] - هونزيل، يندريك :سيمياء براغ للمسرح ، تر: ادمير كوريه ( دمشق : منشورات وزارة الثقافه ، ص98

[11] المصدر نفسه، ص99

[12] - المصدر نفسه

[13] - المصدر نفسه

[14] - سفليد، ان أوبرا : مدرسة المتفرج ، تر :حماده ابراهيم ، ( القاهره: مهرجان القاهره الدولي للمسح التجريبي،1996)، ص56

[15] - سفليد ،ان وابرا ،المصدر نفسه ، ص59

[16] - المصدر نفسه ، ص60

[17] - هوايتنج،فرانك :المدخل الى الفنون المسرحيه ، تر: كامل يوسف ،( القاهره :دار المعرفه ،1970)       .  ص285

[18] - المصدر نفسه ،ص286.

[19] - استون، الين:المسرح والعلامات ، تر:سباعي السيد :( القاهره :مهرجان القاهره الدولي للمسرح     التجريبي ،1996)ص160

[20] - هوايتنج،فرانك ، مصدر سابق ، ص290

[21] - المصد نفسه ، ص291

[22] - هوايتنج ، فرانك ، مصدر سابق ، ص292

[23] - كارلسون ، مارفن : أماكن العرض المسرحي ، تر : ايمان حجازي ،(القاهره : مهرجان القاهره للمسرح التجريبي ،2002) ، ص28

[24] - المصدر نفسه ، ص45

-[25] استون، الين ، مصدر سابق ، ص161

[26] - كارلسون ، مارفن ، مصدر سابق ، ص46

[27] - المصدر نفسه ، ص48

[28] - المصدر نفسه ، ص47

[29] - استون، الين، مصدر سابق ، ص160

[30] - كارلسون ، مارفن ، مصدر سابق ، ص28

[31] - المصدر نفسه ، ص28

[32] - هلتون،جوليان : نظرية العرض المسرحي ، تر : نهاد صليحه ، ( القاهره :هلا للنشر والتوزيع،2000)، ص36

[33] - المصدر نفسه ، ص36

[34] - المصدر نفسه ، ص36

[35] - المصدر نفسه ، ص38

[36] - باشلار، جاستون ، مصدر سابق ، ص45

[37] - المصدر نفسه ، ص29

[38] - غاتشف،غيوري:الوعي والفن ،تر:نوفل تيوف،(الكويت:المجلس الوطني للثقافه والفنون ،عالم المعرف(146)،1991) ص13

[39] - محمد رضا،حسين رامز: الدراما بين النظريه والتطبيق ،(بيروت: المؤسسه العربيه للدراسات والنشر،1972)،ص402

[40] - هلتون،جوليان،مصدر سابق ، ص42

[41] -  هلتون،جوليان، مصدر سابق ،ص42

[42] - المصدر نفسه ، ص39

[43] - المصدر نفسه ، ص40

[44] - ويلسون ، جلين : سيكولوجية فنون الاداء ، تر: شاكر عبد الحميد ،( الكويت : المجلس الوطني للثقافه والفنون ، 2000) ، ص93

[45] - واطسون،ايان : ايوجينيوباربا ومسرح أودن تر: منى سلام ،( القاهره: مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي،2000)،ص237

[46] - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق ، ص55

[47] - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق، ص56

[48] - المصدر نفسه ، ص60

[49] - - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق، ص74

[50] - المصدرنفسه ،ص118

[51] - استون، الين، مصدر سابق ، ص161

[52]- تافياني،فرديناندو: طاقة الممثل كمقدمه نقديه ، تر، اليان ديشا ، في : كتاب : طاقة الممثل ،( القاهره : مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي ، 1999) ، ص130،ص131

[53] - المصدر نفسه ، ص174

[54] - هوري ، أونا شود :المكان المسرحي ( جغرافية الدراما الحديثه ) ، تر : امين حسين الرباط ، ( القاهره : مهرجان القهره الدولي للمسرح التجريبي ، 2000) ، ص29

[55] -  هوري ، أونا شود ، مصدر سابق ، ص30

[56] - المصدر نفسه ، ص30

[57] - المصدر نفسه ، ص31

[58] - المصدر نفسه ، ص32

[59] - بروك ، بيتر : النقطه المتحوله ، تر، فاروق عبد القادر،(الكويت : المجلس الوطني للثقافه والفنون والاداب ، سلسة عالم المعرفه (154) ،1991 ) ، ص159

[60] - المصدر نفسه ، ص63

[61] - المصدر نفسه ، ص137

--------------------------------------------------------------
المصدر : النور 

الخميس، 11 مايو 2017

المسرح والعلوم الإنسانية

مجلة الفنون المسرحية

المسرح والعلوم الإنسانية

د. محمد عبد الرحمن الشافعى

تحتوى العلوم الانسانية على مجموعة من التخصصات التى تناولت حياة البشر وفكرهم ونشاطهم وكيفية حياتهم، ومن ضمن هذه العلوم: الفلسفة، التاريخ، الجغرافيا، علم النفس، القانون،السياسة وغيرهم الكثير؛ كذلك الفنون بشكل عام والدراما أوالمسرح بشكل خاص، ربما لأنه فن شامل على الكثير من الفنون الآخرى، أو لأنه غريزة إنسانية عرفها الإنسان منذ بداية وجوده لتفسير لغز حياته، وربما هو أكثر الفنون تعبيرا، أو لأنه يتطور مع التطورات الاجتماعية.
كما أنه من الصعب أن نجد مجتمعا بلا مسرح، سواء كان هذا المجتمع متقدما أو متأخرا، متشددا دينيا أو متفتحا ومتطلعا لأفكار جديدة ومختلفة، المسرح موجود داخل كل المجتمعات ومخاطبا لكافة الطبقات. إذن فقد حرص المسرح على مر التاريخ أن يحافظ على وجوده ضمن هذه المجموعة المرتبطة بالحياة الاجتماعية وأن ينافس العلوم الآخرى، وأصبحت فنون وأداب المسرح من ضمن المقررات الدراسية للكثير من التخصصات الجامعية المختلفة كمادة ثقافية إنسانية فى شكل أدبى تحتوى على معلومات تاريخية وخبرات حياتية وآخرى سيكلوجية، فأصبحت دراسة الدراما موجودة ليس فى المعاهد المتخصصة لفن التمثيل فحسب، بل أصبحت من المواد الأساسية فى بعض تخصصات كليات الأداب والعلوم الاجتماعية والانسانية، فدراسة النصوص المسرحية تطلعنا على العديد من الثقافات الآخرى من عادات وتقاليد تجعلنا نقبل ثقافة الآخر ونحترمه، بل إن دراسة الدراما أمتدت لتصل فى بعض الدول المتقدمة إلى المعاهد والكليات العسكرية لما تحتويه من صراع وتكتيك ومواقف سياسية وخلافه. كذلك مشاهدة الأعمال المسرحية يعد جانبا ثقافيا يثرى المشاعر الوجدانية ويهذبها لما فيه من جماليات التمثيل والموسيقى والمناظر والإضاءة والتقنيات المختلفة. ونحن هنا بصدد المسرح الحقيقى سواء على مستوى النص أو مستوى العرض، هذا المسرح الذى يحترم ذكاء ومشاعر جمهوره ويطور منهما. فأصبح من الضرورى أن يعطى للفن المسرحى المكانة الذى يستحقها،وكما يقول «لوركا» الشاعر والكاتب الأسباني: «إن المسرح من أكثر الوسائل تعبيرا، وأفيدها فى بناء البلاد؛ كما أنالشعب الذى لا يساعد مسرحه، ولا يشجعه، شعب محتضر إن لم يكن قد مات.»

---------------------------------------------
المصدر : الأهرام 

الاثنين، 8 مايو 2017

الكتابة المسرحية الجديدة: صورٌ.. بلا تصورات

مجلة الفنون المسرحية

الكتابة المسرحية الجديدة: صورٌ.. بلا تصورات

د. حسن يوسفي


تجدر الإشارة، بدءا، إلى أن مفهوم “الكتابة المسرحية الجديدة” يبقى مفهوما نسبيا ومتحولا بتحول زاوية النظر إليه، ذلك أن هذا التوصيف بقدر ما ينطبق على آخر ما أفرزته التجارب المسرحية الشبابية العربية اليوم، بقدرما ينطبق على تجارب سابقة استطاع أصحابها أن يجددوا في مفهومهم للكتابة حسب ما أملته عليهم سياقاتهم الذاتية والموضوعية. وأذكر هنا ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تجربتين إحداهما غربية والثانية عربية.
ففي المسرح الغربي، عندما ظهرت كتابات مسرح العبث أو اللامعقول في المشهد المسرحي الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، اعتبرت بمثابة حساسية جديدة في الكتابة المسرحية قياسا إلى ما كان سائدا آنئذ من تصورات حول المسرح كان في طليعتها النموذج البريشتي. من ثم نفهم الشراسة التي ووجه بها تيار العبث من لدن النقاد البريشتيين الذين كانوا يتحلقون حول مجلة “المسرح الشعبي”، وفي طليعتهم رولان بارت وبرنار دورت، الذين اعتبروا هذه الكتابة الجديدة بمثابة خلخلة لكل المفاهيم التي كانت الساحة الفرنسية تعتبرها أسسا قوية للمسرح ما بعد الحرب. لكن هذه الكتابة العبثية نفسها سرعان ما أصبحت عندما ظهر جيل يرنار ماري كولتيس وفيليب منيانا وفالير نوفارينا وميشال فينافير وجان لوك لاكارص وغيرهم، بمثابة كتابة تقليدية.

المسرح الحميمي

وفي المسرح العربي، ما كتبه المرحوم سعد الله ونوس في آخر أيام حياته يمكن تصنيفه باعتباره كتابة مسرحية جديدة. فنصوص من قبيل “طقوس الإشارات والتحولات” و”الأيام المخمورة” و”بلاد أضيق من الحب” وغيرها، هي بالقياس إلى مسرحياته السابقة كـ”الفيل يا ملك الزمان” أو “الملك هو الملك” أو “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” أو “سهرة مع أبي خليل القباني”، هي نصوص مجددة على مستوى الشكل والمضمون. فهي نقلة من مسرح القضايا الشمولية إلى مسرح الذات، من المسرح الموضوعي إلى المسرح الحميمي، من مسرح التورية والتقية إلى مسرح الكشف والتعرية وصدمة الحداثة، ومن مسرح جمالية التمثيل إلى مسرح جمالية التعبير.
صحيح أن تجديدا كهذا تم داخل سياق تجربة إبداعية متجانسة لكاتب مسرحي كان ما يزال يؤمن بالوضع الأدبي للنص المسرحي، وبالتالي راكم تنويعات كتابية داخل التجربة الواحدة، إلا أن ما أفرزته من نصوص يبقى عنوانا على تبلور متخيل مسرحي جديد، وبالتالي فهي تجربة جديدة في الكتابة تتصل بمرحلة مغايرة في مساره الإبداعي وسمها هو نفسه بمرحلة الانغسال من الأوهام.
من ثم، يبدو لنا من غير الممكن إطلاق مصطلح “مسرح جديد” على التحولات التي طالت الكتابات الجديدة في المسرح، قياسا إلى ما حدث في مجال الرواية مثلا، ذلك أن توصيفا من قبيل “الرواية الجديدة” هو تعبير عن تيار روائي ظهر في فرنسا خلال خمسينيات القرن الماضي، وكان له منظروه الذين بلوروا تصورات حول الجنس الروائي تتجاوز مفهوم الرواية التقليدية شكلا ومضمونا، وكتبوا أعمالا سردية تستوحي هذه التصورات. ومن بينهم ألان روب كريي وكلود سيمون وناتالي ساروت وجان ريكاردو الذين أسهموا جميعا في صياغة ما عرف بـ”نظرية الرواية الجديدة”. لكن ما يروج اليوم بيننا ونتواطأ على تسميته كتابة مسرحية جديدة يفتقر إلى هذا السند النظري المتجانس والنسقي مقارنة مع موجة الرواية الجديدة. فالكتابة الروائية الجديدة نسق، لكن الكتابة المسرحية الجديدة شذرات.
وعليه فعندما نتحدث اليوم عن الكتابة المسرحية الجديدة فإننا بالضرورة نتحدث عن فسيفساء من النصوص ظهرت في مراحل مختلفة، لا يجمعها تصور متجانس للمسرح، ولا تسندها نظرية مسرحية واحدة، وإنما يخلق التقاطع بينها تلك الرغبة في كتابة المسرح بطرق مغايرة لما كان سائدا، وهي الرغبة التي لم تعد حكرا اليوم، على الكتاب وحدهم، بقدر ما أصبحت هاجسا لدى الدراماتورجيين والمخرجين وحتى الممثلين.
من ثم، تبدو استعارة “الشهب الاصطناعية” التي اختارها الباحث الفرنسي ميشال كورفان من أجل وصف ما سمي بـ”الكتابات المسرحية الجديدة” في الفضاء الفرنسي والفرنكفوني، استعارة تنطبق - في تقديرنا - بشكل كبير على ما آلت إليه الكتابة المسرحية الجديدة، اليوم، في العالم العربي، بما أفرزته من تنويعات في سجلات الكلام وعوالم التخييل المسرحي وتقنيات الكتابة.
ولعل ما يميز الكتابات الجديدة، اليوم، هو تحول السياق الجمالي العام الذي يؤطر التجربة المسرحية برمتها، لاسيما في ضوء تأثير عاملين أساسيين في إبداعية المسرح وإنتاجيته هما:
ـ بروز إبداعية المخرج وترسيخ سلطة ما يعرف بـ”صناعة الفرجة”.
ـ استعمال التكنولوجيات الحديثة في الإبداع المسرحي.

سلطة المؤلف

إن هذا السياق الجديد وما أفرزه من تقويض لسلطة المؤلف، خلخل الأسس التي تقوم عليها التجربة المسرحية، حيث بات واضحا أن التعاطي مع هذه التجربة ضمن دائرة المفاهيم والتصورات التقليدية التي تجعل من المسرح “أدبا دراميا” أو ضربا من “الكتابة النصية” التي من شأنها إفراز ما يعرف بـ”الأعمال الخالدة”، أصبح جزءا من الماضي، ذلك أن الثقافة المسرحية الجديدة بدأت ترسخ منظورا مختلفا إزاء المسرح يعتبره بمثابة فضاء لـ “صناعة الفرجة” أولا، مما جعل قضية “النص” قضية نسبية يمكن التعاطي معها، إبداعيا، بنوع من المرونة والانفتاح، وحتى اللامبالاة أحيانا، ما دام النص لم يعد هو المكون الأساسي الذي تنهض عليه الفرجة المسرحية.
نستحضر في هذا السياق، مثلا، ما فعله المخرج العراقي جواد الأسدي مع بعض “النصوص الخالدة”، ومنها “هاملت “ لشكسبير، حيث عمل على إعادة كتابة معاكسة للمسرحية عنونها بـ”انسوا هاملت”، وذلك من منطلق قناعته باعتباره مخرجا مهووسا بما يصنع الفرجة أولا. هذا الهوس الذي جعله يؤكد جازما “إن الولاء للنصوص يجعل منها نصوصا ميتة، ومحكومة مسبقا بالاسوداد على يد المخرجين التنفيذيين أو الكتاب الشغوفين بالمنفدين للنصوص بحرفيتها”. (1).
من ثم، فهو لا يتوانى عن التعبير عن رغبته في “الإطاحة بالنصوص المقدسة واللعب بأبهتها وجلالها “حسب تعبيره، وهذه العمليات هي من صميم ما يعتبره هو كتابة جديدة، يقول: “إن موضوع الكتابة الجديدة، نصا جديدا أو إخراجا مختلفا صار مفهوما سواء لحركة النقد المسرحي في العالم أو بالنسبة للمتفرجين المرتهنين إلى وعي تأريخاني للأدب بكل أنواعه، في حين مازال هذا الأمر يخلف عند عدد كبير من العرب آثارا سلبية تعيد المسرح إلى موازين عتيقة وبالية خصوصا في عقول عدد كبير من الفنانين والأدباء أصحاب النظرة المركزية الثابتة المتمركزة في بؤرة أحادية لا تقبل الشك، ولا تريد اللعب بأبهة النصوص ولا بجلالها حيث إنهم ما زالوا يتعاملون مع النصوص المنزاحة عن النصوص أو مع الإخراج المنزاح عن النصوص تحفة أو أيقونة لتزيين البيوت” (2).
إن نموذج الأسدي مجرد صيغة من صيغ متنوعة لصناع الفرجة في المسرح العربي الذين اختاروا التعاطي مع الكتابة المسرحية من منطلق مغاير إلى حد المغالاة أحيانا، ولاسيما منهم الجيل الجديد الذي فتح عينيه على الثورة الرقمية بكيفية جعلته يقتنع أن السينوغرافيا، ولعب الممثل، والتقنيات المسرحية الحديثة؛ كلها كفيلة بإنجاز ما لا يحققه النص مهما كانت درجة بلاغته المسرحية. وأصبح المفهوم الجديد الذي يؤطر تجاربهم المسرحية هو ما يسمى بـ “الدراماتورجيا الركحية” التي بات الاشتغال في إطارها عنوانا على ما سماه صديقنا الدكتور خالد أمين بـ”المنعطف الفرجوي” في المسرح العربي، وهو المنعطف الذي يسنده سياق ثقافي كوني انعكس على تجاربنا العربية، يقول:”لقد روج العديد من النقاد والمتتبعين للشأن المسرحي العربي فكرة مفادها وجود (أزمة النصوص الدرامية)، وسطوة الاقتباس والتوليف المسرحي والإعداد الدراماتورجي، كنوع من الهروب إلى الأمام في الكثير من الإبداعات العربية المعاصرة والشبابية منها بخاصة. لقد ارتفعت العديد من الأصوات في مشهدنا النقدي منتقدة العروض المسرحية المعاصرة التي يكون فيها النص مجرد ذريعة لما يمكن اعتباره بنية تركيبية لكتابة محددة بشكل مسبق، والحقيقة هي أن الممارسة المسرحية في الوطن العربي متفاعلة بشكل أو بآخر مع تحولات صناعة الفرجة المسرحية على المستوى الكوني، وذلك نتيجة لما تسميه المفكرة الألمانية إيريكا فيشر بـ”تناسج ثقافات الفرجة”. فلم يعد المسرح ذلك الفن الهامشي في عالمنا العربي اليوم، بل أصبح تلك الاستعارة الثقافية الممتدة في الحياة اليومية، متأثرا هو الآخر بالوسائط الأخرى التي أضحت شديدة البروز في حياتنا اليومية”. (3)

البرج العاجي

لقد بات طبيعيا أن تنعكس هذه الثقافة الجديدة على المشهد المسرحي برمته، وبالتالي، على موقع الكاتب الدرامي فيه. فالواضح أن صورة الكاتب المسرحي المقيم في برجه العاجي الذي يرسل خطابه دونما اكتراث بمآله في المشهد المسرحي قد انتهت، ذلك أن “الكاتب (اليوم) هو ابن وضحية، في آن واحد، للثورة التي منحت السلطة للمخرج المسرحي. إنه هنا في وضعية تبعية. وأعماله المسرحية التي هي هشة على العموم، بخضوعها لغربلة الإخراج المسرحي، غالبا ما تتم ملاءمتها، خلطها، وطمس ملامحها. لم يعد المؤلف ذلك الإله المقدس، بل هو بالأحرى بمثابة عامل، العامل المتخصص في النص L’ouvrier spécialisé du texte”. (4)
إن التحول الذي طال وضع المخرج في السيرورة الإبداعية المسرحية خلال القرن الماضي، الذي جعله ينتقل من وضعية المنفذ لتعليمات المؤلف إلى مبدع له حقوقه في التخييل والتعبير بلغته الخاصة، وبالتالي في التصرف في نصوص الآخرين حسب ما تمليه عليه حساسيته الفنية ومنظوره الجمالي وتصوره للعمل المسرحي، قد أثر بشكل واضح على وضعية النص المسرحي وطرق كتابته.
من ثم، فطقس الكتابة نفسه خضع لنوع من إزالة القدسية Démystification، لاسيما وأن النص أصبح في خدمة العرض وليس العكس. لذلك، فلا عجب أن نلاحظ، اليوم، كيف توارت أسماء المؤلفين الذين كرسوا مسارهم الإبداعي للكتابة الدرامية وبدأت نصوصهم تتحول شيئا فشيئا لتصبح جزءا من الذاكرة المسرحية، أي تحفا أدبية للقراءة وتخليد تجارب السابقين. فلم يعد لأعمال توفيق الحكيم أو يوسف إدريس أو نجيب سرور أو أحمد الطيب لعلج أو عز الدين المدني أوعبد الكريم برشيد أو سعد الله ونوس أو غيرهم كثير ذلك الحضور القوي في مشهدنا المسرحي. وبالمقابل أصبحنا نقرأ نصوصا لمخرجين كجواد الأسدي وفاضل اجعايبي وغيرهم، وكذا لجيل من الشباب المسرحيين العرب الذين تتألق تجاربهم بين الحين والآخر في هذا المهرجان المسرحي أو ذاك والذين تمتزج تجاربهم بمواصفات الكاتب والدراماتورج والمخرج والممثل في تجربة مسرحية واحدة، لأنهم يكتبون لأنفسهم ويقومون بالاشتغال على ما يكتبون فوق الخشبة.
لقد تقوضت سلطة “الكاتب” بهذه الصيغة التقليدية لتحل محلها سلطة “الدراماتورج” الذي يبيح لنفسه التصرف بحرية، وبمغالاة أحيانا، في نصوص الآخرين بدعوى أن الكاتب يحسب حساب الحقل، لكن الدراماتورج يحسب، بالأحرى، حساب البندر، وشتان ما بين الحسابين، ما دام الأول خاضعا لمستلزمات الأدب الدرامي، في حين أن الثاني مسكون بهواجس الفرجة وإكراهات التمسرح. وطبيعي أن تتمخض عن هذا التباعد بين الموقعين، علاقة جفاء من لدن الدراماتورجيين، وبالتالي، المخرجين إزاء “النص الدرامي” نفسه، بحيث لم يعد ينظر إليه باعتباره المنطلق الوحيد لخلق تجربة مسرحية، ذلك أنه أصبح “بالإمكان مسرحة كل شيء”(5) حسب مقولة أنطون فيتز Vitez الشهيرة. وعليه فعملية الإعداد الدراماتورجي بإمكانها أن تنصب على نصوص ومرجعيات ومواد ليست مسرحية بالضرورة. فالرواية والشعر ونصوص مدونة الأسرة وشهادات الأمهات العازبات والحكي بمختلف مظاهره؛ كل هذه النصوص أصبحت قابلة للمسرحة بعد خضوعها للعملية الدراماتورجية التي هي جوهر الإبداعية المسرحية في تصور أغلب الفاعلين ذلك في التجربة المسرحية المغربية.
إلا أن المثير للانتباه في التجربة العربية للتعاطي مع هذه الإمكانية المتاحة لمسرحة كل شيء، هو سقوطها في بعض الحالات، في مطب “إمكانية مسرحة اللاشيء” “Faire théâtre de rien”. لذلك، فلا نستغرب الخيبة الكبيرة التي أصابت المشهد المسرحي إزاء أعمال مسرحية لم يستطع مبدعوها ملاءمة نزوعاتهم الفنية، بل ونرجسياتهم، مع طبيعة المتلقي العربي.
وإذا كان هذا الواقع المسرحي الجديد قد أفرز عينة جديدة من المبدعين الذين يكتبون أو يعدون دراماتورجيا لحسابهم الخاص، وهي العينة التي يمكن أن نسميها بالمخرجين ـ الكتاب أو المخرجين ـ الدراماتورجيين، فإنه، من زاوية أخرى، قد غير مفهوم الكتابة نفسه، بحيث لم يعد ممكنا، اليوم، الحديث ـ عندما يتعلق الأمر بالمسرح ـ عن “كتابة درامية Ecriture dramatique”، وإنما بالأحرى عن “كتابة من أجل الخشبة Ecriture scénique”.

الكتابة الجديدة

فإذا تأملنا هذه الكتابة الجديدة، يمكننا أن نلاحظ أنها أفرزت نصوصا غير قابلة للنشر، وبالتالي للقراءة. إنها ضرب من الكتابة العابرة التي تنتهي صلاحيتها بنهاية العرض وتوقف ترويجه. ولعل هذا ما يفسر ربما لماذا ضاقت مساحة نشر النصوص المسرحية في وسطنا الثقافي، وأصبح النص هو “أعز ما يطلب” في دائرة الإبداع المقروء. وهي ظاهرة مثيرة، بل ومفارقة. وموطن المفارقة يكمن في كون تعدد الأعمال المسرحية في كل موسم وتعدد المهرجانات، لم يفرز أدبا دراميا غنيا قابلا لأن يترسخ في ذاكرة المسرح العربي، بقدر ما أفرز نصوصا مقتبسة أو معدة دراماتورجيا أو مكتوبة من أجل العرض وليس القراءة، وبالتالي فهي ذات صلاحية محدودة في الزمان والمكان.
إن الكتابة الجديدة في المسرح، بهذه الصيغة، أصبحت كتابة ضد الذاكرة، وضد الخلود. لذا فلا عجب أن نفتقد، اليوم، نماذج منها يمكن أن تندرج ضمن خانة “الأعمال الخالدة”، وبالتالي، نخشى أن تتحول هذه المرحلة في تاريخ المسرح العربي إلى حلقة مفقودة بالنسبة للأجيال اللاحقة لأنها لم تترك آثارا مكتوبة تدل عليها.
صحيح أن الإضافات الجديدة الذي رسخها المخرجون/ الكتاب والدراماتورجيون على صعيد جماليات الكتابة تشي بإبداعية ملفتة للانتباه، لاسيما على مستوى اللغة التي أصبح هاجس التواصل مع وجدان المتلقي أحد رهاناتها الكبرى، مما يفسر، ربما، العودة القوية للغة المحكية المحلية في العروض المقدمة، وكذا على مستوى الموضوعات حيث المزاوجة بين مسرح الذات ومسرح العالم، واتساع دائرة الحكي والبوح والمونولوج، وتنويع السجلات المسرحية ما بين الكوميدي والجاد، والتفاعل مع تجارب طليعية في الكتابة المسرحية تنتمي إلى الريبرتوار الغربي. ولعل هذا ما يزكي استعارة “الشهب الاصطناعية” التي انطلقنا منها في الحديث عن الكتابة المسرحية الجديدة، ذلك أنها تنطبق على هذه الفسيفساء من النصوص التي قدمت عروضها على خشبة المسرح العربي خلال العقد الأخير.
وأفضل في هذا السياق، أن أتحدث عن التجارب المغربية التي أعرفها جيدا وسبق لي أن كتبت عن بعضها. فمنذ أن بدأت تقتحم المشهد المسرحي طلائع خريجي “المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي”، لاحظنا تحولا عميقا في التعاطي مع الممارسة المسرحية بالمغرب، ذلك أن جيل الشباب من الخريجين أصبح يفضل التعامل مع التجربة المسرحية من منطلقات معرفية جديدة كان من نتائجها البارزة تغير النظرة إلى النص المسرحي، والانفتاح اللا مشروط على الريبرتوار الغربي واقتباس نصوصه أو العمل على إعدادها دراماتورجيا، وبروز جيل من السينوغرافيين الذين يضعون لمساتهم الواضحة على جماليات العروض المسرحية، وكذا جيل من الممثلين الشباب الذين يمارسون المسرح من منطلق الاطلاع الواسع والمتنوع على النظريات الغربية في مجال التمثيل.
كل هذا انعكس بشكل واضح على الكتابة المسرحية لاسيما وأن الجيل الجديد لم يجد ما يجذبه في التجارب الكتابية السابقة للرواد باعتبارها نصوصا تقليدية تطغى عليها اللمسة الأدبية ولا تستجيب لتطلعاتهم التي يتحكم فيه هاجس صناعة الفرجة.
في هذا السياق يمكن أن نستحضر أعمال كل من فوزي بن السعيدي، عبد المجيد الهواس، بوسلهام الضعيف، حسن هموش، ادريس الروخ، محمود بلحسن، كريم الفحل الشـرقاوي، عبد اللطيف فردوس، بوسرحان الزيتوني، بوحسين مسعود لطيفة أحرار وخالد جنبي وغيرهم كثير. فالكتابات المسرحية التي أبدعها هؤلاء صيغت أساسا من أجل الاستعمال الخاص وعلى مقاس التجربة الخاصة لكل واحد منهم وتصوره الجمالي المميز للفرجة المسرحية، لذلك رأينا من وجد ضالته في كتابة تستند على مرجعيات غير مسرحية بالضرورة كشهادات الأمهات العازبات أو نصوص مدونة الأسرة أو الرواية أو الشعر أو فن الملحون، وذلك بإعدادها دراماتورجيا والعمل على مسرحتها، كما وجدنا من جرب موهبته في كتابة مسرحية جديدة تتسع فيها دائرة البوح والحكي والإشراقات الشعرية إما في إطار أعمال مونودرامية أو جماعية. كما وجدنا من ارتمى في أحضان الكتابة المسرحية الجديدة في الغرب، وفي فرنسا على وجه الخصوص، حيث النصوص التي تعالج موضوعات الطابو المثيرة في سياق كتابة شفافة حميمية وكاشفة وصادمة أحيانا وفي قوالب درامية غير تقليدية فيها مزيج من الاستبطان الداخلي والمونطاج والكولاج والمقطعية كما يسندها أحيانا نوع من التقعير أو التفكير الذاتي في الكتابة نفسها في إطار ما يعرف بـ “الميتامسرح”(6). إن هؤلاء الكتاب الجدد” لم يعودوا “ساردي حكايات”، وإنما هم كتاب يستحضرون كثافة الكتابة. ففي نصوصهم تسقط مبادىء السرد والتشخيص ونظام السرد. يتوصل من خلال ذلك إلى “استقلالية للغة”. فاللغة لا تبدو باعتبارها حورا بين الشخصيات وإنما تصبح “تمسرحا مستقلا””(7).

أجناس جديدة

لقد كان طبيعيا أن تفرز هذه التجارب الكتابية الجديدة أجناسا جديدة من المسرح، غير تلك التي كانت سائدة في سياق المنظورات الكلاسيكية المستندة إلى المنظور الأرسطي. في هذا الإطار برزت مسارح لا تؤمن بالحدود بين الأنواع الدرامية كالتراجيديا والكوميديا وغيرها، وأصبحنا إزاء ما سمي بـ “المسرح الحميمي” و”مسرح الغرفة” و”مسرح اليومي” و”مسرح الأطروحة” و”المسرح الشذري أو المقطعي”. وتداخلت في هذه الأنواع من المسرح سجلات الواقعي والذاتي والسياسي والشعري والكروتسكي وغيرها.

في خضم هذا المشهد، وخارج إطار هذه “الجوقة” من الدراماتورجيين الجدد، ثمة من فضل العزف أو الأداء المنفرد والمتميز، سواء على صعيد العلاقة مع الكتابة نفسها، أو على مستوى الخيارات الجمالية المتحكمة في هذه الكتابة. ونقصد هنا، بالأساس، تجربتين متميزتين لكاتب مسرحي شاب هو الزبير بن بوشتى، ولكاتب ومخرج وممثل معروف هو الفنان عبد الحق الزروالي.

فالأول من الأسماء الاستثنائية التي ما تزال تؤمن بأهمية “الكتابة الدرامية” وبالجدوى من إبداع نصوص مسرحية جديدة صالحة للقراءة وللعرض في آن واحد، بل يمكن الذهاب بعيدا في النظر إلى هذه التجربة باعتبارها تجسيدا لصيغة متميزة في الكتابة الجديدة تستند على متخيل مسرحي تتحكم فيه العلاقة مع الفضاء والانتماء للتاريخ، وبالتالي، فهو يؤسس لكتابة “مسرحية محكمة الصنعpièce bien faite”، مفكر فيها، وقائمة على أساس قراءة خاصة للمكان والذاكرة. ولعل نصوصا مثل: “يا موجة غني”(Cool، و”النار الحمرا”، و”للاجميلة” و”زنقة شكسبير” و”لقدام لبيضا”Pieds blancs، ثم “طنجيتانوس” تؤكد باشتغالها على فضاء طنجة بأبعاده المختلفة، هذه الحقيقة. إن الزبير من بين آخر الأسماء في سلالة المؤلفين الدراميين الآيلة للانقراض في “زمن سطوة الدراماتورجيا”.

أما بخصوص الثاني، أي عبد الحق الزروالي، فيمكن نعت تجربته في الكتابة، على الأقل في تجلياتها الأخيرة، بكونها “كتابة التمسرح الذاتي”، فهي كتابة من حيث كونها إعادة بناء لنصوص حتى ولو لم تكن مكتوبة أصلا من أجل المسرح (المواقف والمخاطبات للنفري، روايات جلبيرت سينويه وأنطونيو كالا...). إن اشتغال الزروالي عليها متميز عن عمل الدراماتورجيين الذين ذكرناهم، لأنه لا يقوم بإعداد دراماتورجي للنصوص الممسرحة بقدر ما يقوم بإعادة كتابتها لحسابه الخاص، وهنا يتدخل العنصر الثاني الذي سميناه “بالتمسرح الذاتي”، فحسابات الزروالي المخرج والممثل صاحب الأداء المونودرامي الفردي حاضرة بقوة في طريقة بنينة النص وتوزيع متوالياته، وهي حسابات لا تسقط من دائرتها مفاجآت الفرجة ولا منتظر العرض، وبالتالي يبقى هامش الارتجال والتصرف في النص قائما حسب ظروف العرض. ولعل العودة إلى أعماله الأخيرة (9) تؤكد ذلك، ومنها: “كدت أراه”، “الأسطورة”، “ رماد أمجاد”، ثم” نشوة البوح”.

هذه التجارب وغيرها، مما لم نشر إليه، تؤكد أن النظرة إلى النص المسرحي قد تغيرت بفعل تأثير هواجس صناعة الفرجة وبروز الاهتمام بمكوناتها المختلفة لدى المسرحيين العرب، كما أن اكتشاف سحر الدراماتورجيا، والحرية في التعاطي مع مصادر الفرجة التي ليست نصوصا مسرحية بالضرورة، قد أسهم في الكشف عن نقلات فنية وحساسيات جمالية جديدة.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: خلف هذا البريق العابر لفرجات لا تسندها نصوص قابلة للخلود، ما الذي يتبقى من هذه “الكتابة من أجل العابرEcriture pour l’éphémère” لتأسيس ذاكرة للمسرح العربي؟

الهوامش:

1 - جواد الأسدي ـ انسوا هاملت، حصان الليلك: نصوص درامية - دار الفارابي - الطبعة الأولى 2000- ص 10.

2 - نفس المرجع- ص 11/12

3 - خالد أمين- المسرح ودراسات الفرجة- منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة- سلسلة دراسات الفرجة 14- الطبعة الأولى 2011- ص 57

4 - Jean – Pierre Thibaudet – Théâtre Français contemporain – Ministère des affaires étrangères – adapt – Déc. 2000- p 16.

5-Jean -Pierre Ryngaert- Lire le Théâtre Contemporain -DUNO Paris 1993- p 50

6 - انظر مقاربتنا لظاهرة “الميتامسرح” في: حسن يوسفي- المسرح في المرايا: شعرية الميتامسرح واشتغالها في النص المسرحي الغربي والعربي- منشورات اتحاد كتاب المغرب –الطبعة الأولى الرباط - يونيو 2003

7 - الزهرة مكاش [في] مسارات وتجارب في المسرح المعاصر- منشورات مجموعة البحث في المسرح والتنشيط الثقافي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية – أكدير2007 – ص 44

8 - نعتبر هذه المسرحية إبداعا لجنس مسرحي جديد سميناه “دراما البحر”. انظر كتابنا: حسن يوسفي- ذاكرة العابر: عن الكتابة والمؤسسة في المسرح المغربي- منشورا ت فرع آسفي لاتحاد كتاب المغرب- دار وليلي للطباعة والنشر- الطبعة الأولى 2004- ص 81

9- انظر دراستنا عن هذه الأعمال في: حسن يوسفي – قوة الروح التي يخلقها المسرح: بصدد التجربة المسرحية لعبد الحق الزروالي – مجلة عمان، عدد 142، لبنان 2007، ص. 22.


-----------------------------------------------------------

المصدر : جريدة الاتحاد 

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption