أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 19 مارس 2018

تشيخوف الكويتي على مسرح أردني

مجلة الفنون المسرحية

تشيخوف الكويتي على مسرح أردني


د. ضياء نافع


أهدى لي أحد الأصدقاء قبل أيام العدد الاخير من مجلة (العربي) الكويتية العتيدة ( العدد 711 الصادر في فبراير / شباط 2018 ) , وقال لي , إنه يعرف حبي القديم لهذه المجلة العتيدة , وقد شكرته جزيل الشكر على هذه الهدية القيّمة الجميلة , وبدأت رأسا – وبكل شغف وحب - بالتعرّف على فهرسها, كما كنت أفعل في الأيام الخوالي , واستوقفني عنوان غريب في هذا الفهرس عن مسرحية (العطسة)، التي قدمتها فرقة مسرحية كويتية على خشبة المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الاردنية, أقول (استوقفني) هذا العنوان, لأنه ذكّرني رأسا بقصة معروفة كتبها تشيخوف بعنوان - (موت موظف) , وهي قصة مشهورة جدا لدى القراء في العالم العربي , إذ تم ترجمتها عدة ترجمات وعن اللغات الروسية والفرنسية والانكليزية على مدى السنوات الثلاثين الاخيرة (انظر مقالتنا بعنوان– حول قصة تشيخوف القصيرة موت موظف), والتي تتحدث عن عطسة موظف بائس أثناء عرض مسرحي على شخص كان يجلس امامه, وكيف أدّت هذه العطسة اللعينة الى موته في نهاية القصة تلك , ولكني طرحت على نفسي سؤالاً محدداً وهو– لماذا جاءت هذه التسمية, اي العطسة , إذا كانت هذه المسرحية مقتبسة من قصة تشيخوف (موت موظف)؟ وهكذا بدأت أقرأ تلك المقالة مسرعاً لمعرفة الإجابة عن سؤالي هذا , ووجدت الجواب فعلاً , وقلت مبتسماً لصديقي الذي أهدى لي المجلة – سأكتب مقالة حول ذلك بعنوان – تشيخوف الكويتي على مسرح أردني ( وها أنا ذا أحقق ما وعدت به صديقي !), لأنني أتابع الادب الروسي وانعكاساته في الحياة الثقافية العربية , وأعتقد جازماً , إن الموضوعة الروسية في آدابنا تستحق هذه المتابعة الدقيقة من قبل المتخصصين في كلا البلدين , لأنها تعني دراسة التفاعل الثقافي والفكري بين روسيا والعالم العربي , و لأني اعتقد جازماً أيضاً أن الثقافة أفضل سبيل للتفاهم بين الشعوب. 
وبعد مطالعتي لتلك المقالة , وهي بقلم الباحث الأردني رسمي الجراح , فهمت , إن مخرج هذه المسرحية الاستاذ عبد الله التركماني قد اختار تقنية ( المسرح داخل المسرح ) , وعرض مسرحية تشيخوف المعروفة – ( الدب ) , ولكنه أثناء عرض تلك المسرحية , جعل أحد ممثليها يعطس على مؤخرة رأس أحدهم , ونتيجة لهذه العطسة , يتوقف عرض مسرحية ( الدب ) , وتصبح العطسة محور العرض , وهكذا يمزج المخرج الأحداث اللاحقة لعرضه بجوهر قصة تشيخوف – ( موت موظف ) , ويحاول استخدامها بشكل ذكي جداً وابداعي , إذ انه يتحدث عن خوف ورعب الناس البسطاء أمام السلطة ( في بلداننا طبعا !) بغض النظر عن كونهم ليسوا مذنبين أمامها , وهو نفس الهدف الذي طرحه تشيخوف في قصته بشكل ساخر جدا وغير مباشر, ولكن المعالجة الابداعية للمخرج جعله ينطلق في أخرى , رغم أنه استخدم نفس العناصر التشيخوفية , مثل موقف زوجة العطاس ورعبها من هذه العطسة, أو تفكير العطاس بالاعتذار عن عطسته , أو ضرورة ارسال رسالة اعتذار بالبريد للشخص الذي عطس على مؤخرة رأسه ...الخ تلك التفصيلات الصغيرة والنموذجية طبعاً , التي تعكس الخوف والرعب الذي يعاني منه الإنسان البسيط الاعتيادي في مثل هذه المجتمعات .
تحية للفنانين المسرحيين في الكويت على هذا المزج الفني الابداعي لمسرحية تشيخوف ( الدب ) مع القصة القصيرة ( موت موظف ) لنفس هذا الكاتب , وتحويرها بهذا الشكل الجميل والرائع , وجعلها تعالج مشاكل مجتمعاتنا , هذا التحوير الذي يدّل - بما لا يقبل الشك-على تفهّم الفنانين الكويتين لأعماق الادب الروسي وروحيته.
ختاماً , أود أن أهدي مقالتي الوجيزة هذه الى زملائي المتخصصين الروس , الذين يدرسون – وطوال سنين كثيرة – موضوع انتشار الادب الروسي خارج روسيا , ويؤكدون دائما على دول الغرب , ولا يلاحظون ما يجري في بلداننا في هذا الخصوص , وقد سبق لي أن كتبت حول هذا الموضوع المؤلم بالنسبة لنا , وأقول ( المؤلم ) لأننا لا يمكن أن نبرر هذا الموقف من قبلهم , لدرجة , إن بعض الزملاء العرب المتخصصين في الادب الروسي بدأوا يتحدثون عن هذه الظاهرة , معتبرين أن موقف الزملاء الروس هو موقف متعمد . دعونا نأمل أن ذلك الموقف هو نتيجة لعدم معرفتهم فعلا لما يجري في بلداننا من دراسات وترجمات وكتابات حول الأدب الروسي , وإن علينا أيضاً تقع مسؤولية أعلامهم بذلك .


الأحد، 18 مارس 2018

محمد العامري وأبداعه في الأخراج المسرحي / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية







  محمد العامري وأبداعه في  الأخراج المسرحي / محسن النصار                    


يعتبر الفنان المسرحي  الإماراتي محمد العامري من المسرحيين الذين أسهموا في تطور المسرح التجريبي في  الأمارات 
بأسهاماته المتميزة  على مستوى الأخراج  المسرحي فكان يبحث عن كل ماهو جديد في المسرح ليؤكد   من خلاله حضوره المسرحي اللافت على المسرح الإماراتي من خلال تجاربه  المسرحية الجديدة التي حظيت بنجاح كبير في «أيام الشارقة المسرحية» كون هذا  المهرجان  يعتبر مكانا للأبداع والتألق المسرحي  حيث يجمع المسرحيين  الإماراتيين  ومن خلال هذا المهرجان برز  وتميز بحضوره المسرحي   الذي  أفرز أعمال مسرحية جعلت له أمكانية أبداعية  في المسرح كمسرحيات  (صهيل الطين ، بالامس كانو اهنا ، اللوال ، حرب النعل , غصة عبور.
ومسرحية غصة عبور  أخر مسرحياته التي قام بأخراجها وعرضت في مهرجان المسرح العربي العاشر في تونس  والمسرحية من  تأليف تغريد الداود, وكانت الرؤية الأخراجية لمحمد العامري في  مسرحية غصة عبور التأكيد على  إيصال صورة مسرحية مؤثرة  في  الجمع بين أربع شخوص لكل شخصية حكايتها و مأساتها واعتمد في ذلك على جانب السينوغرافيا في أظهار ديكور وأضاءة ومؤثرات صوتية وأزياء متناسقة جماليا مع حوار منسجم و اُسلوب سردي متوازن  موظفة بشكل جميل لخلق  الجو النفسي العام  كأجواء الخوف و الألم والقلق و مرارة الإنتظار التي  تعيشها الشخصيات .
 وبذلك أثبت تميزه وحضوره الفني في المشهد المسرحي الإماراتي والعربي  وذلك في أضفاء  وخلق الحس الجمالي ذو الطابع النوعي  ,الذي  لا ينفي الواقع المتداول , ولكنه يحيله الى واقع اخر بملامح وعناصر  فكرية وجمالية  يتخذ منها واسطة للاظهار المسرحي مستعينا بالفكرة والحوار والشخصيات من خلال أعتماده على المساحات الزمنية الفكرية الواسعة  للنص المسرحي وعليه فأنه  يتعامل مع النصوص المسرحية التي يقوم بأخراجها وتجسيدها على خشبة المسرح  بلغة الواقع والرمز والتعبير ومن خلال تفكيك النص المسرحي  ومحاولة فك رمزه والغوص  بين ثناياه  ومساحاته وفضاءاته ,معتمدا على النظام التوزيعي لهيكلية مضمون النص بدلا من النظام التتابعي فتكون بذلك رؤياه الأخراجية  أكثر انفتاحا في تعميق الفعل المسرحي  للوصول الى أحاسيس مؤثرة  عند المتفرج وتكون بيسر مع اشتعال الروح  لتاكيد الأفعال المسرحية من خلال  بواعث انهمار الضوء والضلام على سطوح أجساد الممثلين  والتي تضئ  مرة اخرى كل شئ في طريقها ، فتصبح  الأفكار والحوار كالقناديل المتوهجة بآمالها ، أفراحها ، أحزانها ، تتزحزح بثقلها في ذلك الجو الجمالي  الممتلئ بأحاسيس البشر وشجونهم . . هذا كله انعكاس لحالات وجدانية عميقة عند الفنان محمد العامري ، يحاول تجسيدها في العروض المسرحية التي قام بأخراجها بحيث  يتوق إلى معرفة ما ينبعث من إشراقات في نفس الممثل والمتفرج الذي يدهشه المشهد  البصري المتقن في مسرحياته  المنجزة ومكامن الخلق والأبداع  المتأصل في ثنايا عروضه المسرحية وعالمها ذي وقع سحري يستمد قوته التعبيرية كمخرج مسرحي  قد  ساهم في  تطور المسرح االأماراتي  وقد ستمد ذلك من خلال  دوافعه وسعيه الى تجسيد  عروضه المسرحية برؤى جديدة من خلال التصورات الجديدة لإستخدام السينوغرافيا في المسرح وتطويعها في عروضه المسرحية  الإبداعية.
 كصفة جمالية مستوحاة من الأفكار والصور المسرحية  التي يقوم بأستنباطها من النص المسرحي بعد ان يقوم  بتفكيكه وصياغته بصورة جديدة ومؤثرة لذلك   لقب بمجنون المسرح لإبداعه وشغفه في المسرح .


الأربعاء، 14 مارس 2018

مسرحية "وأد على الشريعة "هذا هو المسرح

مجلة الفنون المسرحية

الكاتبة أيمان الكبيسي 

الثلاثاء، 6 مارس 2018

أبسن والرمز

مجلة الفنون المسرحية

أبسن والرمز 

 *قيس جوامير علي 

الرمز : أن توظيف الرمز واستخدامه في النتاجات الادبية , قديم قدم الادب نفسه , وقد وصف الناقد (مارتن تيرفل) أدب أوربا  كله  أدب رمزي , فأستخدام الرمز في النتاجات الادبية والفنية والتعبير عنها , وقال ان الرمز هو  مظهر من المظاهر اللغوية , واداة من ادواتها ووسيلة لأختراق الغيب , والنفاذ لعوالم لا تصل لها الحواس , لقد أعطت المدرسة الرمزية  للرمز وسيلة روحية وبعداً غيبياً دينياً , ويرى الناقد (أرنست كاميرز) أن الفن الواقعي ما هو الا فن رمزي , يرمي الى تجسيد المعاني عن طريق الرمز , واستخدم الرمزيون الموسيقى والايحاء للولوج الى عالم ما فوق الحواس , وابسط انواع الرمز عبارة عن علامة او اشارة , تتغير حسب أستخدامها , فتارة تاتي على شكل صورة ,أو نغمة , أو كلمة لها دلالة مجتمعية تسمى "العرف" وغالباً ما تكون متوارثة , كما في اللغة "الهيروغليفية" التي تعتمد الصور , فهي اوضح مثال على الرمز , حيث يصبح الرمز هنا عبارة عن وسيلة لتخزين وحفظ التجارب الحسية , بحيث تكتسب صفة الدوام , حيث ترتبط هذه الاشارات والعلامات بشحنات شعورية جماعية متوارثة , وبذلك يتخطى الرمز عالم التجربة الحسية ,  الى عالم النفس , فيصبح وسيطا ً بين عالم الحس  وعالم الروح والمشاعر , كارتباط الساحرات بالشر في "مسرحية ماكبث" لشكسبير , ونعيق الغراب كنذير شؤم في مجتمعنا العربي , كما استخدم الرمز في إنشاط التفكير الانساني منذ القدم , حيث كان الانسان البدائي تمتلكه الرهبة والخوف عندما يرى شجرة شاهقة عالية , وعندما تلامس الريح اغصانها وتتحرك يرى الانسان من بين اغصانها , الله يتحرك , فيخر الانسان ساجداً , وكانت هذه بداية الانتقال من عالم المحسوسات , الى عالم الفكر , وكان الرمز وسيلة الانسان الرئيسية لفهم الكون ودلالاته الروحية للمحسوسات , وبعد تقدم الوعي الانساني , أصبح لتجاربه الحسية أسماء , وأصبح لكل أسم دلالتين , المحسوس منها الذي يشير الى الاسم , والدلالة الثانية , هي دلالة روحية مشحونة بطاقة يثيرها الاسم داخل النفس البشرية , واصبح الرمز بالاضافة الى استدعاء الصورة , يستدعي جزء معين من التجربة الانسانية التي حفزتها الصورة , مشحونة بالطاقة النفسية التي ارتبطت بالصورة التي يشير اليها الاسم . أن من اعتنق المذهب الرمزي أمن بان الطريق للوصول للحقيقة , لا ياتي من خلال استلال الحدث من ما يجري في الواقع , والذي يُدرك بواسطة حواس الانسان المنقوصة الغير مكتملة , والعقل الذي يترجم تلك المعطيات الغير متكاملة , وبالتالي ينتج فكرة منقوصة , يختلف فهمها من انسان لاخر , فيصعب الوصول الى الحقيقة  , الا بالاعتماد على الحدس الفطري .
 في المسرح الرمزي لا يهمنا الفعل والحدث الذي يحدث في الحياة , بل العالم الروحاني وعالم اللا معقول البعيد عن الواقع . اما الواقعيون والطبيعيون فيرون ان الوصول الى الحقيقة لا يمكن , الا من خلال الاعتماد على الحواس والتحليل , وبالتالي الاعتماد على الانسان في عملية التغيير ويرجع له الخلاص  , بعكس الرمزيون الذين يعتبرون عالم الحواس ما هو الا صورة لعالم الفكر . ويرون ان الفن شئ خاص لا يتبع لاي مفهوم عقلي منطقي , ويسعون للتعبير عن علاقة المادة بالفكر رمزيا ً , بغية الابتعاد عن التعبير المباشر ,الذي لا يعطي للاثر الفني جمالا وابداعا  وبذلك يمكن ان نصل الى معنى جديد يمكن تفسيره ذهنياً بطرق مختلفة , من خلال ادوات مادية حسية  وهذا التفسير يعتمد على وعي المتلقي وفهمه  للنتاج الادبي الفني وموضوعه ,  والعرف الرمزي الذي أعتمدته بيئته ومجتمعه بالتوارث, والرمز  هو  استخدام مجموعة من ادوات وصور في افعال ومكملات مطابقة بحيث تنقل في الخفاء ,اما صفات اخلاقية , واما تصورات عقلية ,  ليس هي نفسها موضوعات للادراك الحسي , واما صور اخرى وادوات وافعال واقداراً واحداثاً بحيث ان الاختلاف يُعرض في كل مكان للعين او الخيال , بينما التشابه يوحى به الى العقل.
الرمز في المسرح :

هنالك شكلان او نوعان من الترميز المسرحي أولهما يقوم على اساس تجسيد لمفاهيم ومعاني لشخصيات في النص المسرحي  تكون رمزاً لتلك المفاهيم والمعاني وهذا ما يطلق عليه كلمة(Allegory)  حيث تكون كل شخصية هي رمزاً لمعنىمعين كما في المسرحيات المدرسية , حيث يرمز لمدينة بفتاة جميلة والى التاريخ رجل هرم والى الشيطان رجل قبيح مرعب الشكل  اما النوع الثاني من الترميز المسرحي يكون الرمز في تلك المسرحيات عاما وشائعا على المسرحية كلها ويكثر هذا النوع في المسرحيات الواقعية التي تعالج  مشاكل المجتمع والانسان , ويكون لها فوق دلالاتها الطبيعية دلالة ثانية أدق وأعمق من الدلالة الاولى ,  وهناك ما يسمى "الرمزية الخارجية" وهي احدى الوسائل التي استخدمها الكتاب المسرحيين ,كما في ومنهم النرويجي أبسن و"البطة البرية"  والروسي تشيخوف "وبستان الكرز" والاميركي تنسي وليمزو"عربة اسمها الرغبة"
أن جميع هذه المسرحيات محاولة من الكتاب للتشبث بهدف من الاهداف خارج شخصيات المسرحية انفسهم , ومعالجتهم لهذا الهدف بوصفه قوة , او رمزا لقوة تعمل من الخارج على موضوع الرواية , او انهم يعالجونه بوصفه كناية في مجال اوسع من مى الموضوع.وهذه الرمزية الخارجية تخدم الغرض المضاعف ,الذي تخرج فيه في جو واحد بين الشخصيات المتنوعة في المسرحية بحيث تربطهم بجمهور النظارة وبالعالم الخارج عن نطاق هذا الجمهور

أحتوى الكاتب النرويجي (أبسن)  ثقافة عصره , منذ ظهور الفيلسوف الفرنسي (ميكافلي) الى الواقعي الفرنسي (أميل زولا) , وارداً من مشاربهم كل ما يهمه , خارجاً بفلسفة خاصة به , بعد أن بدأ حياته الفنية والادبية "شاعر هجاء" , ورسام ٌ ساخرٌ, فأنعكس  ذلك مُجتمعا ًفي نتاجه الفني الدرامي , مُفجرا ً "الثورة الابسنية" في استلال الموضوع الخاص به, واستقلالية الاسلوب , ودقة التكنيك , جاعلا ً من نتاجه الدرامي المسرحي مرآة لعصره من خلال ولوجه الى صميم مشاكله ألأجتماعية , وتحرره من تقليد ما سمي ب"المسرحيات جيدة الصنع" التي تستهل عرضها المسرحي "بالاستهلال , مرورا ًبالعقدة , ومُنتهية بالحل" من خلال استحظار الماضي ووضعه على طاولة التحليل ,لصعوبة انسلاخه من الشخصيات الدرامية ’الا من خلال الارادة  ليفجر صراع ينتصر فيه الحاضر, معتمدا ً الحوار الثنائي او  الجمعي الذي لا يخلُ من الترقبْ , حَوّلَ النرويجي (ابسن) "الحل" الى "مناقشة تحليلية" لواقع مجتمع متهرئ ,يكون الصراع فيه معتمدا على التطور الفكري للانسان وصولا ً الى الحرية , وبالتالي مواكبة السيرورة التطورية للمجتمع ,وفي مسرح ابسن تتقابل الشخصيات وجها لوجه  وتتناقش بموضوعية لتصل الى حل للمشكلة , وعند الوصول الى طريق مسدود لا تتوانى الشخصيات ,من اعلان تمردها , حتى اذا كلفها ذلك أعز ما تملك , حيث أن "ابسن" لا يسمح أبدا ً للقدر,  وللغيبيات بالتصرف بمصائر أبطاله الاحرار في اتخاذ القرار , ناقلا الصراع الشكلي بين الشخصيات الى صراع حقيقي فكري بين التقاليد والاعراف , وبين حرية الفرد المتمثل بالبطل الادرامي وأستقلاله الذاتي الانساني , من خلال دفاعه المستميت عن الحريات بما فيها حرية المرأة وأرادتها  ,  راسما لشخصياته طريقا خاصا ً يبتعد عن الحوار الفردي الجانبي الرومانسي البعيد عن الواقعية , وجعل التفكير والعقل هي احدى الادوات المهمة التي تشترك في عملية التغيير الانساني الفردي كما أن النرويجي ابسن قد استغنى عن مناجاة النفس والتكلم الذاتي كما انه خلق ما يسمى "بمسرحية الافكار" التي تستدعي التفكير والتعليق والنقاش وانقسام الاراء حولها مما خلق صراع فكري داخل المجتمع بين التحررين الذين يسعون الى امتلاك الانسان لحريته وتقرير مصيره وبين الرجعية المقيتة التي تجعل من الانسان تابعا لغيره ممسوخ الفكر والارادة وخصوصا المرأة , وقد احدثت مسرحياته نهضة كبيرة في النروج واوربا , وخصوصا انكلترا بعد ان ترجمت مسرحياته الى معظم دول اوربا , فقد أمن( أبسن) أن الانسان هو وحده الذي يستطيع تغير حاله ,وتحرره الكامل من ماضيه ,لانه نتاج بيئته التي تتحكم بسلوكه وحياته , فلا يمكن تغير المجتمع الا من خلال تغيير الانسان معتمداً على  ارادته , في عملية التغير. وقوة هذه الارادة , تخضع لمؤثرات خارجية كبيرة منها منها , العادات والتقاليد وهيمنة الدين , فلا طريق للخلاص الا من داخل النفس البشرية , ففي مسرحياته "بيت الدمية " و"البطة البرية" و"الاشباح" , كانت كافة الشخصيات , (تكافح في سبيل التحرر من القيم الاجتماعية الزائفة , ولعل أهم ما يميز مسرح أبسن , هو الهوة السحيقة بين الماضي والحاضر , فالحاضر لم يكن استمراريا ً حتمياً للماضي , بل اصبح الماضي عدواً للحاضر والمستقبل في احايين كثيرة , ومن هنا كانت المفارقة الدرامية التي بني عليها أغلب اعمال (أبسن) , هذا الماضي لا يزال يعيش في داخلنا ميتا ً ولكنه موجود كالشبح فنحن نعيشه وفي الوقت نفسه لا نعيشه  , وهنريك ابسن لا يكتفي بمحاربة ومهاجمة العادات والتقاليد البالية , بل يتخطاها لمحاربة الافكار البرجوازية والشخوص النمطية التي تقض مضجع الانسان كالجشع , والتعصب والتعالي والكاهن ورجل المال والتطرف وهذا ما يؤشر عليه بوضوح من خلال مسرحياته والصراع الفكري والانساني في سبيل التحرر والسعادة والحياة الحرة . وكان المسرح عند النرويجي هنريك ابسن  أشبه بغرفة أزيل حائطها الرابع لتكشف للمتفرج عما يجري بداخلها , ولكن يجب أن لا يفوتنا أن المؤلف يشغل تلك الفجوة التي يطل منها المتفرج على الممثل , فكل ما نشاهده على المسرح يخضع لفنه وفكره واحساسه مما تقدم نرى ان الكاتب النرويجي ابسن اعتمد المسرح الفكري ومخاطبة العقل بل تعدى ذلك باقناع المتلقي بصحة فكره من خلال المناقشة وعرض المشكلة على طاولة البحث والنقاش امام الجمهور على لسان شخصياته , بغية الوصول الى توافق فكري ,يكون اساس لعملية التغيير الفعلي , بعيدة عن فكرة التطهير التي تقوم على تنقية نفوس المشاهدين بأثارة خوفهم وتحريك كوامن شفقتهم ورحمتهم , وهي فكرة ترجع اصولها الى معالجة الداء بالداء فيعالج الداء الحقيقي الواقعي عن طريق أثارة شبيهة المتخيل غير الواقعي أثارة فنية قائمة على حشد المشاعر وتوجيهها بغية تطهير النفس   وبتخطي أبسن عملية التطهير ومعالجته لمواضيعه الدرامية فكريا , يكون بذلك قد خرج من عباءة المسرحيات التقليدية ,واضعاً  اللبنة الاولى للمسرحيات الفكرية , التي اعتمدها برخت المتوفي سنة 1956 م من الكاتب ابسن المتوفي سنة 1906م
ان المسرح الفكري , هو نوع من انواع كسر الجدار الرابع , , لقد أبتدع (أبسن) في مسرحياته شخصية "الصديق" (Raissoneur) , حيث تكون حواراته معبرة عن  وجه نظر المؤلف , وتقوم بشرح ثيمة المسرحية والهدف الاعلى لها , وان هذا النوع من الشخصيات , قدمها الكاتب الفرنسي (سكريب) ((Scribe , قبل النرويجي (ابسن) , حيث كان يُسخرْ هذا النوع الشخصيات , والتي لم يكن لها اي وظيفة فكرية , ولا اجتماعية , ومهمتها الاساسية هي كسر الجدار الرابع , وكسر حاجز الايهام الذي يعيشه المتلقي , ويؤكد له ان الذي يجري ما هو الا وهم , بعيد عن الواقع, واستثمر (ابسن) هذا النوع من الشخصيات وطورها , بان تكون فعالة في مسار المسرحية ,  كما في القس "ماندرز" في مسرحية "الاشباح" والدكتور رانك في مسرحية "بيت الدمية" .
أن ابسن استخدم   هذا النوع من الشخصيات ليكسر الجدار الرابع ويضع المتلقي في معترك النقاش الذي يجري بين الشخصيات ليخرجوا بالحل معاً ,  وهنالك قواسم مشتركة  اخرى بين "مسرح "برخت" ومسرح "ابسن" منها أن مسرح "برخت" يوقض فعالية المتلقي ويحمله على اتخاذ موقف يسهم في عملية تغيير المجتمع لبلوغ حرية الانسان ,اعتمادا على حجج عقلية ويدفع بالمشاعر والعواطف بعيدا عن عملية التحليل والنقاش الفكري وبذلك يكون المتلقي قد ساهم بدراسة الاحداث وتحليلها من خلال الاستماع للنقاش الفكري المقام بين الشخصيات الدرامية , ويكون جزء من النقاش لان المشكلة الموضوعة هي من صميم مشاكله , فعند خروجه من العرض المسرحي يكون مؤهلا لعملية التغيير وبيده أن يغير الاشياء  والمواضيع الاجتماعية التي كان يطرقها ابسن , بخصوص حرية المرأة وغيرها وقد نضجت افكار ابسن في المرحلة الاجتماعية , من مراحل تطور كتابة الدراما لديه , واصبح يكتب في مشاكل الانسان الاجتماعية بكل جوانبها وبضمنها حرية المرأة والظلم الواقع عليها , وظلم ما جاء في العاداة والتقاليد المجتمعية ونظرة الدين لها بالاضافة الى ذكرية المجتمع , وما للضجة العارمة عند عرض مسرحية"بيت الدمية " الا دليل على ذلك بالاضافة الى مسرحية "الاشباح" ومسرحية "اعمدة المجتمع"ومسرحية "عدو الشعب" وكانت جميعها في المرحلة الاجتماعية من مراحل كتابة الدراما عند ابسن بعد ان قسمت مسرحياته الى ثلاث مراحل اولها المرحلة التاريخية وثانيتها المرحلة الرومانسية والشعرية وثالثتها المرحلة الاجتماعية  التي نحن بصددها .
 الرمز والدلالة عند (ابسن) والبحث في حَيْثياته , يتطلب الولوج الى عالمه الخاص , من خلال الابحار والولوج في نصوصه المسرحية  , واثاره الادبية , بغية  تحليلها , والقاء الضوء على الرموز والدلالات والاشارات , والاستسقاء من منبعها الاصلي ليحول دون تشتتنا , حيث ان تلك الاشارات والدلالات ما هي الا انساق من الترميز . ولنأخذ مسرحية "بيت الدمية" أنموذجا .
مسرحية "بيت الدمية" :  كتب النرويجي (هنريك أبسن ) مسرحيته "بيت الدمية" ضمن المرحلة الثالثة من مراحل تطوره الفكري , عام 1879م , ويهمنا في بداية بحثنا في المسرحية أن نسلط الضوء على الترجمة الحرفية لاسم المسرحية في لغتها الام التي كُتبتْ بها وهي اللغة (النرويجية ) ثم ترجمتها الى الانجليزية وللعربية , عمد المؤلف على تسليط الضوء على الاسم ليكون هو الرمز الذي تدور حوله احداث المسرحية , الجملة "بيت الدمية"باللغة النرويجية هو (Et  dukkehjiem)  وتترجم للانجليزية بالجملة ( Adools House) وعندما تترجم الجملتان الى اللغة العربية تعني "بيت الدمية "

تتلخص حكاية المسرحية , هيلمز ونورا متزوجان منذ زمن , يعيشان عيشة هادئة سعيدة نوعا ما , رغم وجود اسرار تخفيها نورا عن زوجها , رزقا باطفال يحبونهم ولديهم مربية , ترفع الستار ونورا حاملة هدايا عيد الميلاد المناسبة التي المتزامنة مع تعيين زوجها مديرا للبنك , فرحت كثيرا بهذا المنصب الذي سيدر عليهما مال اكثر من ذي قبل, ولتتحسن حالتهم الاقتصادية , والسر الذي تحمله يقض مضجعها , وتخاف ان يؤثر على سعادتها , حيث سبق وان استلفت مقدار من المال , من كروتشاد الموظف في البنك الذي يرأسه زوجها , بعد ان زورت توقيع والدها بعد وفاته , وتقوم بتسديد المبلغ ون علم زوجها, وكان سبب اقتراض المبلغ هو انقاذ زوجها المريض بمرض خطير , سافرت به الى ايطاليا بغية معالجته وقد شفى من المرض , وقد كذبت نورا على زوجها حين قالت ان المبلغ هو هدية من والدها , الموظف كروتشاد يهدد نورا بافشاء السر لكونها قد زورت توقيع والدها او التوسط عند زوجها بعدم طرده من البنك , نفذ كروتشاد تهديده واضعا رساله في صندوق بريد زوجها , عرفت نورا بالرساله وحاولت بشتى الوسائل عدم فتح زوجها للصندوق الا بعد انتهاء حفلة راقصة , بعد الحفلة فتح هيلمز الرسالة وثارت ثائرته على نورا  , فاتفضت نورا على زوجها وهي انتفاضة على المجتمع فخرجت من البيت وصفعت باب البيت وهذه الصفعة التي ترمز للحتجاج غيرت كثير من وضع وتفكير المجتمع  , وخلدت تلك الصفعة الرمزية الابسنيه.

*ماجستير اخراج مسرحي 

السبت، 24 فبراير 2018

البقية تأتي‏..‏ عندما يتحول المهرجان إلي مختبر للتعلم

مجلة الفنون المسرحية

البقية تأتي‏..‏ عندما يتحول المهرجان إلي مختبر للتعلم

مني شديد - الأهرام المسائي 


البقية تأتي هو تجربة فريدة من نوعها في مصر‏,‏ فهو ليس مهرجانا عاديا يتقدم إليه المبدع للمشاركة بأعمال معدة مسبقا والمنافسة علي جوائز‏,‏ حيث تجاوز مهرجان البقية تأتي هذه الفكرة وجمع بين كونه مختبرا ومهرجانا للعرض في نفس الوقت
, والهدف من المختبر هو التدريب والتعلم حيث يتعلم فيه الشباب علي يد خبراء كيفية تطوير مشاريعهم ومراحل إنتاج عمل فني بالكامل بإمكانيات بسيطة.
يتقدم للمشاركة في المهرجان العديد من الشباب بمشاريع مسرحية ورقص معاصر, وبعد مراجعة المشاريع يتم اختيار4 منها فقط منها للعرض علي الجمهور وهو صاحب الحق في اختيار الأفضل من بينها من خلال التصويت علي هذه الأعمال وعناصرها الفنية المختلفة, ويحظي صناع هذه المشاريع بالفرصة لتقديم أول مشاريعهم الاحترافية علي خشبة المسرح.
واستطاع المهرجان خلال دوراته السابقة أن يقدم للساحة الفنية عددا من المبدعين المتميزين مثل مصممة الرقصات شيرين حجازي وعرضها يا سم الذي حصل علي أفضل عرض في الدورة السادسة لمهرجان البقية تأتي وعرض في حفل ختام الدورة23 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي, والجائزة الفضية لأفضل عرض متكامل في مهرجان ليالي المسرح الحر في الأردن.
بينما ضمت الدورة السابعة من البقية تأتي4 عروض, العرضان المسرحيان شهر العسل للمخرجة سمر جلال وأنا للمخرج مصطفي خليل, وعرضي الرقص المعاصر الغائب لعلي خميس ويوتوبيا لنغم صلاح, ولم تكن العروض علي درجة عالية من التميز لكنها كتبت شهادة ميلاد مبدعين جدد بذلوا مجهودا واضحا.
جاء العرضان المسرحيان شهر العسل وأنا علي النقيض من بعضهما البعض, ففي الوقت الذي أثرت سمر جلال أن تقدم عرضها في اطار مسرحي تقليدي وبديكور بسيط معتمدة علي الاداء التمثيلي لبطلي العرض أحمد رضوان ومها عمران, حاول مصطفي خليل التجريب واعتمد علي فم الممثلة فقط في عرضه أنا حيث حول خشبة المسرح إلي بقعة سوداء لا يظهر منها سوي هذا الفم وصورة أكبر له تنقلها كاميرا مسلطة عليه وضعها المخرج في مقدمة خشبة المسرح. شهر العسل مستوحي من كتابة علي سالم ويتناول القلق والخوف الذي يسيطر علي الانسان ويصل أحيانا إلي حد الهوس, من خلال قصة كاتب شاب تكتشف زوجته في الاسبوع الأول من شهر العسل أنه مصاب بهذا الهوس ويشعر دائما أنه مراقب, فتقرر طلب الطلاق لأنه لا يعترف أنه مصاب باضطرابات نفسية وبحاجة للعلاج.
وعلي الجانب الاخر استخدم مصطفي خليل فكرة المسرح الاسود والفم المتكلم ليصطحب الجمهور في رحلة ذهنية مع أصواتهم الداخلية, فالمونولوج القصير الذي تقدمه الممثلة مستوحي من أعمال صامويل بيكيت, وهو مونولوج غير مفهوم ولا يقصد قصة بعينها وإنما الهدف منه التعبير عن صراعات هذه المرأة الداخلية واضطراباتها العاطفية وكأنه مونولوج داخلي في عقلها الباطن.
وتعتبر مهمة عروض الرقص المعاصر أصعب لأنها من المفترض أن تمتلك القدرة علي توصيل الأفكار والمشاعر للمتلقي بالاداء الراقص, وفي عرضي الغائب ويوتوبيا استخدم صناع العرضين مونولوجات قصيرة للتعبير عن المشاعر والحالة التي يقدمها العرض. الغائب عن الوجوه الهائمة في الشوارع وعن صراع بطل العرض مع من حوله, والأفكار أو الاشخاص الذين يحاولون السيطرة علي العقل والجسد, وفي تقديمه للعرض قال أنه عن الاشياء الانسانية المفتقدة كالخوف والفراق والحب حتي الموت, وعن الحروب التي نضطر لخوضها والفوز بها.
أما يوتوبيا فهو كما قالت عنه نغم صلاح نتاج لفكرة البحث الدائم عن الطريق الصحيح والاصح, والسعي لايجاد إجابات مرضية للتساؤلات والأفكار التي تسيطر علي العقل وليس بالضرورة أن يكون لها اجابات مقنعة.

أوال المسرح: يعني لنا: حياة لا تغادرنا، دون ماء!

مجلة الفنون المسرحية

أوال المسرح: يعني لنا: حياة لا تغادرنا، دون ماء!

 علي الستراوي - الخليج 


برغم المطبات التي صادفت مسيرة مسرح «اوال» منذ تأسيسه الذي يعود تاريخه للعام 1970 تحت مسمى «مسرح البحرين» الذي احتفظ بهذا الاسم لمدة عام ليتغير بعده إلى «مسرح «أوال» تظل هذه المسيرة متخطية لكل الصعاب، مسيرة تجددت وعانقت فضاء الحركة المسرحية في تعاطيها مع الجمهور الذي حرص وكبر مع الحراك المسرحي لأوال. المسرح الذي لم يتخلف يومًا عن فتح نوافذ شباكه للجمهور الوفي في دوراته المهرجانية الذي آمن بها منذ العام 2005 وهي الدورة الأولى للمهرجان والتي استمرت في تعاطيها سنويًا حتى العام 2010, ليتوقف مدة عامين يعود بعدها العام 2013 في احتضان جمهوره.

وكانت الرسالة الأولى للمهرجان التي جاءت العام 2005 في الدورة الأولى التي بدأت بأربعة عروض، سريعًا ما وسع المسرح نطاق المشاركة بانضمام الفرق المسرحية الأهلية المحلية تحت جناح مهرجانه امثال «مسرح جلجامش، الريف، البيادر» بالإضافة دعوته المسارح الخليجية والعربية التي شاركته مهرجانه، فمن الخليج إلى المحيط كانت الروح المسرحية فاعلة في بيت اوال المسرحي وضمن مهرجانه الذي لم يغب جمهوره ولم تقف امام مسيرته الصعاب، ظل مغامرًا، يشد جرحًا بجرح ويبني ما يؤمن به أنه حياة.

ففي فبراير من كل عام اوال المسرح لا يتخلف عن محبيه، وفي العام الذي مضي 2017 كانت الرسالة ثابتة لدى أوال المسرح وهي اكثر ثبوتًا واصرارًا على الاحتفاء بالنص المسرحي وبالمسرح كرسالة لا يحيد عن قيام فعلها في مدار مهرجانه وفي الدورة الحادية عشر التي جاءت تحت شعار «في أوال نحيا.. وبالمسرح نسمو» والتي انطلقت عروضه المسرحية في الخامس عشر من فبراير 2018 وبعد أن شهدت الصالة الثقافية بالمنامة ومركز المحرق النموذجي فرحًا استثنائيًا تنوعت فيها المشاركة من الخليجية والعربية إلى الأجنبية.

يشهد لأوال أنه مسرح لا يغفل جمهوره ولا يحب أن يكون آخر الركب، مسرح جدّ واجتهد اعضاؤه بجسد واحد مع فن المسرح.

والجميل أن يكون هذا العام من المهرجان يأتي تحت: تسمية جائزته بريادة رائد العمل الإعلامي «طارق المؤيد» فهو مؤمن بالبناء وباحتضان الرواد، وليس غريبًا على اوال الذي اعتدنا في كل مهرجان تكريمه للرواد من الادباء والفنانين.

 كل الحب لأعضاء ومنتسبي أول المسرحي والحب الذي لا يعادله حب احتضان المسرح بالحياة، فتحية للجمهور الوفي الذي حرص على مواكبة عروض مهرجان اوال وتابع بشغف جديده، وكنت اتمنى ان لا اتخلف، لكن الظروف احيانًا تكون اصعب من الخطى، اشد على كل أعضاء أوال المسرحي وتحية لحامل راية اوال الفنان القدير رئيس المسرح عبدالله ملك، هذا الفنان الذي لم تفارق البسمة شفتيه، ولم يغب يومًا عن فضاء مسرح الحياة.

وتحية لكل الفرق الخليجية والعربية والأجنبية التي شاركت اوال مهرجانها، فالحب يعجز أن يبوح لأن القامة الواقفة هي الفعل وهي ملتقى الرأس من الجسد، فالنجوم بغير وعي لا تراها العين والظلمة بغير البدر لا تنقشع.

فلنبصر، والبصيرة رهان آمن به كل أعضاء اول، ونحن بإيمانهم سائرون نحو شباك التذاكر لفعل اراه يتجدد ويكبر ضمن فعل دائرة الرحى، يطحن البذور ويحيلها خبزًا للجائعين، فنحن من دون فعل المسرح بالفعل جائعون. 

والحياة دون ركب المنتسبين لعامة الناس، حياة ضائعة البسمة وشقية التصرف، فالحلم في بناء فضاء مسرحي متفاعل هو الذي نراه يكبر بين اجتهاد وتفاني منتسبي وأعضاء اوال المسرح العريق والساعي نحو تزيين البيت البحريني بسلال الرطب وقهوة الهيل وعناق الصحاب والمحبين في دردشة فضاءها مسرح يعني لنا: (حياة لا تغادرنا دون ان نكون في فعلها بناء لا ينهد، وضميء لا يطفي حريقه سوى الماء).


الجمعة، 23 فبراير 2018

حينما يتحول الممثل إلى دمية طيعة بيد مخرج مستبد

مجلة الفنون المسرحية

حينما يتحول الممثل إلى دمية طيعة بيد مخرج مستبد


العرب 

لا شك في أن دور الممثل المسرحي كان مهيمناً على مدى قرون طويلة، وربما لا يوازيه شيء في أهميته سوى النص المكتوب الذي ظل بمنأى عن التجاوز والخرق والانتهاك حتى إطلالة القرن العشرين، حينما ظهر عدد من المخرجين المسرحيين في مختلف أنحاء العالم يميلون إلى تضييق الخناق على نجومية الممثلين أمثال المخرج إدوارد غوردن غريغ وفيسفولد مايرهولد وجاك ليكوك وغيرهم من المخرجين الذين وجدوا ضالتهم في كل ما هو موجود على خشبة المسرح وفضائه المكاني الواسع الذي يتيح استثمار سينوغرافيا العرض والمؤثرات الصوتية والبصرية التي يمكن أن تنافس الممثل، وتسرق منه الأنظار.

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان دائماً هنا هو: هل يمكن الاستغناء عن الممثل كلياً؟ أم أن دوره ينحسر تبعاً لاهتمام المخرج بالسينوغرافيا أو البانتومايم أو حركة الجسد، أكثر من اعتماده على الممثل من جهة والنص من جهة ثانية؟ وهناك جهة ثالثة توازن ما بين الممثل والنص وسينوغرافيا العرض برمتها بما فيها المؤثرات السمعية والبصرية.

الممثل الدمية

للتقليل من أهمية الممثل ودوره فقد لجأ كوردون غريغ إلى تعزيز نظرية «الممثل الدمية»، بعد أن نبذ فكرة الممثل الواقعي الذي يستجيب لطرق التقمص التقليدية في الفن، وقد رأى في هذا النمط تقليداً ومحاكاة فجة للأساليب القديمة التي عفا عليها الزمن، لذلك دعا إلى استعمال الأقنعة والدمى والعرائس التي تحل محل الممثل النجم، بل أنه «طالب الممثلين أيضاً بأن يكونوا نسخاً إيجابية من هذه الأشكال اللُعبية الهادفة، كما أمرهم بطاعة المخرج ولو كان ديكتاتورياً»، وهو ما ذهب إليه الناقد الدكتور جميل حمداوي. وهذه الإزاحة المتعمدة قد تُحسب لمصلحة المخرج أولاً ولكل العناصر السينوغرافية الموجودة على خشبة المسرح. وفي السياق ذاته يمكننا الاستشهاد بما ذهب إليه فيسفولد مايرهولد في نظريته البيوميكانيكية التي تعتبر الممثل كائناً آلياً قابلاً للتطويع، حيث يؤدي ما يُسند إليه من الأدوار المسرحية البانتومايمية أوالآلية التي تحاكي حركات الآلة لتجسّد أفكاره الشكلانية المحملة بدلالات ورموز كثيرة. ربما يكون السؤال الأكثر أهمية هنا هو: كيف يطوّع الممثل المُعتمد على التقنية البيوميكانيكية حالته النفسية لكي تنسجم مع وضعيته البدنية المتخذة شكلاً آلياً، تحقق بالنتيجة نوعاً من الشدّ والاستثارة المطلوبة التي تجذب المتلقين وتضعهم في دائرة التفاعل معه، بوصفه الشخصية المهيمنة حتى هذه اللحظة وإن حوّله المخرج إلى إنسان آلي أو شبيه به في الأقل؟

كائن احتفالي

لم يلجأ أنتونين آرتو إلى تحيّيد دور الممثل ولكنه حوّله إلى كائن احتفالي متحرك يتماهى مع التنغيم، ويتساوق مع إيقاعاته في محاولة جدية للاقتصاد بالحوار، والتقشِّف في الكلام إلى أقصى حدٍ ممكن مستعيضاً عنه بالحركة والإيماء والرقص الكوريوغرافي، والأداء التعبيري، ولغة الجسد التي تصل إلى أعلى درجات التوهج والتجلي اللذين يمكن أن يلامسا شغاف المتلقي عبر خطابهما البصري المعبِّر. من المفيد هنا أن نشير إلى دعوة أدولف آبيّا إلى زيادة العلامات المسرحية وتغليبها على دور الممثل المسرحي، فهذه العلامات وغيرها من العناصر السينوغرافية تُسهم في «تقليص دور الممثل إلى دور متحرك لصورة المسرح بإخراج المسرحية إيقاعياً، ذلك لأن اهتمامه الرئيسي كان منصبا على الموسيقى والمسرح الغنائي»، كما يقول جون رسل تايلر في الجزء الأول من موسوعته المسرحية، أي أن الموسيقى والغناء والرقص الكوريوغرافي وكل ما يجري على خشبة المسرح يشدّ انتباه المتلقين ويحقق لهم جزءا كبيرا من المتعة والفائدة الضمنية المحجوبة التي قد تظهر نتائجها لاحقاً. وعلى الرغم من هذه الإنتقالة الكبيرة من الممثل إلى سينوغرافيا العرض والمؤثرات الصوتية والبصرية، إلاّ أن هناك حركات مسرحية مهمة قد أعادت للممثل هيبته المفقودة، كما في مسرح العبث واللاجدوى الذي مثله نخبة من المسرحيين العالميين أمثال صموئيل بيكيت وجان جينيه وهارولد بنتر وفرديناند آرابال وفاسلاف هافل وإداوارد ألبي وغيرهم الكثير، وأحببنا هنا أن نتوقف عند مسرحية «في انتظار غودو» لصموئيل بيكيت التي تعتمد تقنية المسرح الفقير بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فثمة أربع شخصيات رئيسة وهم فلاديمير وأستراغون اللذان ينتظران غودو، إضافة إلى بوزو وليكي وهم جميعاً لا يقولون إلاّ أشياء مبتسرة في فضاء فقير ليس فيه سوى شجرة خالية من الأوراق تدلل على الجفاف والموت المؤقت في أضعف الأحوال، أما الشخصيتان الثانويتان فوجودهما رمزي أكثر منه واقعي لأن الثيمة الرئيسة لهذه المسرحية لا تخرج عن إطار الهيمنة النصية الواحدة التي تقول: «لا شيء يحدث، لا أحد يأتي، لا أحد يذهب، إنه لأمر فظيع». لقد تحملت هذه الشخصيات الأربع أكثر من طاقتها بكثير لأنها أفصحت عن أشياء كثيرة بكلام قليل جداً، لكنها استطاعت أن تشد الجمهور إليها وتستحوذ عليه. إن ما يثير الانتباه هنا في هذا النص المسرحي الذي جُسِّد عشرات المرات على خشبات المسارح العالمية أن كاتب النص ومخرجه، قد أكدا على أهمية الخطاب البصري بعيداً عن النص ودور الممثل الذي يبدو أنه قد تحوّل إلى مجرد دمية لا بدّ لها أن تطيع المخرج حتى وإن كان دكتاتوراً مستبدا.

واقع النص المسرحي العراقي

مجلة الفنون المسرحية

واقع النص المسرحي العراقي


د. مثال غازي- الصباح الجديد 


يعد النص المسرحي مثابةً ومقتضىً اساسياً في تشكل تاريخ بنية المسرح في العالم، ومنه تتجلى وتنبثق جميع الاسئلة الكونية الهائلة عن ماهية هذا العالم … العالم الذي يختزننا ونختزنه ، الذي نعيش فيه ويعيش فينا . تارةً نرفضه وتارةً نتصالح معه ، تارةً نتمرد عليه وتارةً نفترض مجاورته صاغرين امام ثوابته التي لا يمكن تجاوزها . إذ لا بد لكل نص من حكايه نستحضر فيها وقائعنا الماضية الثابتة بروح الحاضر المتغير من اجل صياغة متناً حكائياً يحتكم الى المرجع الاكبر الا وهو التاريخ والعالم والمجتمع ، كما ان الحكاية تمثل جملة مغادرات ضروريه وتحرر من عوالم قائمة باتجاه عوالم ممكنه كما يقول (رولان بارت) فالكاتب المسرحي لا يعيش عمله كتأسيس بل يعيشه كمغادرة ضرورية اطلق عليها (بول ريكور) الصراع بين المبتكر والمترسب بين ما هو كائن وبين ما سوف يكون ومن هنا تجلت وظائف النص المسرحي وتحديداً الحكاية داخل النص ومنها:-
1 – اعتمدت الحكاية استراتيجية نقل الخبرات والمعارف والتجارب الى الاخر.
2 – الحكاية تمنحنا متعة التلصص واستراق السمع لعوالم الاخر بكل ملابساته واسراره وخصوصياته ، وفي ذات الوقت توفر لنا الحصانة الكافية من العقاب بسبب ارتباط عوالم النص المسرحي بشيء من الخيال والمبالغة في عالم متخيل ومفترض برغم ان بعض مصادره واقعية كما يقول (مانفرد)
3 – تمنحنا الحكاية داخل النص المسرحي التحرر من جملة مكبوتات يجد فيها المؤلف والمتلقي متنفسه بعيداً عن محددات واشتراطات الواقع
4 – تجعل الحكاية من ما هو غير محتمل واقعاً جديداً مفترضاً قابلاً للاحتمال وهنا يفضل (ارسطو) في كتابه (فن الشعر) المستحيل الممكن على الامر الممكن غير المحتمل
ومن هنا تتأسس الضرورة النفسية والاجتماعية والتاريخية من خلال استعراض ما تقدم من وظائف الحكاية داخل النص المسرحي.
إذ اضطلعت العقلية المسرحية في العراق وتحديداً من منطلقات نصيّه بكل هذه الوظائف والمهام لترسم للمسرح العراقي هويته الوطنية والمحلية .. حيث يقول الفنان (سامي عبد الحميد) بأن المسرح (العراقي) ولد بولادة المؤلف المسرحي العراقي الذي اضطلع بمهام هذا التأسيس لتكون للقضايا اليومية والتحولات المجتمعية والمرجعيات التاريخية والدينية والاسطورية والعالمية عماد كل نص.
لقد تصدى النص المسرحي العراقي ايها الساده عبر عقود طويلة لكل هذه التحولات الفكرية والسياسية ومنها :-
1 – حروب الخذلان والنكسة والهزيمة
2 – الانقلابات والتغييرات السياسية
3 – الدكتاتوريات البغيضة القامعة للحريات
4 – الاحتلالات والاجتياحات
5 – عقوق الابناء ازاء وطنهم الام
6 – ضياع الانسان وشعوره باليأس
ليكون النص عبر كل هذه المؤشرات القاسية والمؤلمة وعاءً مراً لكل هذه الانتكاسات والهزائم المجتمعية والتاريخية والانسانية. منذ قيام الدولة الملكية وحتى قيام دولة ملوك الطوائف الحزبية والسياسية في عصرنا الحالي.
ليتصدى (نورالدين فارس) و (طه سالم) و (يوسف العاني) و (عادل كاظم) و(بنيان صالح) و (خزعل الماجدي) و (فلاح شاكر) لهذه القضايا بروح الشجاعة والمعرفة والتنوير والقائمة تطول على اعتبار ان المسرح كان ولا يزال بيئة جاذبة ليس فقط لكتابنا المعتمدين في المسرح فمنهم من قدم من تخوم القصة مثل (عبد الستار ناصر) والرواية والشعر مثل (خزعل الماجدي) وغيرها من الفنون.
وقد أشر الناقد العراقي الكبير (ياسين النصير) في كتابه (في المسرح العراقي المعاصر عدة مؤشرات ومستويات لتصنيف التوجهات النصّيه للكتاب المسرحيين العراقيين ومنها :-
1 – استلهام التراث الاسطوري العربي والانساني كما في مسرحيات (الطوفان) لـ (عادل كاظم) ومسرحية ( سيدرا ) لـ (خزعل الماجدي) ومسرحية (الصبي كلكامش) لـ ( عقيل مهدي)
2 – البحث عن ما هو درامي في اللغة والتراث والادب كما في مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) ومسرحية (تموز يقرع الناقوس) لـ ( عادل كاظم) ومسرحية (السؤال) لـ (محي الدين زنكنه)
3 – محاكاة تيار الواقعية كما في مسرحية (المفتاح) و(الخرابة) لـ (يوسف العاني) و (بنيان صالح)
4 – محاكاة تيار المسرحية العالمية باتجاه التعريق والاعداد مثل مسرحية (هاملت عربيا) و (البيك والسائق) المعرقة من قبل الشاعر (صادق الصائغ) والمقتبسة من مسرحية (بونتلا وتابعه ماتي) للكاتب الالماني (برشت)
لتتنوع الاساليب والاتجاهات الاخراجية التي تصدت لهكذا مستويات من التوجهات النصية.
الا ان اخطر تحدي يواجهه النص المسرحي هو ان يقف ازاء معادلة صعبة ومعقدة داخل العرض المسرحي الا وهي قضية التوفيق بين متعاليات النص الادبي بكل محمولاته الفكرية والفلسفية العالية وبين مقتضيات التشكل الصوري للإخراج بكل محمولاته الجمالية البصرية منها والسمعية , وفي الغالب يميل المخرج الى الاستقلالية في طرح رؤاه وطموحاته ، ليتعامل مع النص كمقترح اولي قابلاً للإزاحة والتهميش ، وبالتالي ينحاز المخرج الى سلطته لينطلق بعيداً عن سلطة المؤلف ليتحول النص عنده الى حقل للمران الفكري ومقترحاً اولياً قابلاً للزوال ازاء الرؤية الاخراجية للعمل . ومن هنا شيئاً فشيئاً تنامت سلطة المخرج الى مجموعة صلاحيات وسلطات اكبر اطلق عليها وظيفياً بإسم (المخرج – المؤلف) إذ ينحسر دور المؤلف التقليدي كواجهة عريقة ليتحول الى واجهة مهجورة للعمل ووزناً زائداً يثقل على كادر المسرحية وجودها في صالات المطارات
فلا يجب ان ننسى سادتي قوة وتنويرية ومعرفية النص المسرحي العراقي كضرورة ومقتضى تأسس عليها تاريخ المسرح العراقي الرصين فقوة مسرحنا من قوة كلماته وجمله وحكاياه وقد كانت خير معبر عن آلامنا و طموحاتنا جميعاً خلال تلك العقود الطويلة التي مرت على تاريخ مسرحنا العراقي
واخيراً لا بد لي ان اسأل اين نصوص (عادل كاظم) .. اين نصوص (محي الدين زنكنه) و (يوسف العاني) و (طه سالم) و (نور الدين فارس) و (فلاح شاكر) ازاء هذه الخارطة المسرحية الكبيرة من المخرجين ، لماذا عجزت رؤانا عن اعادة انتاج نصوصهم ، وهل هذا هو مصيرنا جميعاً ان تمحو الريح آثارنا حال مرورنا من على يمين خشبة مسرح الحياة باتجاه يسارها.
فمن هنا وبصدق ادعو الى تأسيس مؤسسة تعنى بالذاكرة المسرحية العراقية يكون من مهامها :-
1 – ارشفة النصوص المسرحية العراقية وحفظ تاريخ الآباء المؤسسين للمسرح العراقي من الكتاب
2 – ارشفة العروض المسرحية قاطبةً ولمختلف الاجيال من المخرجين
3 – انشاء اكبر مكتبة مسرحية تعنى بالإصدارات المسرحية الحديثة
4 – تتولى المؤسسة بنحو سنوي اقامة المؤتمرات النقدية والمعرفية لمناقشات مستجدات الواقع الراهن للمسرح العراقي
5 – انشاء متحف يضم مقتنيات الآباء المؤسسين للمسرح من مخطوطات ونسخ مسرحية يدوية
6 – اقامة معرض دائم كبير للصور الفوتوغرافية لصور العروض والفولدرات الخاصة بالمسرحيات
7 – عروض لمسرحيات مهمة تُقدم بنحو اسبوعي (داتا شو) ليطلع عليها الاجيال الجديدة.

الأحد، 18 فبراير 2018

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

مجلة الفنون المسرحية

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

سامي عبد الحميد - المدى 

لاحظت في الأونة الأخيرة أن عدداً من المخرجين المسرحيين الجدد في بلدنا وفي البلدان الأخرى تنقصهم الثقافة العامة والثقافة الفنية ويعتمدون في عملهم الأخراجي بالدرجة الأولى على مخيلتهم ومعرفتهم المبتسرة التي حصلوا عليها من خلال عملهم مع مخرجين آخرين أو من خلال قراءاتهم القليلة.

صحيح أن للموهبة والخيال الواسع اهميتهما في عملية الأخراج المسرحي إلا أن التزود بالمعرفة العامة وبالمعرفة الخاصة اهميتها الأعظم. وصحيح أيضاً أن هناك عدداً من الكتب المختصة في الأخراج المسرحي قد وصلتنا مترجمة عن الانكليزية وعن الروسية إلا أن هناك عدداً أكبر لم يصل إلينا لحد الآن وإن هناك عدداً آخر قد وصلنا إلا أن العديد من المخرجين الجدد لم يطلعوا عليها أو لم يدرسوها دراسة وافية. وهنا سأتعرض إلى أربعة من تلك الكتب التي أراها ضرورية ليتعلم من الأخراج المسرحي وحرفياته.
أول الكتب الأربعة هو (العناصر الاساسية لأخراج المسرحية) للمنّظر الكبير (الكساندر دين) والذي ترجمته بنفسي وترجمته أحدى الاكاديميات المصريات بعنوان (أسس الأخراج المسرحي) واعتقد أن أي مخرج لم يقرأ الكتاب لا يمكن أن يكون مقتدراً بما فيه الكفاية. ويركز الكتاب في عناصر الإخراج الخمسة (التكوين، والتفسير الصوري، والحركة، والايقاع، والتعبير الصامت) على الجانب البصري في العرض المسرحي ويقدم لنا (دين) في كتابه تفاصيل وتمارين عن كل عنصر من تلك العناصر. ومن تلك التفاصيل ما يتعلق بالتوازن وبالتتابع وبالتأكيد وبالتنويع. 
الكتاب الثاني المهم في تعليم حرفية الأخراج المسرحي هو (المخرج فنان، الأخراج المسرحي المعاصر) لمؤلفيه (أر. أج. أونيل) و(أن. أم. بورتر) والذي ترجمته هو الآخر بنفسي وصدر عن (مكتب الفتح) ببغداد. وفي هذا الكتاب يتطرق المؤلفان إلى أحدى عشرة مهمة يقوم بها المخرج المسرحي في انتاج العرض المسرحي، وهي على التوالي: 1) أن يكون ممسرحاً، أي أن يكون على معرفة بحرفيات العمل المسرحي وتقنياته. 2) أن يكون ناقداً، أي أن يكون قادراً على تقييم النص المسرحي ومدى صلاحيته للعرض وللتأثير في الجمهور. 3) أن يكون محللاً، أي أن يكون قادراً على تحليل معاني النص المسرحي الظاهرة والخفية واكتشاف دلالات العناصر السمعية والمرئية والحركية. (4) أن يكون مفسِراً لما حلل بواسطة أرواق المسرحية وهي الممثل والزي والمنظر والاضاءة والمؤثرات الأخرى. (5) أن يكون مؤرخاً، أي أن يكون عارفاً بتاريخ الأمم وحضاراتها بصورة عامة حيث يحتاج تلك المعرفة عندما يتصدى لإخراج مسرحية تاريخية. (6) أن يكون مصمماً، أي أن يكون على معرفة بعناصر التصميم للمنظر وللزي وللأضاءة ومتطلباتها وحرفياتها. (7) أن يكون ممثلاً، أي أن يتحلى بموهبة المحاكاة وتبني أبعاد الشخصيات الدرامية ويكون عارفاً بأساليب التمثيل المختلفة ونظرياتها. (8) أن يكون مدرباً، أي أن يمتلك القدرة على توجيه الممثلين في مجالات الأداء الصوتي والجسماني ووسائل التعبير عن الأفكار والمشاعر. (9) أن يكون منظِماً، أي له القدرة على تنظيم طاقم العمل المسرحي وواجبات كل فرد فيه بحيث يتعاون كل منهم في دعم رؤيته. (10) أن يكون متفرجاً، أي أن يضع نفسه في موقع المتفرج وينظر إلى عمله على وفق المسافة الجمالية لكي يتفادى الوقوع في الأخطاء. (11) أن يكون مديراً، أن يكون قادراً على إدارة العمل المسرحي من بدايته حتى نهايته، أي من اختيار النص والممثلين والمصممين والبناية، الى التمارين وتنظيمها والدعاية للعمل والترويج له وإدارة أنتاجه.
الكتاب الثالث الذي اقترح على المخرجين دراسته فهو المعنون (الأخراج المسرحي) لمؤلفه (هتج نيلمز) ومترجمه (امين سلامة) والصادر عن (مكتبة الانجلو المصرية) فيحتوي الموضوعات التالية: 
(1) التنظيم ويقصد به توزيع مهام العمل المسرحي ابتداءً من إدارة الانتاج ومروراً بإدارة المسرح وانتهاءً بالعرض المسرحي. (2) المسرح، ويقصد به مكان التمثيل والعرض ومكوناته ومتطلباته وجغرافيته. (3) النص ويقصد به كيفية اختيار النص المسرحي الصالح للعرض واعداده للعمل (4) ترجمة المسرحية ويقصد بها إبراز القيم العقلية والعاطفية والجمالية الصرفة وكيفية اكتشافها والتأكيد عليها وما يتعلق بالفكرة الرئيسية للمسرحية. (5) المبادئ والوسائل ويقصد بها – التنوع والابتكار والدوافع والتسويق. (6) توزيع الأدوار ويقصد به كيفية اختيار الممثلين على وفق تناسبهم مع الشخصيات الدرامية و(التشكيلات ويقصد به خلق التكوينات المعبرة على وفق مناطق المسرح وأهميتها وعلى وفق مبدأ التأكيد على المهم والأهم. (7) الحركة ويقصد بها حركة الممثلين وأنواعها واشكالها وقيمها وتسري على الايماءة والشغل المسرحي الذي يخلق الصفات الحياتية في العرض المسرحي (8) الالقاء ويقصد به تلفظ الكلمات واظهار معانيها ما يتعلق بمخارج الحروف وتنغيم الجمل وإيقاعها وتنويعاته وعلاقة ذلك بالمعنى. (9) خلق الشخصية وتحويل صفات الممثل إلى صفاتها. (10) الاداء في الكوميديا. وتقنيات الإضحاك. (11) تصميم المنظر ووظيفته وقيّمه وكيفية بناءه وتركيبه ورسمه وتكوينه. (12) الملحقات – الاكسسوار وانواعه. (13) الأزياء وعلاقتها بالشخصية الدرامية وأنواعها. (14) الماكياج وعلاقته بالشخصية وعلاقة ألوانه بألوان الأضاءة. (15) الأضاءة وأنواعها واجهزتها ووظائفها. (16) الخطة الأخراجية وكيفية تنفيذها والتمارين وتطورهما.
الكتاب الرابع الذي أنصح بدراسة محتوياته بتمعن فهو (الأخراج في مسرح ما بعد الحداثة) لمؤلفه (جون وايتمور) والذي هو الآخر قمت بترجمته وصدرت الترجمة عن دار المصادر ببغداد. وتكمن أهمية هذا الكتاب المتخصص في تعرضه لتشكيل الدلالات في العرض المسرحي وكيفية استخدام المخرج لعلم الدلالة ونظم العلاقة المسرحية البصرية والسمعية والحركية. ويتعرض الكتاب إلى أعمال أبرز مخرجي مسرح ما بعد الحداثة أمثال (روبرت ويلسون) و(ريجارد فورمان) و(مارتا كلارك) و(بيتر بروك) ويتطرق الكتاب إلى النظم الدلالية لدى الجمهور ولدى الممثل اضافة إلى النظم البصرية والسمعية المختلفة.
هناك عدد آخر من الكتب المتخصصة في فن الأخرج لمؤلفين عرب وعراقيين وأخرى لمؤلفين أجانب ولكن لم يصلنا من هذه الأخرى ترجمات وأذكر منها كتاب (فن انتاج المسرحية) لمؤلفه (جون دولمان) وتكمن أهميته في تعرضه لمبدأ التعاطف ومبدأ المسافة الجمالية في الفن الجميل عموماً وفي الفن المسرحي بوجه خاص. أما موضوعاته الأخرى فلا تختلف عن تلك المذكورة في الكتب المشار إليها سلفاً. وهناك كتاب بعنوان (مسرح جديد لمسرح قديم) لمؤلفه (موردخاي كوريليك) وفيه يذكر مؤلفه إن الكثير من تقنيات الأخراج المسرحي في المسرح الجديد تقتبس من تقنيات المسرح القديم. ويتعرض إلى نوعين من الانتاج المسرحي هما الأنتاج الايهامي الذي تقترب عناصره من الواقع والانتاج اللاايهامي الذي يعتمد على مبدأ (التمسرح) ويبتعد عن مبدأ الأيهام بالواقع. وهناك كتاب مهم بعنوان (الأبداع المسرحي) لمؤلفه (اوغست سنتاوب) الذي يتعرض فيه إلى أوجه ثلاث للعرض المسرحي هي (المسرح البصري) الذي يشمل كل ما يرى في الصورة المسرحية، و(المسرح السمعي) الذي يشمل كل ما يُسمع في العرض المسرحي : و(المسرح الحركي) الذي يشمل كل ما يتحرك من العرض المسرحي – الممثل والمنظر والاضاءة. واشير أيضأً إلى كتاب بعنوان (فن وحرفة الانتاج المسرحي) لمؤلفه (بيرنارد هيوبت) ويتعرض المؤلف فيه إلى أنواع المسرحيات من الناحية الجمالية وأنواعها من الناحية الأدبية وأنواعها من الناحية البنائية وكيفية معالجة كل نوع إخراجياً. وأخيراً وليس آخراً هناك كتاب بعنوان (الأخراج المسرحي) لمؤلفيه (ديفيد سيفرز) و(هاري ستيفر) و(ستانلي كاهان)، ففي الفصلين الأول والثاني من الكتاب يتعرض المؤلفون إلى ظروف الانتاج المسرحي وتحديات الأخراج وكيفية اختيار النص المسرحي. ويكرس الفصل الثالث لموضوعة تفسير المخرج للنص المسرحي ويكرس الفصل الرابع للوجه البصري في العرض المسرحي. ويتعرض الفصل الخامس إلى الحركة على المسرح وغرضها وأنواعها، ويتعرض الفصل السادس من الكتاب إلى تقنيات الإخراج في المسارح الأخرى غير مسرح العلبة، ويتعرض الفصل السابع إلى استخدام الصوت في العرض المسرحي، ويتعرض الفصل الثامن إلى التشخيص ، أي صفات الشخصية وابعادها واهدافها وفي الفصل التاسع يتعرض المؤلفون إلى الأيقاع وتصاعده نحو الذروة. وفي الفصل العاشر والأخير يشرح المؤلفون تفاصيل اختيار الممثلين وإجراءات التمارين. ويبدو لي أن المؤلفين قد اعتمدوا كثيراً على كتاب الكساندر دين المشهور ومن هذا الاستعراض لعدد من الكتب المتخصصة في الأخراج المسرحي أبغي تذكير المخرجين المسرحيين ومن أية مرتبة كانوا ومن أي جيل بأن التزود بالمعرفة الفنية والحرفية هي التي تؤهلهم لتصدي عملية وفن الأخراج المسرحي وتساعدهم على تحقيق النجاح في عملهم وإن الاكتفاء بالموهبة والرغبة الذاتية لا يساعدانهم في قيادة فريق العمل المسرحي نحو تقديم ما هو أفضل.





السبت، 17 فبراير 2018

الــمــبـــدع والــمخـــابرات - 3-

مجلة الفنون المسرحية

   الــمــبـــدع والــمخـــابرات - 3-


نـجيـب طـــلآل


– 3-

قـرينـــة الـتجـنيد

فـمن الطبيعي أن يندهـش المرء ويضطرب أمام ما يسمعـه في شأن العملاء والجواسيس؛ لأنه في عقد السبعينيات من القرن الماضي؛ بعْـد اشتداد الصراع وقتئذ بين{ اليمين/ اليسار} كانت التهمة الرخيصة في صفوفنا تجاه كل معارض لأفكارنا أو تصوراتنا بأنه{ مخابراتي} وتلك لعمري؛ كانت تهمة لها مفعولها؛ حينما نعيد أشرطة الماضي ووضع مقاربة أو قرينة بما ينشر الآن من معْـطيات وتسريبات جـد خطيرة كوثائق (ويكـليكس) و( كريس كـولمان) وعَـلى ذكر هـذا الأخير لقد سـرب وثائق في حق العديد من الصحفيين المغاربة؛ وهي حقـا مثيرة للغاية : إن الواقع الملموس؛ المسنود بالصور(..)هـو أن أغلب الوثائق المسربة؛ ممـضاة من طـرف شخص واحـد معـروف أو موجهة إلى نـفـس الشخص؛ وهو صحفي نعـرفه رئيسا لمجلس إدارة جـريدة يومية؛ كانت لسان حـزب كبير؛ وهو الذي اشـتـرى مجلة أسبوعية وهـو المحَـررالدائم في قناة إلكترونية لمواضيع تدعـو إلى الإخـلاص الـوطني والإصلاح السياسي... فـمـن سَـرَّبَـها للمسمَـى كـريس كـولمان ؟ ثـم إن الوثائق التي تحمل اسـم هـذا الصحـفي(..) كـلها ذات أهـداف انتهازية؛ شخـصية تنطـق سطـورها بالرغـبة للحـصول على الأمـوال التي لـَيست موجهة للصحفيين الأجانب وحـدهـم ...(1) فـفي هـذا السياق فالصحفي يمارس فن القـول (أي) يظل مبدعـا سواء في صياغة الخبر أو استجلابه للقراء/المستمعين/المشاهـدين؛ وإذا عدنا للردود وردود الفعل بين( صلاح نصر/ مصطفى أمين وأخيه) المعروفين كصحفيين في صحيفة ( الأخبار) فمصطفى : كان سندا لمذكـرات (اعتماد خورشيد) وعلى ضوئها تم إنـتاج العـديد من الكتابات والأفلام  المرعـبة عـن المخابرات: وهكذا قضية العميل مصطفى أمين؛ لم يكن مصطفى أمين هـو الهدف؛ ولم نتتبـعه إلا بعد أن تيقن لرجال مكافحة التجسس أنه عميل من عملاء" بروست أوديل تايلور" ولا أستطيع أن أذكر لك تفاصيل لتتبعنا لنشاط بروس وغيره من عملائه (2)هـنا يتضح بأن المخابرات لها علائق وطيدة بالإعلام والصحافة؛ وهاته الأخيرة من طبيعة مهامها لها علائق بالفن والابداع؛ ولاسيما أن الوسط الفني ؛ يعتبره العـديد بأنـه نسيج من الرذيلة والانحلال، والاسفاف السلوكي والفكري ! لأن الأسئلة دائما تتناسل (مثل) كيف بلغ – فلان- النجاح والشهـرة والمجـد وفـنه هابط ولا قـيمة له من الناحية الجمالية ولا الفكرية حتى ؟

ومفتاح الجـواب ( هنا ) يمكـن تصديق سقـوط جملة مـن المبدعين في أحـضان الجهاز. فحينما يصرح الممثل إيهاب نافع في مذكـراته بأنه : طـیار ورجل مخابرات اقتحم عالم التمثيل للتخـفي، ھكـذا عـرف الفنان الراحـل إیھاب نافع، والذي وصف نـفسھ بأنھ "عمیل مـزودج للقاھـرة وإسرائیل"، وعمل منتجًـا بالتلیفزیون، ومثّـل كذلك في عـدد من الأفلام خارج مصر، ومن بینھا فـیلم " طریـق بـلا نھایة " و" في طریقي رجـل" وغیره (3) ألا يمكن تصديق مثل هـذا. وبالتالي فاتهام المخـرج والممثل المسرحي السوري همام حوت:: بأنه يعمل لصالح الأجهزة الأمنية وأنه يسـوّق لها عن "طريق التنفيس" الذي يمارسه في مسرحه، كما اتهمتـه بذلك وسائل إعلام غـربية.إلا أن هـذه الاتهامات ليست غريبة على الفن السوري، فـقـد وجهت من قبل لدريد لحام وياسر العظمة الذين بدا للصحافة الغربية ومراقبين غربيين "أنهم يتمتعون بقدر عال من الحرية في نقـد الأوضاع الداخلية السورية في بلد تسيطر فيه الدولة على كل وسائل الإعلام وتحظر فيه الأنشطة السياسية المعارضة ويخاف فيه الناس من نقد الحكومة والحـزب في أحاديثهم العامة(4) ولكن الفنان [همام حـوت] حاول أن يدافع بشدة عـن مسرحياته في وجه "اتهامات" التي وجهت له ؛ بما فيها تعامله مع المخابرات؛ مؤكِـدا بأنه انتقـد المخابرات في أعماله المسرحية، كـَما انتقـد أدق تـفاصيل الوضع الداخـلي الســــــوري.



الـســــؤال الــمـحـيــر: ؟



كيف يشعـر المرء  وهـو يدافع عـن الاتهامات الموجهـة إليه من لدن أصدقاء وزملاء و أفـراد أو صحف؛ وهـو أساسا يـدرك أنه فعـلا متـواطئ ومتورط بشكل أو آخـر في معمعان الجهاز المـخـابراتي؟

كهمام الحـوت الذي قام [الأسد ]بعد ذلك بتـقـديم الدعم لـه ؛ ليعرض مسرحيته في دمشق تحت رعاية “وزارة الدفاع” وبعدها أمسى يجمع الملايين...وكـشف أحـد أعضاء الفرقة المسرحية عن موقف مخجل تعرض له الفنان جهاد سعد، أحد أعمدة المسرح السوري، عندما فرض عليه “الحوت” إيقاف أحـد عروضه، ليبدأ هو بعروضه، وعندما هم “سعد” بطرده، رفع “الحوت” هاتفه الخليوي وأجرى اتّصالاً حل الموضوع، وتم بعدها إيقاف عروض الفنان جهاد سعــد(5) يبدو أن الصورة واضحة؛ من خلال لقطاتها المتعددة؛ تجاه هـذا الفنان؛ والذي يذكي تعامله أوتجنيده في صفوف المخابرات السورية؛ وإن حاول تبرئة علائقه؛ لأن كل المعطيات التي قيلت في حقه والمنشورة هنا وهنالك؛ لكافية رغم انخراطه في صفوف الممانعة حسب ما يُروج لنفسه؛ لأن المسرحي – دريد لحام- يبدو لنا أنه في خط الممانعة ؛ وحقيقة المعـطيات تشير عكس ذلك؛بعْـدمـا إكتشف السوريون وبعض العرب مقالب (غـوارالطوشة) الشيعـي الـذي تـآمر مع النظام ضد الشعب السوري  ! فـأحد الكتاب المغتربين وعـضو في رابطة كتاب الثورة السورية. أشار في موقعـه الشخصي: تناقلت بعض وسائل الاعلام قبل أيام تصريحاً للمثل السوري (دريد لحام) في مقابلة له على إحدى الفضائيات اللبنانية بأنه (سيتخلى عن جنسيته السورية في حال أن   سقط الأسد) من جهتي، فلم أكلف نفسي حتى مشقة البحث عن هذه المقابلة لأنها لم تفاجئني أصلاً، فالرجل ومنذ بداية الثورة وقف مع النظام القاتل وبصراحة لا تقـبل التأويل ضد الشعْـب المنكـوب. وهو بذلك إنما يكون قـد سقط مرتين، مرة فنياً ومرة إنسانياً وتلك هي القصة(6) ممكن أن نؤول كلامه؛ بأن هنالك تحاملا سياسيا؛ وصراعا بين النظام السوري والثـوارفي الداخل والخارج؛ يفرض لعبة الاتهامات وتسريب الإشاعات؛ باعتبارها نوعا من أنواع الحرب النفسية. ولكن هناك العـديـد مـن الفنانين والمبدعين والمثقفين؛ تم اعتقالهم في سجون النظام السوري (ك)الكاتب سامررضوان/الفنانة مي سكاف/ الفنان جلال الطويل/السيناريست محمد أوسـو/ الكاتب عدنان زراعي/ المنتج السينمائي عروة نيربية / المسرحي زكي كورديللو وابنه الفنان مهيار/ الفنانة ليلى عـوض هاته الأخيرة : صدَّقت الفنانة ليلى عوض على ما يبدو دعوة الفنان دريد لحام في الدخول إلى سوريا بعـد أن نشر دعوته القائلة بأنه سيكون مستقبلاً لجميع الفنانين المعارضين على الحدود … لكن على ما يبدو أناب عنه من يفي بالواجب، فاستضيفت في بلدها خير استضافة في محكمة الإرهاب ولم يحرك ساكناً (7) فطبيعي أنه كلما كانت السلطة أقل شرعية، تكون بالضرورة أكْـثر بطشـا و استبدادا، وتعسفها على المبدع أكبر وقعا وأشد أثرا. ولكن حينما تجـد في صفها أو خدمتها عملاء وجـواسيس !وهـذا الإقرار؛ الذي أدلت به الفنانة – ليلى عَـوض - لواضح بأن - دريد لحام – لمـجند في الجهاز المخابراتي ؛ وهو الذي تقلد منصب( سفير الـنـوايا الحـسنة) ويبدو لي أن هـذا( المنصب) يحتاج لنقاش أعمق(أي) لكشف ماهي الشروط الضمنية والسرية التي تسمح للفنان أن يتـولاه ؟ وبالتالي ما كان ينجزه – دريد لحام- أنه إبداع طليعي؛ ماهـو إلا تنفيس عما يعيشه المواطن من تجويع وظلم و تخويف و قمع، كاستراتيجية للحفاظ على السلطة وتكريسها، وهذا مبدأ السلطة التي تستعين دائما بالشريحة الفنية والثقافية لتتبنى ثقافة السلطة وتقوم على بـغية نشرها وتعميمها في مفاصل المجتمع. كما أكد العديد من المهتمين والنشطاء و النقاد والفنانين السوريين مؤخرا؛ بأنه ومن خـلال أعماله [السياسية] كان يدعـو إلى عكس مانـَراه منه اليوم، وبالتالي فممارسته الفنية ؛ لم تختلف عن الفنان (عادل إمام) الذي بدوره قدم أعمالا مسرحية/ سينمائية/ ضـد القهروالظلم وتحاربه ؛ مطالبة بذلك بالحرية والعَـدالة ! فـإذا به وقف وقـفة عناد وصلابة، ضد الثورة المصرية ومـؤيدا جهرا وبكل طاقته نظام (حسني مبارك) فمن خلال هاته الحقائق؛ يتبين أن جـل المبـدعـين(العرب) يعيشون في كنف المخابرات التي هي عـين السلطة بدون منازع ؟

فإذا عُـدنا للمخابَـرات المصرية التي كشفت تقاريرها ومذكرات بعضهم؛ بتجنيد الفنانين في صفوفها؛ فكيف لا يتم تصديق ما كشفت عـنه: التحقيقات التي قـام بها جهاز “الكسب غير المشروع”، التابع إلى وزارة العدل المصرية. أن صفوت الشريف؛ رئيس مجلس الشورى الأسبق، وأحـد ضباط المخابرات المصرية في فترة الستينيات، يملك 4 قصور في منتج “الميراج” في القاهرة الجديدة. أحـد هـذه القصور حصلت عليه الفنانة المغربية سميرة سعـيد... حيث تـقـدم محامي صفوت الشريف بمستندات تفيد أن القصر رقم 132 تم تسليمها إلى سميرة سعيد، ما جعل التساؤلات تحوم حول وقـوعها وانضمامها إلى قائمة الفنانات المجندات على يد صفوت(8) وهذا ليس غـريبا عن المخابرات المصرية ؛ لأن نفس الإهـداء قام به صلاح نصر: وكانت الراقصة ( أ . س ) التي فـشلت في الفـن؛ فاستخدمها الشيطان في أوامر السيطرة واشترى لـها فيلا في العجوزة ...والممثلة ( أ. ز ) التي جندها لحسابه في بيروت؛ وغيرهـن من كبار الفنانات.. وأنصاف المشهورات.. والكـومبارس (9)من هنا ندرك الفرق بين الإبداع الذي تريده السلطة؛ والابداع المتميز والفاعل ؛ ذاك الذي يولد من رحِـم المعاناة والإكراهات والحاجه، فهذه فالظروف المأساوية التي يعيشها المبدع الذي هـو جزء من الكيان الاجتماعي؛ تعطيه دفعة قـوية لاستخـدام للفكر و الخيال ؛ لينتج ابداعـا له من الخصوصية الحياتية ما يميزه؛ باعتبار أن الإبداع في عـموميته مخاض بين الذات والواقع والفكرة؛ لكي يحمل في أعماقه تجربة فـكرية وجمالية تضاف إلى تجارب الآخرين. كمحصلة لتفاعـل الذوات المبدعة بالواقع المعاش، وهـذا الإبداع هو المستهدف عـند السلطة بالمفهوم الواسع ؛ وتسعى لتـدجنـه وترويضه ؛  لتعـزز انـوجادها وتكريس ذاتها كمؤسسة ناظمة لمنظوم المجتمع وبنياته ؛ فمن هـذا التصور تسعـى المخابرات أن تخترق المبدعين والفنانين؛ لكي يكونوا طوع منظوم السلطة؛ بحيث عيونها في كل الفنون؛ ولكن الآن تمركزت على السينما كإحدى وسائل التواصل الأكثر تأثيرا وقـوة الحضور في عقلية ووجدان الجماهير؛ مما أضحت بعض التـد وينات تكـشف عـن هاته العـلاقة ك: ضابط مخابرات له صلة عميقة بخالد صلاح (رئيس تحرير صحيفة اليوم السابع) ويظهر دائما في الصور معه بجانب صديقه المقرب رجل الأعمال أحمد أبوهَـشيمة، الـذي وصفه بالممول لأنشطة  المخابرات الإعلامية...(من هـذا الضابط؟): هو ياسر سليم ضابط المخابرات العامة السابق، أو جنرال المخابرات حـسبما تطلق عـليه وسائل إعلام مصرية، شخصية ظهرت فجأة وتغلغلت في الوسط الإعـلامي والفني في مصر، ويشارك الآن في إدارة المشهد الإعلامي والفني عبر شركة تدعـى "بلاك أند وايت" للإنتاج الـفني والتي يشغل رئيس مجلس إدارتها(10) وهـذا ليس غـريبا؛ لأن المجال السينمائي مجال استثماري؛ وباستطاعـة السلـطة اختـراقه من باب وضع رجـل أعمال[ صوري] تـوظفه لأغـراضها؛ لأن المؤسسات في الـوطن العَـربي ، تدرك جـيدا ما لـقـوة السينما / المسرح كأسلحة زئبقية تستطيع بأفـكارها ورؤاها اختـراق عقلية ووجْـدان الجماهير؛ بحكـم عـملهما الجمعَـوي وباعتبارهِـما أسلحـة تواصلية بشكـل مباشر؛ وبالتالي فالمبدع كينونة موصلة بحياكة خطاب مُشوش وملـغـوم وإنتاج معرفة مشوهة  وتعميمها، حتى تترسخ مفاهيم ساذجة وتصورات سطحية ؛ متباعـدة جـدا عـن سؤال الفهم والقبض على جـوهر الحقائق أو العـكس (أي) تفعيل ثـقافـة معارضة وإبداع مـلتزم بقضايا الشعْـب وهمومه ومعاناته ، ففي هـذا الإطار يكون المبدع واضعا خطـا مفصليا بينه وبين السلطة ؛مما يحـدث ذلك التجاذب والعـناد بينهما ؛ فـإن لم يسقـط ( ذاك) المـبدع فـي فـخ الاستقـطاب أو الانبـطاح ؛ تتمظهر آلية التهميش والإقـصاء ؟ ولكن الغـريب في هاته الآليـة يمارسها المبدعـون فـيما بينهـم خاصة في التظاهـرات واللـقاءات –

لــــــــــمــــــاذا ؟؟

                                                                                                                              هـنا لـن نمارس الإسقاط؛ أو أحكام قيمة ؛ على هاته الممارسة الإقصائية ؛ وحتى إن حاولنا تفكيك السؤال؛ فربما فيه إحــراج لجـهـة ( مـا ) مـمكن أن تكـون مجنـدة أو مُـسيـسـة أو انـتهازيـة . فـفي كـل الأحـوال ؛ ليس سـهلا القبض عـن كـُنه الإشكـال؛ وفي نفس الموضوع يصعـب على أغـلبية المجـنـدين أو المتـواطئين مع قـطاع ثقافي/ فني/  إبـداعي/ البـوح بـذلك والكـشف عن حقيقة الوجه الثاني؛ لكـن ما أثارني بشكـل مستفـز تصريح فنان سوداني [ جمال فرفـور] في برنامج منتدى (حكايات) الاجتماعي الفني : نعَـم، انتمى لجهاز الامن والمخابرات الوطني وافتخـر بهذا الشرف والانتماء، فأنا ضابط بقـسم الشؤون القانونية (11) وهـذا جاء بناء على سؤال محمد الاقـرع من صحيفة (الوفاق): هل فرفور مُنتمي لجهاز الامن والمخابرات الوطني؟ فهل تصريحـه غـباء أم مباهاة أم جنون العظمة أم تخـويف لمنافسه في الميدان؟ فهاته التـساؤلات نـجـد بأن أحـد المبدعين المسرحيين رد عليه بقـوله: ...لـقـد ظـلت الـعـلاقة بيـن الـفنان والسلـطة علاقـة يشوبها الحـذر والتعـقيد والتناقض واختـلاف منطلقات كـُل منها عـن الآخـر...... وأنت تـقـر وتفتخر بانتمائـك لجهاز سلطـة الدولة؛  فإنها لمناسبه لهـذا التـداعي من التحاور والتأمل والاستـدراك. لقـد كان لـزملائـك ضباط جهاز الأمـن والمخابرات دورا كبيرا في إعاقــة وتعطيل مسيرة الفـنون والثـقافة في بـلادنـا  سـواء أن كان ذلك في عهد الحكومة الحالية أو سابقاتها. فالأمنيـون بطبعهـم ميالون لأن يكـون الأمـن مستتبا ..... أما الفنون والتي تعـد أنت أحـد الناشطين فيها ؛ فإن فيها من الحـيويـة والحِـراك ما يجعـلنا نبتعـد بها قـلـيلا من المقابر. حين نـود إطــلاق شـرارتها لـتـشعـل الحياة بالحـيوية والحـراك والفعل الجمالي و الإيجابي.... لقـد ظلت الـعلاقـة بين رجل الأمـن ورجل الفن عـلاقـة يشوبها الشك والطبيعـة المتباينة. كثير من أهل الأمـن في العالم الثالث ينـظرون إلـى الفنون كـضجيج وفعـل يستـلزم الرقابة (12) فهـذا الـرد يكشف عـن خطابين متنافرين بين الولاء  للسلطة ومعارضتها أو الابتعاد عنها قـدر الإمكان؛ فبالأحْـرى الانخـراط فيها والعمل في صفوفها مبدع يدعي أنه ( فنان محترف) وبالتالي فالرسالة أوالـرد يعـد بمثابة مدخل أساس لتـعميق النقاش والتفكير بين مفهوم الفـن والإبداع ومفهوم الأمـن والمراقبة في عـصرنا الحالي؟ لكن في المجتمع العـربي فالسلطة هي مركز السياسات الإبداعية والثقافية؛ فلولاهاته الحقيقـة لما كان للمخابرات اليـد الطولي في كل تحركات ! وبالتالي ففي سياق هذا فالمبدع / المثقف/ غير الموالي ؛  يعتبر عـدوا استراتيجيا للسلطة وللبورجوازية التي تملك وسائل الإنتاج ؛ التي تساهم بدورها في استقطابه بالمال والجاه ؛ الـذي يكـون مدخلا أساسيا للانخراط في شبكة السلطة؛ والتوغل في كـنهها . ولاسيما أن كُـنـْـه  السلطة وتناقضاتها بين العطاء المالي ومنـح الجاه والصولة في الميدان وغيره وشراستها وعـنف ممارستها؛ فـهي اساسـا لا تـعـرف صديقا ولا مريدا ولا خـدومـا؛ حينما تنقضي أغـراضها منـه ؛ أوتجاوز الخطـوط الحمـراء؟                                                               إذ كـيف استجـلب مبدع ( ما ) أمـوال سهـراته الخاصة؛ تقريبا بشكل يومي، في أبهى الحانات وأرقاها في فنادق فاخرة؟ تـلـك حقيقة لا يمكِـن استغـفالها أو مجادلتها؛ لأن هنالك تصريحات في هـذا الباب: ...وإن الجميع يعمل في مجال جمع المعلومات وتبليغها وكان المتعاملون مع الجهاز يجمعون من سهراتـهم في الفنادق الخمسة نجوم المحدودة في القاهرة في ذلك الوقت كـفـندق الهيلتون أوفنادق الأربعة نجـوم كشبر وسميراميس الـقـديم.. حيث كان يسهر المثقـفون والكتاب وكبار الاعلاميين من مصر والعالم العربي وكانوا يجمعون المعلومات ويبلغونها الى مكتب فتحي الديب  نائب رئيس جهاز المخابرات (13) يبدو أن المشهد فيه مبالغة ؛ ولكن نزيد تأكيدا بأنها الحـقيقـة؛ لأن العَـديد من الفنانين والمثقفين والمبدعين؛ انتهت حياتهم نهايـة تـراجيدية؛ منهم من  تـوفـي فقـيرا ومعـدمـا ومنهم من لم يجد حتى مصاريف الأدوية والعلاج :(مثال) / أمل طه /عـدنان شلاش / فاضل جاسم /طالب القره غولي ( الـعـراق)/ العربي اليعقوبي/ عائد مـوهوب(المغرب) سعد الله ونوس/ نضال سيجري(سوريا) عبد الهادي القلة (تونس) أمين الهنيدى / عبد السلام النابلسى/ أحمد شحاتة / فاطمة رشدى/ عبد الفتاح القصرى / زينات صدقـى عبد العزيز مكـيوي / محمود مصطفى العقاد( مصر) وعلى ذكر العقاد؛ المثقف والمفكرالذي يعد نار على علم ؛ عاش فقيرا ومات معدما؛ فكان في أغلب الأيام، لا يجد ما يأكله. مما اضُطر إلى بيع مكتبته مرتين، لكي يأكل فـقط. ولاسيما أنه كان يرفـض الاحسان من أصدقائه وتلامذته. لأنه كان ذا مواقف واضحـة وخاصة مسألة الثورة المصرية؛ لأنه كان غير راضٍ عن خطابها السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي وبالتالي أصبح من خصومها؛ مـبتعدا عن نشاطه السياسي الصاخب الذي قام به قبل العام 1952، واقتصر نشاطه على العمل الصحافي في الأدب والثقافة من خلال يومياته في جريدة "الأخبار" القاهرية (14) تلك ليست حالة نادرة بل مثله العـديد من المبدعـين والمثقفين من العالم العربي عـاشوا حياة الضنك والحاجة ولازالـوا؟                                           

عــلى سبيــل الــخــتـــم  

وحتى لا نـظل نلعـب باللغـة (هـؤلاء) وغيرهم لم يكـونوا بوقـا أو في أحضان السلطة وخـدامـها؛ فلـو كانوا كذلك ؛ لما انتهـوا بهـذا الشكـل الفـظيع والمـفـجع أليس كـذلك؟     مقابل هـذا إن كان البعـض منهم في أحـضانها؛ وانتهى بهاته النهاية أوتلـك ك(سعاد حسني ) التي قـتلـت وهى لا تملك سوى بضـعة جُـنيهات إسترلينيه للعلاج ولنفقات المعـيشة، بعد أن منعت الدولة عنها الإعانة المخصصة لها ولعـلاجها. لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء بسبب إعـلانها عـن نـشر كـتاب كانت تعـدّ له يكشف خفايا وعلاقات مع المخابرات المصرية ؟ يبقى قتلها لـغزا كمـقـتل /سيد درويش / اسمهان/ يوسف السباعي/ميمي شكيب/ مصطفى نيازي/..../ ولكن جملة من الأقوال والملابسات والأحداث المركبة؛ تشير لحضور المخابرات في عملية القتل ؛ ولدينا تصريح للفنان الكوميدي التونسي لطفي العبدلي، يؤكد بالقول علنا: إنه تلقى تهديدات  بعْـد انتقاده للإمارات وحكامها، موضحا بأن شخص تونسي يعمل لدى المخابرات الإماراتية حـذره مـن ذكراسـم الشيخ زايد(15) هـذا مارس السخـرية؛ كـنوع من الكوميديا؛ في حق دولة ليست دولته وتلقى تهديدا بالقتل؛ فمـا بـالنا من أفشـى أسـرارالجهاز متجاوزا عـن قــصـد أو بـــدونــه الخـطوط الـحــمراء ؟؟؟

الإحـــــالات:

1) قــراءة في الوثائق المقرصنة عن المخابرات المغربية : ركن الحقيقة الضائعة لمصطفى العلوي بصحيفة الأسبوع الصحفي في 17/11/2014

2) صلاح نصر يتذكر: الثورة - المخابرات – النكـسة  لعبد الله إمـــام  ص 149  دار الخيال القاهرة/1999 

3) الـوجـھ الآخـر..ل« إیھاب نافع » عن جـريدة التحـرير الإخباري في 01/09/2017

4)مخرج مسرحي معروف يتحدث عن عـلاقة أعماله بالمخابرات السورية دبي- العـربية. نـت  في - 10 أبريل 2007

5) هـمام حوت .. قصة متسلّق من أحضان الأسد إلى أحضان جبهة النصرة: بقلم البيرق

   نايمز- لموقع تـويت بوك  - في22 –  مارس- 2016 -

6)كلمة حق في دريد لحام، وماهـي قصة سقوطه مرتين؟ لطريف يـوسف آغـا- في   1/04/2013

7) الفنانة ليلى عوض صدَّقت دعـوة دريد لحام بالرجوع فاعتقلتها المخابرات: بقلم جورج الشامي(دمشق) جريدة - صوت الإمارات–في 18/ 12/2013

8) نقـلا عن الصحف المصرية :هـل كانت الفنانة المغربية سميرة سعيد “ضحية” المخابرات المصرية؟ جريدة اليوم 24- في 19/04/2015                     

9)مـذكرات اعتماد خـورشيد شاهـدة عـلى انحرافات صلاح نصر:ص 114- ط 3/1988        مؤسسة أمون الحـديثة – القاهـرة -

10)المخابرات والسيطرة على صناعة السينما في مصر: من مـدونة الجزيرة لأحمد عبد القـوي- في 18/11/2017

11)جمال فـرفور : أنا ضابط بجهازالأمـن والمخابرات الوطني- صحيفة الراكــوبة 

      (أخبارالسودان) بتاريخ – 29/06/2014

12)أخي جمال فرفور: تمهل قليلا قـبل أن تفـتخـر: بقلم طارق الأمين – صحيفة   الراكـوبة ( السودان ) في  - 07/06/ 2014

13) خلف الكواليس : مذكرات الفنانة المجهولة: موقع السينما المصرية نقلا عن مجلة الشاهـد الكويتية في-28 يناير2016

14) لنتصفـح كتاب العقاد بين اليمين واليسار- لرجاء النقاش (و) في ديوان العقاد- لأنيس منصور

15) المخابرات الإماراتية تهـدد فنان تونسي بسبب سخريته من أبوظبي-  جـريدة الشعب 

     نقـلا عـن  قـــناة حـنبعل  في  9/01/2018



الخميس، 15 فبراير 2018

عصام محفوظ وسؤال المسرح العربي

مجلة الفنون المسرحية

عصام محفوظ وسؤال المسرح العربي

ضحى عبدالرؤوف  - المدى

ما استقرت الشخصية اللبنانية في مسرح "عصام محفوظ " إلا من خلال الموروثات البيئية التي نسجها تبعاً للحالة الشعورية النابعة من الذات، والمثيرة للمفاهيم المسرحية التي قدمها من خلال كتابه "سيناريو المسرح العربي في مئة عام " عن "دار نلسن" وهو مختارات" من كتابين ، أولهما بعنوان سيناريو المسرح العربي "، والثاني بعنوان المسرحي والمسرح" وقد تضمن مدخل الكتاب العودة الى بداية القرن العشرين، والمسرح المعروف انذاك مثل خيال الظل والقراقوز وصندوق الفرجة " إضافة الى الفن الشعبي العربي الوحيد في هذا المجال المجسد في الحكواتية " مع أبراز عدة جوانب لماهية هذا المسرح معتبراً" أن الحكواتية هي التعبير الأولي للشكل المسرحي" كما انتشر فن الدمى، وهنا أعود بالذاكرة الى القباني في الشام وجعفر لقلق زادة وابن الحجامة في العراق في القرن التاسع عشر، وهو عوضاً عن السينما والتلفاز يجلسون في المقاهي على المنابر يقرأون قصص أبو زيد الهلالي والسيرة الهلالية، وهم يماشقون سيوفهم يمثلون البطولة عند القراءة مثل صبري قباني وابن الحجامة 1875 . هكذا كانت أوليات العروض حتى دخل نابليون مصر فجاء بالاوبرا ورافيل والمسرح، ومسرح الدمى وخيال الظل الفنون التي تكلم عنها "عصام محفوظ" في كتاب سيناريو المسرح العربي في مئة عام والانغراس في الواقع الشعبي العربي من خلال عدة نصوص مسرحية قدمها محفوظ "بأسلوب العرض الوثائقي من خلال نقولا نقاش والرحالة الانكليزي" دافيد اركهارت " وهكذا فالكتاب رحلة في المسارح العربية ونشأتها وبداياتها. لتستوقفنا عدة مسرحيات لنقولا نقاش مفصلاً الكثير من الاساليب التي اعتمدها النقاش في لغة المسرح التي ابهرته منذ عرفها 1846 عند سفره ايطاليا وبوصف"لهذه البداية على لسان شاهد ثاني" وهذا انما يدل على تأثر "عصام محفوظ" بمسرح النقاش مع الاهتمام بالشخصية اللبنانية .
يثير "عصام محفوظ " في كتابه سيناريو المسرح العربي في مئة عام شجون الشخصية اللبنانية التي انهكتها الروايات الافرنجية على لسان سمعان الشخصية التي تحدثت في مشاهد مسرحيته الأخيرة "وتلك جرأة الفنان أمام التحدي التاريخي الذي يقوم به بصرف النظر عن نتائج هذا التحدي" فالمسرح الذي انتقل مع النقاش الى بلادنا بقوة الأمل في خلق الفن الممتلىء بالمادة الحيوية او الرواية المترجمة كالعائدة المترجمة عن الايطالية عادت لتشعر النقاش باليأس فقال " إن دوام هذا الفن في بلادنا أمر بعيد" ربما لأن فصاحة الالفاظ في المسرح لم تكن تستساغ آنذاك ، فالمسرح العربي بعد ذلك دام وتوسع وانتشر وصار جامعات واكاديميات ، والقفزة المسرحية التي بدأت في الماضي وصلت الى المستقبل الذي كان يجهله النقاش وأدركه العصر أو تحول عبر الزمن الى عدة مدارس كان هو من اضاء مشعله . 
برزت الشخصية العربية الأجمل في نعوم وصفصف ومسرح صنوع الشعبي، وما بين تغريب وتعريب ومسرح موليير وغيره، ولدت الشخصية العربية مترنحة مع ما رافقها من نقد مسرحي من خلال " الناقد المسرحي العربي الاول سليم البستاني "وان كنت لاستغرب الاقتياسات عن الكثير من الروايات مثل اقتباسات عن رواية "هوراس لكورني " اضافة الى تلحين العمل المسرحي أو تطعيم العمل الشعري على المسرح. إضافة الى ندرة وجود الممثلة المسرحية انذاك والمشكلات التي واجهت المؤلف والمخرج ، والقائم على الاعمال المسرحية ونخبة نتاجها، وبهذا ندرك من خلال هذا الكلام إن الكثير من الصعوبات واجهت المسرح العربي أو بالاحرى إن صح القول المستعرب بتحديث تدرجي وفق الازمنة التي انتقل منها ، كما في الفصل الخامس من هذا الكتاب الذي يحمل الصورة التوصيفية للمسرح الذي اعجب به "عصام محفوظ" وتناقض معه وكأنه مر بمراحل من التذبذب . وربما هذا دفعني للقول ان المسرح الفينيقي في لبنان وتدمر وفي بابل أقدم من المسرح الاوروبي والاغريقي ، فالمسرح هو ساحة العرض والمدرجات هي اكبر دليل على ذلك ، ولم يخلف تاريخنا مسرحية عدا كلكامش ، فالمسرحية هي تراث الغرب ويبدو إن ما كنا نقوم به هو محاولات مسرحية نصوصها مترجمة الى العربية . 
في الفصل السادس برزت كلمة المشخصين، وربما لإبراز قيمة التقمص والسعي لفهم الشخصية بعد تمرس طويل في الاداء المسرحي. اذ لا يوجد في الحياة شخصين متشابهين، فكيف في الاداء المسرحي أو تحديداً في التشخيص المسرحي خاصة في مسرحية هاملت وبنقد اختصره عصام محفوظ بقوله" وتصرف انطانيوس عبده في الترجمة هو مثال لما كان يحدث في غالبية الترجمات في الفترة ما بين ولادة المسرح العربي على يد مارون النقاش وولادة الوعي العصري للتأليف المحلي على يد فرح انطون" فالوعي العصري هو سمة ذات دوافع توضح الافكار والمشاعر والهموم التي تنازع هواجسها "عصام محفوظ" مع سيناريو المسرح العربي في مئة عام والذي يمكن تقديمه على المسرح حاليا بتحديث لأزمنة ترسم مجد المسرح العربي قديماً، أوالمسرح الاوروبي المترجم برواياته على الخشبات المسرحية إن صح التعبير، والمسرح العربي الحالي والينبوع الذي نهل منه قبل قرون مضت.
مسيرة لمسرح عربي في سيناريو هو لمسرحية واحدة تضم تاريخ المسرح العربي في مئة عام هي مؤسسة له من كل النواحي التراجيدية والكوميدية والشعرية، ومن يوسف وهبي لعلي الكسار ونجيب الريحاني " وكذلك المسرحية الشعرية التي كانت قد بلغت ذروة تقنيتها الغنائية مع أحمد شوقي ثم عزيز أباظة وأحمد باكثير وغيرهم" فأين المسرح الهزلي؟ ومتى بدأ ؟ وكيف كانت عروضه وعلى ماذا اعتمد الريحاني الأكثر إطلاعاً على المسرح العربي؟ 
نمى المسرح الحقيقي بعد الحربين بشكل مؤثر، وظهرت مدارس عدة العلمية والمنهجية خلال القرن الماضي حصراً، فالاوروبيون رسموا انطباعياً العصر العربي من القرن السابع عشر، وهذا يضعنا أمام تساؤلات من نحن في المسرح العربي ولمن ننتمي ؟

الاثنين، 12 فبراير 2018

الجسد والمرايا.. قراءة في نماذج من النصوص المسرحية لغنّام غنّام

مجلة الفنون المسرحية


الجسد والمرايا.. قراءة في نماذج من النصوص المسرحية لغنّام غنّام

حاتم التليلي

نظّم  مخبر “بحوث في التنوير والحداثة والتنوّع الثقافي”/ ورشة بحث الجماليات المعاصرة، ندوة حول “صـورة الأرض في المـمارسات الفـنية الفـلسطينية المـعاصرة”، بإشراف: د. أمّ الزّين بنشيخة المسكيني، شارك فيها أكاديميون وجامعيون ومسرحيون من تونس وفلسطين وفيما يلي مداخلة الباحث حاتم التليلي محمودي حول تجربة الفنان الفلسطيني غنّام غنّام.

الجــــــــــــــــــــــــــــــسد والمـــــــــــــــــــــــــرايا قراءة في نماذج من النصوص المسرحية لغنّام غنّام
تـــــــــــأصـيل: المـسرح من الأرض إلى مغالطات المدينة

منذ قدم قديمه، قبل أن يُمَأْسَسَ، وحتّى قبل نشأة المدينة – ربّما منذ عشرة آلاف عام مضت بعد أن ضرب جفاف مروّع منطقة الشرق بأسرها، فعمّت المجاعات وساد الفناء-، ولد ذلك الفنّ – الذي صار فيما بعد اسمه مسرحًا-، من رحم الأرض، صيغةً عُلْيَا عن غوائل الحياة ورعب الفلاح القديم وخوفه من الجدب:  منذ تلك الأزمنة السحيقة، الإنسان يبحث له عن الخصب، لذلك كلّما عمّت المصائب؛ علت الأصوات البشريّة بالنّواح والأغاني الجنائزيّة الحزينة، حيث لا ثمّة غير الاندثار والهلع والخوف من الانقراض، وكلّما قدم ربيع، ما، بعد فصل من الأمطار، علت طقوس الاحتفال والانبعاث والولادة.
المسرح ابن الطبيعة، أمّا ما قيل في شأنه من أساطير فهي محلّ تشكيك، فعلى الأغلب إنّ إلهه (تمّوز) أو (أدونيس) أو (إيزوريس) أو (دموزي) كان آدميّا، وإلا كيف نقرأ هذه الشذرة التي اقتطعها (فاضل الربيعي) من “كتاب الفلاحة النبطية” لصاحبه (ابن وحشية): “إنّ هذا الشهر المسمّى (تمّوز)، فيما ذكر النبط ما وجدت في كتبهم، اسم رجل، كانت له قصّة عجيبة طويلة، وقتل، وزعموا، قتلات قبيحة بعضها بعقب بعض” . ألا يمكن أن يكون نفسه الاله الاغريقي (ديونيزوس) وهو القادم إلى اليونان من أحراش شرقية بعيدة كما تمّ التّأكيد مع (إيكار السقّاف) ؟ ألم تكن نهاية هذا الاله الأخير مماثلة للأوّل وهو الذي مات مشويًّا، قربانًا بائسًا وشهيدًا كما وصفه (المسكيني) في كتابه “الهوية والحرية” ؟  ليس المسرح ابن المدينة كما ساد الاعتقاد، ولكنّه ابن الأرض وطفلها في أوّل المطاف، وإن شئنا الاعتراف بأنّه وليد المدنيّة والتحضّر، علينا أوّلا الاعتراف بأنّه الضدّ النّوعي لتلك الطقوس الأولى والاحتفالات القائمة على انفعالات الطبيعة.
لقد كانت الأرض ركحه الأوّل، ذلك الفضاء المفتوح على السماء والأصقاع، فيما بعد صار هذا الركح مغلقًا منذ نشأة المدينة، أو لنقل بإيعاز  سياسي، منذ تلك اللحظة التي أشرف فيها (بيزاستراتوس) على مهرجان ديونيزوسي بالكامل، ومن ثمّ كان أن رفعت الاحتفالات الجمعية من الساحات العامة إلى أفضيتها وقاعاتها ، مرورا بقصائد الشعراء الغابرين، إلى أن حلّت فلسفة القرن الرابع قبل الميلاد  فأرست جملة من القواعد والضوابط لهذا الفنّ.
صحيح أنّ هذا الفن يهدم نفسه ويتجدّد باستمرار، ولكنّ منعطفاته الفكرية والجمالية وتقاطعاته مع الحالة السياسية والاجتماعية لا يمكن أن تفصله عن كلّ فاصلة قد تقطعه مع جذوره الأولى، وإلا كيف نفسّر عودته الآن إلى ينابيعه الأولى رغم حيف التقنية والديجتال؟ إن ارتباطه العميق كفنّ حيّ بالذّات الآدمية هو ما سيجعله قرين الأرض دائمًا، محاكيًا جسدها الكوكبي وفقًا لمنظورات هذا الانسان الذي يسكنها، ووفقًا لآلامه العظيمة، بوصفه حفيد ذلك الاله الغابر، ودمه الذي شربت شقوقها حرارته، منذ (أوزريس) في مصر الفرعونية، و(دموزي) في بلاد الرافدين، و(أنكيدو) المطعون بقرن الخنزير، مرورا بـ(اليسوع) معلّقة أوصاله على الصليب وجسد (الحسين) المبتورة أطرافه، ووصولا إلى الجسد الفلسطيني: لم تُقَطَّعْ أعضاء جسده فحسب، وإنّما مُزِّقَتْ أرضه إلى خرائط فاستحالت كما حدّث عنها القرآن “فراشا مبثوثا”.
ماذا إذن بوسع الفن المسرحيّ الفلسطيني أن يقول الآن لهذا الآدمي؟ كيف يمكنه مسرحةُ هذه الأرض؟ أيّ صورة يمكن أن يقدّمها أمام هذا الحيف؟ لقد تحوّل الجدب القديم إلى آلة استيطانية حديثة تتحرك بأشداق كلب الجحيم (سربروس) لتعذّب الأرواح البريئة وتشرّدها، مثلما تحوّل الخصب القديم إلى مجرّد بيان غاضب يلقيه رهط من السياسيين المتخاذلين. نقرأ لـ(شمعون ليفي) في كتابه “المسرح الاسرائيلي، الأنا والآخر ومتاهة الواقع” ما يلي:”في السنوات الأولى للاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل (فلسطين) أشبع الأدب العبري، نثرا وشعرا ومسرحا ونقدا بمصطلحات المكان، وبالذّات الأرض”، ونقرأ أيضا لنفس الكاتب من نفس الكتاب “في المرحلة الأولى من إقامة المسرح الاسرائيلي حيث كان الربط بين الماضي والحاضر، كان الفضاء هو البطل الحقيقي، ويمكن الاشارة إلى أمرين ملحوظين في هذه الفترة: في المسرحيات الرائدة لم تكن صراعات بين الشخصيات، ويتبين أن الطرف الآخر للصراع المسرحي كان المكان/الفضاء”  ، إنّ ما نستنتجه هو كيف قامت السرديات الإسرائيلية على مغالطات فكرية وسياسية عديدة، هي الآن تنعكس على راهن الفن المسرحي الإسرائيلي واشتغاله، لا سيّما من حيث موضوعاته وخلفياته وخرائط هويته بصفته يتحرك ضمن دائرة مُأَدْلجةً ومرسومة له سلفًا، هذا ما  يدعونا الآن إلى التساؤل عن الدور الذي لعبه المسرح الفلسطيني ضمن معادلة النوائر والنزاعات هذه؟ أي صورة للأرض انعكست في مراياه وهي التي انعكست في مرايا المسرح الاسرائيلي كما لو أنّها حقيقة تاريخية تقول بمشروعية التواجد الصهيوني وأحقيته التاريخية؟  كيف يمكن أن نقوّض، مسرحيًّا،  ذلك الادّعاء القائل بالأحقّية الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، إذ لم يعد يخفى علينا سبيُ الفنّ وتوظيفه سياسيّا ومعرفيّا وأنتروبولوجيّا لتكريس جملة من المغالطات التاريخية.
جسد الأرض في مرايا الجسد الكتابي
نحن في هذا السياق، سوف لن نذهب إلى تفكيك المسرح الاسرائيلي ذاته، وإنّما سنحاول البحث في التجربة المسرحية الفلسطينية، من خلال نصّي”صفير في الرّأس، صلاة للقدس” و”سأموت في المنفى، بدل فاقد” للفنّان المسرحي (غنّام غنّام)، القاطن حاليا بمدينة الشارقة، مسئول على الاعلام والنشر بالهيئة العربية للمسرح، منهما نسلّط الضوء لا على رمزية الأرض بما هي الآن تمثل جسدًا مُمزَّقَةٌ أوصالهُ في مرايا المشهد السياسي،  وإنما على امكانية تقول بمدى قدرة الفنّ المسرحي والتجربة الفلسطينية بالخصوص، على تقويض مزاعم السرديات الكولونيالية الخاطئة ومشروعيتها في استباحة تلك الأرض.
كتب النصّ الأوّل سنة 2012، أمّا شخصياته ففلّاح فلسطيني وصحفي فرنسي من أصول فلسطينية وضابط صهيوني، وتدور أحداثه برمّتها عن كيفيّة صمود ذلك الفلاح في وجه حملات الاستيطان وتشبثه بأرضه إلى أن تمّ ايقاعه في المكيدة، مكيدة الأعداء الذين هجّروه عن بيته،  أما الثاني فقد كانت صياغته النهائية في سنة 2017، قائم على ممثل واحد، بوصفه نصا مونودراميا، وبطله الكاتب (غنام غنام) نفسه، يدلي بسيرته وسيرة الأرض الفلسطينية، كما يدلي بسيرة عائلة كاملة وزّعت قبورها خارج الأراضي الفلسطينية وفي مدن شتّى نتيجة الملاحقة والهروب من سياسات التوحّش والاستيطان والقتل والتشريد والسجون الاسرائيلية وغيرها العربية، لهذا كانت صرخته واضحة المعالم منذ عتبة النص “سأموت في المنفى”، وعلينا أن ننتبه إلى تلك العبارة التي رافقت هذه العتبة “بَدَلُ فاقِدٍ” (بَدَلْ فاقِد) ، بما هي تحيل إلى  “تعبير حكومي في بلاد المشرق للوثيقة التي تستخرج بدل وثيقة مفقودة أو ضائعة أو تالفة”: فاقد هويّة إذن أم فاقد أرض وتاريخ وأهل؟ وما نجاعة هذا (البدل) إن كان لا يتعدّى وثيقة ما من خلالها نكتشف تلك الاجراءات والحلول الوقتية والترقيعية لمهاجر أو لاجئ، لا لشيء إلا لكي يبقى حيّا؟ وهل ثمّة في المقابل بدل للأرض؟ حتما لا، إنّها مجرّد وثيقة لتقنين ومأسسة المنفى: كأّنه لم يعد ثمّة أمل، كأنّه ثمّة اقرار نهائي لا مفرّ منه بضرورة نسيان الوطن، وكأنّه ثمّة اقرار نهائي أيضا بضرورة العيش خارج الخرائط والمدن، وكأنّه ثمّة ما يوحي بمولد الانسان الفلسطيني الجديد، ذلك الانسان الذي يجرّ تاريخه على طريقة (سيزيف) ليصبح في النهاية انسانا كوكبيّا لا ملّة ولا هوية له. وعلى العكس، إنّه انسان يبدو في نظر من أفقدوه كينونته انسانا مسقطا على الزمن والمكان: جسدٌ  مراياه أرضٌ تُشْطَبُ عنوة من الذّاكرة.
ما يمكن أن ننتبه إليه أوّلا، هو تلك الممارسة الميتانصية التي بني عليها كلّ من النصين، بوصفها “عملية إدماج للبعد النقدي داخل العمل الإبداعي”  وشكلا من أشكال تعالق نصّ بنصوص أخرى، صار يمكن تنزيلها ضمن أطر الخطاب الواصف أو الشارح، بما هو خطاب يسمح “للمتكلم في أيّة لحظة أن يعلّق على تلفظّه الشخصي داخل هذا التلفّظ” ، إنّ ما يدفعنا إلى القول بأنّ “صفير في الرأس، صلاة للقدس” و”سأموت في المنفى” نصان ميتامسرحيان – يمكن فيما بعد قراءتهما من منظورات عديدة مثل التجويف والمرآوية وقاعدة التأمّل الذّاتي كإحدى الآليات التي قام عليها الميتامسرح منذ أن تمّ اعلانه وريثا شرعيا للتراجيديا مع (ليونويل أبيل) في مطلع الستينات من القرن الماضي، وبوصفه نتيجة جراحات علمية وفلسفية قوّضت القيم المطلقة ونسّبتها- ، أنّهما “مثابة شبكة خلافية، ونسيج من الآثار تشير بطريقة لا نهائية إلى شيء غير نفسها، أي إلى آثار خلافية أخرى، وهكذا فإن النص  يتخطّى كلّ الحدود  المخصّصة له”.
فبقدر ما ثمّة انعكاس لرؤية المؤلّف ومنظوراته إزاء العالم والقضية التي يعالجها، ثمّة نقدٌ مُمَسْرَحٌ من داخل النص المسرحي نفسه وهو ما يحيل إلى موقف جمالي، وثمّة أيضا في كلّ من النصين نوع من المضاعفة اللعبية وذلك من خلال تقنية التضمين، بمعنى رفد خرافة فرعية داخل خرافة أصلية، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بالمسرح داخل المسرح.
ما لا يمكن إغفاله، أن الميتامسرح كرؤية أنطولوجية وفلسفية للعالم – نسبة إلى قراءة أبيل-،  كان موعدا مع وقوف الإنسانية على “شفا جرف هار”، وخاصّة بعد انهيار قيمها المطلقة والثابتة وبعد أن تمّ تقويض كل التصورات التي حافظت لعصور على ذلك الزمن المجرّد المتعالي والثابت، فلم يكن ثمّة غير الاستلاب وتخريب المفاهيم والالتباس والتعقيد والفوضى، لقد أجبرت أسسه وخلفياته الفكرية الانسان ليكون على عدم ثقة بنفسه. الأنكى من ذلك، هو مسلوب الإرادة، شكّاك وهدّام، وأمام قوى وحشيّة لا براء له منها غير أن يخبط في دهماء المعنى.
ربّ أسئلة ستلاحقنا الآن: من سيكون هذا الانسان الفلسطيني/ “البدل فاقد” للفلسطيني الأصلي؟ كيف ينتسب إلى أرض بدل فاقدها هو المنفى؟ ألا يمكن القول بأن تلك الأرض أرض اسرائيلية نسبة إلى هذه المغالطة المروّعة التي تشرّع إليها هذه العبارة اللغوية؟ كيف يمكن مسرحة هذه الفاجعة كتابيا؟ أو لنقل على لسان (غنّام غنّام): لقد “صار هناك فلسطينيون وليس هناك فلسطين”، وليكن: إن هذه العبارة “بدل فاقد” تحوّلت الآن إلى مرايا لذلك الجسد الجغرافي الضائع.
أن نبحث الآن عن صورة تلك الأرض من زاوية الوظائف الميتامسرحية ورهاناتها، فمعناه استنطاقنا لأصولها من منظور الجسد الكتابي في النصين، بالبحث في دلالاتها التاريخية والأنثروبولوجية: تصاحبنا في هذه النقطة شخصية الفلاح (صبري غريب) التي نقرأ عنها في “صفير في الرأس، صلاة للقدس”، ومعناه تفكيك ما تعرّضت له من تخريب سياسي وتهجير قسري لأهلها من خلال الحفر في شبكة العلاقات بين الشخصيات وأفعالها ومنظوراتها، هذه المرّة ستصاحبنا شخصية نفس ذلك الفلاح وابنه (سمير) الذي مات شهيدا مقابل الضابط الصهيوني من نفس النص، وشخصية (صابر غنام)، أب (غنام غنام)، من نص “سأموت في المنفى”، ومعناه أيضا الهجرة في مراياها بوصفها انعكاس الهوية في قلوب الذين شرّدوا قسرا خارجها، ربما ليس ثمّة شخصية مسرحية أكثر تعبيرا على ذلك من شخصية (غنام غنام)، البدل فاقد عن (غنام غنام الأصلي) من النص الثاني، ومعناه أخيرا رمزيتها الانسانية خارج دائرة الانتماء، نقتطع هذه الرمزية من زاويتين، الأولى تمثلها شخصية الصحفي الفرنسي من أصول فلسطينية، أما الثانية فتمثلها الممارسة الميتانصية للنصين حدّ السواء، بما توفرا عليه من آثار عديدة، حيث تضافرت فيهما أكثر من لغة على غرار اللجة الفلسطينية، وتعالقت فيهما نصوص بأخرى، تاريخية وشعرية وقانونية وشذرات عديدة من النصّ القرآني أيضا، فولدت نوعا من التسامي النصي، أفضى إلى كتابة كونية.
أرض وتاريخ
نقرأ في نص “صفير في الرأس، صلاة للقدس” حوارا بين شخصيتي الصحفي الفرنسي (سمير) والفلاح الفلسطيني (صبري غريب) ما يلي:
(صبري : بتعرف إنه أول بيت للبني آدم في أريحا؟
سمير : شعب من القبرات يبني أعشاشه في تربته.
صبري : هذا الحكي قبل عشر آلاف سنة..أريحو مدينة القمر.
سمير : شعب من القبرات يبني أعشاشه في تربته
صبري : سألت مرة شيخ مقرئ الأقصى عبد الله يوسف ألله يرحمه.
سمير : شعب يتلوا أناشيده على ضفاف الشريعة.
صبري : قال لي ابونا ابراهيم عليه السلام يمكن عمره أربع آلاف سنة.
سمير : شعب من القبرات يبني أعشاشه في تربته و يتلوا أناشيده على ضفاف الشريعة.
صبري : يعني أبو جدهم عمره أربع آلاف سنة ، معناته الريحاوي اللي بنى أول بيت على الأرض أعتق منه بست آلاف سنة، و زيتونة سيدي أحمد البدوي في قرية الولجة زرعها فلاح فلسطيني قبله بألف سنة.
الأرض، والفلاح، وشجرة الزيتون، والنبوّة، أضلاعُ تاريخٍ تحاول المزاعم الاسرائيلية طمسه، صار ممكنا الآن تفنيدها بتسليط الضوء على ذلك “الريحاوي” الذي عمّر تلك الأرض، أمّا ما يؤكّد صحّة هذه المعلومة التي أوردها (غنّام غنّام) على لسان شخصية (صبري غريب)، فتلك المفارقات لقد كرّست الدولة الإسرائيلية جهودَها كي تطمس حقائق تاريخية كبيرة لتبرّر احتلالها فلسطين، وتمّ تقويضها بشكل نهائي، ربما في هذا السياق نستدلّ ببحوث العراقي (فاضل الربيعي) وكتبه: “القدس ليست أورشليم” و”فلسطين المتخيلة” و”حقيقة السبي البابلي” وغيرها من المقالات التي استندت إليها مؤخرًا منظمة (يونسكو) كقرائن تنسف نهائيًا مقولة العلاقة التاريخية لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق . لقد ذهبت “إسرائيل” إلى تشغيل “المظلومية”، لا “مظلومية” محرقة الهولوكست فحسب، وإنما سردية السبي البابلي أيضًا، فادّعت أنها ضحية النوائر، ومن ثمّ تجاهلت كونها قبيلة عربية بائدة من أصول يمنية مثلها مثل عديد القبائل الأخرى، وهذا ينم عن حقيقة تقول إنه ليس ثمة “إسرائيل واحدة” بل ثمة “إسرائيل أخرى” أيضًا، الأولى بائدة مثلها مثل القبائل اليمنية القديمة، أما الثانية فكيان كولونيالي واستعماري، التجأ إلى تشغيل الأولى واستثمارها تاريخيًا؛ كي يجد مشروعية التواجد.
أرض وتـخريب
كيف تمّ – منذ معاداة العُرُوبِيين التَتْريك إلى العمالة لبريطانيا وصولًا إلى استنبات الورم الصهيوني هناك-،  تخريب تاريخ فلسطين وتهجير أهلها؟ يكشف لنا (غنّام غنّام) عن عاملين مهمّين ساهما في ذلك، ففي النص الأوّل “صفير في الرأس، صلاة للقدس” نكتشف عامل الغطرسة والقوّة من خلال حملات التهجير والاستيطان والقتل والتنكيل التي مارسها الاسرائيليون ضدّ الفلسطينيين، نكتشف ذلك من خلال شخصية ذلك الفلاح (صبري غريب) ومقتل ابنه، ثمّ تشبثّه ببيته إلى أن تمّ ايقاعه في مكيدة لا براء له منها، فصار لزاما عليه المغادرة والالتحاق بصفوف المهجّرين، لقد تمّ اتهام ابناءه باغتصاب فتيات يهوديات وعربيات ومن ثمّ سجنهم، هكذا تمّت مساومته بين موتهم أو الرحيل. أما في النص الثاني “سأموت في المنفى”، بوصفه نصّا يؤرّخ لمحنة شخصية عايشها الكاتب، فنكتشف مع شخصية “صابر غنام” و”ناصر غنام”، حجم الخيانات العربية…
لقد مات صابر محروقًا ومشويًّا وشهيدًا مثله مثل ذلك الاله المسرحي (ديونيزوس) بعد أن التهمته النّار في مدينة جرش وهو الذي غادر (كفر عانا) إلى (أريحا) صغيرا بعد أن تمّ التحيّل عليه من الأقرباء ليسطوا على ما تركه له أبيه، هذا الرجل الذي نكتشفه من خلال ما قال عنه (غنّام غنّام) “اشترى بارودة ألمانية ليدافع عن أرض خسرها بالخديعة قبل أن يخسرها بالاحتلال”،  أما ابنه (ناصر) فقد كان رهين الاعتقال في أقبية مخابرات جرش، يتساءل المؤلّف المسرحي هنا عن أبيه الذي مات بعيدا عن مجمل أبناءه “من قتل صابر؟ نار الحاكورة أم نذالة المحقق؟ أم تلك المنافي التي أخذتنا بعيداً عنه فيبس مثل شجرة مهجورة؟” لصالح من مات (صابر غنام) بهذا الشكل؟ يا لوطأة ذلك اللحم المشوي الذي تفوح رائحته، ألم يكن ربّ اليهود (يهوه) إلها (أوموفاجيّا) إلى حدّ بعيد، عاشقا لتلك الرائحة مثلما تحدثت عنه (التوراة) كما نقرأ في هذه الشذرة “ونزلت نار من قبل الربّ، وأحرقت الشحم والذبيحة الكاملة التي على المذبح” ، فكم من (يهوه) الآن يتحالف ضدّ الجسد الفلسطيني ويتقدّس بالقرابين منه؟
أرض ومنفى
نقرأ في نص “سأموت في المنفى” ما يلي: “أنا غنام البدل فاقد عن غنام، حين أموت في المنفى، يكون غنام الأصلي قد مات، وظل البدل فاقد معلّقا في الفراغ”، لقد دفن كلّ من الأخ (فهمي) والأم  (خديجة) والأب (صابر) في مكان غير مكان الآخر، ولم يعد ثمّة بدل فاقد عن الأرض إلا المنفى، وليس ثمّة من يحمل ذاكرتها غير القبور، نقرأ أيضا تلك الشذرة النصية التي تصف (غنام غنام) وهو في مقبرة (سحاب): “قلّبت بصري ورحت أنظر للشواهد في المقبرة، من العبّاسية، من اللد، من رام الله، من جنين، من بيسان، من الطنطورة، من بئر سبع، من أريحا.. يا الله، فلسطين بمدنها وقراها توزعت على شواهد القبور”.
يتساءل هذا المنفي، ابن (كفر عانا)، وهو الذي ولد في (أريحا) ومنها التجأ إلى (جرش) فـ(عمان) وصولا الآن إلى (الشارقة) في دولة (الامارات) عن أين سيكون قبره هو الآخر؟ إنّها لأعنف تراجيديا يشهدها العالم أن يكون المنفى بدل فاقد عن الأرض، وأن تكون القبور بدل فاقد عن فلسطين، وأن لا تعرف حتّى أين سيكون قبرك في المستقبل بوصفك أيضا بدل فاقد عن كينونتك الحقيقيّة، وأحيانا يتمّ حرمانك من الموت بالصياغة التي تريدها كما وقع مع الفلاح (صبري غريب) وهو الذي أراد أن يموت “غزّا”، بمعنى أن يغرس في الأرض ويظل رأسه في العراء مطلّا على القدس، وهو الذي أراد أن يكون قبره أيضا بين جذري شجرة زيتون فإذا به يُرَحّلُ من بيته نهائيا ويتمّ استبعاده من مسقط رأسه (بيت إجزا).
في كتابه “الشيطان هو الضجر” نقرأ لـ(بيتر بروك) ما يلي: “نمارس المسرح حيثما نكون، المسرح في كل مكان، كل واحد منا ممثل، إذن، نستطيع أن نفعل أي شيء أمام أي انسان، هذا هو المسرح”، ويضيف بالقول في موضع آخر: “يمكنني أن أتناول أي مكان خال، فأسميه مسرحا عاريا” ، أما أن ننتبه إلى فضاء اللعب الذي ستدور فيه أحداث “سأموت في المنفى”، فيمكننا مراقبة (غنام غنام) وسماعه في أوّل النص/ العرض وهو يخاطب الجمهور: “لن أستعمل إضاءة مسرحية خاصة، فلا شيء مثل الوضوح بيننا، و لن استعمل المؤثرات و الغناء المسجلين (…) أنتم الآن معي في قاعة المطار”، ليس ثمّة بهذا الشكل ركح اعتيادي كالذي تعرفه المسارح اليوم، أما الأرض، ركح المسرح الأوّل، فهي غائبة أيضا، هذا ما يوحي بدلالتين، الأولى نقد ممسرح ضدّ المسرح نفسه، أما الثانية فنوع من الاقامة في “الفضاء الخالي” كتدليل على ضياع الأرض نفسها، وضياع الفضاء الفلسطيني برمّته، ويبقى الحلم عالقا في الفراغ نتيجة أوّل طعنة حاسمة لحقت بالفلسطينيين، هكذا يردّد في آخر النص: “أنا الذي ولدت عام 1955 دعوني أختار يوم وفاتي :  إنه  15 /5 /1948”.
الأرض والإنـسان والهوية
ثمّة مفارقة مدهشة من حيث تسمية الشخصيات، فالصحفي الفرنسي (سمير) من أصول فلسطينية يحمل نفس التسمية لابن الفلاح (صبري غريب)، مات الثاني مقتولا من قبل الضباط الاسرائليين فإذا بالعائلة تسمّي معظم أبناءها بنفس الاسم كنوع من اختراق الموت والانتصار على الحيف والظلم والإصرار على سكنى الوجود الفلسطيني، أما الأوّل الذي نكتشف أبعاده في “صفير في الرأس، صلاة للقدس”  فقد أدلى بالقول “يمكن لمثلي أن يعرف الإجابة عن سؤاله الذي لم يكن يؤرقه ” أنا لا أشعر بالانتماء”، فهل صارت فلسطين لا تعني شيئا لبعض أبنائها، أولئك الذين ولدوا في المنفى وشرّدوا؟ للوهلة الأولى قد يبدو لنا ذلك، ولكن النهاية تقول بالعكس، فـ(سمير) رغم جنسيته الفرنسية الحالية لم يسلم هو الآخر من الاعتقال، لقد دافع عن (صبري غريب) ضد الضابط الصهيوني. هذا ما يكشفه الحوار التالي.
(الضابط : إذا بدك مستعد أجيبلك السفير الفرنسي لهون، بس أنت هيك بتعمل أزمة دبلوماسية.
سمير : السفير ما بلزمني.
الضابط : لأنك مستعد تخون فرنسيتك)
وهذا ما يمكن اكتشافه حين نتحدث على لسانه الآن: “في فلسطين، يمكن للمرء أن يعرف سر الكون و سر الإنسان، أسرار الأرض و أسرار السماء”. لقد تحوّلت تلك الأرض إلى مركز لكل الأشياء، تجتمع فيها التناقضات والمفارقات برمتها، أما ما يؤكد ذلك فالممارسة الميتانصية لعوالم الكتابة المسرحية في النصين، فبقدر ما تم توظيف المعجم الديني في نص “صفير في الرأس، صلاة للقدس”، كان النص الثاني “سأموت في المنفى” عبارة عن نهر متدفق من الأصوات: ثمّة  رَفْدٌ لنصوص عديدة، أغاني فلسطينية شعبية، وقصائد لمحمود درويش وأحمد شوقي، ومقاطع من المواثيق الدولية ووعد بلفور، إضافة إلى حضور اللهجة الفلسطينية والعربية الفصحى معيّة شذرات من اللغة العبرية والفرنسية والانجليزية، هذه الكتابة القائمة على التسامي النصي، ستحيل حتما  إلى نوع من الرمزية الكونية لتلك الأرض، ولكن من يسكنها الآن؟ من يقيم في جلدها منذ أن تمّ طرد ذلك الفلاح؟  رغم أننا نعرف الاجابة سلفا، إلا أنه سيبدو لنا جليّا، أن شيطان (بيتر بروك) سيظل يؤرّق، مسرحيّا،  ذلك الورم الصهيوني، ما دام ثمّة كُتَّابٌ وشعراء ومسرحيون في كلّ مكان في العالم يهتفون باسم فلسطين، بعد أن صار ممكنا اللعب في أيّ “فضاء خال” و”مسرح عار” باسمها.
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption